Alef Logo
المرصد الصحفي
              

آل باتشينو يعود آل باتشينو في «أنت لا تعرف جاك»

علي وجيه

2010-07-11


منذ أن قدّم آل باتشينو دور التاجر اليهودي «شايلوك» في فيلم مايكل ريدفورد «تاجر البندقية» عن النص الشكسبيري الشهير عام 2004، يمكن القول إنّ «آل» كممثل غاب عن المشهد السينمائي الذي يليق بموهبته الفريدة (بعض التصنيفات تعدّه أفضل ممثل في تاريخ السينما)، فهو من القلائل الذين حازوا على جوائز تاج التمثيل الثلاثية: الأوسكار في السينما (عطر امرأة)، التوني في المسرح (هل يرتدي النمر ربطة عنق؟) والإيمي في التلفزيون (ملائكة في أمريكا). نتاجه اقتصر منذ ذلك الحين على بضعة أفلام تجارية لم تضف لرصيده ما يُذكَر هي: «اثنان من أجل المال» 2005، «شلّة أوشن الـ 13» 2007، «88 دقيقة» 2008 و«قتل بالحق» 2008 مع روبرت دي نيرو.
هذا العام عاد مايكل كوروليوني في «العرّاب» و سني وورتزيك في «عصر يوم حار» بفيلم تلفزيوني لصالح شبكة HBO المشفّرة بعنوان: «أنت لا تعرف جاك»، عن الطبيب والشاعر والرسّام والموسيقي الأمريكي أرميني الأصل جاك كيفوركيان، الذي اشتهر بمناصرته لما سمّي بـ «حق الموت»، وهو حرية الإنسان الذي يتألم من وضع صحي غير قابل للعلاج في إنهاء حياته للخلاص من المعاناة. لذلك عُرِف جاك بلقب «د. موت»، وانتهى مصيره بالسجن بعد مساعدته حوالي 130 مريضاً على الانتحار بواسطة جهاز خاص صمّمه بنفسه.
هي ليست المرّة الأولى التي يجسّد فيها باتشينو شخصية حقيقية. البداية كانت عام 1973 بدور ضابط الشرطة الأمريكي فرانك سربيكو في «سربيكو»، ثم تتالت الشخصيات: سارق البنوك جون ووتفيتش في «عصر يوم حار» 1975، ملك بريطانيا ريتشارد الثالث في الوثائقي الدرامي «البحث عن ريتشارد» 1996 الذي أخرجه بنفسه، رجل العصابات بنجامين روغييرو في «دوني براسكو» 1997، الصحفي لويل بيرغمان في «العميل» 1999، مدرّب كرة القدم الأمريكية طوني داماتو في «معارك يوم الأحد» 1999 والمحامي المحافظ روي كون في السداسية التلفزيونية «ملائكة في أمريكا» 2003.
لا يهتم مخرج الفيلم الأمريكي باري ليفنسون (رجل المطر 1988، ما حدث للتوّ 2008) بالتوابل التجارية أو عنصر التشويق والإثارة في تعامله مع نص آدم ميزر ونيل نيكول وهاري ويلي. المهم هو مقاربة العالم النفسي لجاك الطبيب بالدرجة الأولى، وتقديمه كصاحب مبدأ يسعى لتحقيق هدف نبيل من وجهة نظره، حتى لو أدّى به إلى الإضراب عن الطعام 19 يوماً، وسحب رخصته الطبية، وإدانته بجريمة قتل من الدرجة الثانية وسجنه 8 سنوات بين عامَي 1999 و2007. هو شخص هادئ وبسيط ظاهرياً، لا يحبّ الدهون في الطعام ويعتبر شقيقته «مارغو» توأم روحه. لا يكترث للشهرة حتى لو ظهر على غلاف مجلة الـ «تايم»، ويتعامل مع الميديا بانفعال مدروس لخدمة هدفه المحدد، أي الحصول على تشريع يمكّنه من ممارسة عمله، واعتبار ما يفعله «خدمة طبيّة» تستحقّ إنشاء عيادات متخصصة ومتاحة أمام الجميع. يبدو مرتاح الضمير تماماً، إلا أنّ رسوماته التي يستخدم في بعضها دمه الشخصي تفصح عن عوالم داخلية في غاية الحيرة والتخبّط، كأنّه، رغم كل إصراره، يسأل نفسه أحياناً عن مدى صحّة ما يفعله.
تحقيق هذه المقاربة جاء من خلال مشاركة جاك كيفوركيان نفسه في صناعة الفيلم، وصديقه ومساعده نيل نيكول في عملية الكتابة، والرجوع إلى تصريحات الأول الصحفية ومقابلاته التلفزيونية لأخذ بعض الآراء المثيرة للجدل، إضافةً إلى الاستعانة بممثلين على درجة عالية من الاحتراف والتمكّن: جون غودمان بدور نيل نيكول، حيث يعود للعمل مع آل باتشينو بعد «بحر الحب» 1989، سوزان ساراندون بدور الناشطة جانيت غود، داني هيوستن بدور المحامي جيفري فيغر وبريندا فاكارو بدور مارغو شقيقة جاك.
إذاً، الاعتماد هنا على مركزية الممثل ومتانة النص، ضمن إطار ديكودرامي يستعين ببعض المقاطع التسجيلية الحقيقية للمرضى المنتحِرين. لا استعراض أو إبهار إخراجي على المستوى البصري، بل هناك تركيز على تفاعل الممثل نفسه مع الحدث وتسويق الأفكار مباشرةً دون حذلقة فنية.
آل باتشينو، كعادته، يقارب الشخصية حتى يكاد يطابقها تماماً في الفيزيك والمستوى النفسي. في الوقت ذاته، يدرك أنّه «يمثّل» ولا «يتقمّص»، فيفسح المجال لنفسه أحياناً. هو المزيج الفريد الذي يبرع فيه بين الدراما والتوثيق، الأداء والتسجيل، الحقيقة والإيهام. فعل ذلك في «البحث عن ريتشارد» عندما كان هو آل باتشينو والراوي والملك ريتشارد الثالث، وهنا يكرّر المبدأ ولكن بشكل موارب، من خلال الاختباء خلف شخصية ناشطة وحاضرة في أذهان الجمهور وقت عرض الفيلم، وهو أمر يضاعف من خطورة الدور على أيّ ممثل مهما كانت إمكانياته.
هل د. جاك كيفوركيان قاتل مقنّع يشجّع الناس على الانتحار بأيديهم أم ملاك رحمة ينهي معاناة الآخرين؟ هل موقف المتديّنين الصارم هنا حجّة لهم أم عليهم؟ هل يُقاس عمر الإنسان بنشاطه الفعلي أم بعدد السنوات التي يعيشها؟ أسئلة ينجح العمل في دفع المتلقّي إلى التفكير بها، وهو إنجاز كاف بالنسبة لطرح مثير للجدل كهذا.
ربما لا يروق هذا الفيلم التلفزيوني للجمهور المعتاد على توابل البوكس أوفيس، ولكنّه يحمل خبراً ساراً بعودة «الدون» و«الشيطان» و«كارليتو» و«شايلوك» إلى معدنه الفني الأصيل.

المصدر: جريدة «شرفات الشام».
علي وجيه
[email protected]



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

آل باتشينو يعود آل باتشينو في «أنت لا تعرف جاك»

11-تموز-2010

«روبن هود» يتحدّى أفلام «البوب كورن» وأبطالها الخارقين

14-حزيران-2010

«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية

08-أيار-2010

عندما ترسّخ الميديا ثقافة القشور

17-نيسان-2010

«واحد - صفر».. فاز المنتخب وهُزِم الوطن!

14-آذار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow