Alef Logo
يوميات
              

فلنفتح ملف الرقابة.. بأيدينا!!

علي وجيه

2009-06-27


- من المعيب أن يصنّع تلفزيون المشرق الخاص نشرة أخبار محلية، ويقف التلفزيون الرسمي مكتوف اليدين حتى الآن..
- لماذا تُمنع أعمال كاملة أو تُحذف مَشاهد تُعرض في نفس اليوم على فضائيات أخرى؟!

تنتهج قناة المشرق سياسة لافتة في التعامل مع ملف السينما السورية، فتعرض أفلاماً سورية «لا تمسّها الأيدي» أي دون حذف أو اجتهادات رقابية (تقريباً) لا طائل منها، سوى العبث بالمادة الفيلمية وفق معايير يُشك بعلميتها ومصداقيتها ومدى انعتاقها من براثن ذائقة الرقيب ومزاجه الشخصي..
هذه السياسة الخاضعة لمبدأ الكل أو اللا شيء والتي تقضي قبول المادة كما هي أو عدم عرضها أصلاً، بدأت عربياً في محطات أرضية لبنانية يصل بثّها إلى بعض المناطق السورية مثل الـ LBC التي سحبت خيارها الرقابي الجريء على نسختها الفضائية في الفترة الأولى، فكانت تبّث أفلاماً كاملة ومسرحيات من نمط الكباريه السياسي إلى أن ارتبطت القناة بعقود تجارية ضخمة مع الشركات السعودية، فاضطرت للتكيّف مع عقلية الداعمين الجدد مصنّعةً مواد خاصة للمجتمع السعودي مثل البرامج الحوارية الاجتماعية والرياضية مثل (يلا جوول) و(الشوط الثالث) وغيرها..
لاحقاً انطلقت قناة Otv المصرية المملوكة لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس بنفس التوجّه، فراحت تعرض أبرز الأفلام الأوروبية بنسخها الكاملة غير عابئة بـ «البارانويا» الرقابية المستفحلة في المجتمع العربي ومؤسساته الإعلامية الرسمية..
هذه الخطوة النوعية التي تنطّحت لها قناة المشرق تتخّذ أبعاداً تاريخية وفكرية في غاية الأهمية، فهي تسرد وثائق دالة على حالة السينما السورية في حقبة ما، وتضع المُتلقي العادي في مواجهة فكرية علنية مع المَشاهِد التي كان يبتاع لأجلها «دفيديات» الأفلام المضغوطة من «بسطات» البحصة وجسر الرئيس.. هكذا لم تعد رؤية إغراء تقبّل ناجي جبر أو تعاقر الخمر مع سمير يزبك على وقع وصلة رقص شرقي لغادة الشمعة بصحبة توفيق العشا من المحرّمات أو حكراً على المراهقين ومدمني موقع الـ (يوتيوب) المحجوب، بل هي -شئنا أم أبينا- جزء من التركيبة البنيوية والأيديولوجية لذهنية سادت الثقافة السينمائية السورية في الماضي..
إسقاطات هذا الموضوع/المعضلة على التلفزيون السوري لا تبعث على الارتياح رغم التحسن النسبي في أداء دائرة الرقابة خلال السنوات الأخيرة.. أعمال تُمنع أو تعرقل، ومَشاهد تحذف من مسلسلات رمضانية تُبثّ بالكامل على فضائيات أخرى في نفس اليوم (كما حصل في بقعة ضوء)، والأنكى أن هذا يتم بأسلوب غير علمي أو ممنهَج، فيكتشف المتفرج عملية «القص» مباشرةً، ويتبجّح أصحاب المادة المفلتَرة أمام الرأي العام في محاولة استغلالية للظهور بثوب الأبطال وأصحاب الفكر الحر!!
أمثلة أخرى يمكن لحظها في الترجمة غير الأمينة للأفلام الأجنبية.. جمل تُحذف أو تحوّر بالكامل رغم أهميتها الدرامية الشديدة، حتى أنه في إحدى المرات تمّ إيقاظ مترجم أحد الأفلام الفرنسية بعد منتصف الليل واستدعائه إلى مبنى التلفزيون على وجه السرعة لأنه ترجم مهنة بطل الفيلم (قوّاد) بكل أمانة مهنية!!
كذلك الجدل القائم حول نية نقل نشرة أخبار الـ 5:30 المحلية من القناة الأولى إلى الفضائية التي طالما حرص المسؤولون على إبقائها واجهة نظيفة أمام العالم والجاليات السورية في الخارج، لبلد يرزح تحت مختلف أنواع الفساد والبيروقراطية، فتتجلّى النتائج الكارثية لتلك السياسة التراثية في عيون المغتربين العائدين أو الزائرين للوطن، بعد اصطدامهم الفكري العنيف بواقع مغاير تماماً لما كان يُعرض على شاشة أحلام زائفة ومثقلة بمساحيق التجميل الوطنية!!
هؤلاء المغتربون يتوقون لرؤية طوابير العاطلين عن العمل عند مكاتب التشغيل وعلى أبواب السفارات وفي «زواريب» وسط المدينة، ويعشقون استكشاف الكاميرا للمناطق العشوائية وأحزمة الفقر ذات الأبنية المخالفة الآيلة للسقوط، ويهيمون شوقاً إلى متابعة تفاصيل اجتماع حزبي آخر أو يوم عمل تطوعي في معمل الكونسروة.. يتوسلون المشاركة والتعاطف مع كل مشاكل بلدهم من خلال قناته الرسمية التي لا تجد حرجاً في عرض تقرير عن شركات القطاع العام الخاسرة، وليس عن طريق المحطات الفضائية المشكوك بأمرها ومواقع الإنترنت المشبوهة ومجموعات التهكم السطحية على الـ Facebook..
القناة الأولى ليست بأفضل حالاتها كذلك، ولا تحظى بنسبة مشاهدة تحسد عليها داخل البلاد كما كانت، فلمَ لا تُنقل أهم برامجها وموادها المحلية إلى الفضائية مع الأخذ بعين الاعتبار مشروع إطلاق القناة نفسها فضائياً، لتكون رديفاً للمحطة الأصل التي تُعنى بصياغة الموقف السياسي الرسمي وإيصاله للعالم..
من المعيب حقاً أن يصنع تلفزيون المشرق نشرة أخبار محلية (هنا سورية) تحظى باهتمام العائلة السورية، في حين يقف التلفزيون الرسمي مكتوف اليدين منتظراً انتهاء اجتماعات اللجان وصدور الأوامر الإدارية وإتمام دورة البريد الرسمي على كل المكاتب المعنية وغير المعنية..
نعم، فلننشر غسيلنا النظيف والوسخ بأيدينا وعلى طريقتنا، وما دام المَنشر آمناً لأنه «صُنع في سورية» فلن يضير الشاة سلخها بعد ذبحها!!

النشر الورقي: جريدة (الأسبوع الأدبي).





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

آل باتشينو يعود آل باتشينو في «أنت لا تعرف جاك»

11-تموز-2010

«روبن هود» يتحدّى أفلام «البوب كورن» وأبطالها الخارقين

14-حزيران-2010

«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية

08-أيار-2010

عندما ترسّخ الميديا ثقافة القشور

17-نيسان-2010

«واحد - صفر».. فاز المنتخب وهُزِم الوطن!

14-آذار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow