Alef Logo
الآن هنا
              

الطريق إلى التقدم يبدأ بالخيال.. فلنتحدث عن أدب الخيال العلمي.. قليلاً!!

علي وجيه

2009-04-25


ربما يبدو طرحنا هذا مثيراً للتهكم أو الحنق في نظر بعض المشتغلين في الحقل الأدبي، الذين يعدّون الكتابة في هذا المضمار ضرباً من العبث أو الاستعراض السطحي فاقد الجدوى، ويعتبرون مبدعي هذا الأدب كتّاباً من الطراز الرديء، بل ولا تنطبق عليهم مواصفات الكاتب أصلاً.. ولهؤلاء نقول من باب التحيّز المتعمد والمطلق لهذا الصنف الأدبي الفريد: إذا كنتم من أصحاب الخيال المحدود والأفق المسطح، فأقل ما يمكن أن تفعلوه هو التنحي جانباً لإفساح المجال أمام غير "حضرتكم"! وإذا كان الخيال العلمي في الوطن العربي، لمّا يأخذ حصته الكاملة من الاهتمام الأدبي والنقدي والجماهيري بعد، فإنه فاعل لا محالة عاجلاً أم آجلاً، والدليل على ذلك أن نسبة قراءة هذا الصنف في الوطن العربي ارتفعت من 5% إلى 9،5% خلال بضعة سنوات فقط.. فما هو أدب الخيال العلمي بالضبط؟ وكيف وصل إلى هذه المكانة المرموقة في الدول المتقدمة عالمياً؟..
تعريف..
يقول د. طالب عمران الذي كتب عشرات الروايات والقصص في الخيال العلمي، وأعدّ برامج تلفزيونية وإذاعية مثل (ظواهر مدهشة) الذي حظي بانتشار لا بأس به: "أدب الخيال العلمي هو الخيال الذي يحاصره المنطق العلمي السليم وإلا أصبح خرافة" وعن كتّابه يتحدث المصري د. أحمد خالد توفيق: "إن كتّاب الخيال العلمي أطفال كبار، ولهذا يأخذ النقاد على كتاباتهم خلوّها من البعد الإنساني، وهذا شيء طبيعي بالنسبة لطفل يحلم.. لا أحد يطالبه أن يحلم بعمق ولكن بإمتاع!".
التاريخ يتكلم..
يؤكد د. طالب عمران أن "الإنسان بدأ بالخيال العلمي منذ القدم دون أن يدري، حيث نجد أوقيانوس السمسطائي الذي يعتبر رائد الخيال العلمي في التاريخ، وعباس بن فرناس الذي حلم بالطيران وجربه من مئذنة جامع قرطبة ليسقط أرضاً دون أن يموت كما أشيع، بل عاش حتى عمر الـ 80"..
إلا أن الخيال العلمي لم يكن ليظهر كما نعرفه الآن قبل الثورة الصناعية والعلمية مع بدايات القرن التاسع عشر، فهو ليس قديماً كغيره من صنوف الأدب كما يزعم د. نبيل فاروق في دراسته المقتضبة (فلنبدأ بالخيال).
جول فيرن..
الطريق إلى التقدم يبدأ دائماً بالخيال.. فلنتحدث عن أدب الخيال العلمي.. قليلاً!! - علي وجيه
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ظهر كاتب فرنسي مغمور اسمه جول فيرن، قدّم بعض المسرحيات الشعرية محدودة النجاح، ورواية تاريخية عاطفية بعنوان (مارتن باز) لم يسمع بها أحد، قبل أن يعرف معنى النجاح الساحق في رواية (خمسة أسابيع في منطاد)، ممّا شجّعه وناشره على إصدار عدد من روايات الخيال العلمي التي لاقت نجاحاً مدوياً رغم أنها لم تكن مألوفة آنذاك، مثل (رحلة إلى قلب الأرض) التي وصل فيها بطلا القصة إلى عمق 48 كم تحت سطح الأرض، وهو مستحيل علمياً كما يؤكّد الكاتب الروسي ياكوف بريلمان، لأن الضغط -عند العمق المذكور- يزيد 400 ضعف، وكثافة الهواء تزداد 315 مرة، في حين أن الإنسان قادر على تحمل عمق 8،9 كم كحد أقصى دون أن يصاب بأذى، حيث يتضاعف الضغط الجوي 3 مرات فقط.. كذلك نجد (من الأرض إلى القمر) التي كتبها فيرن عام 1865، وتحدث فيها عن وصول الإنسان إلى سطح القمر عن طريق فوهة مدفع! وهذا ما حدث فعلاً عام 1969 عندما قفز نيل أرمسترونغ على سطح القمر (كما يؤكّد الأمريكيون) بعد الرحلة الناجحة للمركبة (أبوللو-11)!!
ولا ننسى رائعة فيرن الأخرى (عشرون ألف فرسخ تحت الماء)، التي طور فيها غواصة الإنجليزي ك. ي. دربيل عام 1620، ليضيف إليها في الرواية كاشف الأعماق (السونار)، والقدرة على بلوغ القطب الشمالي.. أيضاً السونار تم اختراعه بالفعل قبيل الحرب العالمية الأولى، ونجحت الغواصات في بلوغ القطب الشمالي بعد تزويدها بالطاقة الذرية عام 1953!!
جول فيرن، العبقري الذي أمضى حياته في رحلات مستمرة على ظهر يخت خاص به لأنه لم يحب سوى البحر والموسيقا والحرية على حد قوله، قدّم أيضاً تحفاً أدبية من الخيال العلمي لا يمكن تجاهلها مثل سلسلة رواياته المسماة (رحلات فوق العادة) التي ضمت أسماء مثل (الجزيرة)، (ميشيل ستروغوف) و(سيد العالم).. وعلى هذا استحقّ لقب (أبو الخيال العلمي) عن جدارة!
هربرت جورج ويلز..
الطريق إلى التقدم يبدأ دائماً بالخيال.. فلنتحدث عن أدب الخيال العلمي.. قليلاً!! - علي وجيه
تسلل أدب الخيال العلمي من فرنسا إلى انكلترا ليظهر عبقري آخر هو هـ. ج. ويلز، الذي نقل أسلوب الكتابة من الانبهار بالاختراعات الحديثة كما كان عند فيرن، إلى مرحلة الفلسفة العلمية -إذا جاز التعبير-، حيث اتّسم نفَسه الأدبي بالنظرة الفلسفية والتحذير من مغبّة العبث العلمي غير المسؤول في المستقبل، ونلمس هذا في عدة روايات مثل (آلة الزمن) عام 1895 التي سافر بطلها إلى المستقبل البعيد، ليجد العالم جنةً غنّاء من الرفاهية والتطور والعيش الرغيد، قبل أن يكتشف حقيقة وجود طبقة اجتماعية ثانية هي العمال الكادحين الذين صاروا أكثر قوة وخشونة، وأصبحوا مجرد غذاء لذيذ لطبقة المرفّهين الأولى!!.. قرأ الرئيس الأمريكي هذه الرواية عام 1914، فغضب ووبّخ ويلز لأنه تخيّل أن أمريكا قد تدمر العالم مستقبلاً بحروبها النووية!!
فلسفة ويلز، الذي أجبره تهشم ساقه في الصغر على القراءة وإصابة الرئة في الكبر على الكتابة، تتجلى أيضاً في رائعتيه (أول رجال على القمر) عام 1901 التي تعد أول نبوءة أدبية حول اختراق الإنسان للغلاف الجوي قبل الوصول إلى القمر، و(جزيرة د. مورو) عام 1896 التي يحذّر فيها من عاقبة العبث المخبري والتجارب العلمية السرية.. ومن رواياته الأخرى: (العصوية المسروقة) عام 1895، (الرجل الخفي) عام 1897 و(حرب العوالم) عام 1898.
جرت العادة على أن يوضع ويلز وفيرن في سلة واحدة، وهو ما يصفع د. لويس عوض بالتعسف والتجنّي، فكلا الرجلين يجعل العلم أداة الخيال، لكن فيرن يكتفي بالمغامرة القصصية المثيرة، أما ويلز فيعرض تأملاته وآراءه ويعيد بناء المجتمع ونقده، وهو شديد الإيمان بالمنهج العلمي في القياس، ويصف أبطاله وأحداث القصة وصفاً بارداً شبيهاً بعالم يصف أحد الأحياء الدقيقة تحت عدسة المجهر.
في السينما..
غنيّ عن الذكر أن كل روايات الخيال العلمي الشهيرة وقعت في قبضة هوليوود السينمائية، فتمّ تحويلها إلى أفلام سينمائية لاقت إقبالاً منقطع النظير، ففي عام 1902 كان أول فيلم سينمائي صامت لجورج ميليس بعنوان: (رحلة إلى القمر) أخذ من روايتي فيرن وويلز الشهيرتين حول السفر إلى القمر، وفي عام 1960 صورت النسخة الأولى من آلة الزمن لجورج بال ، لتنهمر بعدها الأفلام السينمائية الضخمة المأخوذة عن روايات الخيال العلمي مثل (دكتور جيكل ومستر هايد) للأديب روبرت لويس ستيفنسن والعالم المفقود لآرثر كونان دويل مبتكر شخصية شارلوك هولمز الشهيرة، و(فرانكشتاين) لماري شيلي، ناهيك عن أفلام المخلوقات الفضائية العاقلة مثل E.T و(حرب النجوم)، والسفر عبر الزمن مثل (العودة إلى المستقبل) و(الاتصال الأخير) وغيرها..
الخيال العلمي العربي..
يقول د. طالب عمران: "صحيح أننا لم نصل لمرحلة تصنيع التكنولوجيا، إلا أن هذا لا يمنع أن نفرض أنفسنا ككتّاب في هذا المجال.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مسرحيتي (نهر الجنون) و(رحلة إلى الغد) لتوفيق الحكيم لا تعتبران من أدب الخيال العلمي لأنهما تتنافيان مع العلم.. إن أول رائد حقيقي في الوطن العربي هو المصري نهاد شريف، الذي يتمتع بمخزون علمي كبير وقلم خصب رغم دراسته للتاريخ".
ورغم بروز د. طالب عمران ككاتب متمكّن للخيال العلمي في سوريا، إلا أن هذا الأدب انطلق حقاً على يد الأدباء المصريين مثل د. مصطفى محمود، د. يوسف عز الدين عيسى، رؤوف وصفي ود. نبيل فاروق الأشهر حالياً بين الأوساط الشبابية، وسواهم من الكتّاب الذين انتصرت ميولهم الأدبية على دراستهم العلمية أو المختلفة وسخّرتها لصالحها..
من حيث الأرقام، تشير الدراسات إلى أن أدب الخيال العلمي يحتل 56% من قراءات الأوروبيين، و67% من قراءات الأمريكيين، و41% من قراءات الروس، في حين لم تتجاوز النسبة عند العرب 9،5% كما أشرنا في مقدمة الموضوع..
في سوريا..
حسناً فعلت وزارة الثقافة السورية برعاية مؤتمر الخيال العلمي الذي أقامه د. طالب عمران العام الماضي، وشهد تكريم الكاتب المصري نهاد شريف والتوصية بإنشاء (رابطة كتّاب الخيال العلمي)، ويحسب للوزارة أنها أصدرت مجلة شهرية جادة مختصّة بالخيال العلمي قبل عدة أشهر لتكون الأولى من نوعها في الوطن العربي تحت إدارة د. طالب عمران أيضاً.. وهنا نثني على ذكاء الوزارة بالتفطّن إلى أهمية هذا الصنف الأدبي الفريد، واتخاذ خطوات عملية لدعمه نرجو أن تستمر وتتسع في المستقبل..
في هذا الصدد خطر لنا أن نسأل د. طالب عمران عن استغلال رواج الدراما السورية لإنجاز مسلسل خيال علمي أو أكثر، كما يحدث في هوليوود التي قدّمت مسلسلات ناجحة ضمن هذا الإطار مثل (المخطوفون) للشهير ستيفن سبيلبرغ، (التائهون) و4400، فأجاب بصراحة متحسّرة: "حاولت ذلك بالفعل، فقدّمت سيناريو تلفزيوني ورفض منذ عدة سنوات!"..

ختاماً..
لا يسعنا إلا أن نحيلكم إلى عبارة أبو الخيال العلمي جول فيرن التي استخدمناها كعنوان لقضيتنا هذه: " الطريق إلى التقدم يبدأ دائماً بالخيال".. لذلك (كما يتساءل د. نبيل فاروق)..
لم لا نبدأ الآن؟!!

المصادر:
· محاضرة وحوار في مهرجان المحبة مع د. طالب عمران.
· فلنبدأ بالخيال - د. نبيل فاروق.
· روايات عالمية للجيب - د. أحمد خالد توفيق.
· خلف أسوار العقل - د. نبيل فاروق.
· دراسات للدكتور لويس عوض.
· شبكة الإنترنت.













تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

آل باتشينو يعود آل باتشينو في «أنت لا تعرف جاك»

11-تموز-2010

«روبن هود» يتحدّى أفلام «البوب كورن» وأبطالها الخارقين

14-حزيران-2010

«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية

08-أيار-2010

عندما ترسّخ الميديا ثقافة القشور

17-نيسان-2010

«واحد - صفر».. فاز المنتخب وهُزِم الوطن!

14-آذار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow