Alef Logo
يوميات
              

السلام مع إسرائيل(!)

فاطمة ناعوت

2009-08-30

علامةُ التعجُّب المقوّسة في عنوان المقال، هي موضوعُ المقال. هذه العبارة الكوميدية: "السلامُ مع إسرائيل" هي لونٌ من تراسل المعاجم؛ ضربٌ من جمع ما لا يجتمع. مثلما تقول: الثلجُ الحار، الشمسُ الباردة، العسلُ المرُّ، الضجيجُ الصامت، إلى آخر تلك الاستعارات المجازية "الخايبة" التي يهوى بعضُ الشعراء انتهاجها في قصائدهم، تحت زعم خلق حال إدهاش للقارئ. سوى إنني لا أرى في تلك التراكيب إلا استخفافًا بعقل القارئ، ولونًا من "الاستهبال" الشعريّ. كيف يجتمعُ النقيضان؟ كيف يكون الثلجُ ساخنًا؟ إنْ سُخِّن الثلجُ خرج من حالته الصلبة وتحول ماءً، ثم بخارًا، وبذا فقد هويته الأولى: الثلج! وبالمنطق ذاته، إن فهمتْ إسرائيلُ معنى السلام ثم مارسته، خرجتْ عن هويتها وما عادت تحملُ اسمَ: "إسرائيل"، واستلزمها ذلك اسمًا جديدًا، لا أدري ما هو، لأن مقدمةَ الشرط مستحيلةٌ، وبالتالي فجوابُ الشرط مجهول. كيف يدركُ معنى "السلام" بشرٌ تمرّسوا في امتهان الغدر والاستقواء على الضعيف؟ بشرٌ نُعتوا في التاريخ بـ "قتلة الأنبياء"، بشرٌ يمرّنون جنودَهم كلَّ يوم على تقتيل العجائز والنساء، ويعلِّمون صغارَهم أن يضعوا الحلوى على فوهات المدافع ثم يرسلوها إلى صغار مثلهم لكن عرب، فتدخل قطعةُ الحلوى حلقَ الصغير العربيّ على رأس شظية فتختلطُ الدماءُ بالصرخات الصغيرة؟ لهذا السبب لم أستطع أبدًا أن أفقد دهشتي كلما مررتُ على كوبري الجامعة لأرى علمًا أبيضَ يحملُ نجمةً سداسية زرقاءَ، يرفرفُ فوق إحدى العمارات المصرية! في سنوات الجامعة كنتُ أتجنّبُ النظرَ إليه كيلا أغتمَّ، لكنني، ومنذ سنوات، بتُّ أحرصُ على التلفُّت لأعلى والنظر ملء عيني دون أن أخفي دهشتي الممزوجة بالحنق، ذلك كي يظلَّ السؤالُ موّارًا في رأسي: ماذا يفعلُ هذا العلمُ هنا؟ ومَنْ سمح بوجوده على أرض بلادي؟
ثم تقول وكالاتُ الأنباء: "أبدت وسائلُ الإعلام الإسرائيلية اهتمامًا بالغا بزيارة الرئيس مبارك إلى الولايات المتحدة للقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وهى الزيارة التي تمثل أهميةً كبرى لإسرائيل لأن الرئيسين سيناقشان خلالها خطةَ السلام بين إسرائيل والفلسطينيين!" وذكرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن مبارك سيحاولُ الضغطَ على إسرائيل حتى تقبل خطة السلام الأمريكية، كما أكد مبارك أن الدول العربية لن تعترفَ بدولة إسرائيل أو تقبل التطبيع معها، إلا إذا تحقق السلامُ العادلُ والشاملُ في منطقة الشرق الأوسط، وبعدما توافقُ إسرائيلُ على وقف كافة أشكال البناء الاستيطاني على الأراضي الفلسطينية، ما سيعتبر بادرةً حسنة لاستئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والدول العربية. كما صرّح السفير حسام زكى المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن مبارك سيطلع أوباما على أفضل الطرق التي تجبر إسرائيلَ على تخفيف الحصار على قطاع غزة القائم منذ 2007، وتحسين أوضاع الفلسطينيين فى الضفة الغربية، وتوافق أيضًا على بحث وضع مدينة القدس وقضية اللاجئين الفلسطينيين، ولهذا يجب على الإسرائيليين أن يبدءوا بالخطوة الأولى تجاه السلام، وبعد ذلك سيقدم العرب لفتاتٍ حسنةً تجاه إسرائيل، وفقاً للطريقة التي يرونها مناسبة في التعامل مع إسرائيل. أما أوباما فطالبَ بالتوقّف عن "التحريض" العربي ضد إسرائيل، وذلك لاتخاذ خطوات فعالة في طريق التهدئة مع إسرائيل، قائلاً إن أمله هو أن يرى تحركًا ليس فقط من جانب الإسرائيليين، ولكن أيضا من جانب العرب بما يدلل على رغبتهم في التواصل مع إسرائيل!
تحدث هذه الأحلام الطيبة من جانبنا خلال زيارة مبارك لأمريكا، بينما، في اللحظة نفسها يفتحُ الإسرائيليون النارَ صوب صدر أحد حرّاس الحدود المصريين في إيلات! ثم يعتذرون عن هذا الخطأ غير المقصود! لأنهم "ظنّوا" أنه بادر بفتح النيران أولاً! وبعدما تأكد لهم كذب ذلك الزعم، قدموا اعتذارهم، الذي طبعًا ستقبله حكومتنا مبتسمةً "وحصل خير"! تمامًا كما حدث، ويحدث منذ إبرام اتفاقية السلام المضحكة، مِن قتْل العشرات من المجندين المصريين برصاصات إسرائيلية، ثم سرعان ما تعتذر إسرائيل، وتقبلُ الحكومةُ المصرية الاعتذارَ بقلبٍ مفتوح!


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يا الله، من رسم الخطوط حول الدول؟ ترجمة:

07-تشرين الأول-2017

«الشاعر» هاني عازر

20-تموز-2014

نوبل السلام لأقباط مصر

28-حزيران-2014

هنركب عجل

18-حزيران-2014

النور يعيد السيدة العجوز

11-حزيران-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow