Alef Logo
يوميات
              

كيف يقرأ هؤلاء؟

فاطمة ناعوت

2009-07-31


سؤالٌ يراودُني كلما طالعتُ بعضَ تعليقاتٍ عجائبية حول مقالاتي ومقالات الزملاء. يعلو وجهي الاندهاشُ حينًا، والابتسامُ أحيانًا، ثم الحَزَنُ. تتكلمُ في مقالك عن الآية الكريمة "والفتنةُ أشدُّ من القتل"، من حيث أن لها تفسيرًا شعبيًّا مغلوطًا، لكنه المستقرُّ في بعض الأذهان، فتقول: "لم تُفهمنا المعلمةُ وقتَها أن "الفتنةَ" لا تعنى "الوشاية بالآخر"، بل الشِّركَ بالله وإفشاءَ الفتنة في الأرض." فيخرج عليكَ أحدهم، مُتخفيًّا وراء اسم زائف هو " ممممممش"(!)، ويردُّ بكلٍّ صَلفٍ وثِقة وسؤدد وغطرسة قائلاً: "الفتنة فى الآية يقصد بها الكفر او الشرك وليس الوشاية فرجاء التحقق قبل الاسقاط على اللآيات وعمل مقالات كاملة." هذا نص تعليقه، وتعمَّدتُ نقلَه حَرفيًّا لتكتشفوا معي كيف أن حرصَه على الهجوم ألهاه عن أمرين: أولا إكمال قراءة المقال؛ ليعرفَ أنني سبقتُه في طرح التفسير الصحيح للآية، ثم ألهاه عن تدقيق تعليقه لغويًّا فخرجَ هكذا ركيكًا مليئًا بأخطاء الإملاء، طبعًا سأفترضُ أن الخطأ من العجلة وليس عن جهل بالعربية! وفي نهاية التعليق لن ينسى أن يسُبَّني لأنني لا أضعُ الحجابَ، ذاهبًا إلى أن عدم وضعي الحجاب وراء عدم فهمي الآية! انظروا كمَّ الأخطاء المركبة التي ارتكبها في حقِّ نفسه وحقِّ الإسلام والوجود والصدق واللغة وحقّي؛ فكان مثالاً نموذجًا لظلم الإنسان لأخيه الإنسان. ما كان أسهل أن يقرأ المقال جيدًا ببساطة ليتجنب إيقاع نفسه في كل تلك السقطات.
لا يختلف هذا عن آخر ممن يتخفون وراء اسم مستعار، كعادة مَن يودون اقتناص الآخر غدرًا من وراء قناع شأن اللصوص. هذا الآخرُ وهبَ عمرَه لمهاجمتي وسُبابي لسبب في نفسه! أكتبُ عن عدم جواز قطع الأشجار، فيتهمني، عبرَ لغة ضحلة زاخرة بأخطاء النحو والصرف والإملاء، بالعِمالة لصالح الغرب! أكتبُ عن حكومة سويسرا التي تقترع آراء المواطنين في كلِّ صغيرة وكبيرة تخص البلاد، راجيةً أن تنهج حكومتُنا هذا النهج، فيتهمني بالعلمانية (كأنها تهمة)! أكتبُ عن حقوق المرأة فيرميني بالإلحاد! وفي مقالي السابق قلتُ نصًّا: "شاهدتُ شيخًا بلِحيةٍ يفتحُ نافذةَ سيارته، ليلقىَ في الطريق الدائريّ كيسَ قمامة/ ..../ وكأن النظافةَ ليست من الإيمان! وكأن الإيمانَ هو إطلاقُ اللحية وتحجيبُ البنات، ثم إفسادٌ في الأرض!" فيرميني صاحبُنا "المتنمِّرُ" بمهاجمة الحجاب واللحية والورع والتقوى! كيف لم يفطن إلى أنني إنما أضنُّ على اللحية أن تُخطئ، حيث ينبغي لها أن تكسو وجهَ رجل يعرفُ ما الفضيلة، فيكون قدوةً حسنة لغيره من الناس؟! وإنني بذلك أكثر منه حرصًا على الإسلام، الذي جعل من نفسه مدافعًا عنه دون أن يوكّله أحد لتلك المهمة؟
عجبٌ أيُّ عجبٍ! كيف يقرأ هؤلاء؟ وكيف يعون ما يقرأون، إنْ قرأوا؟ هل اللغةُ التي تُكتَبُ بها المقالاتُ عَصيّةٌ هكذا على الفهم؟ هذا ليس شِعرًا مجازيًّا ليُساءُ فهمُه، وليست رياضيات وحساب مثلثات لتحتاجَ عقلاً عِلميًّا يستوعبها، ولا هي هندسة فراغية تتطلبُ خيالاً متوقدًا خصبًا، ولا هي كيمياء تحتاجُ جدولَ مندليف لفكّ شفرتها، ولا لوغاريتمات يلزمُها جداول أدلّة، إن هي إلا كلماتٌ عربية بسيطة واضحة المعنى، خالية من البديع والزخرف اللغويّ، فلماذا، ولصالح مَن تُشوّه ويُساءُ فهمُها، ثم يُرمى كاتبُها بكل ما يُغضِبُ السماءَ من سُباب؟
ويبقى الرِّهان على الواعين من القراء ممن يجيدون القراءةَ والتقاطَ الدلالة والرمز بذكاء وفطنة. لكنْ، وبكلِّ أسف، ليس هؤلاء هدفَ مقالاتنا نحن الكتّاب! فإنْ نكتب عن نظافة البلد مثلاً، ما الجدوى أن يقرأ مقالنَا مثقفٌ هو بالضرورة يحافظ على نظافتها أصلاً، دون حاجة إلى مقال أو توعية؟ الثقافةُ والوعيُ والنظامُ والنظافةُ والذكاءُ وحُسن الإدراك، كلُّها طريقٌ في التفكير ونهجٌ في السلوك، وكلٌّ واحدٌ لا يتجزأ. المثقفُ الحقُّ، لابد يمتلكُ عقلاً راقيًا ونظيفًا، ومن ثم سيحافظُ على جسده ولسانه وفضائه راقيًا ونظيفًا. ومَن يعجزُ عن فهم كلماتٍ بسيطة في مقال، سوف يعجز، بالأحرى، عن إدراك عمق مغزى آية قرآنية تضعُ النظافةَ في صلبِ الإيمان. وبالتالي لن يرى نفسَه غيرَ مؤمن إنْ هو ألقى القمامةَ على الطريق، وعلى الناسِ السُّبابَ.

النشر الألكتروني خاص ألف

النشر الورقي جريدة اليوم السابع


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يا الله، من رسم الخطوط حول الدول؟ ترجمة:

07-تشرين الأول-2017

«الشاعر» هاني عازر

20-تموز-2014

نوبل السلام لأقباط مصر

28-حزيران-2014

هنركب عجل

18-حزيران-2014

النور يعيد السيدة العجوز

11-حزيران-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow