Alef Logo
المرصد الصحفي
              

مسلّمات شخصية في حال لبنان

هاني فحص

2006-08-01

أسلّم بأن الولايات المتحدة الأميركية لم تربح أي واحدة من الحروب التي خاضتها... ولكنني أسلّم بأنها ربحت الحرب الباردة، ومتى؟ بعد هزيمتها في فيتنام. من هنا لدي خوف حقيقي من أطروحة الشرق الأوسط الجديد، وأدعو الى التدقيق لعلنا نهيئ معاً أسباب الممانعة... على أن الارادة وحدها لا تكفي.
- أسلّم بأن «حزب الله» لم ينهزم، ولكن انتصار الحلفاء في الحرب رتب عليهم أعباء جسيمة، في حين أن اليابان نهضت في ظل ماك آرثر وأصبحت المانيا أقوى الدول الأوروبية وأغناها. تقديري أن انتصار مقاتلي «حزب الله»، يأتي استثناءً في مشهد هزيمة شاملة تراكمت منذ زمن بعيد. والمسؤول عنها أولاً نظامنا العرفي – حركة المعرفة –، وثانياً التربوي، والسياسي ثالثاً (حتى معرفتنا بالدين كانت ضد الدين).

والاعتراف بهذه الهزيمة، كالاعتراف بالمرض لدى المريض وأهله والطبيب، هو بداية العلاج، واذا ما اعترفنا أصبح في إمكاننا أن نوظف مفعول الانتصار في النهوض. لقد بدأت اليابان من ثقافتها المكوّنة، أنزلت الامبراطور من السماء الى الأرض، فبدأت نهضتها. هل نستطيع أن نحقق الشرط الثقافي والمعرفي لتمييز النصر عن الهزيمة وتحقيق النهضة من دون وهم أو تسرع؟ أنا وحدي لا أملك الجواب، والأفضل ان يعترف كل منا بأنه لا يملك الجواب وحده. إن المعرفة والنهضة هما جهد عقلي وعملي مشترك، فهل نؤسس للمشاركة بدل الإلغاء؟
- أسلّم بأن اسرائيل يمكن أن تقبل بالخسارة في معركة صغيرة أو كبيرة (عبور قناة السويس، تحرير لبنان بالمقاومة عام 2000)، ولكنني لا أسلّم بأنها تقبل أن تخسر حرباً. وهذه الارادة كانت حاضرة في كل التاريخ الصهيوني، والآن ربما كان حضورها أشد عمقاً من الماضي، لأن المسافة بين الكيان العبري الغاصب وبين المشروع الغربي ذي الحصرية الأميركية، قد قصرت أو أصبحت لاغية، ولا يعدل من هذه النتيجة كون الكيان العبري جغرافياً في الشرق الأوسط، واسرائيل أصبحت جزءاً من الغرب وشريكاً، لم تعد تقاتل بالوكالة عن أحد، بل صارت تقاتل بالأصالة عن نفسها بما هي غرب في الشرق.
- أعيد التأكيد أنني أسلّم بانتصار «حزب الله». فإذا ما اعتبرناه نهائياً خسرناه ولا يمكن أن نحافظ عليه إلا اذا جعلناه كما جعلنا التحرير مجال شراكة للجميع، وإن لم يكن الجميع قد شاركوا فيه ميدانياً وفي شكل مباشر، فإنهم شاركوا فيه في شكل غير مباشر على أن مصلحة ما حققوه ميدانياً هي في إشراك الجميع في نتائجه وثمراته وصيانته.
وعلى هذا فلا بد من الخروج من حساب الحصص، فإذا كان الحساب العادي يعطي لـ «حزب الله» أو للشيعة في لبنان حقاً في كمية من المكاسب على ما فعلوه، فإن مصلحتهم المضمونة لن تتحقق إلا في التخلي للبنان عن جزء من هذه الكمية والإبقاء على ما هو مجزٍ وكاف من الربح والمحافظة عليه وتنميته بالشراكة مع الجميع، أي الكون معاً في بيت الطائف دستوراً وميثاقاً. أسلّم بأن «حزب الله» وحركة «أمل» يتحملان قسطاً كبيراً من المسؤولية عن حصرية الرأي والفعل الشيعي السياسي فيهما. وقبل أن أناقش في هذا الأمر أتساءل هل هناك في لبنان الماضي والحاضر حزب سياسي ديني أي طائفي أو علماني حقيقي أو مموه، كياني أو قومي أو أممي، إلا ويطمح أو يطمع بأن يختزل الوطن والمواطن فيه؟ وإن كان هناك شيء من الواقعية لدى الأحزاب غير الدينية التي أدركت صعوبة ذلك، فإن الأحزاب الطائفية لم تقصِّر في العمل على اختزال طوائفها وإلغاء الآخر وخاضت حروباً شنيعة في ما بينها من أجل ذلك.
إذاً، لماذا التعامل مع الاختزال أو الحصرية الشيعية وكأنها بدعة في تاريخ العمل الحزبي؟ لماذا لم يتبلور الخط الثالث مبكراً؟ وقبل أن يصبح الشيعة إدارياً الى حد تام وسياسياً الى حد كبير، في يد حركة «أمل» ثم ليصبحوا في غالبيتهم الساحقة سياسياً في حضن «حزب الله»؟
كانت هناك مقاومة اعترض عليها كثيرون ثم سلموا بصدقيتها، وكان هناك كثير من الايجابيات والسلبيات والفراغات التي جعلت الحصرية ثنائية ثم ما لبثت أن مالت الى حصرية أحادية لـ «حزب الله» بدت وكأنها استحقاقه. ثم نسأل هل أن مجموع اعتراضات آتية من حساسيات مختلفة ومتناقضة أحياناً، تصلح لاختراع بديل أو خط ثالث؟ ولنفترض أن «حزب الله» متعسف في احتكاره للرأي العام الشيعي، وهذا كلام سهل وتبسيطي لواقع أشد تعقيداً، ولكن أين هو الحق والحقيقة؟ والخط الثالث هل في إمكانه أن يحمل أطروحة بديلة؟ حسناً ولكن متى؟ الآن!!! كأننا ننتهز الفرص، كأننا نحاول أن نجني الثمرة لغير وقت ايناعها! كما يقول الإمام علي في «نهج البلاغة».
- أسلّم بأن الواقع أشد تعقيداً من هذه الحساسيات المستيقظة على مشهد اسهمت في رسمه وتلوينه، وأسلّم بأن «حزب الله» وحركة «أمل» يعتبران على غير حق اذا ما اعتبرا الطموح الى خط ثالث خيانة أو أمراً غير مشروع. ويبقى على من يفكرون بهذا الأمر الاّ يتسرعوا وأكثر من ذلك أن يكونوا شديدي الحرص على استقلاليتهم.
وإن كنت في آخر هذا الكلام أعبر عن شعوري بتناقض ما في الفكرة التي بدأ تداولها منذ سنة وبضعة أشهر، منذ الخروج السوري من لبنان (خط ثالث شيعي!!!) كأننا على موعد مع حزب طائفي جديد، سيكون ثالثة الأثافي الطائفية على المستوى الشيعي أو أن هناك نية في تركيب شكل طائفي على مضمون مدني أو وطني وهذا من العجب العجاب ولا داعي لإطالة الكلام فيه. واذا ما كان العنوان (شيعة) فالشيعة العقائدية التي لا أحبذها في العمل السياسي أولى بالشيعة من الشيعية الملفقة. تقديري أن الشيعة في لبنان لا يحفظهم تمايزهم بل اندماجهم. والتحرير الذي حققوه لا ينفعهم اذا استثمروه طائفياً، لأن ذلك يلغي الوطن والدولة والشيعة معاً. حذار حذار من أن يقع بعض المخلصين من مثقفينا وناشطينا وأساتذتنا ومناضلينا في الشبهة (البيتانية) من حيث لا يرغبون ومن موقع عدائهم للصهيونية وتاريخهم المجيد في المقاومة والممانعة.
- أسلّم بأن كل الكيانات الصغرى والكبرى من حولنا مهمومة بمصالحها الوطنية ولا أسلّم بأننا كذلك. بعد الطائف شعرنا بأننا على موعد مع وطن ودولة ثم بدأ هذا الشعور يتناقص حتى بات أكثرنا إن لم يكن الجميع يشعر بأن لا وطن له (الوطن منفرد). غاية الأمر أن بعضنا مغموم ومقهور من هذا الواقع وبعضنا منشرح ومرتاح. أسلّم بأن الولايات المتحدة لا تريدنا إلا واحداً من اثنين: إما تابع خاضع وإما عدو لا يدخر لها إلا السم الناقع. أما أن نكون أصدقاء أو شركاء بما يعادل إمكاناتنا وإسهاماتنا ورغباتنا المشروعة فلا. وأكثر من ذلك فقد ضيعنا فرصاً في الماضي كان يمكن خلالها أن نكون متكافئين مع النفوذ الصهيوني على واشنطن أو أقل من ذلك بقليل أو بكثير لا مجرد أعداء أو عملاء.
- أسلّم في الختام بأن تجربة اسرائيل في مارون الراس وبنت جبيل قد فشلت في تحقيق دفرسوار يحوّل النصر الى رهينة ويفرغه من مضمونه. والثقة بالمجاهدين هناك عالية ولا غبار عليها. غير أننا نخاف أن تعمد اسرائيل الى تضخيم حجم المأساة الانسانية في الدمار والموت والتأسيس لأزمة معيشية وسكنية وصحية طويلة الأمد تكون أرضاً صالحة لتشويه أو انتقاص أو الغاء مضمون الصمود والنصر. أما كيف نتفادى هذا الأمر فهو في رأيي عن طريق الوصول بالتناغم بين «حزب الله» والدولة الى غايته القصوى وتحويل مجموعة التفاهمات التي حصلت الى الآن من تكتيك الى استراتيجية بعيدة المدى، أي العودة الى حفظ المقاومة بالدولة وحفظ الدولة بالمقاومة حفظاً للوطن والمواطن، واذا ما أردت أن تُطاع فَمُرْ بما يستطاع.
* كاتب لبناني.
الحياة - 02/08/06//













تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

بين الدين والعلم.. التكامل بدل التقابل

29-نيسان-2017

بين الدين والعلم.. التكامل بدل التقابل

19-كانون الأول-2013

مسلّمات شخصية في حال لبنان

01-آب-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow