Alef Logo
يوميات
              

المِصَحْيَاتي

فاطمة ناعوت

2009-09-06


"أُصرُخي صَرخِة ميلاد/ أُصمُدي ساعة الألم/ ياما فى الأرحام ولاد/ حلمها رفع العَلَم/ زَغرَدي لاجل اللي جاد/ بالحياة ضد العَدَم/ انهَضي مفيش حداد/ أُطلُبي حق اتظَلم/ أُصرُخِي صَحّي الجياد/ أُنصُرِي حِلم اتهَزَم/ أُعبُري أيام شِداد/ ياما ف البركان حِمَم/ أُمّتي حان المَعاد/ قُومِي يا خيرَ الأُمَم/ إنشِدي لحن الجهَاد/ أيقِظِي فينا الهِمَم."
المخاطَب في هذه القصيدة هو "مصر". والمتكلِّم هو أحد أبنائها المغتربين عنها. اسمه شاهين أبو الفتوح. محام شاب، اختارت له صروفُ الحياة أن يهجرَ بلادَه ويعيشَ في النمسا سنواتٍ عشرًا، رزقه اللهُ خلالها ابنَه الأول "أدهم". خاف الوالدُ أن ينشأ وليدُه منبتَّ الصِّلةِ بأرضه الوطن، فراح يكتبُ أغنياتٍ وقصائدَ يغنّيها على مسمع الطفل في مهده كي يوطّدَ عُرى الحبل السُّريّ بينه وبين أمّه البعيدة عن العين، القريبة في متن القلب: مصر.
اختار أن يلحّن أغنياتِه الموسيقار فايد عبد العزيز، وأن يغنيّها محمد الحلو، وعصام محمود، وسواهما، مثلما اختار لنفسه لقبًا ارتآه أنسبَ النعوت للحظة الغفلة التي تحياها مصرُ الراهنة. "المصحّياتي". وهل نحتاجُ الآن لشيء أكثرَ من أن نصحوَ؟ طالتِ الغفوةُ حتى امتدّت عقودًا معتمةً، ننتظرُ أن يجلوَها صُبحٌ عَزَّ مجيئُه. نحتاجُ أن يصحو وعيُنا بحقوقِنا التي ابتلعتها، ليس وحسب، بطونُ الفاسدين، بل بالأساس ابتلعها ووأدها جهلُنا بها. فأنا من الذاهبين إلى أن العَتبَ لا يكونُ على الحكوماتِ الفاسدة، وفقط. بل على المحكومين الذين مرّروا ذلك الفساد وسوّغوه وشرّعوه وقبلوه، ثم تماهوا معه واستساغوه كأنه قَدَرٌ سماويٌّ مقدور، لا قِبَل لأحد بدحره أو مقاومته! طبيعةُ عمل اللصِّ أن يسرقَ، والفاشيّ أن يقمعَ، والظالمِ أن يظلمَ، والفاسدِ أن يُفسد في الأرض، لكنْ، في المقابل، هل طبيعةُ عمل المسروق والمقموع والمظلوم والمنهوب حقّه أن يصمت؟ أم أن يرفضَ ويقاومَ ويتمرّد ويثور؟ تلك هي المسألة، وفق ما قال شكسبير على لسان ابنه الثائر المظلوم هاملت.
"اصحى يا نايم يا نايم اصحى/ قوم تنهض الأوطان/ قوم وحِّد الديّان/ بلدك يا مصري اللي بناها/ كان من بنيها/ واللي عاداها من عهد مينا/ مالوهش فيها/ اقرا تاريخك/ وشوف بعينك/ أصلك وفصلك/ دنياك ودينك/ مرهون بإنك تزرع بأرضك/ تصنع بإيدك/ بلدك يا مصري/ ربك حَباها/ وهبها نيلها/ وخَلا فيها/ حنان ولادها/ نجوم بليلها/ ربك جعلها/ مخزون سهامه/ وكان نبينا/ رسول كلامه/ اصحى يا مصري/ صَحّي ضميرك/ عصرك ينادي/ حَدّد مصيرك/ اصحى يا نايم/ يا نايم اصحى/ دبيت برِجلي/ مطرح ما قلبي/ اختارلي دربي/ وأقول يا ربي/ أُجبُر بخاطري/ والاقي حبي/ بلادي مالها/ مثيل يا خِلّي/ أحبابي منها/ بدني وضِلّي/ نايمين وغُمّة/ حَلِت بأُمّة/ يلزمها هِمّة/ أوعاك تماطل/ وتقولي لِسه/ وتقولي لَمّا."
كنتُ قد وعدتُ بكتابة مقال عن "المصحياتي". والسببُ في تحمسي للكتابة عنه هو تلك الكلماتُ التعبوية التي نحتاج إليها الآن، مادامتِ الظُّلمةُ تزدادُ كثافةً، والفجرُ يزدادُ نأيًا. وها أنا ذا أفي بوعدي وأنشر المقال. ثم علمتُ أن شاعرنا "المصحياتي" عضوٌ في "الحزب الوطني" أعزَّ اللهُ قدرَه! بل يشغلُ منصبَ الأمين المساعد للحزب بقسم العمرانية! فانتابتني الدهشةُ والحيرةُ، والارتباكُ أيضًا! وهنا، كان أمامي خياران. إما أن أعْدِلَ عن كتابة المقال، ولا أبرُّ بوعدي لقارئي، وهو الخيار الإقصائيّ، الذي لا أميلُ إليه شخصيًّا، أو أن ألجأ إلى البديل الآخر، وهو الخيار التحاوريّ الأجدى. وهنا أضعُ الأسئلةَ التي طرحتْ نفسَها الآن، دون شك، على ذهن كل من يقرأ هذا المقال: هل بالفعل ثمة أحزابٌ حقيقية في مصر؟ وإن كان ثمة، فهل يُعدُّ الحزبُ الحاكم أحدَ هذه الأحزاب؟ فضلاً عن أن ينعتَ نفسَه، أي الحزب، بالديمقراطيّ؟ والسؤالُ الأخير: هل مَن يكتب مثل تلك الكلمات الثورية قادرٌ على أن يجد لنفسه مكانًا في مثل هكذا حزب؟ هل يرى شاعرُنا أن الحزبَ الحاكم، الذي بين قوسين كبيرين منذ نشأته، مهمومٌ بالفعل بصالح هذا البلد، وصالح أبنائه الذاهب حالهم، كلَّ يوم، من سيء إلى أسوأ؟


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يا الله، من رسم الخطوط حول الدول؟ ترجمة:

07-تشرين الأول-2017

«الشاعر» هاني عازر

20-تموز-2014

نوبل السلام لأقباط مصر

28-حزيران-2014

هنركب عجل

18-حزيران-2014

النور يعيد السيدة العجوز

11-حزيران-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow