Alef Logo
كشاف الوراقين
              

فصل من كتاب رؤية التانترا / سر التجربة الداخلية: ج3ترجمة

أيمن أبو ترابي

2009-04-18


كما انتقلت عدوى النشوة حتى إلى الذين لم يسمعوا أبداً أي شيء عن النشوة، فأرادوا المجيء من أجل الغناء والرقص والسقوط في النشوة والدخول في السمادهي*. كان اهتزازه القوي جداً، وحضوره الطاغي قد أصبحَ فعّالاً جداً بحيث أنك لا تستطيع أن تغرق في النشوة إلاّ إذا كنتَ مستعداً للمشاركة معه بسوية اتصال عالية. كان ثملاً جداً لدرجة أن سكره الداخلي بدأ يفيض على الآخرين الذين تحلّقوا حوله. كان ثملاً جدّاً لدرجة أن الآخرين بدأوا يصبحون ثملين أكثر فأكثر.
ولكن كان من الحتمي آنذاك أن يبدأ البراهمة والكهنة والعلماء وما يُسَمّى بالناس المتديّنين، بذَمّه وتشويه سمعته.. وهو ما أقصدهبالأمر الحتمي. فعندما يوجد رجل مثل ساراها، فإن العلماء والكهنة سيقفون ضده، ومن يُسَمَّونَ بالناس الأخلاقيين، والمتزمتين، والواثقين بأنفسهم، فبدأوا دون تردد بنشر الإشاعات المغرضة عنه.

أخذوا يقولون للناس: "بأنه ساقطٌ فاسد. لم يعد براهميّاً. لقد ترك العزوبة. حتى أنه لم يعد راهباً بوذيّاً. لقد انغمس في ممارسات مخزية مع امرأة من طبقة وضيعة وهو يركض حولها في كل الاتجاهات مثل كلب مجنون". نشوته بالنسبة لهم كانت مثل نشوة كلب مجنون .. والواقع أن ذلك يتوقف على كيفية تفسيرك له. كان ساراها يرقص في كل أرجاء أرض محرقة الجثث. كان يبدو مجنوناً، لكنه لم يكن كلباً مجنوناً.. بل كان إلها مجنوناً! وهذا يتوقف أيضاً على كيفية نظرتك له.

أُخبِرَ الملك أيضاً بهذه الأشياء. كان قلقاً ومنشغل البال لمعرفة ما حدث بالضبط. وبدأ الناس بالتوافد أكثر فأكثر على الملك. كانوا يعرفون ساراها، ويعرفون أن الملك كان على الدوام يُكِنُّ احتراماً عميقاً له، وبأنه أراد تعيينه كمستشار له في البلاط. لكن ساراها اعتزل العالَم. كان الملك يكنُّ احتراما كبيراً لعِلمه، لهذا بدأوا بالتوافد إلى الملك.
كان الملك منزعجاً لذلك، فقد أحبَّ الشاب واحترمه أيضاً، وكان مهّتمّاً به. فأرسل بضعة أشخاص لإقناع ساراها وليقولوا له: " عُد إلى حياتك القديمة. أنت براهمي، والدك كان عالماً كبيراً، أنت نفسك كنت عالماً كبيراً.. فماذا تفعل؟ لقد ضللتَ. عد إلى البيت. إنني مازلت هنا! تعال إلى القصر وكن جزءاً من عائلتي فعملك هذا ليس جيداً".

حين ذهبوا إليه أنشد ساراها مئة وستين بيتاً من الشعر لأولئك اللذين جاؤوا لتحويله عن عقيدته. مئة وستين بيتاً من الشعر... فبدأ هؤلاء بالرقص ولم يعودوا!
قلق الملك قلقاً شديداً. وكانت الملكة، زوجة الملك، مهتمّة أيضاً بالشاب. فقد أرادت أن يتزوج ابنتها، لذلك ذهبت هي أيضاً إلى هناك. وأنشد ساراها للملكة ثمانين بيت شعر... فلم تعُد هي الأخرى.

والآن، صار الملك مشوّشاً جداً: "ماذا يحدث هناك؟ " لهذا ذهب بنفسه إلى هناك، وأنشد له ساراها أربعون بيتاً فتحوَّلَ الملك، وبدأ بالرقص في أرض محرقة الجثث مثل كلب مجنون.

إذن، توجد ثلاثة نصوص دينية باسم ساراها: الأول، مقطع أغنية الناس لساراها أولاً.. ثم مئة وثمانون مقطعاً شعرياً ثانياً. والنص الثاني أغنية الملكة، وهو مئة وستون مقطعا شعرياً أولاً، ثم ثمانون مقطعا شعريّاً ثانياً، أما النص الثالث فهو أغنية ساراها الملكية التي سنتأمل في أربعون مقطعاً شعرياً منها.
مئة وستون مقطعاً شعرياً للناس لأن فهمهم محدود، وثمانون مقطعاً للملكة.. لأن فهمها كان أعلى قليلاً، وأربعون للملك لأنه كان حقاً رجلاً ذا عقل راجح، وصاحب فهم وإدراك.
ولأن الملك تحوّل، فإن الدولة بأسرها تحولت شيئاً فشيئاً، وقد قيل في النصوص المقدسة القديمة بأنه قد آن الأوان كي تصبح البلاد فارغة. وكلمة فارغة كلمة بوذية. وهي تعني أن الناس أصبحوا بلا أجساد، تخلصوا من زلاّت الأنا وبدأوا يستمتعون باللحظة. واختفى التدافع والضوضاء والتنافس الضاري من البلاد. وأصبحت بلاداً تنعم بالسكينة. غدت صامتة... كما لو أنه لا يوجد أحد. بدت كما لو أن الناس ما عادوا موجودين فيها، فقد حلّت عليها قَداسة عظيمة. وكان سببها تلك الأشعار الأربعون.

سندخل الآن في هذا الحج العظيم: أغنية ساراها الملكية. وهي تسمى أيضا " نشيد الفعل البشري".. وفي هذه التسمية تناقض كبير، لأن هذه الأغنية لا علاقة لها بالفعل، ومع ذلك سميت" نشيد الفعل البشري". وهو يتضمّن شيئاً يتعلّق بالكيان الإنساني، فعندما يتحول الكيان، يتحول الفعل. عندما تتحول أنت، يتحول سلوكك.. وليس العكس. ليس المطلوب أن تغيّر فعلك أولاً وبعدها يتغير كيانكَ.. لا. فالتانترا تقول: غيّر كيانك أولاً وبعدها يتغير عملك تلقائياً. حقق أولاً نوعاً مختلفاً من الوعي، وسيلي ذلك نوعٌ مختلفٌ من الفعل ومن الشخصية والسلوك.

تؤمن التانترا بالكيان، وليس بالفعل ولا بالشخصية. لهذا السبب أيضاً سمّيت " أنشودة الفعل البشري".. لأنه حالَما يتحوّل الكيان، تكون أفعالك قد تحوّلت. تلك هي الطريقة الوحيدة لكي تغيّر أفعالك. إذ من هو القادر على تغيير أفعاله مباشرة؟ يمكنك فقط أن تدّعي بذلك.

إذا كان بداخلك غضب وتريد أن تغير فعلك، فماذا ستفعل؟
سوف تقمع الغضب وتُظهرُ وجهاً مزيفاً، عليك إذن أن تلبس قناعاً. إذا كان في داخلك رغبة جنسية، فماذا أنت فاعل لتصريفها؟ بمقدورك أن تقطع عهداً بالعزوبة.. بالبراهماتشاريا*.. وتستطيع أن تتظاهر بها، ولكن في الأعماق يستمر البركان. فأنت تجلس على بركان يمكن أن يثور في أية لحظة. وسوف ترتجف دائماً، وتظل خائفاً وقلقاً باستمرار.

ألم تلاحظ من يُسَمّون بالناس المتدينين؟ إنهم خائفون دائماً.. خائفون من جهنّم.. وهم دائماً يحاولون، بطريقة أو بأخرى، دخول الجنّة. لكنهم لا يعلمون ما هي الجنّة، لم يتذوّقوا طعمها قط.
فلو أنك غيرت وعيك، ستأتي الجنّة إليك، لا أن تذهب إليها. فلم يذهب أحد إلى الجنّة قط، ولم يذهب أحدٌ إلى جهنّم أيضاً. دع هذا يكون واضحاً مرة واحدة وإلى الأبد: الجنّة تأتي إليك، وجهنّم تأتي إليك. فهذا يتوقّف عليك، أي شيء سمّيتها فهي تأتي إليك.

إذا تغير كيانك، ستكون الجنّة في متناولك.. ستهبط الجنّة إليك. وإذا لم يتغير كيانك، ستدخل في صراع، وتواجه شيئاً غير موجود. ستصبح مُخادعاً ومخادعاً أكثر، فتغدو شخصين، وتصبح مريضاً بالفصام (الشيزوفرينيا)، ومنقسماً... تُظهِرُ شيئاً، فيما تكون أنت شيئاً آخر. تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر. فتلعب مع نفسك باستمرار لعبة "الغمّيضة". وسيكون الألم والقلق طبيعيّاً في مثل هذه الحالة.. وهذه هي جهنّم.

والأن إلى الأنشودة:
أَنحني لمانجوسْري النبيل
أَنحني لمن قهر المحدود
إن كلمة " مانجوسري " هذه بحاجة إلى توضيح. كان مانجوسري أحد أتباع بوذا، غير أنه كان تابعاً فريداً جداً. لقد كان لبوذا العديد من التابعين الفريدين في نواحٍ مختلفة. فماهاكاشياب كان فريداً لأنه استطاع أن يفهم بأن الرسالة لا تُنقلُ في كلمات.. .إلخ. وكان مانجوسري فريداً لأنه امتلك أعظم ميزة لكونه معلّماً.
فعندما يواجه شخص ما مشكلة صعبة للغاية، أو يتورّط شخص في مشكلة، يُرسله بوذا إلى مانجوسري. ويكفي أن يُلفظ اسم مانجوسري حتى يبدأ الناس بالارتجاف. كان بالفعل رجلاً قاسياً وعنيفاً جداً. وحينما يُرسَلُ شخص إلى مانجوسري، فإن الأتباع يَقولون: "لقد ذهب إلى سيف مانجوسري." السيف الذي أصبح مشهوراً على مر العصور.. لأن مانجوسري اعتاد على قطع الرأس بضربة واحدة، فهو لم يكن بطيئاً. كان ببساطة يقطع الرأس بضربة واحدة. وكانت رأفته عظيمةٌ جداً بقدر ما كان قاسياً جداً.
وهكذا، شيئاً فشيئا أصبح اسم مانجوسري يمثّل لقباً لكلِّ المعلمين، ولأن جميعهم عطوفين، عليهم أيضاً أن يكونوا قُساة. فهم عطوفون لأنهم سيخلقون إنساناً جديداً فيك، وقساة لأنهم سيحطمون ويهدمون ذاك القديم.
هكذا عندما ينحني ساراها أولاً وقبل أن يبدأ أغنيته، يقول: أَنحني لمانجوسري النبيل.. سيد كُلِّ السادة.. أَنحني له، للذي قهر المحدود. وبعدها ينحني لبوذا الذي تجاوز المحدود، وأصبح المطلق.

كما المياه الساكنة التي تضربها الريح
تتحول إلى أمواج ودوّامات،
هكذا الملك يرى ساراها
في أشكال عدة، على الرغم من أنه واحد.
تَخيَّلْ بحيرة، بحيرة صامتة وهادئة دون أمواج. ثمّ تأتي ريح شديدة وتشرعُ باللعب فوق سطحها، فتضطرب البحيرة، وترتفع ألف موجةٍ وموجة. مهلاً.. فقبل ذلك كانت صورة البدر منعكسة على البحيرة، أما الآن فلم يعد هناك بدر.
لا زال القمر منعكساً، لكنه تشظّى إلى ألف جزء وجزء. أصبح القمر في جميع أنحاء البحيرة.
لقد غدت البحيرة بكاملها فضية بسبب الانعكاس، لكنك لا تستطيع أن تمسك بالانعكاس الحقيقي للقمر مثلما يبدو في السماء. لأنه تشوّهَ تماماً.

يقول ساراها: هذه هي حالة العقل الدنيوي المخدوع. وهذا هو الفرق الوحيد بين بوذا وغيره من الناس. فبوذا هو أحد الذين لا تعصف بهم الريح. وهذه الريح تدعى تريشنا..أي الرغبة. فهلاّ نظرت ولاحظت؟ بأنه طالما كانت هناك رغبة، فإن هناك ألف موجة وموجة في قلبك، ويظل وعيك مضطرباً ومشوّهاً. وعندما تتوقف الرغبة، تصبح في راحة وفي سلام مع ذاتك.

لذلك فإن الرغبة هي الريح التي تشوّه العقل. وعندما يتشوّه العقل، لا يمكنه أن يعكس الحقيقة.

كما المياه الساكنة التي تضربها الريح
تتحول إلى أمواج ودوّامات،
هكذا الملك يرى ساراها
في أشكال عدة، على الرغم من أنه واحد.

هنا يقصد ساراها أمرين اثنين، الأول: إن عقلك قد تشوه كثيراً بالشائعات، وقد عصفت بسطحه ريح هائلة. والثاني: هو أنك لن تستطيع أن تراني لأن عقلك سيعكسني ألف شظيّة وشظية.. رغم أنني واحدٌ.

كان هذا حقيقة فعلاً. فقد أمكنه أن ينفذ ببصيرته إلى عمق الملك. وكان الملك حائراً. فمن جهة كان يحترم الشاب، ومن جهة أخرى كان يثق به دوماً ويعرف بأنه لا يمكن أن يخطئ. لكن كثيراً من الناس، ممن يُسمَّون بالناس المحترمين الصادقين، الأغنياء، والمتعلمين، جاؤوا للملك وأكدوا جميعهم: " بأن ساراها أخطأ، وأنه قارَبَ الجنون.. وأصبح معتوهاً، ومنحرفاً، يعيش مع صانعة سهامٍ وضيعة. ويقطن في أرض المحرقة.. وهذا ليس مكاناً للعيشّ! لقد نسي كل شعائره القديمة ولم يعد يقرأ الكتب المقدّسة، ولم يعد يتغنّى باسم الله.
حتى أنه لم يعد يُسمعُ عنه بأنه يتأمل، كما انغمس في ممارسات غريبة، بشعة ومشينة".
تبدو التانترا مُخجِلة للناس المكبوتين جنسياً بشكل كبير. إنهم لا يستطيعون الفهم.. فبسبب كبتهم لا يستطيعون فهم ما يجري. لذلك فإن كل هذه الأشياء كانت مثل ريح عظيمة في عقل الملك. كان جزء منه يُحِبُ ويَحترِم، وجزء آخر يغرق في شك عميق.
نظر ساراها مباشرة ثم قال: هكذا يَحسَبني الملك بأنني في عدة أشكال، مع أنني واحد. فأنا كالبدر تماماً، لكن البحيرة مضطربة. لهذا أرجوك، إذا كنت تريد فهمي، فليست هناك وسيلة مباشرة لفهمي سوى أن توقف هذه الريح التي تعصف بعقلك. إذن دع وعيك يهدأ... ثم انظر. دع كل هذه التموجات والدوامات تتوقف، وليكن وعيك مثل بحيرة ساكنة، وبعدها انظر لنفسك. لا أستطيع إقناعك بما يحدث ما لم تكن قادراً على رؤيته. إنه يحدث، إنه هنا، إنني أقف أمامك هنا. إنّي شخص واحد، غير أنني أستطيع أن أنظر في داخلك.. فأنت تراني كما لو أنني ألف شخص.
أحمق من يلحظ المصباح الواحد اثنين
حيث أن المشاهِد والمشاهَد واحد وليس اثنين،
يا للغرابة!
إن الفكر يؤثر في كليهما.

وبعد ذلك يبدأ ساراها بالتشبيه كِنايةً. فيقول أولاً: "مثل البحيرةِ أنت مضطربٌ " ثم يقول: أحمق من يلحظ المصباح الواحد اثنين.. أي أنه لا يستطيع رؤية مصباح واحد بل يرى مصباحين.
سمعت أن مُلاّ نصر الدين (جحا) كان يُعلِّمُ ابنه أساليب السُكْر. فبعد أن يسقيه بضعة جرعات يقول مُلاّ، الآن، دعنا نمضِ.

تذكّر دائماً هذه القاعدة لكي تتوقف عن الشرب: "عندما تبدأ برؤية الشخص الواحد كأنه اثنين، آنذاك عُد إلى البيت.. وكفى شرباً".
لقد كان الشخص يبدو كشخصين... غير أن الابن قال: "أين؟ أين هو ذلك الشخص؟"
فقال – الأب-: "انظر هناك، على الطاولة يجلس شخصان؟" فقال الابن، " لا يوجد أحد!" لقد أفرط هو أيضاً بالشُرب كثيراً.

تذكّر، عندما تكون غير واعٍ، لا تعود الأشياء تبدو كما هي عليه، عندما لا تكون واعياً تبدأ بتخيل أشياء لا وجود لها. حاول أن تخرج هذه الليلة وتنظر إلى القمر، ثم اضغط على عينيك بإصبعك وسترى بأن القمر قد أصبح قمرين. وعندما ترى قمرين، فمن الصعب عليك أن تصدّق بأنه قمر واحد.. فأنت تراه قمرين.
إنك تظنُّ ليس إلا. ورُبَّ شخص وُلِدَ بعيب خلقي: عينه مضغوطة بحيث تجعله يرى الشيء وكأنه اثنين.. دائماً سوف يرى شيئين. فما تراه أنت شيئاً واحداً، يراه هو اثنين.

إن رؤيتنا الداخلية مُغشّى عليها بعدة أشياء، وبالتالي، نستمر برؤية أشياء هي ليست كما تبدو لنا، إذ كيف يمكن أن نصدّق عندما نراها بأنها ليست كما تبدو لنا؟ فنحن نثق بأعيننا، وأعيينا قد تكون منحرفة.

أحمق من يلحظ المصباح الواحد اثنين
لأن المشاهِد والمشاهَد واحد وليسا اثنين،

يقول ساراها للملك: إذا كنت تعتقد بأنني أنا وأنت شخصان، إذن فأنت غيرُ واعٍ، أحمق مخمور، وبالتالي لا تعرف كيف ترى. فلو أنك ترى حقاً، فسنكون حينذاك أنا وأنت واحد، حيث أن المشاهِد والمشاهَد ليسا اثنين. آنذاك سوف لن ترى ساراها يرقص هنا .. بل سترى نفسك من يرقص هنا. وعندما أدخل في النشوة، ستدخل أنت في النشوة، فتلك هي الطريقة الوحيدة لتعرف ما حدث لساراها، ولا توجد طريقة أخرى.
فماذا حدث لي؟
إذا أردت أن تعرف، فما عليك سوى أن تصبح شريكاً في كياني. لا تكن مراقباً ولا تتنحى جانباً وتكون متفرجاً فقط. عليك أن تشارك في تجربتي، أن تضحّي بقليل من ذاتك لأجلي. عليك أن تتداخل مع حدودي.

وهذا هو معنى التزام الطريق الروحي. تبدأ بالاقتراب مني أكثر، بالتنازل عن حدودك لي. آنذاك فقط، وذات يوم، منخلال المشاركة، حينما ترتمي بوئام معي، ستكون الأشياء مرئية ومفهومة. ولن تكون قادراً على إقناع أي شخص آخر ممن كان مجرّدُ متفرج.. لأن رؤيتك ستكون مختلفة. لقد شاركتَ، أما هو فمازال يراقب فقط.. فأنتما تعيشان في عالمين مختلفين.

مع أن مصابيح البيت مضاءة..
استمعوا إلى كلام ساراها الجميل:

مع أن مصابيح البيت مضاءة
يظلُّ الأعمى يعيش في الظلام
مع أن العفوية قريبةً وتحيط بكل شيء،
لكنها تبقى للمخدوع قصيّة دوماً.

يقول ساراها: انظر! لقد أصبحت مستنيراً. ولو أن مصابيح البيت مُضاءة... فإن جوهري العميق لم يعد مظلماً. انظر! هناك نور عظيم بداخلي. لقد استفاقت روحي. لم أعد راؤول نفسه الذي خَبِرته..إنني ساراها: فسهمي بلغ الهدف.

مع أن مصابيح البيت مضاءة
يظلُّ الأعمى يعيش في الظلام.

ولكن ماذا باستطاعتي أن أفعل؟ يقول ساراها. إذا كان شخص ما فاقداً للبصر، فإنه حتى لو أضيئت له مصابيح البيت فسيبقى يعيش في ظلام. ليس لأن المصابيحَ غير موجودة، بل لأن عيناه لا تستطيع الرؤيا.
إذن، لا تصغي للناس العميان! فقط افتح عينيك وانظر إلي، أبصرني.. انظر من يقف أمامك، من الذي تواجهه.

مع أن مصابيح البيت مضاءة.
يظلُّ الأعمى يعيش في الظلام،
مع أن العفوية قريبةً وتحيط بكل شيء...

إنني قريب جداً منك... العفوية قريبة جداً منك، يمكنك أن تلمسها وتأكلها وتشربها. تستطيع أن ترقص معي وأن تنتشي معي. إنّي قريب منك جداً.. وقد لا تجد عفوية قريبة منك مرة أخرى.
لكنها تبقى للمخدوع قصيّة دوماً.
يتحدثون عن السمادهي، ويقرأون حِكَمَ باتنجالي، يتحدثون عن الأشياء العظيمة، وحينما تحدث تلك الأشياء العظيمة فإنهم يعارضونها.

غريبٌ جداً أمرٌ هذا الإنسان. إنه حيوان غريب جداً. يمكنك أن تُعجَب ببوذا، ولكن لو جاء بوذا وواجهك، فلن تكون قادراً على الإعجاب به بالمرّة.. بل ربما تصيرُ ضدهُ، وقد تصبح عدوّاً له. فلماذا؟
عندما تقرأ كتاباً عن بوذا، فإن كل شيء يكون على ما يرام، فالكتاب في يدك وبوذا بعيد عنك، ولكن حينما يكون بوذا الحي مقابلك، فلن يكون هو في يدك بل أنت من يكونُ واقعاً في يده. والنتيجة هي الخوف والمقاومة. حيث يرغب المرء حينئذ بالهرب.
وأفضل طريقة للهروب هي أن تقنع نفسك بأنه مخطئ، بأن فيه شيئاً خطأ. تلك هي الطريقة الوحيدة.. إذا أقنعت نفسك بأنه مخطئ، فيمكنك آنذاك أن تجد آلاف وآلاف الأشياء في بوذا الذي يمكن أن يبدو فيها مخطئاً لأنك أحوَل ولأنك أعمى، ولأن عقلك مضطرب. فباستطاعتك تصوّر أي شيء.
هذا الرجل انتمى الآن للبوذية، وهم يتحدثون عن المرأة الوضيعة. لم ينظروا في حقيقة تلك المرأة. ومازالوا يظنّون بأنها مجرّد صانعة سهام وضيعة جداً ومنبوذة. فكيف يمكن لبراهمي أن يلمس امرأةً منبوذة؟ كيف يمكن لبراهمي أن يعيش هناك؟

كما سمعوا بأن المرأة تطهي له الطعام. فيا لها من خطيئة كبرى وسقطةٌ عظمى.. البراهمي يأكل الطعام المطبوخ بيدي سودرا* منبوذة، بيدي امرأة من طبقة وضيعة؟ ثم لماذا ينبغي لبراهمي أن يعيش في أرض المحرقة؟ البراهميون لا يعيشون هناك أبداً. إنهم يعيشون في المعابد، يعيشون في القصور. ولكن لماذا يعيش في أرض محرقة الجثث؟..وهو مكانٌ قذر تحيط به الجماجم والجثث. أي لشذوذ هذا!

لكنهم لم يفكّروا في حقيقة أنك ما لم تفهم الموت فلن تكون أبداً قادراً على فهم الحياة. لو تمعّنت بالموت بعمق لوجدت أن الحياة لا تموت أبداً، لو نفذت بعمق إلى حقيقة الموت لوجدت أن الحياة مستمرة حتى ما بعد الموت، فالموت لا يغيّر من الأمر شيئاً، الموت هو موت معنوي... إنك لا تعرف شيئاً عن الحياة.. فالحياة خالدة أبدية. وبالتالي فإن الجسد وحده هو الذي يموت. الموتى فقط هم الذين يموتون، والحي يستمر


بالحياة. ولهذا يجب على المرء أن يدخل في تجربة عميقة. وهم لم يفكروا في ذلك.

الآن وقد سمعوا بأنه يمعن في ممارسات غريبة. فلا بد أنهم انهمكوا في الثرثرة والمبالغة، ولا بد أن الأمور قد خرجت من أيديهم، فالجميع ماضون بمضاعفة القيل والقال. وهناك أيضاً ممارسات التانترا التي يمكن الثرثرة عنها.

في التانترا يجلس الرجل أمام المرأة، المرأة العارية، وعليه أن يمعن النظر فيها أكثر فأكثر، حتى تختفي الرغبة تماماً في مشاهدة امرأة عارية. عندئذٍ يتحرر الرجل من الشكل. وهذه تقنية سرّية عظيمة. وإن لم تفعل ذلك فسوف تستمر برؤيتها في عقلك دائماً، وترغب بنزع ملابس كل امرأة تصادفها في الشارع.

الآن إذا رأيتم ساراها فجأة وهو يجلس أمام امرأة عارية. فكيف ستفسرون ذلك؟ سوف تفسرونه كما يحلو لكم وتقولون: " حسنٌ جدّاً، إنه يفعل ما أردنا دائماً أن نفعله. إذن. فنحن أفضل منه، على الأقل لأننا لم نفعل ذلك بعد. بالطبع، إننا نتخيّل ذلك أحياناً، ولكن في الذهن فقط، وليس بالفعل. لذا فإنه ساقط".. وأنتم لن تُضَيِّعوا الفرصة لذمّه.

ولكن ما الذي يفعله التانتري حقيقة؟ إن التانترا عِلمٌ سرّي. فالتانتري يراقب المرأة لعدة أشهر متتالية، يتأمل في شكل جسدها، في جمالها، يتأمّل في نهديها. يتأمّل بكل شيء في جسدها، ينظر إلى كل ما يريد النظر إليه. لأن عليه أن يتحرر من الشكل، والطريقة الوحيدة لذلك هو أن يتعمّق في معرفته بحيث لا تعود له جاذبية بعد الآن.

ولكن ما يحصل الآن، هو على النقيض تماماً لما يقوله الثرثارون. فهو يمضي إلى أبعد مما يتصورونه. فلن يرغب بعد الآن في نزع ملابس المرأة ولا حتى بالفكر. ولا حتى في الحلم. ولن يعود ذلك الهاجس موجوداً. لكن يبقى للجمهور وللغوغاء أفكارهم الخاصة، وسيستمرّون في الحديث عن هذه الأشياء بجهل ودون معرفة.

مع أن العفوية قريبةً وتحيط بكل شيء،
لكنها تبقى للمخدوع قصية دوماً.
رغم وجود العديد من الأنهار، إلا أنها في البحر واحد،
ورغم وجود العديد من الأكاذيب،
إلا أن حقيقةً واحدة ستقهرها جميعاً.
عندما تبزغ شمس واحدة، سيختفي الظلام،
مهما كان دامساً.

يقول ساراها: فقط انظر إلي. لقد سطعت الشمس. ومع أنني أدرك عمق ظلامك، فهو على وشك الزوال. انظر إلي... إن الحقيقة مولودة فيَّ! لهذا قد يكون لديك آلاف الأكاذيب عني، لكن حقيقة واحدة ستقهرها جميعاً.

رغم وجود العديد من الأنهار، إلا أنها في البحر واحد،
فقط كن قريبا مني. دع نهرك يصب في مُحيطي. وستتذوق طعمي.
ورغم وجود العديد من الأكاذيب،
إلا أن حقيقةً واحدة ستقهرها جميعاً.
الحقيقة واحدة. والأكاذيب وحدها هي المتعددة، الأكاذيب فقط يمكن أن تكون متعددة..أما الحقيقة فلا يمكن أن تكون متعددة. الصحة واحدة والأمراض متعددة. وصحة واحدة تهزم كل الأمراض. كما أن حقيقة واحدة تهزم كل الأكاذيب.
عندما تبزغ شمس واحدة، سيختفي الظلام،
مهما كان دامساً.

دعا ساراها في هذه الأناشيد الأربعة الملك للدخول إلى كيانه الداخلي، فتح له قلبه. وقال: لست هنا لإقناعك منطقياً. أنا هنا لأقنعك وجودياً! لن أعطي أي برهان، ولن أقول أي شيء للدفاع عن نفسي. القلب مفتوح تماماً.. فادخل إليهِ. ادخل. فترى ما قد حدث... قريبةٌ جداً هي العفوية، قريبٌ جداً هو الله، قريبةٌ جداً هي الحقيقة. لقد أشرقت الشمس. فافتح عينيك!

تذكّر أن الروحاني لا يملك برهاناً عقلياً. لا يمكنه أن يمتلك أي برهان عقلي عن جوهر الأشياء ذاتها، فهو نفسه الإثبات الوحيد.. لهذا بمقدوره أن يفتح قلبه لك.

ينبغي التأمل بعمق في هذه الأشعار، في أغاني ساراها هذه. فكل أنشودة يمكن أن تصبح زهرة متفتحة داخل قلبك. آمل لهذه الأشعار الأربعون أن تصبح أربعون زهرة متفتحة في كيانك، مثلما أصبحتْ في كيان الملك. لقد تحرر الملك.. ويمكنك أن تتحرر أنت أيضاً. لقد أصاب ساراها الهدف. ويمكنك أنت أيضاً أن تصبح ساراها.. الشخص الذي رمى سهمه.
نهاية الفصل الأوّل


* السمادهي هي مرحلة الاستغراق في المطلق.
* البراهماتشاريا هي السلوك القويم والتحكم بالدوافع الجنسية.

*Sudra : إمرأة من طبقة وضيعة عند الهندوس



















































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

فصل من كتاب رؤية التانترا / سر التجربة الداخلية: ج3ترجمة

18-نيسان-2009

فصل من كتاب رؤية التانترا / سر التجربة الداخلية : ترحمة

12-نيسان-2009

فصل من كتاب من الجنس إلى أعلى مراحل الوعي / للهندي أوشو ترجمة

08-نيسان-2009

فصل من كتاب رؤية التانترا: سر التجربة الداخليّة ج2 ترجمة

16-شباط-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow