Alef Logo
يوميات
              

عادل إمام في (بوبّوس).. غلطة الزعيم بألف!!

علي وجيه

2009-08-10


يبدو أنّ عادل إمام لم يتعلّم الكثير من (عمارة يعقوبيان) 2007، ولم يدرك أنّ بإمكانه استغلال الوجه الآخر لموهبته التمثيلية وخبرته في أكبر الأفلام وأهمّها، فعاد في أحدث أفلامه (بوبّوس) –يُعرَض حالياً في سينما سيتي- إلى أسطوانة مشروخة لا تليق به من كل النواحي ووفق جميع المقاييس.. فسنّه (من مواليد عام 1940) لم يعد يسمح بالإفيهات الجنسية الكثيرة التي ملأت الفيلم للتعويض عن بنيته الدرامية المتداعية أصلاً، انطلاقاً من نص يوسف معاطي الزاخر بالفجوات والحامل لحبكة ضعيفة شكلاً ومضموناً، فبدا أنّ كاتب «الزعيم» المفضّل في السنوات الأخيرة (حسن ومرقص، السفارة في العمارة، عريس من جهة أمنية..) أنجز السيناريو على عجل وكيفما اتفق، مع انشغاله بعدّة نصوص أخرى يعمل عليها في الوقت نفسه مثل (أمير البحار)، (رمضان في الشانزلزيه)، (فلوس)، (فرقة ناجي عطا الله)..
يدّعي الفيلم أنّه تنبّئ بالأزمة الاقتصادية العالمية قبل وقوعها، من خلال بطله محسن هنداوي (عادل إمام) رجل الأعمال «المتعثّر» الذي تجبره الظروف الجديدة على التعاون مع مهجة النشّار (يسرا) أرملة رجل أعمال شهير لترميم الخسائر والخروج من الأزمة، فيتجاذب الاثنان علاقة عملية وعاطفية من نوع خاص، ويعايشان معاناة الطبقة المسحوقة من المجتمع المصري التي يئست من الكفاح والصبر، من خلال رأفت (أشرف عبد الباقي) وتهاني (مي كساب) اللذين يعملان دون توقف لتحقيق حلمهما في الزواج، أي أنّهما «متعثرَين» كذلك..
إذاً: هي اللعبة العتيقة نفسها؛ الفاسد الذي لا يعلم أنّه وأمثاله السبب الرئيسي في معاناة بقية طبقات الشعب، ولولا حالته المتعثّرة لما تنبّه لذلك أصلاً.. والأدهى أنّ كل ذلك يُطرح بمباشرة ساذجة وسطحية فوق الاحتمال مع حفنة من الإيحاءات الجنسية المقحمة، حوّلت الفيلم إلى مجرّد تجميع لاسكتشات مطروقة ونكات قديمة وثقيلة الدم بإخراج نمطي لوائل إحسان (اللمبي، مطب صناعي)، لم ينتبه لطول بعض المشاهد وعبثية بعضها الآخر، وربّما يعود السبب لسلطة الزعيم المطلقة الذي اعتاد تنفيذ أفلامه وانتقاء أبطالها كما يحلو له، بعد أن وصل نتيجة نجوميته الساحقة إلى مرحلة متقدّمة من الاسترخاء المهني..
«التعثّر» أصبح سمة الشعب المصري بكل أطيافه وشرائحه، فيلجأ الفقير إلى الحشيش والعيش على الهامش، والغني إلى الفياغرا ومداهنة أبناء النظام ومفرزات الفساد، ومن هنا جاء رمز بوبّوس ابن نظام (عزت أبو عوف) الذي يلمّح من خلاله يوسف معاطي إلى جمال مبارك ابن نظام الحزب الوطني، الذي لا يرى تغيّراً في رؤيته وأسلوب إدارته رغم الادّعاءات الكبيرة والشعارات الطنانة التي لم تعد تطرب أحداً..
من هنا يمكن التساؤل: ما علاقة كل ما سبق بحذاء الزيدي؟ وهل من تفسير لتوريط الواقعة الشهيرة وإقحامها في العمل سوى محاولة استنزاف مشاعر الجمهور واستغلال تعاطفه العفوي مع حدث سياسي لا يمتّ للأحداث بأدنى صلة..؟!!
نلاحظ كذلك لجوء عادل إمام لمخزونه الاستراتيجي من القفشات الكوميدية التي طالما أضحكت الجمهور العربي، بدلاً من إرهاق نفسه بالابتكار والبحث عن الجديد.. فها هو يداعب تنورة يسرا للكشف عن ساقيها كما فعل مع في (شاهد ما شفش حاجة)، ويطبطب على فخذها متظاهراً بالبكاء كما في (التجربة الدنماركية) مع رجاء الجداوي، التي ظهرت في هذا الفيلم أيضاً بكاراكتر «يا شماتة قبلة ظاظا فيّ» الشهير في مسرحية (الواد سيّد الشغال)، ثمّ يتبادل معها (أي يسرا) اللكمات وتهشيم المكان مثلما حصل مع شيرين في (بخيت وعديلة) ولبلبة في (عريس من جهة أمنية)، قبل أن يحملها على كتفيه في نسخ حرفي عن (السفارة في العمارة) مع داليا البحيري.. حتى أنّه يعود لتقمّص شخصية رئيس الجمهورية مثلما حدث في فيلم (المنسي) ومسرحية (الزعيم).. كل هذا يُضاف لعشرات التلميحات الجنسية الفجّة (إرسال الموزة ليسرا، إعطاء الفياغرا للشرطي وأهل رأفت، العلاقة مع المطربة الخليعة..)، فكانت النتيجة مماثلة لمعظم أفلام عادل إمام؛ شخصيات سطحية مشوّهة تحرّكها الهرمونات والسطحية والإمعان في المباشرة لدرجة الغلاظة، ناهيك عن التصدّي لعنوان كبير بمعالجة عاجلة لا ترقى لمستوى الطرح، ونذكر هنا التطبيع في (السفارة في العمارة)، والفتنة الدينية في (حسن ومرقص) وغيرها..
الأداء لم يحمل الجديد أو المميز، فعادل إمام هو نفس الممثل المستهلَك جداً بحركاته وتعابير وجهه وردود أفعاله المبرمجة سلفاً، فجاء أداؤه وظيفياً بحتاً دون تعب أو اشتغال إضافي على الشخصية.. يسرا المتصابية لدرجة مضحكة مصرّة على إغراء لم يعد يناسبها أيضاً، حتى لو كانت رغبتها عارمةً بالعمل مجدداً مع شريكها الأثير بعد أفلام لا تُنسى مثل (الإرهاب والكباب)، (كراكون في الشارع)، (طيور الظلام).. فعودة الروح القديمة لا تعني الشكل نفسه، حتى لو استعان الاثنان بأطنان من مساحيق التجميل وحقن البوتوكس وفلاتر الوجه عند المونتاج..!!
حسن حسني تواجد بتأثيره السنّيدي المعروف والمتجاهل لموهبته الشخصية، ولا ننسى يوم كتب عنه أحد النقاد المصريين: «احجروا على حسن حسني حتى لا يظهر في أفلام كهذه»!.. عزت أبو عوف، رجاء الجداوي، يوسف داوود، لطفي لبيب وسامح الصريطي حضروا بروتوكولياً بأدوار ضحلة شبه منعدمة، ربّما من باب المجاملةً للزعيم لا أكثر (لنذكر هنا أحمد حلمي ومنى زكي في التجربة الدنماركية).. وحده أشرف عبد الباقي استطاع النجاة بأداء جيد ومختلف عن الجميع بمّن فيهم عادل إمام نفسه..!!
كلّنا نذكر أهمية (الإرهاب والكباب) و(الإرهابي) و(طيور الظلام).. لكن –بعد كل هذا الوقت- ربّما بات عادل إمام بحاجة إلى الالتفات إلى تلاميذه من الشباب الجدد مثل أحمد حلمي (آسف على الإزعاج، 1000 مبروك) وأحمد مكّي (ليلة البيبي دول، طير إنت)، الذين يبذلون جهداً حقيقياً للخروج بنتاج سينمائي يُحسَب لهم، فالركون إلى أمجاد قديمة دون جهد فكري وبحثي جاد يمكن أن يحوّل الزعامة المحببة إلى ديكتاتورية منفرّة..!!

بطاقة الفيلم:
اسم الفيلم: بوبّوس.
تأليف: يوسف معاطي.
إخراج: عادل إمام.
عام الإنتاج: 2009.
تمثيل: عادل إمام - يسرا - أشرف عبد الباقي - حسن حسني – مي كساب - رجاء الجداوي - عزت أبو عوف - يوسف داوود - لطفي لبيب.

النشر الورقي: جريدة (الأسبوع الأدبي).
النشر الألكتروني خاص ألف









تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

آل باتشينو يعود آل باتشينو في «أنت لا تعرف جاك»

11-تموز-2010

«روبن هود» يتحدّى أفلام «البوب كورن» وأبطالها الخارقين

14-حزيران-2010

«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية

08-أيار-2010

عندما ترسّخ الميديا ثقافة القشور

17-نيسان-2010

«واحد - صفر».. فاز المنتخب وهُزِم الوطن!

14-آذار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow