Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

أصول فكرة الزنوجة / بقلم : نك نيسبيت ـ ترجمة :

صالح الرزوق

خاص ألف

2009-12-14




Nick Nesbitt

صدرت مجلة ( الرسالة الإفريقية ) في عصر إنتاج الثقافة السوداء ، و ذلك من 1928 حتى 1930 ، و بمشاركة من رينيه ماران و الأخوات ناردال ، و حاولت المجلة أن تؤكد في رسالتها على تشكيل " صلة وصل بين الزنوج في مختلف أرجاء العالم " بواسطة تعويم كل من الإستاطيقا السوداء و الإنتاج النخبوي المتعلم. و في عام 1928 نشر جين برايس – مارس ( هكذا تكلم العم ) و فيه إدانة مباشرة لتوازي الهوية الاستعمارية و الثقافة الفرنسية ، و هذا حول معادلة برايس – مارس المعروفة إلى " تعبير تراكمي انتقائي " أو حنين رومنسي يميل للثقافة الفرنسية و سلعيتها و إلى نفي الزنوجة من الثقافة الأفريقانية الأصيلة ، و كأنها ثقافة فودو مصدرها هاييتي. في عام 1931 كانت ( متابعات في العالم الأسود) تقوم بتعويم النتاج الثقافي ، و إنما بصوت معتدل و توفيقي. و لكن في عام 1932 تأسست ، بتوجه راديكالي واضح ، مجلة ( دفاع عن الحقوق ) و كان يقودها المارتينيكي إتيين ليرو. و قد جمعت في عددها الوحيد المطبوع الخطاب السوريالي و الماركسية الهيغلية و الفرويدية معا ، و كانت تدين بلا هوادة الاستعمار الفرنسي و العنصرية و التوسع الرأسمالي. و بالرغم من عجز محدود في عمق تحليلاتها و عدم نضوج نصوصها الشعرية ، شكلت علامة أساسية في التأكيد على الهوية السوداء ضمن العالم الفرانكوفوني. في عام 1934 أسس مجلة ( التلميذ الأسود ) طالب متقدم بالعمر وصل بسنه إلى 21 عاما و هو سيزار ، و أعانه على ذلك غيلبيرت غراتيانت و ليونارد ساينفيل و بولي ناردال و صديقه الطالب ليوبولد سيدار سينغور. و قد تضمنت هذه المجلة ، باعتدال في النبرة بالمقارنة مع ( دفاع عن الحقوق ) ، أول نص منشور لسيزار هو قصيدة " الزنوجة " ، و فيها قدم صورة مبكرة و واضحة بقوتها و آرائها مصطلحه " الزنجي " الذي رفض تذويب السود بالمجتمع الفرنسي ، و دعا بنفس الوقت " للتحرر و الانعتاق ".

و طوال العشرينيات ، كان انتصار البلشفية الروسية متبوعا بفاصل قصير بالدياسبورا الأفريقانية. و مع أن الحزب الفرنسي الشيوعي قد اعتبر الاستعمار كرد على انتصار الثورة البروليتارية في أوروبا ، كانت مجلات مثل ( القارات – تأسست عام 1924 بجهود رينيه ماران و كوجو توفالو ) و على وجه الخصوص مثل ( نتائج الاستعمار – تأسست عام 1918 بدعم من موريس بورسو ) تجهر برأيها الماركسي المبدئي المعارض للاستعمار. و كان التبادل الاجتماعي و القانوني المتنامي بين المستعمر ( بكسر الميم ) و المستعمر ( بفتح الميم ) قد ساعد على إمكانية تسريع التبدلات في الوعي الأسود الذي ظهر منذ العشرينيات و الثلاثينيات من القرن المنصرم. و كانت نهضة هارلم أساسية لسيزار و مفهومه في الزنوجة. كتب سيزار أطروحة عن الحركة في فترة الثلاثينيات . في تلك الأثناء وصل إلى باريس عام 1931 ، و كان لانغستون هيوز و كلود ماكي و جيمس ويلدون جونسون و جين تومير و كاونتي كولين معروفين بين الأنتلجنسيا القادمة من جزر الآنتيل و المستقرة هناك. و قد عبر الجامايكي ماكي في أعمال مثل بانغو عن الإحساس المتجذر بالفالق الذي يفصل الثقافات السوداء بخطوط طولانية من الألوان و الطبقات.

في الواقع ، ذهب سينغور بعيدا مع ماكي و اعتبر أنه المؤسس الروحي للزنوجة قائلا :

" بمقدورنا اعتبار كلود ماكي عن حق كمؤسس حقيقي للزنوجة. هذا ليس محض كلام ، و لكنه نابع من قيم الزنوجة... بعيدا عن رؤية السواد صفة متدنية ، على المرء أن يتقبلها ، و أن ينتسب لها بنوع من الكبرياء ، و أن ينميها و يرعاها بمودة صادقة". و قد تبنت مجموعة أشعار لليون غونتران داماس صدرت عام 1930 بعنوان ( أصبغة ) عددا من آراء ماكي ، من قبيل إدانتها القوية للتمييز العنصري و السياسة الاستعمارية التي سرّعت الحاجة المباشرة لمفهوم الزنوجة كما استعمله سيزار. و في هاييتي ظهرت نهضة مماثلة خلال العشرينيات و الثلاثينيات ، حيث طورت مجلات مثل ( مجلة المواطن Revue indigène ) و كتاب مثل جاك رومان و غيميلي رومير و جاك ستيفاني أليكسي الاستعمالات العنصرية كما صورها بيرس – مارس في كتابه

(Ainsi parla l'oncle هكذا تكلم العم ). و مع أن أعمالا أخرى لكاتب كاريبي هو ماركوس غارفي كانت غير معروفة لدى سيزار في عام 1939 ، استعمل مفهوم الزنوجة في أكثر من مجال واحد. كان نقد غارفي لتذويب السود في الطبقة الوسطى قد تماهى مع مفهوم الفرنسيين من أصول آنتيلية مثل ليرو و سيزار ، بينما كان تعويمه للثقافة الأفريقانية مشابها لما فعله كل من سيزار و سينغور و ما تلاهما من إدخال تطورات على الزنوجة. يقول غارفي : " الزنوج يعلّمون أولادك أنهم أحفاد مباشرون للعرق الأسمى و الأعرق الذي استوطن الأرض منذ الأزل". و في عام 1933 أسس الجامايكي ليونارد بيرسيفال هويل حركة الراستفاريين Rastafarian ( 1 ) التي ضغطت لـ " بناء العرق الأسود اقتصاديا بحيث يكون متفانيا في خدمة الرب ". في أمكنة أخرى كان الشعراء الكاريبيون و الكوبيون بتأييد من مجلة الطلبة الأفرو كوبيين Revista de Estudios Afrocubanos ونيكولاس غويليم على وجه خاص ، ثم الرسام الكوبي ويفريدو لام ، يحاولون اكتشاف و تعويم تراثهم الأفريقاني.

كان بعض المثقفين الأوروبيين يحتلون موقعا مركزيا في تطوير الزنوجة. و إن الاهتمام المعاصر و الشائع بالفن و الثقافة الإفريقيين الذي برز في باريس العشرينيات من خلال أعمال بابلو بيكاسو و الكاتب جان كوكتو و بليس صاندراس و أندريه جيد و الملحن داريوس ميلود قد ترك علامة تدل على مفهوم مبسط و سطحي يعرف باسم " الفن الزنجي ". و غالبا تم بذل القليل من الجهود للتمييز بين التقاليد الثقافية الخاصة بمناطق متشعبة في انتماءاتها مثل داكار و السينغال و باهيا و البرازيل و هارلم و نيو يورك ، فقد كانت لهم افتراضات متباعدة حول " الروح السوداء ". و مع ذلك ، خلقت هذه الحركة بسرعة مناخا ساعد مثقفين مثل أندريه بريتون و سارتر على استيعاب أهمية الزنوجة في فترة الأربعينيات.

و توجه الأنثروبولوجيون نحو أفريقيا و شتاتها في السنوات الأخيرة. و قد عزا موريس ديلافوسي ، في كتابه ( الزنوجة ) الصادر عام 1927 ، للثقافة الأفريقية أساليب التحليل الإثنوغرافي. و ترجم كتاب ( تاريخ الحضارة الأفريقية ) للألماني ليو فروبينوس إلى الفرنسية عام 1936 ، و قد قرأه بنهم كلا سيزار و سينغور. كتب سينغور يقول : " نحن نحفظ عن ظهر قلب الفصل 2 من الكتاب الأول و الذي عنوانه < ماذا تعني أفريقيا لنا ؟ >. إنه فصل يحفل بعبارات واخزة مثل هذه : فكرة الزنجي البربري إبداع أوروبي سيطر على أوروبا حتى بدايات القرن الحاضر ".

كتاب فروبينيوس مع كتاب ( انحدار الغرب – 1918 ) لأوزوالد شبينغلر قدم لسيزار و سينغور مفهوما للتاريخ يتجاوز بإمكانياته الغرب المرهق و المهزوم ، و تتخطاه ثقافات الشتات الأفريقي باعتبار أنها أكثر حياة و نشاطا.

إن إعادة إحياء مصطلح " الزنجي " على يد سيزار ، و مع أنه يعكس العملية الموازية التي برزت في خطاب شمال أمريكا أولا باسم " أسود " ، ثم باسم " أمريكي من أصول أفريقية " بنية تذويب ذاتي للهوية ، انتشر في مناخات تاريخية و ألسنية معينة. في عام 1939 حينما صدرت أشعار سيزار كان المصطلح noir " أسود " يقترن نادرا بالمفردة " زنجي " التي كانت سائدة اجتماعيا في شمال أمريكا.

إن تماهي التقاليد الفرنسية الكاريبية مع الثقافة الفرنسية الميتروبوليتانية قد كانت تعني أيضا ، برأي بعض المهتمين من أمثال فرانز فانون ، أن السود القادمين من جزر الآنتيل كانوا متغربين عن جذورهم الأفريقانية. و بكلمات فانون اعتبر السود القادمون من الآنتيل حتى عام 1939 إفريقيا " بلدا متوحشا ، بربريا ، بدائيا ، بلدا , للصبية , "...كان الأفريقي زنجيا ( عبدا ) و لكن الأنتيلي كان أوروبيا". و في فرنسا خلال العشرينيات و الثلاثينيات كان " الزنجي " ، على وجه الخصوص في مجال الصفات ، يعني " الأسود " ( فن الزنوج ، موسيقا الزنوج ، ...). و على أية حال في المارتينيك كان المصطلح " زنجي " له نبرة تشبه التعبير العنصري الشائع في شمال أفريقيا " زنجي = عبد ". لقد مدح أ. جيمس أرنولد السيد سيزار لأنه أول مثقف أسود استعمل المصطلح المهين " زنجي = عبد " خارج أفريقيا و حوله بشجاعة إلى المصطلح المحترم " أسود ". و إن خصوصية مداخلة و اعتزاز سيزار تأتي من هذه التقاطعات الذاتية و التاريخية مع الاغتراب الذاتي ، و عن ذلك يقول فانون : " هذا مسكون بالشوائب ، و مغمور بالخطيئة ، و مستبعد بقوة الإثم ، ( و الأنتيليون ) يعيشون دراما أنهم ليسوا بيضا و لا هم من السود < الزنوج > ".

و بالإضافة إلى الأهمية التاريخية كان اختراع سيزار لمصطلح " الزنوجة " يمتلك أبعادا فلسفية تطورت في وقت لاحق في أعمال فانون ( 1952 ) و سارتر. نظريا ، و بالمقارنة مع الاستخدامات و الإخفاقات التي طرأت على المصطلح في العقود التالية ، حاز مصطلح الزنوجة في ( دفتر العودة إلى البلد الأصلي Cahier d'un retour au pays natal ) على موقع موضوعي حاسم. و لنقل ، رفض سيزار أن يفترض وجود ذات سوداء و مستقلة و منسجمة مع نفسها ، و بالعكس وصف الذات المغتربة في الذات و التي أجبرت على مواجهة عبوديتها الخاصة و أقدارها ، كما لو أنها تنظر في المرآة ، ضمن مجتمع عنصري. إن التمفصل السابق مع الهوية السوداء في العالم الفرانكوفوني كان منسجما مع ما سيأتي. في بواكير القرن – و لنذكر مثالين لهما علاقة – أكد هيغيسيبي ليجيتيموس على هويته " الزنوجية " ، بينما كان أورونو لارا في كتابه " تاريخ الغواديلوب " الصادر عام 1921 قد أكد أنه يعتز بصفته " ككاتب من عرق أسود". و قال لارا في كتابه – الذي يعتبر بداية لمفهوم الزنوجة – " إن صورة الإبداع المؤلم و المقلق للقارة الأمريكية قد أثقلته الدموع و الدم الإفريقيان ، و هو مكتوب عليه أن يخدم " تطورنا". و أول مؤرخ أسود و مؤلف كتاب " الأبيض و الأسود : Blanches et noires ، أكد أنه " لو كنت مولودا بالأمس ، تبدو من غير ماض و لا وضع مدني ، و يتبادر لأحدنا أن يبتكر ماض أجمل ، و يستمد من التراث تضحيات و أفعالا طيبة".

و إن مفهوم سيزار عن الزنوجة ، بالمقارنة مع هذه التأملات و غيرها فيما يتعلق بالشخصية السوداء التي سبقتها بالوجود ، قد أضفى الموضوعانية على الاغتراب الذاتي الذي لحق بالذات السوداء المستعمرة من خلال فعل الخلق و الإبداع : إنه إدخال معاصر . و بمنطق سيزار إن الشخصية السوداء الإغترابية مفروض عليها أن تواجه ذاتها على أنها موضوع مشخصن reified كما في النموذج التالي :

ma négritude n'est pas une pierre, sa surdité ruée contre

la clameur du jour

ma négritude n'est pas une taie d'eau morte sur l'œil

mort de la terre

ma négritude n'est ni une tour ni une cathedrale

elle plonge dans la chair rouge du sol

elle plonge dans la chair ardente du ciel

elle troue l'accablement opaque de sa droite patience. (1994: 42)

زنوجتي ليست حجرا ، و ها هو صَمَمُها يتلاشى أمام

هدوء النهار

زنوجتي ليست بقعة قاتمة لماء ميت

يغلف عين الأرض الميتة

زنوجتي ليست برجا و لا كاتدرائية

و هي تدخل في اللحم الطري للسماء

و تثقب الأشكال الداكنة بصبرها الطويل.


هذا المفهوم يتوقع أن تكون مشاعر الاغتراب في الذات حقيقة أو صفة نوعية تواجه الذات السوداء بصورة موضوع. و مثل هذه الإشارات مهدت الطريق لحركة قادها سيزار الشاعر نحو وعي للذات يكسر الأغلال المهينة بواسطة التلاعب السلبي بشكل اغتراب – ذات. إن الزنوجة " ليست " موضوعا حياتيا اختزله المجتمع إلى ( حجرة ، بقعة ، أو حتى برج ). و عوضا عن ذلك ، إنه نشيط و مبدع و متحرر ( " متعمق ، و يلج عبر عالم يكبله من خلال كشفه و تعريضه ). و يطبق سيزار على الحقبة الموضوعاتانية السوداء رؤية هيغل التي تؤكد أن " الاغتراب " هو في حقيقته عملية تحويلية فيها يكون الأفراد الذين يمرون بحالة وجود " طبيعي " كما يقال – في واقع نفي مادي لمصلحة فرد ذاتي - التركيب و صناعي : " إن واقعية < الذات > تتألف جوهريا في التخلص من الجانب الذاتي و الطبيعي منها... و الذات تتعرف على نفسها كواقع فقط بشكل ذات متسامية و صاعدة ".

إن مصطلح سيزار الجديد هو تسمية مباشرة و نشيطة للعملية ذاتها التي قام بوصفها ، بحيث أنها تقص أثر التذويت التحريري للسود عبر مواجهة مع العنصرية و الاستعمار. و لذلك كانت الزنوجة بالنسبة لسيزار موضوعا يخلق ذاته و ينفي موضوعانية الوجود الأسود بنفسه – حيث الجنس البشري يختزل إلى موضوعات – حيوانية صافية ( عبيد و رقيق ) – و ذلك بعد الصيرورة البشرية.

إن الجنس البشري ، بعد إعادة تفسير هيغل ماركسيا " يميز نفسه عن الحيوانات بمجرد أن يبدأ الإنتاج ...". لقد قدم لنا إيمي سيزار ، في مفهوم الزنوجة : المادة و الموضوعاتانية النصية في الوعي الذاتاني للسود ، و برنامجا يعمل لمصلحة فهم الذات و تحريرها. ( * ).

هامش المترجم :

1 – راستفاري : اسم الإمبراطور هيلاسيلاسي قبل استلام السلطة. و هو يدل على جماعة دينية منحدرة من أصول كاريبية و أفريقانية تحرم قص الشعر.

* هذه الدراسة هي استكمال للجزئين السابقين اللذين نشرتهما كل من صحيفة المثقف الإلكترونية و مجلة أورنينا للثقافة العامة في شهر تشرين الثاني عام 2009.


نك نيسبيت : أستاذ مساعد زائر في جامعة ميامي بولاية اوهايو.

المصدر :


ORIGINS OF NÉGRITUDE , by : Nick Nesbitt. Microsoft Encarta Reference Library 2003.



الترجمة :

صالح الرزوق - 2009























































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow