Alef Logo
الآن هنا
              

(تنغيم) في حفل افتتاح دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008

خالد الاختيار

2008-01-12

النشيد الوطني العراقي, والموسيقى الرسمية للاتحاد الأوروبي, ورقصة ستي ...

زاحمهم -بين قوسين- في ذلك أيضا هذه المرة إخوة لهم من اللاجئين العراقيين في البلاد, والذين جاوز تعدادهم في وقت من الأوقات المليونين, وفق الأرقام التي كانت في التداول حينها.

فعلى الرغم من أن حركة أولئك النازحين العائدين إلى ديارهم سجلت ما يقارب 25 ألفاً شهرياً
خلال الأشهر الأخيرة -دون احتساب أعداد القادمين- وفق تأكيدات مصادر في الداخلية السورية, فإن أعدادا لا يستهان بها منهم ممن طال تواجدها وامتد بها زمن الاغتراب عن بلدها -قسريا معظم الأحيان- أسعفها (الحظ!) على غير انتظار أو موعد بحضور الحفل الشهود لتعميد دمشق كعاصمة للثقافة العربية, على الهواء –بل والأرض- مباشرة.
ليكونوا بذلك أول السفراء (العرب) -أقله وفق النظرة السورية الرسمية المستعربة- الذين يكتب لهم التفاعل الميداني مع الحدث الثقافي الداهم.
لذلك لم يكن من الصعب جدا تفهم موجة التصفيق والحماس (الشعبي) العارم التي انتابت بعض الحضور من العراقيين وقد فوجئوا بسماع النشيد الوطني العراقي (وليس السوري) وهو يعزف في بداية الاحتفال الجماهيري في ساحة الأمويين إحدى الساحات المركزية الأكثر شهرة في العاصمة.
فراح كثير منهم يردد مع اللحن المنبعث من مضخمات الصوت على مدار الساحة كلمات مطلع نشيد (موطني موطني) الذي يحفظه معظم السوريين كذلك عن ظهر قلب, باعتباره واحدا من الأناشيد (القومية) الأكثر شهرة, والذي كان الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان قد كتب كلماته في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي, ليلحنها فيما بعد الأخوان فليفل, اللبنانيان البيروتيان, اللذان سيبا
ران سريعا ليلحـّنا أيضا النشيد الوطني السوري, والنشيد الرسمي للبعث العربي الاشتراكي الحاكم.
وقد كانت هذه المقاربة (الأموية) للنوستالجي (العباسي) أكثر من كافية في نظر (مظفر) الشاب الثلاثيني العراقي -الذي تصادف وقوفنا معا لحظة انبعاث النشيد- كي يطلق زفرة احتجاجية غاضبة تجاه ما سرى من تصريحات تناقلتها وكالات الأنباء بنهم مؤخرا, من أن عضوا في لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب العراقي الحالي؛ قد أعلن اعتزام البرلمان العراقي إجراء مسابقة علنية لاختيار نشيد وطني عراقي جديد للبلاد, حيث بادر (مظفر) للتعبير لي -ومن تلقاء نفسه- عن مدى استياءه من هذه التعليقات, ليخلص في النهاية إلى أنه : (من المؤسف فعلا أن يتغنى الآخرون بنشيد العراق, في حين يسعى عراقيون إلى رميه في القمامة).
وجلنا يذكر أن نشيد (موطني) كان النشيد العراقي الرسمي إبان العهد الملكي في العراق، قبل أن يستبدل بعد إنشاء الجمهورية بنشيد (وطن مد على الأفق جناحا), ليعود نشيدا رسميا ثانية إثر سقوط نظام البعث في بغداد بعد حرب الخليج الأخيرة.
غير أن شجون العراقيين التي لا تنتهي لم تكن النكهة الوحيدة التي كان يمكن للمرء أن يلتقطها بين الجمهرات البشرية الرائحة والغادية طوافا حول الساحة الرئيسية في دمشق ليلتها, في ترقب دائم للفقرة التالية من برنامج الحفل؛ إذ كان واضحا للعيان كذلك أن أعدادا لا بأس بها من الأجانب مقيمين وسائحين كانت قد حسمت أمرها -رغم موجة البرد السيبيري الجاف التي تخيم فوق المدينة منذ أيام- لجهة الحضور والمشاركة, متلمسة على طريقتها بعض مظاهر الكرنفاليات الكوزموبوليتانية المحببة؛ مما تفتقده على مضض أحيانا من بلدانها الأصلية, التي لا تعدم أنأى القرى والضيع فيها بهرجات أعياد أصيلة ومصطنعة نفضا لبعض الهم عن القلوب.
وبالفعل لم يخيب منظمو الاحتفالية آمال أولئك القوم, الذين وجدوا سريعا ضالتهم في البراكين الصغيرة المتفلتة ألوانا وأشكال للألعاب النارية, جنبا إلى جنب مع الاستعراضات الشاهقة لبهلوانيين يسبحون في الهواء على ارتفاع عشرات الأمتار عن أرض (الواقع), وذلك رغم استغلاق رمزية كثير من هذه العروض الأخيرة على أفهام المتابعين أحيانا.
(كاترين), البلجيكية الشقراء التي كانت مشغولة معظم الوقت تقريبا بمحاولة التملص من فضول مَـن حولها من (المحليين) عبر ابتسامات مدروسة, لم تتوانى عن إطلاق صفير حاد أكثر من مرة جذلا بفقاعات الألوان النارية التي كانت تتفجر تباعا فوق رؤوسنا في سماء الساحة وسفح جبل قاسيون في خلفية المشهد, لتهتف مع خمود جذوة آخر خراطيش البارود الملون تلك بانفعال وتأثر: (إنه عرض رائع حقا), نافخة بعض الدفء في كفيها الباردتين, مكررة في الأثناء كلمة (حقا) أمامي أكثر من مرة, كي تدفع عنها نظرة التشكك التي رمقتها بها من باب المناكدة.
غير أنّ (جون) من جانبه كان قد قرر باكرا على ما يبدو ألا يترك لإعجابه (السياحي) بالحدث فرصة كي يجرفه بعيدا, فعرض على كاترين استضافتها في (ليفربول) في وطيس دوري كرة القدم هناك لمشاهدة شي قريب مما شاهدته هنا على حد زعمه!
لكن طالب معهد اللغات الذي يدرس العربية لفصل ثان في جامعة دمشق؛ سرعان ما خرج عن مزاجه الانكليزي المتحفظ, ليرسل في الهواء رشقة مؤلفة من بضع جمل, استهلها جميعها بالكلمة الـ(تحت زناريـّة) ذات الحرف (...F), قبل أن يتمالك نفسه ويعتذر بالبرود السابق ذاته عن انفعاله المباغت وكأنّ شيئا لم يكن, والذي كما تبين لاحقا جاء -ذلك الانفعال- استتباعا لتزامن انطلاقة موجة جديدة من المفرقعات مع لعلعلة مقطوعة كلاسيكية عالمية, بدا أنها هي بالذات ما أثار استهجانه.
وبعد أن أطلق نفسا آخر من سيجارته الجديدة راح يشرح لي استغرابه الشديد من وجود (الموسيقى الرسمية للاتحاد الأوروبي) ضمن قائمة مقطوعات هذه الليلة التي تحاول أن تكرس دمشق عاصمة للثقافة العربية!
وعندما سألته عن أي موسيقى (رسمية) يتحدث؛ أشار علي بالإصغاء, لأتبين أن المعزوفة التي كان يقصدها لم تكن سوى الحركة الأخيرة من (نشيد الفرح) التي كتبها (بيتهوفن) في سيمفونيته التاسعة الشهيرة.
وفيما كنت أحاول بلباقة تتبع المقت الأصولي الذي يكنه (جون) لـ(شعوذات) الاتحاد الأوروبي (المزعوم), وكيف يحاول دهاقنة الساسة في تلك القارة من وجهة نظره طبخ الـزاوركرغاوت الألمانية مع خردل ديجون الفرنسي وسباجيتي بولونيز الايطلية في قدر واحدة, كنت أفكر من ضفتي التي أقف عليها من مطبخ عالمنا المشترك أنا وهو, عن الكيفية التي سأشرح له بها كيف أن ثمة دولا خارج الجغرافية السياسية الأوروبية جملة وتفصيلا, ما تفتأ تحلم في النهار أكثر منها في الليل بطريقة تخطب فيها -ريثما يكتب لها أن تتزوجه كاثوليكيا- ود هذا الاتحاد, الذي يتبطر بشخصه الكريم على نعمه ومواهبه.
ولا أعرف بالضبط إن كان إدراج هذه المعزوفة الملحمية بالذات -دونا عن كل كلاسيكيات التخت (الغربي) الواسع والمريح- قد جاء ليشكل رسالة غزل عذري سوري جديدة, موضوعة بحرص ثقافي ملفت داخل مغلف موسيقي شفاف, بانتظار التفاتة عرفان من قبل الاتحاد الأوروبي الذي تقف دمشق على أعتابه, منتظرة بفارغ الصبر و(الخزينة) توقيع اتفاقية الشراكة معه, الاتفاقية التي ما تنفك تتعثر وتتفركش بسبب أو (سباب) منذ العام 2004.
أم أن الأمر برمته لا يعدو كونه اجتهادا من اقتراح الشركة العالمية الايطالية (ستوديو فيستي) المنفذة لحفل الافتتاح, وبهذا يكون اللوم في سوء الفهم الحاصل هذا لدي أنا شخصيا من جهة, ولدى صديقي الانكليزي من جهة أخرى, وبشكل رسمي هذه المرة من نصيب (DJ) الشركة إياها, أي أنّ (الحق فعلا على الطليان), وفق (بروباغاندا) المقولة الدمشقية الدارجة, التي كثيرا ما تستخدم تعلة للتطهر, من خلال (شلف) ما لا يـُرغب فيه على الآخر البعيد, ما وراء المتوسط, ما يعبر في النهاية أيضا عن جزء أصيل ومستفحل في (الثقافة) المحلية العتيدة لدينا.
غير أننا وللانصاف, لم نعدم كـ(سوريين) بعض المتعة اللحنية بدورنا, عبر مقطوعات موسيقية محلية, لعل أكثرها لفتا للأسماع كان (رقصة ستي), على إشكالية ترجمة كل مضامين هذه اللحن بدء باسمه, سواء لـ(كاترين) المندفعة, أو لـ(جون) المحافظ -(القديم) درء للشبهات- وما تحمله هذه المقطوعة بالذات من روح دمشقية عريقة, كان من أوائل من بث الحياة فيها على مقام الصبا العازف السوري عمر نقشبندي, بعد أن اعتادت الشاميات من النساء عزفها والرقص على أنغامها خلال الأعراس.
على أنّ ما وصل من شرحي وإطنابي لصديقيّ (الفرنجيين) عن اللحن والأعراس بأنواعها (ثقافية و سادة), كان كافيا بالنسبة إليـ(ـهما) (هما), كي يصلا إلى استنتاجاتـ(ـهما) الخاصة بنفسيـ(ـهما) الأمارتين بالسوء.
لدرجة أنـه لو قيض لـ(بـَلِِّّ) مسيرة التعريب المظفرة أن يصل (ذقن) المستر(جون) مثلا -هو لا يمانع في ذلك لطموحاته الماجيستيرية- لأفصحت بلاغة (الضاد) على لسان حاله فقال:
(دام عزكم وعلا ذكركم على الاحتفالــ(ـّية), وها نحن ذا وقوفا وصحبنا بمطايانا في دمشق (العاصمة), والـ(2008) دخلناها ولله الحمد تقويميا من البابين الشرقي والغربي, فمن لنا الآن يا هل ترى وحالنا هذه بـ..... الثقافة؟).

لم يكن الآلاف الذين احتشدوا في ساحة الأمويين مساء الجمعة تحت إلحاح وسائل الإعلام السورية في اليومين الماضيين من السوريين كلهم.
النشيد الوطني العراقي, والموسيقى الرسمية للاتحاد الأوروبي, ورقصة ستي ...
(تنغيم) في حفل افتتاح دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008
لم يكن الآلاف الذين احتشدوا في ساحة الأمويين مساء الجمعة تحت إلحاح وسائل الإعلام السورية في اليومين الماضيين من السوريين كلهم.
بل وكما جرى عليه الحال مؤخرا في باقي مناشط الحياة غير الثقافية بالضرورة؛



تعليق



Ala

2015-12-19

Furrealz? That's mauvolersly good to know.

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

القاهرة تكتب، وبيروت تنشر، وبغداد تقرأ، ..ودمشق تراقب

16-كانون الأول-2009

مؤتمر أزمة القراءة، متعلمون لا مثقفون والقراءة ضحية الشفاهة والتنبلة

12-كانون الأول-2009

في حديث الجنس السوري, ... وللرقيب (شبقه)

30-كانون الأول-2008

بمناسبة (قـَسـَمْ) وزارة الكهرباء, مكافحة الفساد بـ(اليمين) لا ... بـ(اليمين)!

31-تشرين الأول-2008

(تنغيم) في حفل افتتاح دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008

12-كانون الثاني-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow