Alef Logo
المرصد الصحفي
              

آل سعود في بر الشام

د.كمال خلف الطويل

2007-03-01

إنقضت ثلاثة أرباع القرن على اكتمال تأسيس الدولة السعودية الثالثة بوسائط الفتح والغزو والتوسع . ودائما تحت عين الرضا البريطانية.
عرف الكثير عن دائب جهدهم للقضم هنا أو هناك في العراق والأردن وعن ضمهم لعسير اليمن وعن مناوشاتهم مع مشايخ الكويت والمتصالحات ومع سلطان عمان.
لكن ما ندر توثيقه في سردية تأريخية هو حميم رغبتهم ومحموم سعيهم لأن يكونوا في الشام – الاقليم أصحاب نفوذ في أقله وسادة قرار في أكثره.
من هنا سعى هذا المبحث لأن يخوض في هذه اللجة أملا في أن تتبعه مساهمات أخرى تسلط الضوء على زوايا معتمة من هذه العلاقة الطويلة والحافلة
والحق أن السردية لا تزعم لنفسها صبغة أكاديمية ولا هي تخضع للتوثيق التقليدي إذ أنها مزيج متداخل ومتراكب من مراجع كتب وحوليات تاريخية ومشافهات شخصية.
* ما إن تمكن عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة من توطيد سلطته على معظم شبه جزيرة العرب برعاية وتمكين بيرسي كوكس – المعتمد البريطاني للجزيرة والخليج والتابع لمكتب الهند الإمبراطوري – عام 1932 حتى مد بصره شمالا على خط الأفق واصلا به إلى ديار الشام وطلبا لجملة أمور منها ما هو على المستوى الاستراتيجي وبعضها ما يقع في المجال العملياني.
في الاستراتيجيا: كان ما يطلبه يقع بين حدين ... الأقصى هو أن تكون الشام منطقة نفوذ له .. والأدنى ألا تكون لأخصامه الهاشميين بفرعيهم الأردني والعراقي أو حتى لمنافسيه المحتملين كالأسرة العلوية في مصر.
فيما دونها: كان ما يطلبه خبرات إدارية ودبلوماسية وطبية لا يجدها عنده وتحتاج سنينا ضوئيا لتحصيلها .. ثم شيء من تحسين النسل عبر التزاوج مع مليحات من الشام أو التسري بمن تؤمنهن أمواله.
لماذا الاهتمام بالشام لهذا الحد؟ لأن عبد العزيز قارئ حاذق للخريطة وفاهم همام لمعنى انكشاف العمق والخلفية فيما لو الشام خارج طوقه وتأثيره.
ولعل نظرة على عديد ونوعية الشخصيات "الشامية" التي صادقت أو والت عبد العزيز من أول شكري القوتلي وأمين الحسيني وأمين الريحاني وعبورا إلى يوسف ياسين وجمال الحسيني ووصولا إلى فؤاد حمزة ومدحت شيخ الأرض تنبئ عن شديد اهتمامه بتقريب صفوة القوم وتجنيد خبراتهم لصالحه.
تابع خلفاؤه نهجه فوجدنا شخصيات مثل معروف الدواليبي وأحمد الشقيري تتولى أدوارا حيوية في بلاط آل سعود عبر مراحل شتى.
والشاهد أن مثال النفوذ المقصود هو دوره في إيقاف الثورة الفلسطينية الكبرى عام 39 – ضمن باقة من الملوك العرب – عبر الضغط على الحاج أمين الحسيني زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية حينها تلبية لرغبة حكومة تشرشل البريطانية – السيد الأكبر – والتي كانت تريد التفرغ لحربها على ألمانيا وسد بؤر التوتر الشاغلة خارج المسرح الأوروبي.
غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية تأقلم عبد العزيز مع الصعود السريع والوازن للولايات المتحدة بأن نقل البارودة الكبيرة من كتف لندن لكتف واشنطن لكنه أبقى على بندقية صيد معلقة بكتف الأولى فاستبدل جون فيلبي المستشار الأوثق بالسفير الأمريكي ونال وعد الحماية العسكرية الأمريكية لحكمه ونسله من بعده مقابل الانصياع الفعلي للسياسة الأمريكية في المنطقة وفي الطليعة منها سياسات البترول تسعيرا وإنتاجا وتكريرا ونقلا وتصديرا.
طيلة سنوات ما قبل يوليو المصري ظل هم آل سعود جبه الخطر الهاشمي في الشمال فعقدوا حلفا تكتيكيا قويا مع فاروق خاتم السلالة العلوية، ورغم كرههم الدفين لهذه الأسرة التي دمرت دولتهم الأولى مطالع القرن التاسع عشر ودكت عاصمتهم "الدرعية" في نجد على رؤوسهم.
كان علويو مصر على نفس مستوى الاسترابة من هاشميي العراق والأردن ومن ثم تلاقت المصالح مع آل سعود.
ولضعف إمكانيات عبد العزيز من جهة ولجزيل ولائه لواشنطن من جهة أخرى كان دوره في حرب فلسطين–48 شديد الرمزية والتواضع.
والثابت أن شكري القوتلي الرئيس السوري الأول بعد الاستقلال كان وثيق الصلة بآل سعود لكنه كان في المقام الأول وطنيا سوريا بامتياز. من هنا وقوفه عام 48 في وجه اتفاق التابلاين مع شركة أرامكو الأمريكية وفي وجه توقيع اتفاق مجحف للهدنة مع إسرائيل بعد أن وضعت حرب فلسطين أوزارها.
والحاصل أن عقاب المخابرات المركزية الأمريكية نال القوتلي يوم 30 مارس 1949 عندما أزاحه عن الحكم عميل الوكالة اللواء حسني الزعيم قائد الجيش.
لكن المخابرات البريطانية لم تهدأ إلا عندما انقض عملاؤها على الزعيم وحكمه بعد شهور خمسة فقط – آب 1949 – واصلين بسوريا إلى عتبة هاشميي العراق .. أو هكذا بدا.
كانت تلك شهورا عصيبة لآل سعود وهم يرون عزيزهم في دمشق ينحى – رغم تفهمهم اللاحق لدواعي ذل ك – ثم ليشهدوا اقتراب ألدائهم من قطف الثمرة الدمشقية.
دبّ فيهم محموم النشاط وبالتنسيق مع أربابهم في واشنطن فردوا الصاع صاعين وأعادوا انتزاع دمشق من قبضة البريطانيين وهاشمييهم في ديسمبر 49 أي بعد شهور أربعة فقط من خسرانها.
كان أديب الشيشكلي حليف وكالة المخابرات المركزية الأجدر – قياسا لنموذج الزعيم الأخرق –. إليه كان ارتياح آل سعود طيلة أعوام 50-53 عارما لأن في سوريا درعا واقيا من طموحات الهاشميين وصديقا دافئا لهم زارهم وتعاهد معهم وتعاقد.
عاد الإنجليز إلى الميدان في شباط 54 موجهين ضربة قاضية للحليف الأمريكي الحاكم مجبرينه على الفرار إلى عاصمة حليفه الإقليمي سعود عبر بيروت. والحق أن الفترة ما بين شباط 54 ونيسان 55 كانت رجراجة لدرجة انعدام الوزن. صحيح أن الشيشكلي الأمريكي الهوى قد أزيح لكن من حلّ مكانه كان كوكتيلا ضم بريطانيي الولاء وأمريكيي النزوع إضافة لقوميين وإسلاميين.
خلال تلك الفترة تحركت لندن بزخم من يقاتل بأسنانه حفاظا على بقايا إمبراطورية متداعية إذ دفعت بعميلها العقائدي الأهم نوري السعيد لتدشين حلف بغداد بالاشتراك مع أقرانه الإقليميين: إسكندر ميرزا في كراتشي .. عدنان مندريس في أنقرا .. ومحمد بهلوي في طهران.
كان البطن الرخو لهذا الحلف هو إقليم الشام ومن هنا مسارعة المتحالفين ورعاتهم لوضع اليد على مكونات الإقليم: سوريا ولبنان والأردن وشتاتها الفلسطيني.
رئس الحكومة السورية في عز اشتداد معركة حلف بغداد فارس الخوري والذي قيل الكثير في مدحه "لسابقاته" في النضال. لكنه في يناير 55 كان بامتياز داعية الانضمام لحلف بغداد ولم ينهه عن مساره إلا اصطدامه بعبد الناصر في مؤتمر رؤساء الحكومات العربية بالقاهرة ذاك الشهر .. وإلا سحب الثقة من وزارته في البرلمان السوري غداة عودته من القاهرة.
تأخرت محاولة ضم الأردن إلى ديسمبر 55 عندما حلّ فيه الماريشال تمبلر رئيس الأركان البريطاني فطرد بخفي حنين أثر الهبة الشعبية الرافضة للحلف. أما لبنان كميل شمعون فهو انضم للحلف بالسلوك رغم عدم الإشهار.
كانت إطلالة عبد الناصر على المشهد السوري – وبعد غياب الشيشكلي – في سبتمبر 54 عندما زار دمشق زميله صلاح سالم. حينها خاض محاولته الحازمة لثني نوري السعيد عن حكاية الحلف ومن ثم لإبعاد سوريا عن قبضته .. وبالتنسيق مع آل سعود.
لم تتبدل موازين القوى في الداخل السوري بشكل حاسم إلا مع اغتيال عدنان المالكي رمز العسكرية القومية – البعثية على يد الحزب القومي السوري والذي كانت وشائجه مع الإنجليز وحلفائهم الإقليميين من شمعون لنوري السعيد قائمة وفاعلة. حينها مال الميزان بكفتيه في اتجاه كتلة الضباط القوميين والبعثيين والتي كانت شديدة العداء لحلف بغداد وصناعه مواكبة لعبور عبد الناصر محطات باندونج وكسر احتكار السلاح والاعتراف بالصين الشعبية (من نيسان 55 إلى مايو 56).
ورغم أن آل سعود كانوا يرقبون بدهشة والتياع الصعود الصاروخي لزعامة جمال عبد الناصر إلا أنهم كانوا أكثر خشية وعداء للهاشميين خصوصا وأنهم ما فتئوا يخففون من قلقهم الناصري بتطمين أنفسهم أن مصر بعيدة ولا شهية لها للتوسع وكل ما تفعله أنها تتقي شر التوسع الهاشمي.
مع تأميم قناة السويس بات جليا أن سوريا قد حسمت أمرها شعبا ونخبا بالاصطفاف في خندق عبد الناصر بل وبدأت ترسل الإشارة تلو الإشارة طلبا للوحدة مع مصره.
الآن غدا أن ما كان صالحا من توافق مصري – سعودي حول الشأن السوري تجلى في إعادة شكري القوتلي رئيسا في أغسطس 55 لم يعد على نفس الدرجة من القيمة لعبد الناصر فهو الذي لا منافس له هناك بعد الآن.
ما الذي جرى حينها: اتفق اللدودان الإنجليز والأمريكان على التنسيق بغرض الانقلاب على الوضع الناشئ المؤيد بضراوة لعبد الناصر.
كان الترتيب بريطانيا في المقام الأول وشمل أطيافا عدة من النخبة السورية شملت: وجهاء دروز مثل حسن الأطرش وفضل الله جربوع .. وجهاء علويين مثل بدوي الجبل ومحي الدين مرهج .. الحزب القومي السوري ممثلا بغسان جديد وميليشياه التي هي عصب التحرك العسكري .. ساسة من أضراب: عدنان هاشم الأتاسي – عدنان العائدي – فرزت المملوك – سامي كبارة – منير العجلاني – صبحي العمري - هايل السرور – فيضي الأتاسي – ميخائيل اليان .. وعسكريون أمثال عمر القباني ومحمد معروف ومحمد صفا وحسين الحكيم. ولم يكن ساسة أقدم وأوزن بعيدين عن الترتيبات .. أمثال حسن الحكيم ولطفي الحفار.
وضع التوقيت بريطانيا ليتواقت مع موعد بدء العدوان الثلاثي على مصر – توقيت كان الشريك الأمريكي يشتبه به دون تأكد قاطع – وبغرض استفراد عبد الناصر في عز محنته دون سند ولا مؤيد.
يدخل على المشهد عند هذا المفصل رجل كان له كل الفضل في إجهاض ما دعي بالمؤامرة الكبرى: إنه عبد الحميد السراج.
ورغم أن المقام هنا ليس مخصصا لتناول الرجل (فلذلك ورقة أخرى تكتب بوحي لقائين ضماني معه في (28/6/2002 و 29/6/2005 ) إلا أن السراج هو بامتياز من كان حامي سوريا من المؤامرات من أول اغتيال المالكي في نيسان 55 وصولا إلى رفضه رشوة سعود في شباط 58. اخترق السراج شبكة المؤامرة الكبرى باقتدار وطوح برموزها بضربة قاضية قبل أيام قلائل من موعد التنفيذ ثم توج ضربته بتدمير خط أنابيب بترول الـ IPC البريطانية من كركوك لبانياس في عز العدوان الثلاثي على مصر.
تسبب كل ذلك للسراج بغضب مكتوم من نخبة اليمين المشاركة في الحكم ما لبث أن تجلى في محاولتهم إبعاده للهند ملحقا عسكريا في آذار 57.
والحاصل أن كتلة الضباط القوميين والبعثيين واليساريين التفت حوله لدرجة العصيان في معسكرات قطنا تلويحا بالزحف إلى دمشق فيما لو أصرّ مدنيوا الحكم من اليمين على نيتهم في الإبعاد.
تراجع اليمين واستمر السراج مديرا للمخابرات العسكرية ليخترق بعد شهور قلائل شبكة عملاء الكولونيل هوارد ستون الملحق العسكري الأمريكي والتي ضمت أديب الشيشكلي – مهرَّبا من لبنان – وإبراهيم الحسيني وآخرين. كان ذلك في آب 57.
تلاحقت ردود فعل القوميين على المؤامرة الأمريكية المجهضة فطرد الكولونيل ستون (وردت واشنطن بطرد السفير السوري فريد زين الدين) وطرد توفيق نظام الدين من رئاسة الأركان ومعه نفر من الضباط المحسوبين مثله على اليمين ضمت أسماء مثل طالب الداغستاني ومحمود شوكت وسهيل العشي وحسن العابد وزهير الصلح وهشام السمان وشكل مجلس قيادة إئتلافي للقوات المسلحة برئاسة عفيف البزرة رئيس الأركان الجديد والمحسوب على الشيوعيين وعضوية 23 آخرين منهم خمسة بعثيين وشيوعي ثاني و 17 وحدوي مستقل (كان كثر منهم محسوبين على الشيشكلي أيامه).
عند ذاك المفصل جن جنون واشنطن فمؤامراتها الانقلابية (الخالصة الولاء) فشلت والضباط المحسوبين على هواها سرحوا ويحكم البلاد – من وراء ستار مدني – مجلس عسكري يدين بالولاء لعبد الناصر في المجمل الغلاب.
ردت واشنطن بتصعيد حرب الدعاية ضد سوريا متهمة إياها بالاحمرار وجيشت الحشود التركية مهددة بالزحف إلى العمق وصلبت من سلطان حليفها كميل شمعون (والذي كما فعل عبد العزيز آل سعود في الأربعينات وكما رافقه – أي شمعون - في الفعل حسين الأردن بدأ بريطاني الارتباط ليتحول إلى أمريكي الولاء - مع بقية هوى بريطاني) ليجعل من لبنان قاعدة انطلاق للتآمر على سوريا مضافة إلى عراق نوري السعيد وأردن حسين (بعد إشهاره البيعة لواشنطن في أبريل 57 ونيله النعم منها مذ ذاك).
دخل على الخط في خريف 57 سعود الرياض بحجة الوساطة بين دمشق وجيرانها وإنقاذا لها من المخاطر المحيقة بها وهو في الواقع يبتغي قطف ثمرتها عبر إبعاد كل من عبد الناصر والهاشميين عنها وبتأييد أمريكي.
لم يستمع لسعود أحد - أو لم يجرؤ - فخرج بخفي حنين وازداد غيظه عندما وجد قوات مظلات مصرية ترسو في ميناء اللاذقية نصرة لسوريا . رغم رمزية هذه الخطوة قياسا لموازين القدرة.
ورغم كم النفور الشديد من الهاشميين إلا أن عام 57 شهد تقاربا اضطراريا بين سعود الرياض وبين عبد الإله في بغداد وحسين في عمان دشنه إسناد الأول للثالث عندما قاد الإنقلاب على شريكه الوطني المنتخب – بقيادة سليمان النابلسي – في أبريل 57. جمع الخصوم مشترك عداوتهم المذعورة لعبد الناصر وقناعتهم أن ساحة الفصل هي دمشق.
كان عام 57 – بقدر أو بآخر – من أعوام الإرهاصات الكبرى. لكن حدثا كان بمقاييس تلك الأيام غير ذي قيمة وما لبث بعد أعوام قلائل أن تحول إلى شأن مفصلي النتائج جرى في ذلك العام المهم ألا وهو تشكيل نواة حركة فتح.
والحاصل أن جماعة الإخوان المسلمين كانت في أضعف حالاتها ذلك العام أي غداة انتصار عبد الناصر السياسي في السويس وصعود مد حركة القومية العربية لذروة قياسية بقيادته.
كان فرعهم في قطاع غزة محصور الأنفاس ضمن جو الإطباق المحكم عليهم في مصر تلك الفترة. لكن زمرة من جيلهم الثاني شعرت أن الاستمرار على حال الجمود الساكن لا بد ذاهب ببقايا الجماعة إلى الذوي خصوصا وأنهم ظنوا أن تجربة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 56 برهنت لهم أن الاشتباك مع إسرائيل هو منجاة الإخوان إن شاؤوا التجدد قوة حية فاعلة تستطيع إحراج عبد الناصر في مقتل وهو الخارج من تجربة 56 بقناعة الحاجة إلى تجميد للصراع العسكري مع إسرائيل لعقد من الزمان ... لا أقل.
ذهبت هذه الزمرة إلى هاني بسيسو مراقب الإخوان في غزة بطلب الموافقة على تأسيس خلايا مسلحة تنطلق – بعد التأهيل – لشن عمليات إغارة على العمق الإسرائيلي المجاور ومستفيدة من تجربة الفدائيين التي رعاها عبد الناصر ما بين ربيع 55 إلى خريف 56.
رفع بسيسو الطلب إلى رموز إخوان المنافي ومنهم سعيد رمضان وعبد الحكيم عابدين ومصطفى العالم وكامل الشريف ويوسف ندا بتوصية عدم القبول لقناعته بعدم قدرة الجماعة في غزة على تحمل تبعات خطوة جذرية كتلك.
وافقت توصية بسيسو هوى الرموز المذكورة فشق الشباب عصا الطاعة خارجين منها بالجملة ومهاجرين عنها إلى المنفى الكويتي بغرض الابتعاد عن سطوة عبد الناصر وتحصيل مورد مالي مهم يمكنهم من التحرك لاحقا.
سرعان ما اكتشفت المخابرات البريطانية المتسيدة في الكويت تجمع هؤلاء الشباب ونياتهم ومقاصدهم وعزمت على توفير الحرية لهم في مسعاهم ليس حبا بهدفهم الاستراتيجي في الإسهام بتحرير فلسطين بل لأنهم خصوم عدوهم الاستراتيجي اللدود ... جمال عبد الناصر.
كان عام الإرهاصات 1957 في لبنان عام الاصطفاف الحاسم لقوى الداخل على إيقاع الصراع الناصري – الغربي.
دخلت "الوكالة" – عبر مدير محطتها غصن زعبي - بثقلها كله إسنادا لكميل شمعون في الانتخابات البرلمانية ذلك العام فرشت وزورت وأسقطت كل رموز معارضة القريبين في قليل أو كثير من أجواء عبد الناصر – وسواء بالقناعة أم بالضرورة –.
فيه أيضا حسم حسين أمره وأعلن حربا لا هوادة فيها على التيار القومي في الأردن بضفتيه ومدشنا عهد التوظف المباشر في "الوكالة".
إذن ما إن انتصف عام 57 إلا وكان سعود وحسين وشمعون وعبد الإله/نوري قد انتظموا في سلك "مبدأ أيزنهاور" المعلن في 5 يناير من ذاك العام مؤيدين – ولو بالتقية – من سنوسي ليبيا وعبد الله خليل/حزب الأمة في السودان وكذلك من بورقيبة تونس.
بقيت خارج الطوق مصر وسوريا فقط ... والأخيرة كانت ميدان الصراع بكل تجلياته.
تضافرت عوامل عدة وسط هذه الأجواء المستعرة لتوصيل مجلس القيادة العسكري إلى حتمية الالتحاف بعبد الناصر قولا واحدا.
وصلت الرغبة إليه في ديسمبر 57 فأرسل حافظ إسماعيل أحد أكفأ ضباطه لاستبيان الأمر واستكشاف صوابه من عدمه. لم ينتظر المجلس رد عبد الناصر فقرر منتصف يناير 58 أن يذهب بقضه وقضيضه إليه ليحسم الأمر.
عرف آل سعود بالخبر فغاب النوم عن جفونهم وهم يتخيلون الكابوس وقد آل إلى واقع مجسد. دبت بهم الحيرة إلى أن تفتق ذهن ملكهم سعود عن فكرة رشوة رجل سوريا القوي عبد الحميد السراج بهدف اغتيال عبد الناصر وإجهاض قيام الوحدة.
كلف الملك مستشاره للشؤون الخارجية يوسف ياسين "اللاذقي" ترتيب الأمر فقام الأخير عبر أسعد إبراهيم شقيق إحدى زوجات سعود بالاتصال بالنائب عزيز عباد للوصول عبره إلى السراج. باقي القصة معروفة وهي التي تأتى منها أن سعود افتضح راشيا لمنع الوحدة وشراء ذمة السراج ليكون مجهضا لها.
قامت الوحدة رغم التآمر السعودي الذي لم يكن له أن يتم دون معرفة واشنطن وضوئها الأصفر .. ورغم الجفاء السوفييتي المعبر عنه بغياب رجلهم خالد بكداش عن اجتماع البرلمان السوري لإعلان اتفاق الوحدة في 5 فبراير 58 وبرفض الحزب الشيوعي المصري الموحد حل نفسه والانضمام للاتحاد القومي.
قامت الوحدة لتحسم الصراع على سوريا لصالح حركة القومية العربية بقيادة جمال عبد الناصر ومدشنة هذه الحركة كإحدى أهم القوى الصانعة للقرار العالمي ضمن كتلة عدم الانحياز الأوسع.
وما إن مضت شهور خمس على قيام الوحدة إلا وارتاع آل سعود لنبأ سقوط ألدائهم هاشميي العراق لتقوم على أنقاضهم جمهورية يحكمها تحالف قومي – شيوعي-عراقوي.
عشية ذلك الزلزال كان حلي فهم اللبناني شمعون يهزم في حرب أهلية مستعرة أمام تحالف يدين بالولاء لعبد الناصر من رموزه رشيد كرامي وصبري حمادة وكمال جنبلاط وغيرهم.
لم يبدد قلق آل سعود إلا مسارعة واشنطن إلى إنزال خمسة عشر ألفا من قوات المارينز على شواطئ بيروت إنقاذا لشمعون من الطرد المؤكد من قصر القنطاري قبل انقضاء مدته بشهور من جهة وتمهيدا لتسوية مع عبد الناصر تحرم شمعون من التجديد مدة ثانية - كما كان سعيه المحموم - وتمهد السبيل أمام فؤاد شهاب قائد الجيش رئيسا لحل وسط ينهي الحرب.
كان إنزال المظليين البريطانيين في الأردن قادمين من قبرص عبر الأجواء الإسرائيلية ذات الفترة سببا مضافا لبث الارتياح في نفوسهم وتطمينهم بأن حليفا – ولو لدودا – لا زال على خاصرتهم الشمالية كيانا عازلا أمام التمدد الناصري جنوبا.
ضاعف من ارتياح آل سعود أن أواصر التحالف القومي – الشيوعي – العراقوي في العراق سرعان ما تفككت قبل انقضاء أسابيع ستة على قيام ثورة 14 تموز (حديث ذلك في ورقة أخرى عنوانها: عبد الناصر والعراق ... بين نصف عاقل ونصف مجنون ... ثم البعث).
وحتى قبل وصول الأخبار السارة من بغداد بدءا من خريف 58 سارع آل سعود إلى انتداب ثاني كبرائهم فيصل رسولا لعبد الناصر معتذرا عن زلة كبيرهم سعود ومتبرئا من مسؤوليتها بل وواعدا بتحجيم دور سعود في صنع القرار. تم ذلك بالفعل عبر تشكيل فيصل ولي العهد للوزارة حينها.
كان ما حول اتجاه التدهور في علاقة عبد الناصر بآل سعود إلى اتجاه تصالح هو الانفراج الذي طرأ على علاقة عبد الناصر بواشنطن منذ مطلع 59.
والثابت أن الخشية المشتركة من النفوذ الشيوعي المتعاظم في العراق كانت القابلة القانونية لهذا الصلح الذي سرعان ما تجسد في قانون المعونة الغذائية الأمريكية لمصر وفي استقبال البعثات الجامعية المصرية التي حولت من موسكو لواشنطن حينها.
ومن تجليات هذا الصلح التكتيكي العابر كانت زيارة سعود – ذاته – للقاهرة في سبتمبر 59 – والتي استقل فيها إلى جانب عبد الناصر سيارة مكشوفة مخرت عباب شوارع القاهرة – كلفتة دالة على أن عفو عبد الناصر عن المستغفِر سعود قد صدر. ما جرى كان في الواقع هدنة المتحاربين لا أكثر ولا أقل.
لنلحظ أن الصلح السعودي – الناصري لم يرافقه صلح هاشمي إلا متأخرا بعام ونصف أي في مارس 61 ولم يرافقه صلح بورقيبي إلا في تموز 61 مع واقعة بنزرت.
ثم إن عام 60 كان عام اضطراب داخل البيت المالك السعودي إذ أن سعود مؤيدا بشباب الأمراء "الإصلاحيين" وعلى رأسهم طلال استعاد بزخم صلاحياته التي قيدت بتولي فيصل رئاسة الوزراء عبر إقالة وزارة الأخير وتشكيله الوزارة بنفسه معينا طلال وزيرا للمالية.
فعل سعود ذلك بعد أن استقوى بصلحه مع عبد الناصر ومبيتا النية في ذات الوقت على فعل المستحيل بعد استتباب الأمر له في الرياض على الانتقام لشرفه المهدور من شرفة قصر الضيافة بدمشق.
هنا ومع دخول عام 61 كانت رغبة سعود بضرب عبد الناصر في مقتل دمشقي متوافقة مع تحرق هاشمي على الخلاص من الكابوس الناصري في دمشق. لكن الأهم كان أن وكالة المخابرات المركزية كانت قد وصلت لقناعة قاطعة مؤداها أن وقت تحجيم عبد الناصر قد أزف فلا مساحة تأثيره العربي ولا نفوذه الأفروآسيوي ولا تمدده الأمريكي اللاتيني غدا من النوع الذي يمكن التأقلم معه، ولا استمرار الوحدة بين شمال وجنوب إسرائيل يمكن تحمله وهو المعبأ بخطر تهديدها ذات يوم. ساعد الوكالة على عقد العزم على التحرك معرفتها أن موسكو ستكون - لأسبابها -مرحبة بتفكيك الوحدة وعلى الأقل غير مبالية.
رتب المايسترو الأمريكي أدوار عازفيه بأن أوكل لسعود الرياض تمويل مؤامرة انقلاب سوري يهدف لفصم عرى الوحدة بميزانية تصل لـ 12 مليون دولار وأوكل لحسين عمان مهمة تجنيد ضباط سوريين وإعدادهم للانقلاب.
بدأت مراحل الخطة بتنييم عبد الناصر عن الاشتباه بتآمر هاشمي عبر توجيه حسين رسالة له في رمضان/آذار 61 يطلب فيها منه الصفح والغفران عما سبق وبدر منه من عداوة وخصام ومعلنا حميم إعجابه به لدرجة الموالاة.
إنطلت الخديعة على عبد الناصر في قليل أو كثير خصوصا وأن تهديد عبد الكريم قاسم – خصم الجميع – باحتلال الكويت في يونيو 61 وفّر سببا لبعض من تنسيق جمع سعود وحسين من جهة وعبد الناصر من جهة أخرى تجسد في إرسال قوات مشتركة للكويت حماية لها من تهديد قاسم وبديلا عن القوات البريطانية المحتلة – في إطار الجامعة العربية وبقيادة مصرية –.
نجح الجهد المخابراتي المشترك في تجنيد العميد فيصل سري الحسيني والمقدم حيدر الكزبري ومعهما خلوصي الكزبري وأكرم سري الحسيني وفي الطليعة منهم مأمون الكزبري. كانوا جميعا النواة الصلبة التي تجمع حولها لفيف من الضباط الدمشقيين لم يتجاوزوا السبعة وثلاثين والذين استطاعوا تغيير المشهد الجيوستراتيجي للمنطقة منذ ذلك التاريخ.
والأكيد أن يوم 28 أيلول 1961 كان يوما مشهودا لواشنطن ولندن والرياض وعمان وأ نقرة وتيبة (الأخيرتان كانتا أول من اعترف بالانفصال السوري!).
لم يكن فاصلا، إذ بقي زخم حركة القومية العربية آخذا في التصاعد حتى عام 1965، لكنه كان فارقا لجهة تحديد بوصلة القادم من أحشاء الزمان.
ورغم أن عهد الانفصال السوري القصير الأمد لم يكفل لآل سعود انتصارا مستداما – دعك عن شاملا – في إقليم الشام إلا أن مجرد كف يد عبد الناصر عن سوريا كان مكسبا مهولا لهم خصوصا وأن تجليات لها علاقة بالداخل المصري جرت بتأثير الحدث السوري منها رشوة الملحق العسكري المصري بلبنان المقدم زغلول عبد الرحمن للفرار إلى سوريا وشن حملة شعواء على عبد الناصر ونظامه وهو من هو في تنظيم الضباط الأحرار الذي فجر ثورة يوليو.
والثابت أن رعاية آل سعود وآل هاشم – مجتمعين – لفاري الأخوان المسلمين من مصر كانت قد وصلت مع فترة الانفصال إلى ذرى شاهقة تولت فيها كوادر الأخوان مهاما سياسية وإعلامية وتعليمية وثقافية في خدمة الأسرتين وبالأخص في مجال حرب الدعاية ضد حركة القومية العربية وبالذات ضد رمزها جمال عبد الناصر.
ارتضى الأخوان المسلمون لأنفسهم أن يصطفوا في خندق "الآلين" مع علمهم – الذي لا يحتاج لوافر دليل – إن ذلك هو – قولا واحدا – اصطفاف تحت لواء المعلم الأكبر في واشنطن.
والحاصل أن هذا المعلم وبعد اطمئنانه على رد الخطر الناصري عن دمشق التفت للفتك بالازعاج القاسمي في بغداد.
ما كان مشَّجعا بريطانيا ما بين يوليو 58 – يونيو 61 وما كان محتملا – وعلى مضض – أمريكيا طيلة تلك الفترة أضحى في مرمى الهدف لكليهما عند نقطة ما في عام 61 تلاقى عليها تهديد احتلال الكويت مع صدور قانون 80 المجرد لشركات النفط الغربية من أي أراض خارج نطاقها القائم.
كلف فرانك كارلوتشي – منسق نشاطات المخابرات المركزية بالشرق الأوسط حينها - والذي سبق وأن أشرف منذ شهور خلت وأثناء انتدابه لمحطة ليوبولدفيل على تصفية باتريس لومومبا – بتصفية عبد الكريم قاسم.
كانت أولى خطواته وبالتنسيق مع بهلوي طهران هي أمر مصطفى البرازاني للتحرك العسكري ضد بغداد في سبتمبر 61.
ما يهمنا في الأمر لجهة آل سعود هو أنهم مع آل الصباح وآل هاشم كانوا في نطاق الترتيب لما هو قادم والذي كان محوره حزب البعث العراقي.
ولعل اختيار التحالف مع هذا الحزب بالذات كان يخدم غرضين متداخلين: الخلاص من قاسم ومن الحزب الشيوعي العراقي وحرمان عبد الناصر من التمدد إلى بغداد وهو الذي على جفاء مضطرد م ع البعث كله منذ استقالة وزرائه من حكم الوحدة في ديسمبر 62 وبالأخص منذ الانفصال السوري. في انتظار الخلاص من قاسم العراق تلقى آل سعود وآل هاشم ضربة موجعة في لبنان عشية اليوم الأول من عام 62.
للمرة الثالثة من تاريخه يتحرك الحزب القومي السوري وفق أجندة غربية تقاطعت مع مطامحه – أو بدت -. كانت الأولى في اغتيال المالكي بهدف إزاحة أهم خصوم حلف بغداد السوريين. أما الثانية فكانت في اصطفافه بخندق كميل شمعون والكتائب أثناء حرب 58 الأهلية وها هي الثالثة استكمالا للانفصال السوري ومحاولة لقلب نظام ودود نحو عبد الناصر هو نظام فؤاد شهاب. يعترف عبد الله سعادة رئيس الحزب في مذكراته "أوراق قومية" أنه نسق في تخطيطه للانقلاب مع السفارة الأمريكية ببيروت ثم أنه ليس خافيا مدى الانخراط الهاشمي في ترتيبات الانقلاب عبر ضابط الاتصال علي غندور.
لكن اللطمة الكبرى التي تلقاها آل سعود عام 62 كانت ثورة اليمن الجمهورية في سبتمبر من ذلك العام. ورغم أن تفصيل مسألة حرب اليمن تم في ورقة أخرى مستقلة إلا أن المناخ الذي ولدته الثورة مهد السبيل أمام انحسار النفوذين السعودي والهاشمي في المشرق العربي حتى أنه ما إن دلف عام 63 حتى كانت سورية ثمرة ناضجة للسقوط من شجرة اليمين الحليف.
ثم زاد الطين بلة أن كلا من نظامي دمشق وبغداد الجديدين وجد نفسه مضطرا أمام ضغط شارعيه – وبالأخص السوري – لخطب ود عبد الناصر بدعوى طلب وحدة ثلاثية معه.
ورغم أن آل سعود لم يكونوا في حاجة لتبين ضعف مصداقية البعث "السوراقي" في السعي الجاد لوحدة مع عبد الناصر إلا أن مجرد الكلام عن هكذا وحدة تضم الدول الرئيسية الثلاث خصوصا إذا تمكن الناصريون في أي من العراق أو سوريا أو – وهي الطامة الكبرى – في كليهما سيحول المناورة إلى حقيقة مفزعة كفيلة مع الوقت بتقصير عمر البيت المالك وفي عقره.
لم يتنفس آل سعود الصعداء إلا في 22 يوليو 63 عندما أعلن عبد الناصر خروجه من اتفاق الوحدة الثلاثية هاربا من مطرقة البعث السوري وسندان البعث العراقي.
ولشهور قلائل - ورغم أنه أهون الشرين - إلا أن شبح البعث "السوراقي" ارتسم على أفق الشمال العربي مؤرقا آل سعود ولو بدون كوابيس عبد الناصر!
ولو قفزنا لوهلة من عام 63 إلى عام 78-79 لوجدنا أن ذات الرهاب أصاب آل سعود بارتعاد مفاصل واصطكاك أسنان حينها. هذه المرة لم يكتفوا بالتعاويذ والأدعية. بل شمروا عن ساعدهم – وبالتنسيق مع حليفهم حسين الأردن – ليذروا قرن الخلاف بين البعثيين السوري والعراقي وهما في ذروة محاولتهما – التي بدت جادة – للوحدة بين القطرين وبين جناحي الحزب المتخاصمين.
لم يكن بذارهم منثورا في أرض جرداء على كل حال إذ أن النفور الشديد بين أسد وصدام وخشية الأخير من استفراد الأول بأحمد حسن البكر – رئيس الوحدة المفترض – كنائب وشريك له كفل استعداد صدام لإجهاض المحاولة.
المهم في الأمر أن "الآلين" وفرا المادة اللازمة للوقيعة عبر توصيل معلومات مبالغ بها لصدام عن تنسيق أسد مع بعض شركائه الحزبيين للخلاص منه. حينها قام باستباق ما ظنه قادم فارطا عقد التفاوض ومنحيا البكر إلى المنزل ...

كلنا شركاء

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عن مسلسل الملك فاروق حاتم علي ....فاروقـاً

27-تشرين الأول-2007

آل سعود في بر الشام

01-آذار-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow