Alef Logo
المرصد الصحفي
              

(باب الحارة) مسلسل لا تمسّه الأيدي..؟!!

علي وجيه

2009-10-20


عام 2005، أطلقت شبكة Fox الأمريكية مسلسلاً حمل عنوان Prison Break (الهروب من السجن)، حول مهندس معماري عبقري يحاول تهريب أخيه المحكوم بالإعدام من السجن الذي صمّمه بنفسه قبل تنفيذ الحكم، واشماً خريطة السجن ودهاليزه على جسمه، مع وسائل وإرشادات للنجاة من المواقف الحرجة التي سيتعرض لها خلال الحلقات بطبيعة الحال..
العمل أحدث ضجة عالمية مع فكرته اللامعة وحكايته المشوّقة ذات الحبكات الذكية، فظهر مهووسون بالمسلسل في كل أنحاء العالم بما في ذلك المنطقة العربية، وأخذ الجمهور يتّسع بمعدّل خرافي مع تحقّق الهدف ونجاح عملية الهروب في الحلقة الأخيرة من الموسم الأول.. وهكذا كان على الشبكة الشهيرة استغلال نجاح المسلسل/المنتَج الذي تحوّل إلى علامة تجارية بامتياز تدرّ عشرات الملايين سنوياً، فتتالت المواسم التي قيّدها اسم المسلسل وتيمته الجذّابة، وراح المستوى ينخفض تدريجياً بعد نجاح الموسم الثاني أيضاً، فجاء الثالث عادياً مبتوراً نتيجة إضراب كتّاب السيناريو في هوليوود، والرابع مثيراً للضحك والسخرية مع المنحى الهندي الذي اتخذته سلسلة الأحداث الغريبة وغير المنطقية، على الرغم من قيام فريق العمل بعدّة محاولات إنقاذية دون جدوى..
ما يثير الاهتمام في كل ذلك هو استماتة الجمهور العريض الذي أحبّ المسلسل أيام مجده في الدفاع عنه، والإصرار على متابعة كل التفاصيل المتعلقة به (حياة الأبطال الخاصة، المجلة الصادرة عنه، الألعاب المستوحاة منه على الإنترنت، منتديات النقاش العربية والأجنبية...)، على الرغم من المستوى المتدنّي الذي آل إليه العمل، والمشاكل الكثيرة التي عانى منها على مستوى النص والأداء!!
إنّها حالة تواطؤ من العيار الثقيل بين الجمهور وعمله المفضّل، فالأول بقي متعلّقاً بالمسلسل الذي قدّم خدمات جليلة للشبكة المنتجة بجعلها أكثر الشبكات متابعةً في وقت الذروة المقدّس بالنسبة للأمريكيين، والثاني حافظ على استمراريته رغم كل شيء لتغذية ذلك الهوس الشعبي.. ولكن السؤال المطروح هنا: إلى أيّ مدى يمكن أن تصل إليه حالة التواطؤ هذه؟ وهل يمكن أن يستمرّ الجمهور –عن دراية أو جهل- في التغاضي عن هنّات العمل الفني والتستّر على نقاط ضعفه..؟!
نسوق هنا مثالاً هوليوودياً في سبيل مقابلة ذهنية تقود لنتيجة بسيطة، مفادها أنّ الحالة الجماهيرية الصارخة التي رافقت مسلسل (باب الحارة) طبيعية للغاية وتتكرر دائماً على الصعيد العالمي، وجميعنا يذكر أثر (كاسندرا) و(الجوارح) و(نور) على الجماهير العربية بمعزل عن تفاوت هذه الأعمال في التصنيف والمستوى والتوجّه، والتقائها في عنصر التسلية الذي وفّر لها زخماً جماهيرياً استثنائياً..
إذاً: تحلّق الجمهور حول عمل ما أمر طبيعي من ناحية، ولا يعني تكامل عناصر هذا العمل من ناحية أخرى، طالما أنّه مسلٍ للفرد العادي غير المكترث للثغرات الفنية والدرامية التي يبحث عنها النقاد عادةً.. وبالتالي يمكن مناقشة حيثيات (باب الحارة) انطلاقاً من هذه المعايير البسيطة حتى يكون التفكير النقدي منصفاً ومدركاً لإيجابيات العمل وسلبياته، توطئةً للخروج من المطب الذي وقعت فيه أغلب الأقلام النقدية بتسخير جماهيرية العمل كحجّة ضده لا لصالحه، على أساس مسؤولية صنّاعه المضاعفة تجاه المتابعين والمترقبين الكثر..
مطبّ آخر وقع فيه الكثيرون على مرّ أجزاء المسلسل الأربعة، هو تحميله مسؤولية تاريخية تفصيلية ملتزمة لم يدّعيها يوماً، ولم يحدث أن نسبها له أحد من صنّاعه؛ سواءً المخرج بسام الملا ذو التجربة الإخراجية المعروفة في هذا المجال منذ (أيام شامية) عام 1992، أو حتى مروان قاووق وكمال مرّة على مستوى الكتابة والفكرة، فلا شأن للعمل بما كانت عليه الشام في فترة تاريخية ما، ولم يقدّم نفسه أساساً وفق هذا التوجّه..
هذا لا يعني أنّ (باب الحارة) مسلسل لا تمسّه الأيدي، فيمكننا الحديث بل والسخرية كثيراً من نجاح أهل الحارة في مراوغة جيش نظامي متطوّر كالجيش الفرنسي بهذا الشكل الهزلي،وقيام معتز (وائل شرف) بمخاطبة «الفرنساوي» بلهجة «القبضاي» الذي لا يهاب شيئاً من خلف باب الحارة الموصد!! ولنا أن نستغرب التحوّل الفكري الهائل في نقطة مجالسة النساء للرجال بشكل طبيعي في الجزء الرابع بعد أن كانت من المحرّمات في الأجزاء الأولى، وانقلاب «العكيد» المفاجئ من شخص عصبي نزق في الجزء الأول إلى حكيم صبور في الأجزاء اللاحقة بعد وفاة الزعيم، قبل أن يغيب بشكل دراماتيكي طريف في الجزء الرابع بعد ظهوره الكاريكاتيري المحدود من الخلف!! كما يجوز أن نتساءل عن السهولة العجيبة التي يلعب فيها الممثلون أدواراً مختلفة في نفس العمل مثل منى واصف ونوّار بلبل، بينما يغيب ممثلون آخرون بمنتهى البساطة رغم أهميتهم الدرامية مثل عبّاس النوري..
يمكن أن نقتل جوانب المسلسل «الفنية» بحثاً وتمحيصاً، فنتساءل عن مدى إقناع التبرير الدرامي الذي سوّق لهذا التصرّف أو ذاك، ودرجة تماسك النص ومستوى الإخراج وجودة الصورة، ونتفكّر في المصطلح التصنيفي المناسب للمسلسل؛ هل هو «البيئة الشامية» على فرض صحة التسمية؟ أم أنّه مجرّد «عمل فلكلوري» كما يرى البعض؟.. بمعنى الالتزام بمناقشة النتيجة الإبداعية الماثلة أمامنا، لا أن نهدر الوقت والجهد في مناقشة الخلاف بين سامر المصري وبسام الملا على إعلان تجاري! ثم ننتقل إلى مقارنة عبثية بين (باب الحارة) وعمل مختلف تماماً وملتزم بالوثيقة التاريخية مثل (الحصرم الشامي)، فيمكن أن تقوم الدنيا ولا تقعد على فؤاد حميرة إذا أخفق نصّه تاريخياً، ولكن المثل لا ينطبق على كمال مرّة بطبيعة الحال..
بعد أخذ كل ما سبق بعين الاعتبار، لا بد من ذكر حقائق تفرض نفسها سواءً نالت إعجاب النقاد أم زادتهم غضباً، فالمسلسل نال المركز الأول عربياً والتاسع عالمياً في المتابعة الجماهيرية، ولأجله عُقدَت اجتماعات في الكونغرس والكنيست وكُتبَت عشرات المقالات النقدية المؤيّدة والمعارضة، كما لعب دوراً سياسياً وسياحياً ممتازاً للبلاد في ذروة الظروف السياسية المعقدة ومحاولات عزل سوريا عربياً ودولياً، وها هو يصل للجزء الخامس بعد جزء رابع أكثر تماسكاً وتجانساً من الثالث الذي خيّب آمال الكثيرين على ما يبدو..
عموماً، اضطرت شبكة Fox إلى إنهاء مسلسل Prison Break بعد الموسم الرابع، لأنّ الجمهور الذي استمات في الدفاع عنه، عزف في النهاية عن متابعته والاستمرار في تحمّل مستواه الآخذ بالانخفاض، ممّا أثّر على معدّلات المتابعة وبالتالي الإعلانات التي تهمّ أي شبكة أو محطة بما في ذلك الـ mbc قطعاً..!!

النشر الورقي ملحق (تشرين دراما).
النشر الألكتروني خاص ألف


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

آل باتشينو يعود آل باتشينو في «أنت لا تعرف جاك»

11-تموز-2010

«روبن هود» يتحدّى أفلام «البوب كورن» وأبطالها الخارقين

14-حزيران-2010

«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية

08-أيار-2010

عندما ترسّخ الميديا ثقافة القشور

17-نيسان-2010

«واحد - صفر».. فاز المنتخب وهُزِم الوطن!

14-آذار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow