Alef Logo
ضفـاف
              

بين درويش وكازانتزاكي دهشة الفَراش و احتفائية الضوء

عباس حيروقة

خاص ألف

2011-01-09

لا أعرف لماذا و أنا أقرأ محمود درويش تمثل أمامي دائماً صور و كتابات الروائي اليوناني العظيم نيكوس كازانتزاكيس فدرويش أينما حلَ كما رأينا و قرأنا في شعره نجد التراب ، الزيتون ، الدوالي ، الطيّون ، الحمام ،الدور ، الوشم ، الأرض ، الذاكرة .. نجد فلسطين كل فلسطين 0 كذلك كازانتزاكيس الذي عاش حياة القديسين في تأملاتهم و" تألّماتهم" و وحشتهم ، فكان من شدة حبّه لليونان و ولعه بها يحمله إلى رؤى و أفكار و سلوك يدعو إلى الدهشة فكان دائماً يحمل معه كمشة من تراب بلده و يضمها في كفه بشدة في لحظات الألم العظيم ليستمد منها القوة العظيمة فيقول في تمهيده لمذكراته (الطريق إلى كريكو ) : بهدوء و إشفاق أعتصر كمشة من التراب الكريتي في راحتي ..كنت أحتفظ بها من القرية معي دائماً خلال تجوالي و أضمها في كفي لحظات الألم العظيم فأستمد منها القوة العظيمة .
هذا الفعل العظيم و الشعور المدهش الذي يعكس الانعتاق و الوجد و الاندغام في مكونات الوطن من تراب و ماء و هواء و حتى النار 00 و كل هذا نلمسه عند درويش في شعره بدءاً من بواكيره الأولى في أوراق الزيتون و مرحلة الاغتراب الداخلي و مروراً في مرحلة الهجرة و التهجير و الغربة و الفرار خارج البلاد و التي مثلت كل الحنين و التوق و الاحتراق حول أضواء الوطن المبهرة و الأمثلة جمة ( مأساة النرجس ملهاة الفضة ) من مجموعته أرى ما أريد
كازانتزاكيس مدهش و متأمل و درويش يتركنا دائماَ في حالة من الدهشة و التأمل ، التأمل الذي يقود إلى الكشف و يقود إلى الإمعان في كنه الشيء فتنجلي الحجب و يبان أو يفيض أو يضيء الشيء بذاته و لو لم تمسسه نار 0 التأمل الذي أرجع له أفلاطون فعل الفلسفة كلها له في قوله ( الفلسفة تأمل للموت ) و أيضاً أرسطو الذي اعتبر التأمل أعلى صورة للنشاط العقلي 0
كازانتزاكيس أسس فلسفته الخاصة من خلال علاقاته مع الموت 00 مع الله 00 مع الكنيسة 00 مع اليونان و كذلك درويش اشتغل بدهشة على كل ما ألرقه طويلاً و حاوره طويلاً وهادنه طويلاً و غلبه طويلاً إنه الموت و تجلى ذلك في جداريته مثلاً 0
محمود درويش قلق ثوري فدائي 00 بندقيته دائماً محشوة و يده على الزناد و كازانتزاكيس يحتفي بذاته المتمردة و المضرجة بالكبرياء و العزة ( ذات مرة قال لي كريتي : حين تقف أمام الأبواب السماوية و لا تفتح لك لا تمسك المطرقة لتدق الباب 00 بل أنزل البندقية عن كتفك و أطلق أتعتقد أن الله سيخاف و يضطر لفتح الأبواب 00 لا بني لن يخاف لكنه سيفتحها لأنه سيعرف أنك عائد من المعركة ) 0
هكذا درويش أيضاَ دائماً بحالة حرب بحالة معركة طالما أن له أرضاً و حقوقاً مغتصبة 00 دائماً يقرع كل الأبواب بأزيز الرصاص إلا بوابات الحنين و الحب و المرأة فيقرعها بالياسمين..باخضرار الزيتون.
محمود درويش قلق في نصه و لكن ما هي ماهية هذا القلق روحيَ ، عقلي ، قلبي .. هذا القلق مهما يكن منشأه أو نوعه فأنه خلق نصاَ إبداعياً متكاملاً متوهجاَ 0
محمود درويش في علاقاته مع المرأة احتفائية ( جسداً و روحاً ) يقاطع بينها و بين الأرض و يقدمها كحالة هامة من حالات الخلق العظيم كما كازانتزاكيس بأقواله و أفعاله الاحتفائية بالأنثى ( المرأة أقوى من الصلاة و من الصوم ) إضافة لذلك يحتفي درويش بالأصدقاء فكتب عنهم و تأثر بهم فرفعهم إلى مصافي أو مراتب الأنبياء كما في ( مرثية لماجد أبو شرار ) من ديوانه حصار لمدائح البحر 00 من الصعب ان أتأمل موت حبيبي و لا أرمي الأرض في سلة المهملات 0
و هذا يعيدنا أيضاَ إلى كازانتزاكيس و علاقاته الاحتفائية بالأصدقاء ، علاقته بزوربا مثلاً فحين وصله نبأ وفاته صرخ 00 أرواح كهذه يجب أن لا تموت هل في وسع الأرض و الماء و النار و الحظ أن يعيدوا تشكيل زوربا آخر إضافة لحالات كبيرة و كثيرة يتقاطعان بها مع بعضهما و لا مجال للتوسع و لكن أذكر سريعاً علاقتهما مع الموت – مع المرض – مع الصليب 00 إلخ يتقاطعان في طرح الأسئلة الكبرى و يعملان على قراءة أجوبتها في أعين المجتمعات المتحاربة منها و المتحابة ليعيدان طرحها بشكل استنكاري لا استفهامي لتوليد حالات الغضب و الثورة و التحرر 0
و الحديث يطول و لكن لن أتوسع في ماهية حقيقة الشعر و أسباب تمايزه أو أتوسع في إيجاد نقاط أخرى من حالات الالتقاء بين هذين الرمزين و هي كما قلنا كثيرة و لكن سأختم بقول لكازانتزاكيس ردده في أكثر من عمل و هذا القول يختصر ماهية الشعر و يطرح أجوبة عدة لسؤال هام و مؤرق 00
يقول : قلت لشجرة اللوز حدثيني عن الله يا أختاه 000 فأزهرت 0 أمام دهشة هذا القول لابد أن ننتقل إلى دهشة مماثلة 00 إلى قراءة نماذج هامة لشاعر هام بمستوى محمود درويش 0

عباس حيروقة
[email protected]

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أحتسي قلقي

07-آذار-2011

إشتهااااااااااااااااااااء

18-شباط-2011

بين درويش وكازانتزاكي دهشة الفَراش و احتفائية الضوء

09-كانون الثاني-2011

وأرشُّ من زيتي المقدّسِ فوقَ نارِكِ ..

27-كانون الأول-2010

الدين ورجالاته ..وأسئلة الزمان المديد

22-كانون الأول-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow