Alef Logo
ضفـاف
              

أدونيس: السيّاب كتب عشراً من أهم القصائد العربية وقصيدة النثر لا تعني بذاتها شيئاً ج 3ـ 4

عبده وازن

2010-03-24


بعد جزءين من الحوار الذي أجرته «الحياة» مع الشاعر أدونيس، وفيه يقدّم الشاعر نفسه، كما لم يفعل من قبل، في حواراته الكثيرة التي أجراها سابقاً. ننشر هنا الجزء الثالث.
إنه أدونيس ولكن عبر الآخر، الذي هو الصديق أو الأب أو الخصم، وعبر علاقات تراوحت بين الصداقة والمحبة والجفاء والخصومة في أحيان، وعبر قضايا وشؤون كثيراً ما أثارت شغف قراء الشاعر وحفيظتهم.
أشخاص يتحدث عنهم أدونيس بحرية وجرأة، غير متهيب أي عاقبة أو رد فعل. إنها سيرته ومساره يستعيدهما عبر هؤلاء الأشخاص، القريبين والبعيدين على السواء، هؤلاء الأشخاص الذين صنعوا جغرافيته الحميمة وفضاءه الحيّ وأفقه الشعري والفكري.
هنا الحلقة الثالثة من «الحوار» مع أدونيس.
 اليوم يظلم يوسف الخال. بات يعتبر بطريركاً محركاً، أكثر منه شاعراً مجدداً.
- هذا خطأ كبير ومزدوج: في حق الشاعر، وفي حق الشعر. وأكثر أقول: أشك في أنه قُرئ كما ينبغي، حتى من المعنيين بالشعر، أو من الذين يكتبونه.
> لكن، الى أي مدى ترى أن يوسف الخال جدد القصيدة؟
- أولاً، من حيث الشكل والبنية، هو بين أوائل الذين نظّروا للخروج على الوزنية التقليدية، فكتب قصيدة غير شطرية، قائمة على الجُملة، وكتب قصيدة مدوّرة بلا قافية، ونَثْرنَ شِعرية الوَزْن، إضافة الى أنه كتب بدارجةٍ جديدة هي اللغة الفُصحى دون حركات إعرابية. ثانياً، من حيث المضمون، جُرّد الشعر من انفعاليته وتأوهاته العاطفية الغنائية، بالمعنى البكائي السطحي، وأنينه الذاتي الفردي، ورَبطه برؤية إنسانية حضارية. ثالثاً، أسس لمناخ مفتوح يستقبل الشعراء وبخاصة الشبّان، يدعمهم ويشجعهم وينشر لهم، خالقاً هكذا حركة ثقافية – فنية، كانت أكثر نضجاً ووعياً وفاعلية من جميع الحركات التي سبقتها، على أهميتها التاريخية. واليوم، دون اي مبالغة، يمكن أن نقسّم تاريخ الشعر الى قسمين: الشعر قبل مجلة «شعر»، والشعر بعدها.
> الى من كنت أقرب في مجلة «شعر»، ما عدا يوسف الخال؟
- الى أنسي الحاج. وبعده، في مرحلة لاحقة، الى بدر شاكر السياب.
> كنت أول المرحبين بأنسي في رسالتك الشهيرة.
- طبعاً. كان بشارة، كما بدا لي آنذاك، لكتابة عربية جديدة، رؤية وبنية.
> ثم واكبت أعماله. واختلفتما فترة، أم ماذا؟
- حدث بيننا جفاء، منذ أن تركت مجلة «شعر». وأسند إليه يوسف الخال، بذكائه الذي يعرف عمق علاقتنا، أمَر مُهاجَمتي بسبب انفصالي عن المجلة. ثم جاءت الحرب الأهلية، وهجرتي من بيروت الى باريس. هذا كلّه أحدث نوعاً من القطيعة على صعيد اللقاء، لكن، على صعيد الكتابة كنت حريصاً دائماً على قراءته، ولا أزال.
> اتّهمك بعضهم بأنك صرت تشعر بأنك أصبحت أكبر من المجلة، وأردت أن تنفرد بمشروعك؟
- هذا مجرد تأويل. تركت المجلة، بعد أن فشلتُ في تطويرها، في جَعْلِها تُعنى، من جهة، على نحو أشمل، بالتراث العربي، والحياة العربية والقضايا العربية، ومن جهة برؤية أكثر جَذرية وأعمق تأصّلاً في الشعرية الكونية. كانت المجلة أخذت تغرق في مياه العلاقات الفردية السطحية الصداقية، وتخفف من صرامة المعايير الفنية، وتتحول الى نوعٍ من «التحزّب».
هكذا لم أنشئ مجلة «مواقف» إلا بوصفها امتداداً لمشروع مجلة «شعر» الأصلي: العمل على خلق شعر عربي جديد، وثقافة عربية جديدة.
كان لا بُد من تعميق العلاقة بين الشعر والثقافة، بمعناها الإبداعي. مجتمع لا يُبدع ثقافته المتميزة، كيف يمكن أن يقبل رؤية شعرية إبداعية ومتميزة؟ لا ينمو الشعر العظيم، ولا يُقدّر ويفهم، إلا داخل ثقافة عظيمة. ومهما كان النص الشعري أو الفكري عظيماً، فهو يصغر عندما يقرؤه عقلٌ صغير. ومشكلتنا الأولى الشعرية والثقافية والسياسية، في الحياة العربية هي في هذا العقل الصغير المُهيمن. في هذا الأفق، وبالهواجس التي يثيرها، تركت مجلة «شعر»، وأنشأت مجلة «مواقف».
> هل استمرت القطيعة بينك وبين أنسي طويلاً؟
- قلت: جفاء، لا قطيعة. من جهتي، أحبّ أن ألتقيه، دائماً. مع أنه قيل لي: إنه أسقط من كتابه «كلمات»، كلّ ما كتبه عنّي. والحقيقة أنني لم أهتم بهذا القول، حتى أنني لم أقرأ «كلمات» لكي أتحقق من ذلك.
> علماً أن خالدة كتبت المقدمة؟
- يكنّ تقديراً عالياً لخالدة. وهي نفسها تكنّ له تقديراً عالياً. ما كتبته عنه فريدٌ. لم يكتب عنه أحد بمثل هذه الفرادة.
> لكن الأجيال الآن تقرأه بشكل قوي؟
- آمل أن يكون ذلك صحيحاً. لكنني مع ذلك أشعر أن هذه الأجيال لا تفهمه إلا شكلياً وتَبْسيطياً، بوصفه رائداً لقصيدة النثر. فهي لا تفهمه – في رؤيته العميقة، شعراً ولغة، للحياة والإنسان والعالم.
> قلت أكثر من مرة إنك تفضل أنسي على محمد الماغوط. ما السبب؟
- شعر الماغوط طائر جميل مغرّد. شعر أنسي سِرْبٌ من الطيور الجميلة المغرّدة. شعر الماغوط «واحد». شعر أنسي «كثير»: أغنى، وأعمق، وأكثر تنوّعاًَ.
> نستطيع أن نتكلّم عن انقطاع في العلاقة بينك وبين محمد الماغوط، علماً أنك كنت أول من قدمه في مجلة «شعر»؟
- جميع الذين قدمتهم شعرياً، بدءاً من عملي في مجلة «شعر»، ووفرت لهم كثيراً من فُرص التفتّح والنموّ، انقلبوا ضدي. ولا ألوم، هنا، ولا أشكو وإنما ألاحظ.
> أهي مسألة إلغاء الأب؟
- بهذا المعنى «الإلغائي»، قلت مرة في إحدى القصائد: «أمحو، وأنتظر من يمحوني». لكنه «مَحوٌ» شعري. وهو «محو» مجازي لا حقيقي – أي حَيدانٌ، وابتعاد. لكن إلغاء الأب عندنا، اليوم، هو نوعٌ من «القتل». فهو إلغاءٌ قائمٌ على الجهل – كيف تُلغي من لم تعرفه ولم تقرأه؟ وهو إلغاء يتمّ غالباً بلغة الأب ذاته. من يقتل أباه، يجب أن يقتله بلغة يبتكرها، هو. وهو إلغاءٌ يتم غالباً دون أخلاقية فنية أو إنسانية، بأسلحة الكتاب، والافتراء والانتفاخ، والاتهام بأشياء مُختلَقة، والجهل بأبسط قواعد الشعر.
> ما سبب عداء رياض الريّس لك، وحملاته ضدك، علماً انه كان من جماعة «شعر»؟
- لا أعرف. ولا أقدر أن أقول إنني أعرف رياض الريّس، حقاً. فقد التقيتُه مرتين أو ثلاثاً، على مدى نصف قرن، وفي مناسبات عامة. كانت المرة الأولى في مكتب مجلة «شعر»، برغبة خاصة من يوسف الخال. رجاني أن أجتمع به، وأقرأ معه قصائد قدّمها للنشر في المجلة، قائلاً: نحن صديقان، وأخاف أن تؤثّر عليّ صداقتنا في مسألة النشر. اقرأ القصائد وقل لي رأيك. قرأتها. كانت ساذجة. لغتها العربية ضعيفة جداً. ولغتها الشعرية أكثر ضعفاً. أعطيت السيد رياض، وكان لا يزال طالباً يتابع دراسته في بريطانيا، أمثلة على هذا الضعف، وناقشته فيه. وقلت له ما خلاصته أن من الأفضل له، هو شخصياً، ألا ينشر هذه القصائد، وألاّ يبدأ النشر إلا عندما يكتب نصوصاً شعرية قوية ومتميزة. وتابعت: هذا رأيي. في كل حال، أبحث الأمر مع يوسف الخال.
أحسستُ أنه لم يكن مرتاحاً الى ما نصحته به. ولا أعرف إن كان بحث الأمر مع يوسف. أعرف أن يوسف أخذ برأيي ولم ينشرها. غير أن المفاجأة المضحكة هي أنني، بعد فترة قصيرة، رأيت هذه القصائد بين مجموعة أخرى شبيهة في كتاب مستقل نشرته له إحدى دور النشر اللبنانية، وقدّم له جبرا إبراهيم جبرا، صديقه، بمقالة عنوانها: «زحزحة الباب العملاق». قلت ليوسف، ضاحكاً: ما هذا؟ كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ لم يجب، وهزّ رأسه، صامتاً. واكتفيت بأن أردد في نفسي، صامتاً: «أيتها الصداقة، كم من الجرائم ترتكب باسمكِ، خصوصاً في الشعر».
منذ ذلك الوقت، بدأ السيد رياض يهاجمني، ولا يزال يتابع هذا الهجوم في كل مناسبة. طبعاً، لا أرد، ولا أعير ما يقوله أي اهتمام، وإن كان يضحكني أحياناً أولئك الذين يدعونه لكي يتحدث عن الشعر.
> أعود الى محمد الماغوط. متى بدأت العلاقة بينك وبينه تسوء، حتى أنه استمر في مهاجمتك، دون توقف؟
- تعرف طبعاً أنني كعادتي مع آخرين كثيرين، لم أرد عليه، ولم أقل عنه اي كلمة مسيئة. كانت بيننا مسألة تتعلق بزوجته الشاعرة الآسرة، سنيّة صالح، أخت خالدة. ساءت العلاقة معه، منذ أن أخذ يعاملها بطريقة وحشية كانت تصل أحياناً الى ضَرْبها. مع ذلك زرته عندما كان مريضاً، في أواخر حياته، في بيته في دمشق، وبدا لي ودوداً، ونادماً، خصوصاً في ما يتعلق بتهجماته عليّ.
> الآن، كيف تقرأ محمد الماغوط؟
- لا أحس باي حاجة ملحّة لقراءته. مع أنه، كما أظن، يستهوي كثيراً من الشبان. وفي الواقع، استطراداً، أنني لا أحس بمثل هذه الحاجة لقراءة أي شاعر من شعراء جيلي. خصوصاً ذلك الذي كان يملأ دنيا التقدم واليسار والشيوعية، عبدالوهاب البياتي.
> هاجمك البياتي بعنف؟
- لا علاقة لهجومه بما أقول. أقول ذلك، موضوعياً.
> هل تعتقد أن البياتي انتهى كما يقول بعضهم؟
- يصعب عليّ إصدار أحكام من هذا النوع، لذلك، لا أقول: انتهى. أقول إن شعره ضَحلٌ، وليست له اي أهمية فنية – جمالية، بالمعنى الحَصْري للعبارة.
> على عكس السياب؟ السياب تحبّه؟
- كتب السياب عشر قصائد، على الأقل، هي بين أجمل القصائد العربية التي كتبت، منذ خمسينات القرن الماضي حتى اليوم. هذا يكفي لكي يبقى. وهذا يكفي لكي أحبه.
> هل كانت بينك وبين بدر صداقة شخصية؟
- نعم. وبيننا رسائل متبادلة. وأنا، شخصياً، اخترت قصائد ديوان «أنشودة المطر» من بين القصائد الكثيرة التي وضعها بين يديّ، وفوّضني بالاختيار.
> أين تكمن حداثة السيّاب برأيك؟
- في مُقارَبته للأشياء، وفي طريقة تعبيره عنها. وفي لغته الشعرية، بخاصة: كأنه داخل اللغة الشعرية العربية الكلاسيكية وخارجها في آن: فلحظة يبدو لبعضهم «قديماً»، يبدو، في العمق» «حديثاً» بكامل المعنى. كأنه من التراث كالموجة العالية من البحر: لا هي هو، ولا هي غيره.
وتلك هي «المعادلة» العالية التي نعرفها عند شعراء الحداثة الغربية الكبار.
> أعود الى مجلة «شعر». لم تكن على صداقة مع

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

المعرض في دمشق والأدب في الخارج

19-آب-2017

غسان شربل يتعقب أسرار القذافي الديكتاتور عبر رفاق خيمته

11-كانون الأول-2012

ياسين الحاج صالح يروّض «وحش» السجن السوري

26-حزيران-2012

بيانات وذاكرة

07-شباط-2011

سعيد عقل شاعراً… رغماً عن الأوهام السياسية

02-أيار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow