Alef Logo
يوميات
              

بيوت في دمشق وحلب والقامشلي.. مقاهٍ في جبلة واللاذقية

قيس مصطفى

2009-06-05


ثمَّة أمكنةٌ ندخلها مرة، فينتابنا فيما بعد حنينٌ جارفٌ إليها، وكأننا ولدنا في تلك الأماكن!.. هكذا يمكنك أن تنتمي إلى مدن قد لا تعرف فيها إلا بضعة أزقَّة ونيِّف، وهكذا أيضاً قد تعشق بيوتاً بالكاد جلست في مضافاتها قليلاً من الوقت.. رفعت فيها أنخاب الحالمين إلى سماء عالية.. لا أحد يعرف بصحّة من تشرب اليوم وبصحّة من تشرب غداً، ولا أحد يعرف إلى أيِّ جهة تميل القلوب. لكنَّ قلباً يميلُ إلى جهة ا­لبحر أكثر قرباً من خيار البوصلة الصحيح. ولا يمكن أن ننسى قبل أيِّ استفاضة أنَّ «بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة» كما يقول مظفر النواب.

ثمة من يقول إنَّ الأماكن هي سكانها. وعليه لن يكون الاهتداء إلى قلعة الشاعر حازم العظمة على طريق المطار إلا ضرباً من العبث؛ فالذهاب إلى هناك سيجعلك في اللحظة ذاتها في عرضة للشعر ووحوش البرية التي تستقلُّ بدولة العراء على تخوم «عراس» ذات الطريق القصيرة. إنه بيتٌ بمثابة واحة في صحراء. في قلعة حازم العظمة ستخضع بتاتاً إلى ديكتاتورية الشعر وزوجته الممثلة المسرحية أمل عمران، وستقعُ -بلا أدنى شك- في مساءات شتوية تحت براثم المدفأة وتسلطها على معارك الرأي التي تقام هناك.. معارك رائعة كلُّ خصومها رابحون.
وفي الجهة الأخرى من دمشق، يقيم الشاعر بندر عبد الحميد دارة لليوتوبيا.. هناك على تخوم شارع العابد، يقيم الشاعر الصامت مدينة فاضلة، ويولم لشعراء الأرض والسماء، على شرف الماضي والمستقبل.. إنه المنزل السماوي لأبي الطيب عبد الحميد، الذي اصطدمت جدرانه -كما يقال- بواقعية «ضيوف الرحمن».
في بيت عبد الحميد، اليسار واليمين والوسط على المشرحة، واسأل بلا مواربة: من سيغلب؛ ويسكي ثائر ديب، أم فودكا نوفل نيوف؟!.. وبلا تردّد قل: إنَّ الرابح هو ذاك الصمت المحيّر لبندر عبد الحميد.
أما باتجاه الأرياف، فعرِّج قليلاً على منزل الشاعرة أميرة أبو الحسن ذات السلوك الأميري.. هناك ستلقّنك صاحبة «احتفاء بشيء ما» درساً في الطيبة والأرستقراطية، بينما في بيت رشا عمران فاختر، تحت تهديد السلاح، أن تشرب القهوة أو المتة. تقول: «أشرب الشاي»، فتعفو عنك سيدة المكان. وكانت ستعفو مهما قلت.. هناك في أحد طوابق إحدى بنايات ضاحية يوسف العظمة.. الشعر قضية حياة أو موت، وحاذر فخاخ المستحيل.
صديقنا الروائي خليل صويلح اشترى بيتاً عن عمر قارب الخمسين؛ بيت هو العالم ولو ملكه متأخراً ولو لم يدفع كلَّ ثمنه أيضاً حتى الآن.. وداعاً للبيوت المستأجرة. ومنه اتجه شمالاً إلى بيت عبد المجيد حيدر، السيناريست الفلسطيني الكسول المغرم بعبد الحليم حافظ وبموسيقا الجاز، تناول وجبة لذيذة تعدّها رفيدة (زوجته الاستثنائية)، ثم اصطدم بابنيه المشاغبين عمر ورامة، واخسر مسبقاً.
في اللاذقية (مدينة الأخوين منذر ومرام مصري) تستطيل المقاهي لتقضم الأرصفة.. اللاذقية مقهانا وبيتنا الكبير.. إنها المدينة الوحيدة التي إذا قارنت بينها وبين باريس تكسب فيها اللاذقية الرهان كما يزعم الشاعر السعيد. اذهب إلى «قصيدة نثر» الفضاء الضيق باتساع.. ثمة فسحة للتنفس، وثمة ألفة. فتِّش عن صورتك بعد الزيارة الأولى على أحد الجدران، واعرف صور الأشخاص المعلقين على الجدران، واحزر لمن تلك الأبيات الملقاة هنا وهناك، واكتشف الخطأ النحوي في ذاك البيت. في فضاء بريء خليل ورامي غدير الشابين الجميلين كلُّ شيء جائز، وكلُّ شيء أحجية. تحدثك عناة الكنعانية عن «ناي» الفضاء الموازي لقصيدة نثر.. بصراحة لم نذهب إلى هناك حتى الآن وقريباً سنذهب.
30 كيلومتراً تقريباً من اللاذقية إلى جبلة الأسطورية؛ المدينة التي احتلَّها الشاعر العراقي الجميل علي حبش.. احتسِ العالم في بيت ياسر اسكيف، وانطلق إلى مقهى الزوزو، راقب بوسايدون وهو يقوم من قاع الأبيض المتوسط، في ساعات الغروب، وتذكر لحظة الخلق الأولى.. للتوّ بدأنا وأكلنا زيتوناً أخضر وفاكهة في بيت «فتاة» الجميلة.
في حلب لن تنسى بيت أم سلام -هناك ألقينا شعراً يوماً ما مع عبد السلام حلوم ومحمد فؤاد- ولا ننسى أيضاً بيت حسين برو.. يومها شرَّدنا أسرة لنقيم مهرجاناً شعرياً. ماذا عن القامشلي؟ نهاية العالم.. هناك يقيم محمد المطرود الشاعر الذي اختطَّ سيرة لبئر الحلم، وبنيان السلامة، الشاعر الفارس. أما من لا يعرف فواز العيدان هناك، فهو لا يعرف أحداً. أقسم على ذلك.. هل يقنعني أحد بأني لم أخرج من مخيم الشيح يوماً. في خان الشيح ثمة لافتة كتبت بالحبر السري، لا يراها أحد: هنا يقيم محمود ديب الامبراطور الذي يتسلى في أوقات فراغه بمراقبة العصافير.
مرسل لألف من اللكاتب
المقال منشور في جريدة بلدنا

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يحاضر في «أربعاء تريم الثقافي» / فراس السواح يقارن بين التاو والديانات الشرقية

24-آذار-2010

مديحة المرهش" عندما تواجه الرومانسية قسوة العالم وفجاجته

17-آذار-2010

الانتظار في زمن الفلافل وبيتزا الفصول الأربعة

28-حزيران-2009

حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد.. سوريون وفقط

23-حزيران-2009

السندباد الذي يريد أن يجد اسماً لمدينته المتخيَّلة!!

13-حزيران-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow