Alef Logo
المرصد الصحفي
              

حـــــــلــــــــــم الـــــجــــــــــــلاء ـ بقلم سمير عطاالله

سمير عطاالله

2006-07-18

كان ياسر عرفات يستخدم قبيل حرب لبنان مصطلح "بلقنة المنطقة". وكان ابو عمار يلتذ بوضوح في استخدام التعبير. فهو ان لم يفد في شيء، او يعني شيئا، فسوف يوحي ان الرجل مطلع على التاريخ ومدرك لتداعيات الجغرافيا.
وقد حدثت البلقنة، فعلا، في بلاد البلقان نفسها بعد 20 عاماً. اما الظاهرة التي قامت قبل ذلك فكانت ما اصبح معروفاً بـ"لبننة" المنطقة، وهو مصطلح سياسي شاع فترة طويلة. وعندما قابلت رئيس وزراء كندا بيار اليوت ترودو عام 1977، وكان من ابرز العقول السياسية في العالم، قال ببساطة مفزعة: "نرفض لبننة كندا"، في اشارة الى المسعى .
التهديمي في كيبك.
تجاوز لبنان محنة "اللبننة" فيما ضربت الاوبئة المنطقة. اسقطت اميركا من الجو مناشير الديموقراطية وفسخت ارض العراق تفسيخا عرقيا ومذهبيا وطبقيا غير قابل للشفاء
ارادت تغيير "ملامح الشرق الاوسط" كما في تعبير كولن باول، فرأت ايران تسبقها الى تغيير معالم العراق. وعندما يتجزأ العراق تفتح ابواب الجميع، كما قال جاك شيراك.
وفجأة اصبح الهم الحقيقي لدى ذوي العقول والرؤية والهم الوطني، عدم وصول "العرقنة" الى لبنان. واذ قامت حرب الببغاءات وغربان البين والديوك العنيَّنة حول رئاسة الجمهورية واشلائها وبقاياها، شعر اصحاب القلوب الكبرى ان قشرة بصل رميت الى لبنان لكي يتلهى بها عن مصيره الحقيقي. وقد تلقفت الزعامات الفارغة طواحين الهواء فراحت تدور حولها وتدير البلد معها. وهبّت الزمر الورقية توزّع المصائر والحصص وتغرز ارجل الصولجان في الرمل، فيما المصير نفسه هو المسألة.
بأي معنى؟ بمعنى ان المغفلين وحدهم، اضافة الى الاجراء المعهودين، لا يعرفون ماذا تدَبّر اسرائيل للبنان. او لا يهمهم ذلك. ويعرف جهضاء الصحافة وسقط المخبرين من نظرائهم الاسرائيليين الذين ذهبوا الى محاورتهم في مالطا وقبرص، كيف تنظر اسرائيل الى لبنان والى كيانه والى بقائه. وفي أي حال فأن هذه النوعية من المخلوقات هي التي تتسبب في الخراب، لأن البيع والشراء في اتجاه واحد. هي التي اثرت من موت اطفال العراق، وهي التي فرضت ضريبة الدعم" على فقراء فلسطين، وهي التي تنفخ السيجار في وجه اطفال لبنان، هاربين او لاجئين او جرحى او مغمضي العيون.
اين هي المفاجأة في ما وقع؟ متى، في العقود الاربعة الماضية، تصرفت اسرائيل على ان لبنان وطن له حق في الارض ودولة لها الحق في الاستقلال؟ هل كان من الصعب ان نتوقع ان تلجأ مرة اخرى الى تدميره وتفكيكه ومحاصرته مثل علبة سردين؟ الم يكن المشهد واضحاً ومعلناً؟ مجلس وزراء يلعب معظم اعضائه على الكومبيوتر طوال جلسة الانعقاد؟ ورئيس جمهورية فرحته الكبرى انه انتصر على رئيس وزرائه؟ ورئيس وزراء يذهب الى القمة ويجلس مع وفد الجامعة؟ ومجموعة من العسكريين السابقين تحتل المجلس الدستوري بحجة احيائه؟ و14 جريمة سياسية ولا موقوف؟ وطاولة حوار لا تمثل سوى المتقاتلين؟ ومجتمع سياسي كاذب متكاذب لا يتمتع بذرة حياء او احساس انساني او شعور بشري؟ وفرقة مهرجين نساخين مزورين، كلما سمعت كلمة في الخارج نقلتها وتبنتها، دون ان تتساءل لحظة واحدة عن الفوارق والاسس في مكونات الامم وطبائع الشعوب؟
في هذه الملهاة ضربت اسرائيل مرة اخرى. وانفض اهل السيرك يقرأون التصريحات او يكتبونها. بلد يعاني الاسهال الكلامي والديزنتاريا العقلية. بلد متروك للموت بسند اقامة. او بالاحرى بسند ترحيل وتهجير وتشتيت على سفن الجلاء.
كان جلاء الفرنسيين عام 1946 عيدا نحتفل به. وقد توسل الوف اللبنانيين الفرنسيين هذه الايام ان يقبلوا باجلائهم معهم على بوارجهم العسكرية التي قد تحمل اسماء مثل ويغان وغورو وكليمنصو. كان الجلاء ذكرى وطنية فاصبح حلما خاصا. اسرائيل تفتت لبنان والدول الكبرى ترسل قوارب الانقاذ. الخطوة التالية ارسال اكياس الطحين. فنحن بلد منكوب اكثر مما يعتقد فؤاد السنيورة، مع ان وزير ماليته ركض وقدر الخسائر بنصف مليار دولار.
اسمع ايها الوزير. في هذه الكارثة الكبرى لا يهمنا قليلا او كثيرا، ثرثرة من هنا او من هناك. ولكن يهمني كثيراً، في حالتك، مدى التقدير الذي نكنه لذكاء جان عبيد ومدى اعجابنا بعقله ومدى تسليمنا بحكمته. وان تكون ابن شقيقته، وتحول كل مأساتنا الى فاتورة باطون وفعالة، فهذه اهانة لما يمثله جان عبيد في الظروف الوطنية الحالكة. دعك الآن من عقلية شركات المحاسبة وتجار العنبر كيس ووفّر على بلدك هذه المطالعات. ان لبنان قد طمر تحت هذا النوع من الثقافات. وسامحني، او فلتسامحني امك، على هذا الغضب. يجب ان تفهم، انت ونصف مليارك، في اي حالة نحن.
كلما عاد لبنان جوهرة الشرق، اشعر بالخوف. وكلما سألني اصدقائي العرب، الى ماذا يحتاج لبنان في رأيك، اجيب انه في حاجة الى خرزة زرقاء مساحتها عشرة آلاف كيلومتر مربع. ومثل كل أب عنده عائلة وعنده الحد الادنى من الادراك، اذهب الى النوم وانا خائف على بلدي. خائف من الشبق السياسي الفاجر والمعلن والمتمادي الوقاحة. وخائف من الفجعنة الى المال والسلطة تحت رايات التعفف والاقنعة المسخرية. خائف من اننا كنا في عصر نحتفل بعيد الجلاء واصبحنا في زمن نحلم بالجلاء على بارجة فرنسية. وكان حظ عائلتي اوفر من ركوب البحر. فقد نزحت على باص سعودي ومع الرعايا السعوديين. وشربت "ماء مقطرا" في الرياض قبل ان تنضم اليَّ في فرنسا. ولم يُزل قلقي ولا خوفي. فكل عائلة في بلدي هي عائلتي، مهما حاول فجاع السياسة تصوير المسألة كلها كأنها مسألة تبديل في بعبدا.
سمير عطاالله / النهار

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أقرفه ما فعل التجار بالهيكل

31-آب-2006

المحنة المقبلة

01-آب-2006

حـــــــلــــــــــم الـــــجــــــــــــلاء ـ بقلم سمير عطاالله

18-تموز-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow