فلتذهب باربي إلى الجحيم
2009-03-17
تحتفل باربي هذه السنة بعيدها الخمسين. للواتي والذين يريدون الاحتفال فليذهبوا الى الاحتفال، أما أنا فلا. على الهامش، علينا أن نسجّل الآتي: هذه اللعبة – الفتاة لم يخطّ الشيبُ شعرها، لم يعتورها أيّ ترهل، لم تلتهمها التجاعيد، ولا بهت البريق في عينيها. لكأنها خارج الزمن، خارج الأعمار، على غرار كل بنات المخيلة.
لعبة باربي تبلغ الخمسين، وهذه مناسبة تتزامن (وتتصادم) مع اليوم العالمي للمرأة الذي أقيمت احتفالاته أمس في الثامن من آذار، وتعيد الى ذهني سلوكاً تربوياً منمّطاً يزعجني منذ الصغر. فما إن ترى فتاةٌ النور حتى يحيطها الأهل والأقارب بالدمى من كل نوع ولون. هذه كي تمضي النهار في صحبتها، وتلك كي تغمرها خلال النوم، وهاتيك كي تشرب معها الشاي، ورابعة كي تتنزه برفقتها، وخامسة كي تجهّز حفل زفافها، وهلمّ. في المقابل، ما إن يرى فتىً النور حتى يحشد الاهل من حوله أدوات الذكورة المفترضة: سيارات من كل نوع ولون، جيوش ومدافع ومسدسات وسيوف. نادرون هم الأهل، حتى في يومنا هذا، يتمردون على هذا الكليشيه، ولا يقعون في فخّه. أنّى ذهبنا، اللون الزهري للبنات، والأزرق للصبيان. هي رقيقة مسالمة حالمة ومطيعة (مطيعة خصوصا)، أما هو فخشن مقاتل واقعي وخارج على القانون.
شخصيا، لم أُطق الدمى قطّ في حياتي. لم تنجح دميةٌ واحدة، لا باربي، ولا أخواتها، في إغرائي. لم أقع يوماً في "مصيدة" الأنوثة النمطية، هذه التي يتوهّم المجتمع أنها تحدد شخصيتنا وسلوكنا وأفكارنا. أنثى نعم، بل أنثى بالتأكيد. وكثيراً. وجداً. وعميقاً. وحتى الثمالة. لكن بربّكم، أبعِدوا هذا اللون الزهري المائع، وكل الكليشيهات المرتبطة به! اذكر في أحد الأيام أني تخاصمت مع عمّ لي تجرأ وأهدى اليَّ في عيد ميلادي مطبخاً مصغّراً وآلة غسيل ومكواة... إلخ. شعرتُ يومذاك بالاهانة، على رغم أني كنتُ لا أزال في الثامنة من عمري. ذلك أنه أراد أن أتماهى مع نموذج المرأة كما يمليها علينا المجتمع البطريركي. النموذج النسائي الذي يطبخ ويغسل ويكوي، وفقط... ينتظر عودة الرجل، الذي هو ربّ البيت. عودته من التفكير، من العمل، من الحرب، من السياسة، ومن رهانات الحياة الأخرى.
باربي التي بلغت الخمسين وليس من تجعيدة واحدة في ملامح وجهها، قد تكون افترستها عمليات البوتوكس الرائجة. على كل حال، لستُ ضدّ باربي، لكني ضدّ أن تُختصَر صورة المرأة في لعبة "مسطّحة" ومضجرة ومتوقَّعة كهذه، وضدّ ان تُختصَر صورة الرجل في مسدس.
ليس للمرأة نموذج جاهز لكي نصنّع بناتنا وفق آلياته. كما ليس للرجل نموذج جاهز، هو الآخر، لكي نسير على "هديه"، وإن يكن تاريخ المجتمعات مدجّجاً بإرث النموذج الذكوري الجاهز.
لتبديد "أماني" النسويات، هذا الرأي ليس من النسوية في شيء. فمثلما أندّد بالمجتمع البطريركي، أندّد بالقوة نفسها، وربما أكثر، بالبديل النسوي المتزمت، المسترجل ولكن الكاره الرجل، والكاره نفسه خصوصاً. كلاهما وجه لعملة واحدة. وهي عملة لم تعد صالحة لحاضرنا، ولا للمستقبل.
كلمة أخيرة، وبدون مجاملات: فلتذهب باربي الى الجحيم!
08-أيار-2021
26-تشرين الأول-2019 | |
07-نيسان-2018 | |
21-تشرين الثاني-2016 | |
02-آب-2011 | |
25-نيسان-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |