Alef Logo
المرصد الصحفي
              

دراسة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد ( 1ـ 2 / 5 )

د. مية الرحبي

2009-06-29


العقلية الذكورية هي العائق الوحيد أمام قانون أسرة عصري بديل
مقدمة تاريخية:
الأسرة الأحادية الحديثة، أو ما يطلق عليها الأسرة النووية، هي نتاج تطور حضاري كبير، بدء بمرحلة المشاعية، ومر بمراحل متعددة حتى وصل إلى شكل الأسرة الحالية نواة المجتمعات في الدولة المدنية الحديثة.
و حسب مورغان فقد نشأ مفهوم العائلة بهدف" تنظيم عدد معين من الأشخاص، الأحرار وغير الأحرار، في عائلة تخضع لسلطة رئيس العائلة الأبوية. ففي العائلة السامية، يعيش رئيس العائلة هذا في ظل تعدد الزوجات، مع الإشارة إلى أنه كان للعبيد أيضاً زوجات وأولاد، وكانت غاية التنظيم كله رعاية القطعان، في حدود رقعة معينة من الأرض".
وقد كان الرجل في هذا الشكل من التنظيم هو السيد والمالك للزوجات والأطفال والعبيد يحق له التصرف بهم كملك خالص له يصل إلى حدود سلبهم الحياة إن شاء.
وقد شذب التطور الإنساني شيئا فشيئا العلاقات داخل العائلة للوصول إلى شكل الأسرة الأحادية التي تقوم على أساس المساواة والمشاركة بين المرأة والرجل في حياة مشتركة يتقاسم الإثنان فيها مسؤولية تربية الأطفال ورعايتهم في نظر القانون، ولكن حتى في أكثر الدول تقدما لا زال التطور الاجتماعي لم يصل إلى حد تجسيد روح القانون في تلك المساواة والمشاركة على أرض الواقع.
وقد حفل تاريخ البشرية بأنبياء كثر، ظهروا في مجتمعات سادت فيها الفوضى وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فأتوا يبشرون بالعدالة والخير والمحبة، وساهموا مع الكثير من المفكرين والفلاسفة في تطوير العلاقات الإنسانية نحو مزيد من العدالة والمساواة بين البشر.
كانت المرأة في الجزيرة العربية في الفترة التاريخية السابقة لمجئ الإسلام، مصنفة في أسفل السلم الاجتماعي، وتعتبر أداة إنجابية ومتعة للرجل فقط، مع ملاحظة بعض الاستثناءات من النساء الارستقراطيات اللاتي عملن في التجارة أو كن طبيبات أو كاهنات، وهن ندرة، فحتى نساء العامة اللاتي كن يقمن ببعض أعمال الزراعة أو تربية الحيوان كن يقمن بذلك كجزء من خدمتهن للرجل أو العائلة، وكانت المرأة تنذر منذ لحظة ولادتها لوظيفتيها الأساسيتين، الإنجاب وإمتاع الرجل، فيعقد قرانها أثناء طفولتها على رجل ما بما كان يطلق عليه عقد النكاح، إذ يدفع الرجل للأهل مهرها أي ثمنها، حتى كان بعض العرب يعزّون من تولد له أنثى بأن يباركوا له بالنافجة ( أي مبلغ المهر الذي سيدفع ثمنا لها)، وكان الرجل ملزما فقط بالإنفاق عليها، طيلة فترة مكوثها معه وطيلة فترة العدة، بحيث ما أن تنتهي فترة العدة حتى تتجمل للخطاب، وتعرض نفسها في سوق الزواج تمهيدا لشرائها من قبل رجل آخر، دون أي حرج من هذه الفكرة، بل كانت تتقبل بطبيعية اقتناؤها بعد الأسر، ومشاركتها الفراش، كأمة أو زوجة، لمن يمكن أن يكون قاتل زوجها بالأمس، وكان يمكن للمرأة أن " تفتدي" بالمال نفسها من آسرها أو زوجها على نفس المبدأ، وكان أطفالها، مثلها، ملك لزوجها المطالب بأن يدفع لها أجر رضاعتهم أو حضانتهم، تماما كما يدفع لأي مرضعة غريبة يوضع الطفل في عهدتها.
كانت الدعوة الإسلامية في بداياتها ثورة اجتماعية حقيقية على الأوضاع الاجتماعية التي سبقتها، وكان الإسلام خطوة متقدمة في سلم التطور الاجتماعي لمجتمع الجزيرة العربية، بأحكامه التي حملت بعدا أكثر تطورا من النواحي الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية.
وقد حصلت المرأة على مكاسب كبيرة في الدين الجديد، الذي اعتبرها إنسانا كامل الأهلية، مساويا للرجل في التكليف والثواب والعقاب، كما يتضح ذلك في العديد من الآيات القرانية الكريمة، ما جعل النساء يكافحن ويضحين بحيواتهن وكل ما يملكن نصرة للدعوة الإسلامية التي رأين فيها نصيرا لحقوقهن.
إلا أن التفسيرات اللاحقة للحوادث والنصوص الدينية أنتجت أحكاما شرعية تمييزية ضد المرأة بامتياز، فقد استخدم النص الديني لخدمة العقلية الذكورية المسيطرة التي أعادت الاعتبار للعادات والأعراف القبلية التي سادت قبل الإسلام ، مسبغة عليها لبوسا مقدسا، بتعميم حوادث واقوال تمت في ظروف ومناسبات مؤقتة من العصر الأول للدعوة، واقتطاعها من سياقها الظرفي والتاريخي، وتثبيتها كأحكام أزلية غير قابلة للتغير أو التعديل، وانحدرت المرأة نتيجة لذلك ثانية إلى أسفل السلم الاجتماعي، وتحول الإسلام إلى دين معاد للمرأة بعد أن كان نصيرا لها في مطلع الدعوة.
بعد أن استقلت الدول العربية الحديثة وجدت أن القوانين السابقة والتي كان معمولا بها في العهد العثماني لم تعد تفي بمتطلبات تنظيم العلاقات بين المواطنين في الدول المدنية الحديثة، فتم تغيير جميع القوانين واستعارة الكثير من القوانين الغربية المعاصرة بما يلائم روح العصر، عدا قوانين الأحوال الشخصية التي بقيت مطابقة للقوانين الفقهية من القرن الرابع الهجري.
أساس قوانين الأحوال الشخصية:
لم تكن تلك المقدمة إلا محاولة لإلقاء الضوء على الأساس الذي قامت عليه قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية، والتي لا يجرؤ أحد على المناداة بتطويرها وتغييرها لأنه سيتهم بالكفر والهرطقة باعتبار أن أي تغيير فيها سيكون منافيا للشريعة الإسلامية كما يدعي البعض.
لن أناقش هنا مشروع القانون الجديد فقط، لأنني لا أجد اي اختلاف فيه عن القانون القديم، من حيث الجوهر، و الذي اعتبره مستقى دون شك من مرحلة تاريخية سابقة لمجيء الدعوة الإسلامية اي ما يطلق عليه الفقهاء أنفسهم مرحلة الجاهلية، متغاضين عن جوهر وروح الشريعة الإسلامية ومقاصدها العادلة، والثورة التي أحدثها في هذا المجال. ولكن لتسهيل البحث فسأعتمد مواد مشروع القانون الجديد مثالا.
والسؤال هنا، هل يختلف القانون الحالي، أو مشروع القانون الجديد، في جوهره عن وصفنا السابق لأوضاع المرأة في مرحلة ما قبل الدعوة الإسلامية؟ وهل يستقي مواده من روح الشريعة ومقاصدها العادلة، أم من مرحلة ما قبل الإسلام؟
يتطابق مشروع القانون الجديد، والقانون الحالي الموضوع عام 1953، في جوهره ومعظم مواده، مع مجلة الأحكام الشرعية الموضوعة في عهد الإدارة العثمانية عام 1876 وقرار حقوق العائلة الموضوع عام 1917 من قبل الإدارة نفسها، اللذين اعتمدا المذهب الفقهي الحنفي أساسا لهما.
يقوم القانون الحالي ومشروع القانون الجديد، ولا فرق بينهما، على أساس فكرة " شراء" الرجل للمرأة بالمهر الذي يدفعه لها، والذي يطلق عليه الفقهاء " ثمن الوطء"! معجلا، بحيث يمنع من "الدخول بالمرأة" إن لم يدفعه، ومؤجلا، يمكن اعتباره كتعويض " استهلاكه" للمرأة خلال فترة الزوجية، ويمكن للمرأة أن تفتدي نفسها من زوجها بالخلع، بتعبير مطابق لافتداء الأسير لنفسه من آسره، ويلزم القانون الحالي الرجل فقط بمسألة الإنفاق دون اي اعتبارات أخرى داخل العلاقة الزوجية، ويعتبر الأطفال ثمرة الزواج ملكية خالصة للرجل، حتى أنه يدفع لزوجته ثمن إرضاعهم وحضانتها لهم والمسماة قانونيا بأجرة الحضانة و أجرة الرضاع - وبقاءه وليا عليهم هو أو احد عصبته من الذكور، حتى لو حملت الأم مسؤوليتهم الكاملة بسبب الطلاق أو الترمل، وتولت تربيتهم والإنفاق عليهم وحدها كما يحدث اليوم في كثير من الحالات.
المرأة في القانون متاع، إنسان قاصر الأهلية تنتقل ولايتها من الأب أو الأخ إلى الزوج بل حتى الابن، وتعامل قانونيا تماما كالمعتوه والمجنون الذي لابد من وجود ولي له، حسب القانون نفسه.
القانون والعصر
كما ذكرنا سابقا فهدف القوانين المعاصرة هي تنظيم العلاقة بين المواطنين ضمن الدولة الحديثة، على أساس المساواة بينهم بغض النظر عن جنسهم وعرقهم ودينهم وطائفتهم، بما يلبي احتياجات الحياة المعاصرة، وذلك ما يستدعي، بين حين وآخر، استبدال القوانين في دول العالم أجمع بأخرى أكثر حداثة وتطورا، تناسب متطلبات التطور والتنمية التي تحكم المجتمعات، فهل ينطبق هذا المفهوم على مشروع القانون الجديد؟
لقد أتى المشروع الجديد متخلفا حتى عن القانون الحالي بالكثير من مواده التي لم تعد تناسب واقع المرأة والأسرة في عصرنا الحديث، ولولا وجود كلمة (الإيدز) في المادة 203 لأعتقد من يقرأ المشروع أنه مأخوذ من أحد الكتب الفقهية التي كتبت في القرن الرابع الهجري، قبل أن يغلق باب الاجتهاد بقرار بشري أخذ صفة القدسية ولم يعد يحتمل النقاش من أحد. إذ ترد في مشروع القانون الجديد مفردات ومصطلحات لا علاقة لها، لا بمفهومها، ولا دلالاتها، بالزمن الحاضر مثل : نكاح، فسخ النكاح، موطوأته، الدخول، زوجة غيره أو معتدته، يملك عليها ثلاث، اللعان، حد القذف، متعة الطلاق، الجهاز عارية لابنته، النشوز، المرأة محل الطلاق، يملك الزوج على زوجته، تربص، أجرة الرضاع، أجرة الحضانة، الفيئة، ملة، ولي المجنونة ابنها وإن سفل، التخارج، يخشى عليها من الفتنة، ذمي، كتابية....
ومفاهيم لم يعد لها وجود في الأسرة الحديثة مثل:
• مفهوم المهر كثمن لشراء المرأة بحيث يحق للمرأة الامتناع عن الدخول حتى يدفع لها مهرها المعجل ( المادة 105).
• مفهوم الكفاءة فللولي طلب فسخ النكاح للكبيرة إن لم يكن الزوج كفؤا ( المادة53) والعبرة في الكفاءة الصلاح في الدين وعرف البلد؟؟؟؟( المادة 54).
• ويحق للقاضي بناء على طلب من اكتملت أهلية الزواج لديه أن يطلب من الأب ميسور الحال أن يزوجه تحقيقا للمصلحة ( المادة 44).
• المواد المتعلقة باللعان والنسب وضعها من لم يسمع إطلاقا بوجود ما يسمى فحص DNA الذي يثبت علميا نسب الطفل 100%.
• على الزوج إسكان زوجته في مسكن أمثاله ( المادة 125).
• نفقة كل إنسان قادر على الإنفاق من ماله الخاص إلا الزوجة نفقتها على زوجها ( الماجدة 132).
• النفقة الزوجية تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها خادم ( المادة 135) وينطبق ذلك طبعا على الزوجة العاملة التي لا تلزم بالإنفاق لا على بيتها ولا على أولادها.
• وهو ملزم بالإنفاق عليها ولو كانت موسرة الحال( المادة 136).
• الخلع عقد بين الزوجين يتفقان فيه على إنهاء الزواج ببدل تدفعه الزوجة أو غيرها لزوجها أو غيره بموافقة الزوج الآخر قبل الدخول أو بعده ( المادة 181).
• لا يسجل الخلع في المحكمة قبل قبض الزوج بدل الخلع ( المادة 187).
• التفريق للإيلاء ( المواد 222- 226).
• التفريق للظهار ( المواد 227- 229).
• أجرة الحضانة ( 302- 314).
• لا يحق للأم الحاضنة السفر بالمحضون إلا إلى البلدة التي جرى فيها عقد نكاحها؟؟؟( المادة 320) ولايحق لها أن تسافر إلى البلدة التي تعمل بها إن لم يوجد بها أحد أقاربها المحارم؟؟؟؟( المادة 320).
• أجرة الرضاع ( 330-331).
• إذا كانت المرضع ليست أما ( 333) وهل بقيت مرضعات في العصر الحاضر؟
• وصي الحمل ( المادة 393).
• لا ترث المرأة من زوجها المريض مرض الموت إذا اختلعت منه برضاها، أو اختارت نفسها بالبلوغ ( المادة 429).
دراسة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد ( 2 / 5 )
العقلية الذكورية هي العائق الوحيد أمام قانون أسرة عصري بديل
د. مية الرحبي: ( كلنا شركاء ) 28/6/2009
تعارض المشروع مع دستور الجمهورية العربية السورية، والقوانين المعمول بها :
يرد في دستور الجمهورية العربية السورية المواد التالية:
المادة 25
1ـ الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم و أمنهم.
2ـ سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
3ـ المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
4ـ تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين الموطنين.
كما أن الدستور يحمي الأسرة التي هي خلية المجتمع الأساسية
المادة 44
1ـ الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة.
2ـ تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم.
المادة 45
تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي.
وأستطيع الجزم أن مشروع القانون الجديد يتناقض في معظم مواده مع مواد الدستور السابقة، إذ أنه يميز بين الموطنين على أساس الجنس والدين، كما أنه يحد من مشاركة المرأة ومساهمتها الفعالة في المجتمع بإتاحة الفرصة للرجل برفع سيف الطلاق بإرادته المنفردة، والتي يمكن أن تعيق أي مساهمة للمرأة في مناحي الحياة التي نص عليها الدستور. وهو بعيد كل البعد عن مفهوم الأسرة، خلية المجتمع الأساسية، والتي ألزمت الدولة نفسها بحمايتها.
تعارض قانون الأحوال الشخصية مع مفهوم الأسرة في الدستور:
يناقض مشروع القانون المادة44 من دستور الجمهورية العربية السورية الذي يعتبر الأسرة هي الخلية الأساسية لمجتمع الدولة الحديثة، الأسرة المؤلفة من زوج وزوجة يؤسسان معا حياة مشتركة هدفها سكن كل منهما إلى الآخر، تقوم على أساس المودة والرحمة، ويتشاركان معا في تربية أطفالهما والعناية بهم وحمايتهم وتأمين مستلزمات العيش الكريم لهم من صحة وتعليم وفتح مجال مشاركتهم في جميع مناحي الحياة، على قدر استطاعة الوالدين، وتظهر نقاط التناقض بين مفهوم الأسرة المعنية بالدستور والأسرة المعنية في مشروع القانون في نقاط عدة:
1- يترجم مفهوم امتلاك الرجل للمرأة الذي ساد في مرحلة ما قبل الإسلام بمواد قانونية تستخدم تعابير مستمدة من تلك الفترة التاريخية، فالرجل يمتلك المرأة امتلاكا مؤقتا (أي يستأجرها) بالمهر الذي يدفعه، والأطفال ملك له، إذ يدفع للزوجة أجر رضاعتهم وحضانتهم، ويتجلى هذا المفهوم المتخلف المهين لمكانة المرأة الإنسانية، ومكانتها كشريك للرجل في الحياة الزوجية وتنشئة الأطفال بتعابير قانونية فجة ك "أجرة الحضانة" أو "أجرة الرضاع" والتي تستوفيها المرأة من الرجل وتبقى دينا له على الأم في حال إعساره! وذلك في المواد 191-193، 302-305 308 – 311، 317، 329-336. ويبقى هو أو جدهم العصبي، وليهم حتى لو كانت المرأة، كما يحدث في كثير من الحالات في زمننا الراهن، هي المسؤولة الأساسية أو الوحيدة عن تربيتهم وتنشئتهم والإنفاق عليهم، ولا تجوز ولايتها عليهم، إلا في حال عدم وجود أي من العصبات ( المادة 48)
2- رغم أن القانون يعرف الزواج على أنه عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا غايته إنشاء الحياة المشتركة والنسل ( المادة 27)، وهو عقد يقوم على رضى الطرفين واتفاقهما على إقامة هذه المؤسسة المشتركة، إلا أن إنهاء هذه المؤسسة يمكن أن يتم بإرادة منفردة من الزوج، أحد الطرفين المتعاقدين، دون أي اعتبار لمصلحة الأطفال ناتج الزواج، ودون أن تترتب على الزوج أي نتائج أو عقابيل لقراره المنفرد، سوى دفع مؤجل العقد، ونفقة لا تتجاوز العام إن أصاب المرأة بؤس وفاقة! كذلك يتيح القانون للزوجة طلب الطلاق بعد ثلاثة أشهر من إعسار الزوج وعدم قدرته الإنفاق عليها، فأي أسرة حديثة معاصرة يمكن أن تقوم على هذا المفهوم وأين هي مصلحة الأطفال؟
3- يحدد القانون الحقوق المعنوية المشتركة بين الزوجين في مادة واحدة فقط هي المادة 97، أما الحقوق المعنوية للزوجة على زوجها و الزوج على زوجته فتحددها المادتان 98، 99 بمفهوم متخلف قائم على مبدأ طاعة الزوجة لزوجها، ومسؤوليتها وحدها في الإشراف على البيت وتنظيم شؤونه، حتى ولو كانت عاملة، دون أي اعتبار لمفهوم المشاركة في إدارة البيت وشؤونه حسب الواقع المعاصر، والمادة 130 التي تشترط سفر الزوجة مع زوجها دون اعتبار لمكان و ظروف عملها، والمادة 131 التي تسمح للزوجة برعاية والدها المريض وإن أبى الزوج ذلك، والتي تتيح في نفس الوقت للرجل طلاقها لنفس السبب بحجة تعارض ذلك مع واجباتها الأسرية الأخرى!. في حين تخصص 17 مادة ( المواد 100-117) للحديث عن الحقوق المادية في المهر، في امتهان حقيقي لكرامة المرأة وامتهان أكبر لمفهوم الأسرة الحديثة، إذ تشترط تلك المواد دفع الرجل للمهر قبل الدخول، أو احتسابه دينا عليه، أو امتناع المرأة عن الدخول حتى يدفع لها مهرها المعجل، ما يتضمن اعتبار المهر ثمنا لاستمتاع الرجل بها أو ثمنا للوطء كما يعرف في بعض التعابير الفقهية! وتتحدث المادتان 119 و 118 عن متعة الطلاق بنفس المفهوم المتخلف، والمواد 121- 124 عن الجهاز والمواد 125- 129 عن حقوق المسكن والمواد 132- 163 عن النفقة بحيث يمكننا القول أن هنالك خمس مواد تتحدث عن الحقوق المعنوية بين الزوجين، مقابل 60 مادة تتحدث عن الحقوق المادية، دليل أن هذه المؤسسة قائمة قانونيا لا على التفاهم والمشاركة بل على الملكية المؤقتة أو الاستئجار.
4- قنن الاسلام تعدد الزوجات وأباح الزواج من أربعة ضمن ظرف وسياق تاريخي معينين، واشترط فيه العدل غير المتحقق في أي زواج متعدد نراه اليوم، ورغم ذلك يبيح القانون تعدد الزوجات في المواد 64-66، حتى لو كانت الزوجة قد اشترطت عليه عدم الزواج من أخرى في عقد الزواج، دون أن تترتب عليه أي تبعات قانونية، كمثل من أخل بشرط أي عقد قانوني، وللقاضي أن لا يأذن للرجل بالزواج من أخرى دون وجود مسوغ شرعي في المادة 71، ولكن دون أي تحديد للمسوغ الشرعي، ودون أي تطبيق لتلك المادة من قبل القضاة على أرض الواقع.
5- آخر اهتمامات مشروع القانون الجديد مصلحة الأطفال ضمن المؤسسة الزوجية، وهم من يفترض أن يحظوا بأكبر عناية فيها، وإذا أمكننا احتساب المادة 272 لصالح مشروع القانون الجديد، والتي لم تكن موجودة في القانون الحالي، والتي تحدد بعض حقوق الأطفال، إلا أننا نجد انتهاكا لتلك الحقوق بعدم تحديد واجبات الوالدين بشكل كاف، وتناقض الحقوق الواردة في تلك المادة مع مواد قانونية أخرى تميز ضد الطفل من بينها:
• تبيح المادة 45 زواج الطفل بعمر 15 سنة، والطفلة بعمر 13، ( تعريف الطفل هو القاصر الذي لم يبلغ 18 عاما حسب اتفاقية حقوق الطفل، التي وقعت عليها سورية)
• نفقة الأولاد حتى زواج الأنثى أو كسبها، والغلام حتى سن 16
• نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الأطفال في المادة 155
• يحرم الأطفال من نفقة الأب عليهم فيما لو تم تمديد فترة حضانة الأم لهم المادة 317
• لا حدود قانونية لسلطة التأديب في المادة 355، ولا يذكر القانون سوى جملة اجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي في المادة 272
• لا تسلب ولاية الولي على القاصر إذا حكم بجريمة الدعارة، ولكن فقط إذا حكم عليه بتلك الجريمة أكثر من مرة حسب المادة 357
التمييز بين المواطنين على أساس الجنس:
تحمل الكثير من مواد مشروع القانون الجديد تمييزا ضد المرأة وتضعها في مكانة أدنى من مكانة الرجل ضمن المؤسسة الزوجية ، بل أن بعض المواد تحمل تحقيرا للمرأة، ولا تتناسب مع المكانة الاجتماعية التي وصلت إليها اليوم، وتتناقض مع مفهوم المشاركة في الحياة الزوجية، وتعطي الرجل سلطة داخل المؤسسة الزوجية كترجمة للتعبير المتعارف عليه في الثقافة السائدة والذي يطلق على الرجل لقب " رب الأسرة " والذي إن لم يحمل معنى الألوهية، فهو يحمل بالتأكيد معنى الامتلاك. كما أنها تسلب المرأة الإرادة والحق في التصرف بحياتها، كائنا بشريا كامل الأهلية، فالزوج هو الذي يسمح ويمنع، وللمرأة الطاعة.
هذا التمييز ضد المرأة نجده واضحا في المفاهيم التالية:
1- تبقى المرأة في نظر القانون شخصا غير كامل الأهلية، بدلالة وجود ولي لها حتى ولو تجاوزت سن الرشد، وتتساوى في ذلك قانونيا مع المعتوه والمجنون الذي تبقى الولاية عليه بعد سن الثامنة عشرة وفق المادة 347، وصحيح أن مشروع القانون لا يشترط ولاية الولي لعقد زواج الكبيرة ( دون تحديد قانوني لعمر الكبيرة) ، إلا أن سلطة الولي تبقى موجودة في المادة 53 التي تتيح للولي طلب فسخ نكاح الكبيرة إذا زوجت نفسها، من غير موافقته ولم يكن الزوج كفؤا، والمادة 156 والتي تعيد نفقة الأرملة أو المطلقة على وليها، وتشترط المادة 324 على ولي الأنثى أن يبقيها في بيته حتى تتزوج إذا كانت دون الأربعين ولو كانت ثيبا.
2- شهادة امرأتين معادلة لشهادة رجل واحد ( المادة 38).
3- شروط عقد الزواج غير ملزمة للزوج في الفقرة 4 من المادة 41
4- عدم تساوي السن الأدنى للزواج بين الذكر والأنثى المادة 44
5- إباحة تعدد الزوجات دون ضوابط ( المواد 64-66، 71)
6- انتهاك خصوصية المرأة بمراقبة طموثها ( المادة 60)، وذلك ما كان متاحا سالفا بسبب العيش المشترك في العائلة الممتدة، في حين لم يعد متاحا في العصر الحالي ويمكن استبداله بفحوص طبية دقيقة كاختبار الحمل، والفحص بالأمواج فوق الصوتية لتحري وجود الحمل...الخ
7- حقوق الزوج على زوجته الطاعة وليس التفاهم المشترك ( المادة 98)
8- من حقوق الزوج على زوجته أيضا الإشراف على البيت وإدارة شؤونه ( المادة 98)، حتى ولو كانت عاملة بنفس عمله خارج المنزل، بدل أن يوصى بمساعدتها في إدارة شؤون المنزل التي أصبحت تتطلب جهدا كبيرا في الحياة المعاصرة، وتشكل عبئا كبيرا حتى على المرأة المتفرغة لإدارة المنزل.
9- من حقوق الزوجة على زوجها زيارة الأهل واستزارتهم بالمعروف، (المادة 99 )، وذلك يعني ضمنا أن من حق الزوج ألا يسمح لزوجته بغير تلك الزيارات.
10- للزوج حق إسكان ابنه من غير زوجته معها بينما ليس من حقها ذلك إلا برضا الزوج ( مادة 129).
11- على الزوجة السفر مع زوجها ( مادة 130) دون اعتبار لمكان عمله أو رغبتها، أو التفاهم بين الشريكين على تلك المسألة.
12- نفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة نفقتها على زوجها ( المادة 155)، دون تحديد إن كانت المرأة عاملة أم لا، تحمل هذه المادة تمييزا معنويا ضد المرأة وماديا ضد الرجل.
13- يتيح القانون للزوج الطلاق بإرادة منفردة ( المادة 164، 166)، وهو فسخ لعقد تم برضاء الطرفين ويفسخ بإرادة طرف واحد.
14- التعويض المادي في الطلاق التعسفي فقط إن كان الزوجة ستصاب ببؤس وفاقة و لا يتجاوز نفقة سنة لأمثالها ( المادة 180).
15- الخلع عقد بين الزوجين يتفقان فيه على إنهاء الزوج ببدل تدفعه الزوجة..( المادة 181 - ) بدل عن ماذا؟
16- للزوج أن يراجع مطلقته أثناء العدة ( مادة 240، مادة 207) دون اعتبار لإرادتها.
17- ليس للأم أن تسافر بولدها في أثناء الزوجية إلا بإذن أبيه (مادة 320) والعكس ليس صحيحا.
18- الولاية على نفس القاصر للأب ثم الجد العصبي ثم للعصبات ( مادة 354) ولاتنتقل للأم إلا إذا لم يكن له عصبة ( حسب المادة 48).
19- في ميراث ذوي الأرحام مطلقا للذكر مثل حظ الانثيين ( مادة 609 وغيرها من مواد الإرث).
20- يبدأ التمييز بين الذكر والانثى من المرحلة الجنينية ( 611-613).
21- بل إن القانون يميز حتى بين الوالدين في حال مرضهما فيعطي الزوجة حق رعاية والدها المريض في المادة 131، ولا يعطيها حق رعاية والدتها المريضة، أي أن لزوجها الحق في منعها من رعايتها.
د. مية الرحبي: ( كلنا شركاء ) 27/6/2009

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

دراسة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد ( 3- 5)

01-تموز-2009

دراسة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد ( 1ـ 2 / 5 )

29-حزيران-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow