Alef Logo
يوميات
              

بورتريه للكاتب بين حانا ومانا

نعيم الغول

2009-06-11


هل شعر أحدكم أيها الكتـّاب الكرام بأنه بين حانا ومانا؟
وقبل أن ارتكب حماقة الاستطراد دون توضيح أقول إن حانا هي الشعب، لأن حانا في الحكاية الشعبية هي الزوجة القديمة، والشعب قديم أقدم من أبنائه وحكوماته، ومانا هي النظام العربي الرسمي – الزوجة الجديدة – التي تملك من وسائل السحر والتأثير ما يوجع جنب الكاتب الضائع بين الاثنتين.
ولكن لماذا يضيع الكاتب بين مفردات النظام العربي والشعب؟
أليس من المفروض أن تكون الحكومة – بصفتها مفردة النظام العربي الرسمي- من الشعب وفي خدمته وتتبع أوامره ونواهيه؟ أنا أقول ليس من المفروض، ولا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين. ولكن الكتـّاب وأخص بالذكر كتـّاب المعارضة لا يعرفون هذه الحقيقة الناصعة، ولهذا فهم مهمشون مبعدون مقصون، وهذا حال كل من فهم الواقع بطريقة مقلوبة.
هل قلت مقلوبة؟ نعم ، أمس دعينا إلى أكلة مقلوبة كان طباخها النتن ياهو والوجه السينمائي الجديد القادم من أصقاع سايبيريا المدعو ليبرمان. وقد شرحوا لنا بكل صبر إنجليزي ممزوج بصفاقة ألمانية ،ومبهر بتعالٍ فرنسي ، وغباء روسي طريقة عمل المقلوبة. ويا للهول، لقد اكتشفنا نحن النفر من الكتـّاب أننا كنا نأكل مقلوبة لم تكن أبدا مقلوبة.
مقلوبة النتن ياهو تقول بأن السلام ممكن جدا، بل وواجب، ولأن الموضة هي الاتيان بقواعد شرعية عند الحديث عن أي شيء استدل بالقاعدة الشرعية الإسلامية – لا تستغربوا! نتنياهو يريد أن ينافس إيران على قلب الشعوب العربية- التي تقول:" ما لا يدرك كله لا يترك جله"، وتقول أيضا" ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" والسلام واجب، ولكنه لن يتم إلا بشيء صغير تافه، لا يكلف أحدا شيئا، ألا وهو التنازل. وعلى من يركض وراء السلام تقديم تنازلات.
هل هناك ألذ من هكذا مقلوبة؟
ويمضي سيدنا الجديد إلى القول: وبعد إعداد كل المكونات وهي كما يلي:
أرز مصري + دجاج مزارع أردني + زيت خليجي + نار إسرائيلية = مقلوبة فلسطينية .
الأرز المصري = يلصق عند المعابر فلا أطعمة ولا أدوية ولا أسلحة
دجاج المزارع الأردني= مطيع ونخوجي ومستعد لدخول الشواية في سبيل الأخوة والأشقاء.
زيت خليجي = لتزييت أي شيء صدئ كالعلاقة بين شقيقين لدودين والتعويضات
نار إسرائيلية = لكي الوعي بشكل دائم والضرب بالشبهة.
المقلوبة الفلسطينية هذه يمكن أن تكون حكما ذاتيا بسيادة كاملة فيما يتعلق بقرارات الزواج والطلاق واختيار مخاتير الحارات، والذهاب إلى السينما أم البقاء في البيت، والاستفتاء على الرئيس عظم بهاؤه.
ولكن ما لا يعلمه النتن ياهو أن المكونات المذكورة مغشوشة المواصفات كما أعطيت له:
الأرز المصري يلصق في الطناجر فقط، ولكن يمكن أن يلصق في زور العدو الإسرائيلي في وقت لا يحسب له حسابا، وتجربة حرب أكتوبر المجيدة خير مثال وعدم التطبيع حتى الآن مثال ثان.
دجاج المزارع الأردني مطيع ونخوجي، ومستعد لدخول الشواية طالما اقتنع بالحق والعدل، وليس على حسابه وحساب أشقائه.
الزيت الخليجي لم يعد صالحا للطبخات التي تستغفله، وهو يفتش الآن عن طبخة واحدة تريح باله، وتثبت انتماءه لأمته العربية.
تبقى النار الإسرائيلية، وهي التي ستخمد حين تتحرك طفايات الحريق الشعبية من المحيط إلى الخليج ( من يقول إنني أحلم فليسأل أي شخص من المحيط إلى الخليج أنت عربي أم غير عربي؟ ( ما عدا أدونيس وسحبان السواح الأول يتناول موضوع العرب باعتبارهم عضوا تناسليا أفرغ ما لديه ونام، والثاني من منطلق أن العضو لم ينتصب أصلا فهو إما نائم منذ الأزل أو غير موجود) وليسأل الإسرائيليين هل توقفتم يوما عن تفريق العرب؟ وبما أنكم تؤمنون أن الوحدة العربية وهم، فهل تجازفون بترك العرب يجربون أوهامهم؟)
لنعد للكاتب. لدى مانا نصب تذكاري للكاتب المجهول. عند قدمي النصب يوجد عبارة كتبها أحد أساطين النظام العربي فخامة ملكيس المملكهورية تقول:

"مات عن عمر يناهز عمر حكمنا وحكم غيرنا ممن يؤمنون برسالتنا. قضى عمره في أعمال المداهنة والنفاق والرياء وتزيين كل ما نفعل وتقبيح ما يفعل أعداؤنا. يصفنا بالملهم والأب والقائد والأول في كل شيء. نعم البوق هو."
ولدى الشعب صورة للكاتب يظهر فيها رجل (في الغالب رجل لأن شعوبنا ذكورية وأرجو من النساء عدم التعليق في هذه اللحظة المصيرية من المقال) تبدو على وجهه علامات الذكاء الشديد، والحكمة العميقة، والجرأة المذهلة، وروح النكتة، والتحدي، والمجابهة، والتضحية بالغالي والنفيس، وتسويد السجون تمهيدا لتبييضها من قبل النظام الرسمي العربي."
ويظل الكاتب حبيب الشعب ما غمز ولمز في مانا وأعضاء البرلمان، ونهض لمحاربة الفساد.
ولكن إلى أي حد ستظل حانا تحب كاتبها؟
ما يحدث هو أن حانا تموت عشقا في نموذجها هذا، ولكنها تتركه يعتقل ويعذب ويلاحق في رزقه وقوت عياله ولا تحرك من أجله ساكنا؛ متى سمعتم عن مظاهرات شعبية عارمة عندما يعتقل كاتب أو يحول إلى محكمة أو يسجن أو يصدر بحقه حكم بغرامة تكسر الظهر وتميت الترائب؟
ولهذا فهم كثيرٌ من الكتـّاب الحقيقة المقلوبة هذه، فجنحوا للسلم مع مانا، وعدّلوا الحقائق المقلوبة. ولكن بقيت قلة غبية لا تريد أن تفهم، وتريد أن تظل الأمور مقلوبة. ومن مفارقات التاريخ أنه لا يسجل إلا مواقف هذه الفئة الغبية؛ لأنها الوحيدة القادرة على تغييره؟!

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

رسم "بدل فساد

11-آذار-2015

قصة قصيرة / قانون النهار في تموز

15-آب-2009

من المحررات السلطانية لابن المخوزق

28-تموز-2009

مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح

30-حزيران-2009

بصيمة بالعشرة

27-حزيران-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow