Alef Logo
ابداعات
              

قصة قصيرة / من تراتيل معبدها

عباس حيروقة

2010-01-22

خاص بألف

كانت تصرُّ عند كل لقاء يجمعهما وحيدين على تقبيله بنهم كل جياع الأرض , و بعدها تلثم عينه اليسرى و من ثم اليمنى و تطلب منه أن يغمضهما فتعيد الكرّة .

هو ممدد كنبي صغير في حضرة الإله , أو مثل ساقية تنساب تجاه مصبها الكبير , و كان يبادلها هذا النهم و يزيد . هذا ما يحدث قبل التحدث بأي شيء . و تلقي بوابل رأسها على كتفه و تسلم أنفاسها لإشتعالات أضرمتها الأنامل بعد أن تنساب عابثة بالتضاريس العظام,تفتتح الأزرار أعراسها و تبدأ الأطراف نشيد التمدد و الارتفاع , فترتفع الأنات هديلا للحمام .

كانا يشعران برغبة قوية بالبكاء بعد سويعاتٍِ ضم وتقبيل وتقديس ...

تناول مفكرتها ذات فجر وكتب :

ستبقي آلهة بذاكرتي ما حييت .. حضورك بدّد كل الغياب, أحبك ما دام هناك ناسكٌ في الأرض ,قس يرفع صليبه أو شيخ يرتِّل آياتٍ بيّنات .

أطلقت أسرابها لتحوم فوق بيادر كلماته التي أراقها من نبضه, هبطت .. تناولتها..خبأتها سابلاً لسنوات العجاف , انحنت تناولت القلم وخطت على ذات الصفحة بعدَ أن أهطلته بوابل من قبل وحلمةٍ من نور وإمعان في التمدد نحوه ..خطت :

أدركت مذ تعارفنا أنك لا تشبه الأشياء, وبعد مرور أيامٍ قليلة تبيّن لي أنك لست من طين خلقت َ ..أنت يا أنت من قلبك وجهك كفك تعرف انك وريث نبيّ من زمن الأنبياء , بل وحي تنزَّل لي , هي رسالتك لي وحدي , بها آمنت وبك .

أحبها بكل جموحها ,بكل صباحا ته ومساءا ته , بأبجدياته الأولى ..بالشوارع والحدائق والساحات , بمحطات الركاب , في الحافلات , ببيته الطيني , ببيتها الناري , بشغب الصغار في مساءات ريفنا المنسي , بأفراح الناس الطيبين .. أحبها لأنه ولأنها أهل لذاك .

في أكثر من فجرٍ , وبعدَ تناول وتبادل كلّ الأشياء كانت تتمناه ألاّ ينام َ ..

- ((حبيبي لا تنم , خذ ما شئت , ضفائري , شفتيَّ , نهديّ ..,.. خذني بكلك وبعضك , خذني فهلاّ احتراقي يطول بزيتك ,ألا تخبئ أو تسطر أخشابا لموقدنا المقدس,ألا من طبول تدق لأبدا الرقص ..الصلاة , الطواف , لأبدا التهليل والتسبيح والتكبير , هاك احتراقي يمتد و يمتدّ فأخشى أن يطال الظلام هذا اللهيب وننأى رماداً ..قم حبيبي تناولني كبعضٍ بكأسك ,قم تمدد إلهاً بقربي وهزً بنخلتك الظللتني , يسّاقط عليّ رطبك ...وازرع كما شئت يسوعاً جديداً ..قم حبيبي آن لك الآن أن تعلن الساعة ..خذني إلى أبديتك.. إليك حورية تتجدد ..فانا ألفت التجدد .. التوحّد فيك , لك حبيبي كل هذا التكور والارتفاع فخذه ضفتين لشامخك , لك حبيبي ...لا تنم .

حبيبي من أي نخلة تساقطت أنت ... يا أنت !! كل الوجود عصيّ عليه انتزاعك من .., ما أعظمك , سبحان من سوّاك ماءً , ظلالاً لتحنو عليّ , أيقونةً لمعابدي أو معابدَ ترفل بالقديسين وبي, فأنا المصلوبة على خشبتك التي أحب ..سبحان من سواك عنباً وتين , ضوءاً وحكايا ودواوين شعر .))

تعلّق بها ..أحس بانصهارها في كاس كل جزئ من جسده .. وأحست بإعادة تشكيله لها .. بقطافها وتخميرها وتقطيرها عرقاً تقدسه كل طوائف وملل وجماعات وفرق جسده موحد الكرمة .

حنت عليه ألقمته الحلمة و انزرعت ياسميناً مديداً على جسده .

التقاها مراراً ولأيامٍ رغم كل المخافر والدوريات الليلية ورغم الــ

كانا يخلقان المكان من اللاشيء ويصنعان أزمنة لهما وحسب . بادلها الكل بالكل والعمر برعشةٍ على راحتيها ..

كانا يخايلان الوجود بوجوب وجودهما , ويرسمان عوالم أيامهما المقبلة بالماء والظل وبامتدادات النخيل تضرّعاً للرب ..

أحبها رغم المدينة كلها ..رغم الشتاءات في أقصى قراه , رغم دعاء أمه المعلقة في أعلى الجدار , رغم غبار كف أبيه المكدس على خده ساعة لطمه الأول ..ورغم الدروب السواقي التي مشاها حافياً إلا من نعناعه البري ..

أحبته رغم اغتراب الزمان بكفها ورغم احتراق المكان على سبابتها أو على الوسطى ورغم ..

ولاعتلال الذاكرة .. القلب ..الروح .. الجسد .. بها ولعجز الزمان المكان .....؟؟؟؟!!

وحين ارتمت فوق أول صدر ..وعند أول ريح تهب رمته كورقة فوق درب, لم تعد تذكر ذاك الدم المراق وشغب الأنامل والشفاه.

عبرت من أمامه دون أن تبوح ببنت شفة أو أن تلتفت إلى الوراء ..كأي غريب كان , سمرته الدهشة .. شيّعها بدمعة او دمعتان راحتا تخطّا أحداث كل لقاءٍ لهما .. شيّعها برغبة قوية بالبكاء و بالصراخ ..

أنا ...أنا ...أنا حبيبي لا تنم ..خذ ما شئت ..لست من طين خلقت ...حبيــــ

شيّعها وأحداث كل لقاءٍ أمام عينيه وقلبه ويده ..

كانت تصر عند كل لقاء يجمعهما وحيدين على تقبيله بنهم كل جياع الأرض , و بعدها تلثم عينه اليسرى و من ثم اليمنى و تطلب منه أن يغمضهما فتعيد الكرّة .

عباس حيروقة

[email protected]

××××


نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.

في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر

ألف































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أحتسي قلقي

07-آذار-2011

إشتهااااااااااااااااااااء

18-شباط-2011

بين درويش وكازانتزاكي دهشة الفَراش و احتفائية الضوء

09-كانون الثاني-2011

وأرشُّ من زيتي المقدّسِ فوقَ نارِكِ ..

27-كانون الأول-2010

الدين ورجالاته ..وأسئلة الزمان المديد

22-كانون الأول-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow