في البدء أعرض نصّاً لنبيل صالح على موقع (الجمل بما حمل)، أرى أنّ فيه ما يستحقّ التفكير والتصغير، يناسب ما أورده للمخ السوري من تحقير .
وإليك النص :
" دليل الواقع في العقل
يتغير العالم أولاً داخل رؤوس الناس قبل أن يتغير في الواقع، وما نعيشه اليوم من تطور بدأ داخل رؤوس الأنبياء والفلاسفة والعلماء قبل أن يتحقق على أرض الواقع، وكل تحسن ملموس أو سوء محسوس خرج أولاً من داخل الرؤوس.. وما نحن فيه اليوم هو ما كانت تفكر حكوماتنا به بالأمس، لذلك نلاحظ سوء أحوالنا مقابل تحسن أحوال أولادهم وأحفادهم.. قال عمرو بن معدي كرب أشهر فرسان صدر الإسلام:

إذا قُتلـنا ولا يـبكي لنـا أحدٌ قالت قريشٌ ألا تلك المقاديرُ
نُعطى السويّةَ من طعنٍ لهُ نَفذٍ ولا سويّةَ إذ تعطى المقاديرُ

ويبدو أن حكومات اليوم ما تزال تقتدي بقريش الأمس وترفع نسرها شعاراً لها.. وإذا استشارتني قريش اليوم بشعارٍ آخر لها غير النسر فسوف أقترح شعار الحمامة.. الحمامة بمعناها الرسمي وليس الرمزي الذي يقصده الأطفال بالطبع..

نكتة: بياع أمخاخ (جمع مُخ) حوراني حاطط تسعيرة: المخ الفرنسي بـ 200 والأمريكاني بـ 400 والسوري بـ 500 ليرة، سألوه ليش المخ السوري أغلى؟! قالهم: لأنو بعدو جديد وغير مستعمل...

نبيل صالح
2009-08-22 14:52"
انتهى النص.
ولئن كان يقصد ذو النّكتة المخّيّة هزءاً بمخِّ الحكومات فليقصر نكتته على ذلك، وليُعدّلها وفق مقتضيات الحديث وخصائص من يتّحدث عنهم، أمّا أن يعمّ التحقير ليشمل المخّ السوريّ برمّته فذا مبالغةٌ تضع صاحبها (النّكتيّ) في موقعٍ غير مستحبٍّ من مجافاة الواقع و التاريخ، وأحسب أنّ المخَّ السوريّ نَيّفَ على عشرة آلاف عام، وقد استخدم طويلاً و جيّداً أكثر من غيره .
و إذ أُنصّب نفسي مدّعياً شخصيّاً على المخّ الذي ألّف تلك النكتة ومن ثمّ نشرها أطلب من كلّ ذي مخٍّ سوريٍّ مشاطرتي ادعائي بقضّه وقضيضه دفاعاً عن مخه ومخيخه. ولأرجونّ حكماً بانطباق النكتة على مخّ قائلها وناشرها، ونزع صفة البيع ومن ثمّ رخص الثّمن عن المخّ السوريّ.

لست قوميّاً سوريّاً لأنبري لقول ما أسلفتُ، أو ماركسياً لأدحض المنطق الهيغلي الذي يقول به (النكتي) من أسبقية للفكر على الواقع، إنني بقليل الكلام جلفٌ وعصابيٌّ لا أضحك للرغيف الساخن، معقّدٌ لا أستسيغ المرح و لا أفهم مفارقات (النكتة) البائسة، جدّيٌٌّ أكثر من اللازم وثقيل ظلٍّ. وأظنّ:
أولاً: أوّل مسلك المتغطرسين في احتلال الشعوب واضطهادها تهشيمُ رؤيتها لذاتها وتحطيم خصوصيّتها و تدمير احترامها لنفسها وتقويض مناعتها الثقافيّة لتقليل كلفة التسلط، وإضعاف روائز مقاومة الاستبداد، وما بيع المخّ السوريّ وانخفاض سعره إلا خطوةٌ (نكتيّةٌ) في هذا المسلك. تُذكّر أيّما تذكيرٍ بتبخيس المعجبين بالمخّين الإفرنسيّ والأمريكاني انتصاراتِ المقاومة في لبنان.
ثانياً: ما انفكّ الواحد منّا يُحمّل أباه قسطاً وافراً من فشله، وفي موقفنا من الحكومات أحللنا الحكومة مكان الأب، وضخّمنا مسؤوليّتها لأنّ المُرَكَّبَ الثّقافيّ ـ النّفسيّ المُوَلّد لمواقفنا وأحكامنا ساوى الأب مع الحكومة.
ثالثاًً: ليس صحيحاً أنّ " ما نحن فيه اليوم هو ما كانت تفكر حكوماتنا به بالأمس" فنحنُ ما نحنُ عليه لأنّنا نحنُّ إلى ما كنّا عليه و لا نصبو إلى ما هو عليه غيرنا. ليس لسوءٍ في مخّنا بل لجبنٍ وكسلٍ و وهنٍ في أفعالنا، وأجزم بفشل ساركوزي في حكم الصومال كفشل القذافي في حكم ألمانيا إن قُدّر لهما ذلك. بذا أقترح أن نضيف إلى عبارة نبيل "كل تحسن ملموس أو سوء محسوس خرج أولاً من داخل الرؤوس.." أربع كلمات بعد كلمة الرؤوس، هي: بعد فعلٍ مجتمعيٍّ مدروس.

وعليه أبني يقيني بأنّ قريشاً لن تستفتيك يا نبيل بتغيير شعارها النّسريّ، فلكلّ زمانٍ شعارٌ و دولةٌ ورجال.

حسان محمد محمود

[email protected]