Alef Logo
الآن هنا
              

تجريم التعذيب / سير نايجل رودلي ومات بولارد ترجمة

نعيم الغول

2009-05-02


المسؤولية الجنائية ؛ الجرائم الدولية؛ الولاية القضائية (الاختصاص)؛ الملاحقات القانونية ( المقاضاة)؛ مسؤولية الدولة ؛ التعذيب

تبحث هذه المقالة في الالتزامات التي تفرضها اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة على الدول الأفراد لتجريم ومقاضاة ومعاقبة أعمال التعذيب بمقتضى القانون الجنائي الوطني. والمقالة تقوم بهذا من خلال الاستكشاف التام لأحكام الاتفاقية ذاتها ولقانون الدعوى المحلي والدولي.

مقدمة
عند تبني اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من المعاملة والعقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة (3) كان التعذيب محرما قبل ذلك بمقتضى القانون الدولي. وكان الغرض من الاتفاقية تعزيز التحريم بإجراءات محددة وقائية وعلاجية. وبكلمات الجمعية العمومية للأمم المتحدة : لتحقيق" تطبيق أشد فعالية للتحريم الحالي بموجب القانون الدولي والوطني لممارسة التعذيب وغيره من المعاملة والعقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة "(4) وربما كان من بين أكثر المقاييس جوهرية هو الشرط الأساسي بأن تضمن الدول الأطراف تحريم التعذيب ومجازاته بموجب قوانينها الجنائية المحلية.
ويقوم القانون الدولي عموما بترسيخ قواعد فيما يتعلق بالمسؤولية القانونية للدول ذات السيادة لا المسؤولية القانونية للأفراد. واستثناءا من ذلك ، تطورت هيئة قانون دولي تفرض المسؤولية الجنائية الدولية على الأفراد.(5) ولكن ذلك يفتح الباب للجدل من حيث أن أقوى الآليات للتغلب على حصانة الأفراد عن أعمال التعذيب هي ما يشترطه القانون الدولي بصورة أساسية إلى حد أنه يجب على كل دولة تجريم التعذيب على المستوى الوطني، ومقاضاة مرتكبيه بموجب قوانينها المحلية، وفي محاكمها المحلية. وتهدف هذه المقالة إلى إيجاز الالتزامات المفروضة صراحة على الدول التي دخلت طرفا في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بتجريم ومقاضاة ومجازاة أعمال التعذيب بمقتضى القانون الجنائي الوطني.

وتتمتع أجهزة القانون الجنائي الوطني بقدرة عامة كبرى وكذلك إجراءات أكثر تطورا وهي بوجه عام ذات موارد أفضل مما يتوفر لمحاكم تنفيذ القانون الجنائي الدولية التي تم إنشاؤها حتى اليوم. ولهذا نجد أن للمسؤولية الجنائية للأفراد التي توضع وتنفذ بموجب أنظمة القانون الجنائي الوطني لها أهمية عملية جوهرية بالنسبة للقضاء عالميا على الحصانة من العقوبة عن جرائم التعذيب. و اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب باشتراطها على الدول تجريم جميع أنواع التعذيب في كافة الظروف إن هي إلا الحصن الواقي من الحصانة. وفي حين كان المتطلب بأن تجرم الدول التعذيب بموجب قوانينها الوطنية حاضرا في المعاهدات والاتفاقيات الأسبق و الحالية إلا أن هذه الوثائق ليست في ذاتها ملزمة قانونا،(6) أو أنها على أحسن تقدير محدودة في مجال تطبيقها من حيث الجغرافية (7)والسياق.(8)

تدرس هذه المقالة القضايا التالية:
 نطاق الجرم
 العقوبة الملائمة
 الولاية القضائية العالمية
 تسليم المشتبه بهم و التقديم للقضاء
 الاعتقال الإلزامي للمشتبه بهم
 الحصانة بموجب القانون الدولي
 التعاون في مذكرات وأوامر القانون الجنائي
 الإنصاف مع المتهم
 امتثال الدولة

يبدأ القسم التالي هذه المراجعة ببحث نطاق أو مدى الجرم المتمثل في التعذيب وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.

نطاق الجرم

تعتبر المادة 4 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب حجر الأساس في أحكام التجريم التي تضمنتها الاتفاقية حيث تنص هذه المادة جزئيا على ما يلي:
"4(1)- تعمل كل دولة طرف على ضمان أن تعتبر جميعُ أعمال التعذيب جرائم بموجب القانون الجنائي."

سيدرس هذا القسم نطاق أو مدى الالتزام بموجب المادة 4 من خلال التركيز على تعريف التعذيب، و الاشتراك، والمشاركة في التعذيب والقيود على الدفوع على تهمة التعذيب.

التعريف

ينطوي التعريف الخاص بـ"التعذيب" المتضمن في المادة 1 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ينطوي بالطبع على أهمية حاسمة فيما يخص الالتزام بموجب المادة4. يبدأ هذا القسم الفرعي بتحديد العناصر في المادة 1 ومن ثم يبحث في الكيفية التي يطبق بها التعريف في الأنظمة القانونية الوطنية . بعد ذلك يبحث في ما إذا كان التعذيب بإهمال متعمد (الإغفال أو التغافل) مشمولا في التعريف كما يبحث في مسألة " العقوبات المشروعة أو القانونية "، و أخيرا يقدم مراجعة للصلة المطلوبة بين إيقاع الألم والسلطة العامة .

المادة 1 اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب



كان تعريف التعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب موضوعا لدراسة مفصلة في موضع آخر.(9) ولكن من المفيد إعادة ذكر بعض العناصر الرئيسية. ولأغراض اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب يعرّف التعذيب ليشمل السلوك التالي:
(أ‌) أي عمل يتم بموجبه إيقاع ألم شديد أو معاناة سواء أكانت بدنية أم نفسية على شخص ما.
(ب) يجب أن يكون الألم أو المعاناة موقعا بنيّة وقصد على الشخص.
(ج) يجب أن يكون إيقاع الألم أو المعاناة لأغراض مثل الحصول منه أو من شخص ثالث على معلومات أو اعتراف أو معاقبته لعمل قام هو أو شخص ثالث بارتكابه، أو لكونه مشتبه به بارتكابه أو لتخويف أو إكراه هذا الشخص أو الشخص الثالث لأي سبب بناءا على تمييز من أي نوع يكن.
(د) يجب إيقاع الألم أو المعاناة بتحريض أو بناءا على تحريض أو بموافقة أو سكوت من مسؤول عام أو شخص آخر يعمل بصفة رسمية.


تجريم التعذيب

ضمن خطة الاتفاقية تم تمييز (التعذيب) عن الفئة الأعم " للمعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة " ، وتسري أحكام التجريم فقط على ( التعذيب) بمعناه الحرفي. وبالرغم من أن لجنة مناهضة التعذيب علقت على غياب أحكام القانون الوطني المجرّمة للعقوبة غير الإنسانية أو المهينة في حالة واحدة،(10) إلا أن الاتفاقية لا تعتبر بوجه عام أنها تشترط على الدولة القيام بتجريم معاملة كتلك إلا حين تصل إلى حد التعذيب في حد ذاتها. ولكن، لا الاتفاقية ولا المعاهدات الأخرى تستثني إمكانية أن يطلب القانون الدولي العرفي العام تجريم بعض أشكال المعاملة السيئة على الأقل والتي لا تصل إلى مرتبة التعذيب: تنص المادة 16(2) من الاتفاقية على ما يلي:

" لا تخل أحكام هذه الاتفاقية بأحكام أية اتفاقيات دولية أخرى أو قانون وطني تحرّم المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة أو التي تتعلق بتسليم المتهمين أو الترحيل."

وفي هذا المجال، من الجدير ملاحظة أن إعلان الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب يذكر أنه:
" إذا تبين أن هناك أساسا قويا للادعاء بوجود أشكال أخرى من المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة ، فإن الجاني أو الجناة المزعومين سيخضعون لإجراءات قانونية جنائية أو تأديبية أو غيرها من الإجراءات القانونية الملائمة."(11)

التعريف على المستوى الوطني

حذر بيرغرز و دانيليوس اللذان كتبا بعد تبني الاتفاقية بوقت قصير من أنه ينبغي النظر إلى المادة 1 من حيث أنها توفر وصفا تنويريا عن التعذيب لأغراض اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب فضلا عن تعريف قانوني يمكن تطبيقه مباشرة في قانون العقوبات المحلي.(12) كما عبرا عن رأيهما في أن الطلب في المادة 4 بتجريم التعذيب لا يعني بالضرورة بأن يكون هناك جرما منفصلا خاصا تحت مسمى " التعذيب" يشمل فقط السلوك المبين في المادة 1 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.(13) ومن وجهة نظرهما أنه من الممكن جعل التعذيب يشمل فئات جرميّة أوسع مثل الاعتداء بالرغم من أن كافة الحالات التي تقع ضمن تعريف المادة 1 ستكون خاضعة للعقاب بصورة ملائمة بموجب هذا الحكم أو ذاك من أحكام القانون الجنائي الوطني. وكما سيُرى أدناه لم ينج هذا الموقف من التشكيك بفضل العمل اللاحق للجنة مناهضة التعذيب، وهي الهيئة الدولية المكلفة بتفسير اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.

والدولة التي تختار عدم سن قانون بجرم محدد بصورة مفصلة على أنه تعذيب قد تعقد مهمتها أو واجبها المتمثل باحترام التزاماتها الأخرى بموجب الاتفاقية. فمثلا، إن تفعيل الولاية القضائية الخاصة الموسعة بموجب المادتين 5 و 7 من الاتفاقية ابسط بكثير فيما يتصل بالتعذيب بصفته جرما محددا بصورة منفصلة.(14) وعلاوة على ذلك قد لا تكون الدول في تقاريرها الدولية للجنة مناهضة التعذيب قادرة على تقديم بيانات إحصائية ملائمة إذا لم يكن هناك جرم محدد بصورة منفصلة في الدولة.(15) ولهذه الأسباب وغيرها رُفضت آراء بيرغرز و دانيليوس الأسبق تدريجيا من قبل لجنة مناهضة التعذيب. ومع مرور الزمن، قامت لجنة مناهضة التعذيب بحثّ الدول على إيجاد تصنيف منفصل وتعريف لجرم التعذيب يتواءم مع ذاك الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في السنوات القليلة الماضية رافعة هذا التفضيل إلى مستوى الشرط الأساسي.(16) وعليه، فإن التفسير المعاصر لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب واضح وضوح الشمس.(17)
• على كل دولة أن تعرف التعذيب كجرم مستقل بموجب مجموعة قوانينها بحيث يكون متميزا عن الجرائم الأوسع كالاعتداء.
• ليس من الضروري أن يكرر تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب حرفيا – فيمكنه أن يكون أوسع من تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ، ولكن عليه أن يغطي في الحد الأدنى السلوك ذاته الذي غطاه تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ؛
• عبرت اللجنة في مناسبات متعددة عن المتطلب المتمثل في أن يكون التعريف المحلي " متماشيا مع" أو " يتقيد حرفيا مع " تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ، وغالبا ما كانت اللجنة توصي ببساطة دمج تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب .

التعذيب بواسطة الإغفال (أوالتغافل)

الإشارة في المادة 1 إلى " الأعمال" وليس " الإغفال" يخلق لبسا فيما يتعلق بنطاق السلوك الذي يجب أن يجرّم بموجب المادة 4. ولكن كبار المعلقين يوافقون على أن بعض أنواع الإغفال ( أوالتغافل) على الأقل كعدم القيام قصدا بتزويد السجين بالطعام والشراب تندرج تحت نطاق السلوك الذي تشمله كلمة " أعمال" في المادة 1 بافتراض وجود العناصر الأخرى وهي النية والغاية والارتباط بوظيفة عامة .(18) وسيكون هذا بالتأكيد أكثر اتساقا مع هدف وغاية اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب مما سيكون من استثناء التعذيب الممارس بواسطة الإهمال المتعمد (التغافل) ولكنه من كافة النواحي الأخرى مماثل للتعذيب الممارس بفعل ايجابي. ولا يبدو أن لجنة مناهضة التعذيب قد علقت على هذه المسألة.



العقوبات المشروعة

تنص المادة 1 على أن التعذيب" لا يتضمن الألم أو المعاناة الناشئة فقط من أو موجود في صلب أو المترتب على عقوبات مشروعة ( مباحة قانونا)". وأثناء عملية صياغة المسودة كانت هذه الفقرة خاضعة أساسا للفقرة الشرطية بأن العقوبات القانونية يجب أن تكون في ذاتها متسقة ومنسجمة مع قواعد الحد الأدنى الموحدة للأمم المتحدة لمعاملة السجناء،(19) ولكن بما انه لم يقصد من القواعد الدنيا في ذاتها أصلا أن تكون ملزمة قانونا، اعتـُبر دمجها في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب الملزمة قانونا غير ملائم.(20) ولكن يبقى هناك جدل غير قليل يتعلق بمدى استثناء " العقوبات المشروعة".

فعلى سبيل المثال ، لا تحدد اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ما إذا كان يجب أن تكون العقوبة " مباحة (أو مشروعة)" فقط بموجب القانون الوطني النافذ، أم إنها يجب أيضا أن تمتثل للقانون الدولي بما في ذلك تحريم المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة ،(21) و المعاهدات الإقليمية كالاتفاقية الأوروبية الخاصة بحقوق الإنسان.(22) وعند التبني، كان موقف كل من إيطاليا و هولندة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية أن " مشروعة" تعني في الواقع مشروعة وفقا للقانون الدولي.(23) وقامت دول أخرى لاحقا بإعلان مواقف مشابهة.(24) وبالتالي فإن التشريع الوطني الذي يمنع المسؤولية الجنائية بسبب العقوبات المشروعة بموجب القانون الوطني، ولكنه يصمت فيما يتعلق بالقانون الدولي سينتهك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب . لكن بعض الدول الإسلامية فسرت عبارة العقوبات المشروعة على أنها تسمح بأشكال معينة من العقاب محددة في الشريعة الإسلامية ( وبالتالي في قوانينها الوطنية) مثل أنواع خاصة من القصاص البدنيّ.(25)

ويعرض انغيلز حجة إجبارية بأن " العقوبات المشروعة" يمكن أن تشير فقط إلى القانون الدولي وان القانون الدولي يحرم القصاص البدني.(26) وتعكس هذه الحجة الموقف المتخذ سابقا من قبل المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب في تقريره لعام 1997 الذي ردت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عليه بتبني قرار دون تصويت يؤكد للحكومات إن " القصاص البدني يرقى إلى مستوى العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة بل حتى إلى مستوى التعذيب"(27)وقد توصلت محكمة حقوق الإنسان بين- الأمريكية حديثا إلى الاستنتاج نفسه استنادا إلى القانون الدولي العرفي العام.(28) وبعد لبس غير قليل تبنت لجنة مناهضة التعذيب موقفا مشابها معتقدة أن أشكال مختلفة من القصاص البدني تنتهك الاتفاقية.(29) ومن حيث الجوهر،إذن، يجب أن يكون دور استثناء " العقوبات المشروعة " في أضيق نطاق: وقد يكون دوره منحصرا فقط في توضيح أن " التعذيب " لا يتضمن الألم العقلي/النفسي المبرح الناتج عن حقيقة الحبس (الاحتجاز) بعينها. ويمكن لهذه الفئة المحددة من المعاناة العقلية/نفسية أن تكون فعلا شديدة وحادة جدا لكنها طبيعية وإلى درجة ما تكون نتيجة مقصودة لاستعمال الحبس أو السجن كعقاب لجرائم خطيرة. ودون وجود الاستثناء ربما سيكون هناك حد أدنى من المخاطرة تتمثل في أن تمنع اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بصورة غير مقصودة وغير واقعية استعمال السجن كعقاب؛ ولكن لو أن هناك استثناءا محددا يصاغ بصورة أكثر إحكاما لتحقق هذا الهدف دون الوقوع في اللبس المؤسف الذي أحدثته صيغة " العقوبات المشروعة".
ويمكن لاستثناء العقوبات المشروعة أن يثير مشكلات مفاهيمية و فنية أخرى في التطبيق على الصعيد الوطني. فمثلا، في مراجعة تقرير المملكة المتحدة الدوري الرابع عبرت لجنة مناهضة التعذيب عن القلق من أن القسم 134(5) من قانون المحكمة الجنائية في المملكة المتحدة ينص على الدفاع عن سلوك مسموح به بموجب قانون أجنبي حتى لو كان غير مشروع بموجب قانون المملكة المتحدة.(30)

ومن الواضح أن اللجنة لم تقتنع بحجج الحكومة العديدة التالية: ( أ) أن ذلك الدفاع ضروري لتوفير قدر ملائم من الحماية للجراحين بسبب التعريف ذي الصياغة الفضفاضة للجرم في قانون المملكة المتحدة الذي يستثني متطلب "الأغراض " التي يصعب إثباتها من أجل تيسير الادعاء وأنه حيث كان الجراح يعمل في ظل ولاية قضائية أجنبية فإن الدفاع يشير فقط إلى القانون الأجنبي(31)؛ (ب) وانه لأسباب شبيهة من الضروري من اجل أن يتلاءم مع المعاناة المتأصلة في حقيقة السجن ذاته؛(ج) أن على المتهم أن يثبت أن القانون الأجنبي نفسه يسمح بالتعذيب وأن هذا ليس واقعيا لأنه" حتى في القضايا ذات السمعة الأسوأ يـُقـَر التعذيب ليس بالقانون ولكن بانعدام القانون من خلال إساءة استعمال النفوذ و بالفساد"(32) و(د) إن محاكمها لن تعتبر أن أي إساءة استعمال للنفوذ " مباحة ومشروعة ، بصرف النظر عما ينص عليه القانون، وأنها ستعود إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب للمساعدة على تفسير الأحكام إذا لزم الأمر".(33) وربما تسرعت اللجنة في رفض حجة الحكومة لصالح تجنب المهمة الصعبة المتمثلة في إثبات غرض ذاتي؛ ولكن الأساس في الموضوع هو أن اللجنة ستراجع أي استثناء " لعقوبات مشروعة" بشك كبير جدا. وسيبدو هذا جزءا واحدا من تعريف التعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب الذي لا تفضل اللجنة أن تعمد الدول إلى تكراره بحرفيته في تشريعاتها الجنائية الوطنية.

السلطة الرسمية

تجعل صياغة تعريف التعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب من الواضح أن المسؤولين الرسميين ليسوا فقط اؤلئك الذين يشتركون مباشرة في التعذيب ولكن أيضا اؤلئك الذي يغضون البصر عن أعمال التعذيب هذه التي تنفذها جماعات غير رسمية كالهيئات والمنظمات البرلمانية، وأن هذه الأعمال يجب أن تقع ضمن حدود المسؤولية الجنائية.(34) ولكن، عند تطبيق التعريف في سياق قانون جنائي وطني فقد تكون هناك صعوبات عملية في توفير أو تقييم الدليل على السكوت والقبول في حالات خاصة. كما إن هناك تداخلا بين هذا الجانب من التعريف والأمر الصريح في المادة 4(2) بأن" الاشتراك في الجريمة أو المشاركة " في أعمال التعذيب يجب تجريمهما أيضا بموجب القانون الوطني. وسوف نبحث هذا الموضوع بقدر أكبر من التفصيل أدناه:
الاشتراك أو المشاركة في الجريمة

تنص المادة 4(1) من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب على ما يلي:
"4(1) تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قوانينها الجنائية. وينطبق الشيء ذاته على الشروع بإنزال التعذيب وعلى فعل يقوم به أي شخص يشكل اشتراكا أو مشاركة في التعذيب."

إن المسؤول الذي يأمر أو يعطي التعليمات للآخرين بالقيام بالتعذيب يجب بناءا عليه أن يخضع للمسؤولية الجنائية بمقتضى للقانون الوطني.(35) والأطباء الذين يتورطون في التعذيب يجب أيضا جلبهم بموجب أحكام القانون الجنائي الوطني.(36) وقد " اتخذ" بعض أعضاء لجنة مقاومة الإرهاب " الموقف" بأن المادة 4 تأمر بتجريم الشروع بالتعذيب بالمثل.(37)
وفي حين أن من الواضح أن غض البصر أو السكوت قصدا من طرف مسؤولي الدولة كما هو متضمن في تعريف التعذيب في المادة 1 ان هذا يحمّل الدولة المسؤولية بموجب القانون الدولي، ولا يربط نص الاتفاقية صراحة الكلمات في المادة 1 وهي "التحريض" و "الموافقة " أو " السكوت" بكلمات المادة 4 " الاشتراك أو المشاركة". وبالتالي ليس من الواضح من ظاهر الاتفاقية ما إذا كان كل مسؤول عام فرد ممن يتورطون بموجب المادة 1 بصورة تكفي لجعل الدولة مسؤولة سيصبح في كافة الحالات مسؤولا بصفته فردا مسؤولية جنائية.وفي رأي بيرغرز ودانيليوس أن كل مثل هذا " التحريض، الموافقة، أو السكوت" ينبغي اعتبارها مشمولة بالمصطلح "الاشتراك أو المشاركة في الجرم" في المادة 4.(38) ويجد هذا الرأي دعما له في النتائج الحديثة التي توصلت إليها لجنة مناهضة التعذيب من أن تجريم أذربيجان المحلي للتعذيب لم يمتثل امتثالا كاملا بالمادة 1 من الاتفاقية" لأنها لم " تنص على المسؤولية الجنائية للمسؤولين الذين أعطوا موافقة ضمنية على التعذيب."(39)
وقد اتـُفِق داخل مجموعة العمل التي قامت بصياغة مسودة الاتفاقية على أن " الاشتراك أو المشاركة في الجريمة" تتضمن أعمالا تتصل بالتغطية على أو إخفاء حالات التعذيب.(40) ويثور النقاش من سؤال عما إذا كانت العبارة الإنجليزية " الاشتراك أو المشاركة في الجرم" تشتمل على مفهوم " الكتمان أو التكتيم أو الإخفاء" الوارد في القانون الأسباني وتعبر عنه كلمة encubrimiento . كما اتفق على أن الكلمة المذكورة ستضاف إلى النص الإسباني من المعاهدة لمزيد من التوضيح بأن مثل هذا السلوك متضمن في عبارة النص الإنجليزي " الاشتراك أو المشاركة في الجريمة" (41) وبالرغم من أن encubrimiento لا تظهر في واقع الأمر في النص الإسباني النهائي من المعاهدة إلا انه لا يوجد ما يشير إلى أن إسقاطها كان مقصودا منه إزالة أعمال الكتمان أو الإخفاء من نطاق السلوك الذي يجب تجريمه بموجب المادة 4(1). وبناءا عليه فإن الدول ملزمة - في أقل القليل - بتجريم الأعمال "الايجابية" المرتكبة بنية كتمان أو إخفاء فعلة تعذيب أو تركها تمر دون عقاب؛ وقد يكون أيضا أنه يمكن ان يشمل مصطلح" الاشتراك أو المشاركة في الجريمة حالات إغفال مقصودة أخرى كانت بنية كتمان التعذيب ".(42)

الدفوع
يدرس هذا القسم الفرعي توفر دفوع بالموافقة ،أو بظروف استثنائية ،أو بأوامر عليا، أو بحدود زمنية قانونية فيما يتعلق بالالتزام المتمثل في تجريم التعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب .

الموافقة
بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب يمكن للدول أن تسمح بالدفع بالموافقة على معالجة تنطوي على إلحاق قصدي بالألم أو المعاناة . ولن تقع المعالجة التي تحصل من خلال إعطاء موافقة حرة من الشخص الذي سيتلقاها - وأوضح الأمثلة على ذلك المعالجة الطبية بالرضا - لن تقع ضمن تعريف التعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في معظم الحالات أخذا بالاعتبار متطلب " الغايات" الذي تطلبه اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب .(43) وصحيح في الغالب أن حالة المعالجة الطبية ستقع دون رضا متلقي العلاج خارج نطاق متطلب الغايات في تعريف التعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، أو قد تعتبر بدلا من ذلك أنها تنطوي على " موافقة مفترضة " حين يقصد من المعالجة إفادة متلقيها مباشرة.(44) وليس من الواضح ما إذا كان سيكفي في حالة الموافقة المفترضة بالنسبة للمتهم بيان أن المعالجة كانت مقصودة بصورة ذاتية( يعني أن النية كانت منعقدة في ذهن متهم بعينه)، أو الفائدة المتحصلة من قبل المتلقي، أو ما إذا كان من اللازم الإثبات علاوة على ذلك أن معالجة كهذه كانت أيضا موضوعيا ( في ذهن شخص يفترض بصورة معقولة انه حسن الإطلاع في مكان المتهم) لمصلحة الفرد.
والتبرير المنطقي المفترض من قبل بيرغرز و دانيليوس هو ان المعالجة الطبية لا تنطوي على الم أو معاناة يتم إحداثها بقصد ضمن معنى تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب على اعتبار أنها مجرد "أثر جانبي" (45) ليس إلا ألم أو معاناة مدروسة تحدث كأثر جانبي لأساليب استجواب قد تندرج خارج نطاق تعريف التعذيب إذا كان إيقاع الألم ليس " الهدف بعينه" الذي يتوخاه المحقق.(46) في القانون الجنائي يتميز لسبب معقول مفهوم " النية / القصد" عن مفهوم "الغاية/ الغرض " أو الدافع. فمثلا تعتبر معظم النظم القانونية لأغراض دفوع الاعتداء أن الضرر المتوقع بصورة معقولة " قصدي" سواء أكان الغرض من الفعل إحداث الضرر في حد ذاته أم لم يكن. وما دام المتهم نوى ضرب الضحية فلا قيمة لسؤال الغرض أو الدافعية بالنسبة للمسؤولية الأساسية للمتهم عن الاعتداء ( بالرغم من أنها قد تشدد العقوبة أو تزيد الجرم). ويبدو أن هناك القليل من المنطق في تأويل مفهوم " النية / القصد" بصورة أضيق في سياق منع وتحريم التعذيب وخاصة مع الأخذ بالاعتبار أن التعريف يشترط قبل الآن "شدة" في الألم والمعاناة وأغراض/غايات محددة تتجاوز المعالجة الفورية.
ومن الضروري إدراك أيضا أن الدفع بالموافقة إذا صيغ أو طبق بصورة غير صحيحة قد ينتهك متطلبات التجريم بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب إذا كان مناورة بسوء نية أو لتجنب التحريم. وزيادة على ذلك، فإن معالجة كهذه وخاصة المعالجة الطبية بغير رضا المتلقي للعلاج يمكن أن تطبق بأسلوب مسيء أو غير أخلاقي. وحقيقة أنه قد لا يشكل " وغيره من المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة " التي تحرمها اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بالمثل والتي على الدولة بناء عليه أن تتخذ فيما يخصها إجراءات وقائية وعلاجية.

الظروف الاستثنائية

لا يمكن للجوء إلى عبارات مثل المصلحة العليا و الخير الأعظم وأمثالها من مفاهيم مثل الأمن القومي أو الوطني ، إجراءات مكافح





































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

رسم "بدل فساد

11-آذار-2015

قصة قصيرة / قانون النهار في تموز

15-آب-2009

من المحررات السلطانية لابن المخوزق

28-تموز-2009

مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح

30-حزيران-2009

بصيمة بالعشرة

27-حزيران-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow