Alef Logo
الغرفة 13
              

منشار الرقابة الكهربائي

محمد عريقات

2009-06-28


المطبوعات والنشر تحيل مجموعة زياد العناني إلى الإفتاء، وتحكم على سمحان بالسجن والغرامة
إن من يتابع الصحافة هذه الأيام، لا يملك إلا أن يقف مصدومًا أمام الدور التي تقوم به دائرة المطبوعات والنشر من منع وإدانة وتكفير، ولم تكتفِ بهذا الحد بل وصل الأمر بها إلى حبس الشعراء وتوقيفهم، مؤكدة إصرارها على موقفها العدائي تجاه الكتاب والإبداع، وأن المنشار الكهربائي لن يقف عند هذا الحد من المنع والتضييق ومطاردة الأفكار، ولن يقف عند العناني أو سمحان بل سيمتد ليطول التجارب والإصدارات القادمة مهددا إياها بالتكفير والسجن، وفق بنود تجيز لها ذلك وتعود بنا إلى عصور الظلام ومحاكم التفتيش متخلية عن دورها الحقيقي في أن تكون صديقة للكاتب وحافظة لإبداعه الذي يدل على وجه بلده الثقافي المشرق.
"برشاقة ظل" المثقل بالسلاسل:
تناقل الإعلام ما حدث مع الشاعر الأردني إسلام سمحان على أثر صدور مجموعته الأولى "برشاقة ظل" حيث قام الصحافي فايز الفايز بكتابة مقالة تحريضية ضد الشاعر في موقع عمون الإخباري، والاتصال مع مفتي المملكة الدكتور "نوح القضاة"، وآخرين، وحثهم على تحريم الكتاب، فقام المفتي بدوره بتحريم الكتاب وبتكفير كاتبه على الهواء مباشرة في إحدى الإذاعات، وذلك في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان حيث بلوغ المشاعر الدينية أوجها، مما أدى لمصادرة الكتاب بتهمة الإساءة للأديان، وتوقيف الشاعر مدة أسبوعين على ذمة التحقيق وإحالته إلى محاكمة أفضت إلى حكمه بالسجن لمدّة عام وغرامة تصل إلى عشرة آلاف دينار.
"برشاقة ظل" باكورة إبداع الشاعر سمحان التي يغلبُ على رومانسيتها الطابع الصوفي التأملي في التقاط أدق تفاصيل الحياة اليومية، ووضع الإنسان في مكانته الحقيقية وتناوله من خلالها أي بين البهيمةِ والملاك، ليرسم بذلك الواقع الإنساني بغرائزه وطموحاته ومثاليته، بمفردات رشيقة ومجازات شفيفة لا تصل حد الانغلاق وانفلات التأويل، وتطرح ما هو جديد شكلا ومضمونًا في الوسط الشعري الراهن، إلا أن الرقيب شاء لرشاقة هذه المجموعة أن تكبل بالسلاسل طيلة عام، ولا أدري بأية منظور قرأها، وما حجّته وبيّنته التي تجيز له ذلك.
"برشاقة ظل" مجموعة شعرية مميزة بفنيّتها وموضوعاتها حيث يعتمد شاعرها على المجازات والإيحاءات التي تفيد غرضه الشعري من إعادة تشكيل واستخدام لبعض الجمل التراثية والدينية بعيداً كل البعد عن أية مقاصد تسيء للمقدسات أو الدين الإسلامي، وأتمنى من كل شخص يحمل في صدره كلاماً -بغض النظر إن كان من مؤيدي الشاعر أم لا- أن يتروى حتى يقرأ الكتاب لكي لا يكون كالببغاوات التي تهرف بما لا تعرف، فأنا شخصياً قرأت الكتاب عدة مرات قبل وبعد صدوره ولم أجد فيه ما يتعارض معي كمسلم حريص على مبادئه الدينية، بعيدة عن كل الاتهامات التي ألحقتها بها ردود الأفعال، التي تجعجع دون طحن في كهوفها المغلقة.
"زهو الفاعل" لزياد العناني:
وفي الوقت ذاته، نفاجئ بإحالة مجموعة "زهو الفاعل" المجموعة السابعة للشاعر الأردني زياد العناني إلى دائرة الإفتاء من قبل دائرة المطبوعات والنشر، ولا أحد يعلم بالقرار الذي ستصدره بحقه، وقبل ذلك قامت الرقابة ذاتها بمنع دخول مجموعته الشعرية الأولى "خزانة الأسف" التي لفتت الأنظار إليه حيث فتحت للسؤال الوجودي الباب على مصراعيه، تقرأ النفس البشرية "ملهاتها ومأساتها" منذ آدم حتى زياد وصولا إلى آخِرِ شخص على هذه الأرض، مبتكرةً أغراضًا شعرية جديدة ظهر تأثيرها في العديد من المجموعات الشعرية التي صدرت بعدها محليًا وعربيًا، وحظيت بالدول الأخرى على اهتمام النقاد والمبدعين من خلال المقالات والدراسات التي تناولتها، إلا أن القارئ الأردني حرم منها كونها لم تؤاتِ مزاج رقيب غير مختص بلغة التأويلِ والمجاز فمنعت من دخول الأردن.
الحرب ليست باردة على الشعر:
بدلا من أن نتفاخر بشعرائنا ومثقفينا نحيلهم للقضاء ونرديهم بالسجون ومراكز التوقيف كأي مجرم أو لص أو صاحب سوابق، ونمنع كتبهم ونحيلها إلى جهات غير مختصة للبت في شرعيّتها، ما الذي يحدث في زمن العولمة؟ زمن انتشار المعرفة بشتى الوسائل، حيث الفضائيات تخترق كل البيوت بمشاهد جنسية صريحة، عداك عن شبكة الإنترنت التي تحشد العالم بغثه وسمينه من خلال شاشة صغيرة.
من المؤسف حقيقة أن نجد مثل هذه القراءات والاتهامات التي تضيّق الدائرة حول المبدع وتحد من أدوات تعبيره مستندة على المرجعيات الجاهزة الحكم على الأعمال الأدبية، التي نالت من تراثنا الأدبي ما نالته كابن المقفع وابن الراوندي والحلاج وغيرهم الكثير ممن ذهبوا ضحية لهذا التعصب الغاشم، أتذكر أبو العلاء المعري أبو حيان التوحيدي والكثير ممن عانوا من هذه السطوة التي تعتمد على الموروث الثابت ونقل الصورة الخاطئة لعامة البسطاء.
انحلال الروابط بين المنابر الثقافية والمثقف:
إضافة إلى ذلك فاجأني الشاعر سمحان حين سألته عن الذين قدموا إلى المحكمة لإدلاء شهادة أدبية مفسِّرة للأبيات التي وقع عليها التكفير خلال الثمانية أشهر الماضية فقال لي: هما اثنين أنت والشاعر سميح الشريف، فأدركت مدى التخلي الذي واجهه إسلام سمحان من قبل الأدباء والمثقفين، المكتفين بالتنظير والبيانات الجاهزة، الذين لم يسمح لهم خواءهم للدفاع الميداني الحقيقي تجاه قضية عامة تمس الثقافة جمعاء قبل أن تمس شخصًا بعينه.
ختامًا.. أطلب من كل الشعراء والمثقفين وجمعيات حقوق الإنسان والحرّيات التضامن التام مع الشاعرين العناني وسمحان والوقوف إلى جانبه في هذه المحنة التي جناها عليه قلمه وإبداعه وحسن نواياه ومحبته للحياة والإنسان، ومكافحة هذه الآفة التي ستودي بثقافتنا ومبدعينا إن استمرت وتفشت إلى غيّابة الجُب حيث الظلام.
النشر الورقي صحيفة القدس العربي

شاعر أردني

[email protected]





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

خُرم الإبرَة..

10-تموز-2009

منشار الرقابة الكهربائي

28-حزيران-2009

ساعَةُ الزَّهوِ

08-حزيران-2009

لم يزَلِ البكرُ حياً

01-حزيران-2009

الفتاةُ التي لم تجد غيرَ الصباح..

17-أيار-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow