Alef Logo
يوميات
              

هكذا تكلم أبو طشت / ج 1..ترويج سياحي

حسان محمد محمود

خاص ألف

2010-07-11


أجل أيها القراء العاقلون، حتى نحن المجانين نظلم بعضنا، والأمر ليس مقصوراً عليكم، ربما مع اختلافٍ صغيرٍ بيننا في حجم وتواتر ذلك الظلم.كل إنسانٍ منا، عاقلاً كان أم مجنوناً، تمر عليه أوقاتٌ يظلم فيها، ويساء فهمه، وأبو طشت مر بهذه التجربة، طبعاً أنا لا أقصد حين كان لا يزال محسوباً على العاقلين، إذ من البديهي أن يظلم عندما كان عاقلاً، وإلا لماذا أصبح مجنوناً؟
ما أقصده؛ أن زملاءنا المجانين ظلموه بعد فترةٍ وجيزةٍ من التحاقه بصفوفهم، وشاء حسن حظه أن ألعب دوراً في إنصافه، و إنقاذه من موقفٍ أوشك على دفع ثمنه غالياً من حياته و سمعته بين المجانين.
القصة بدأت حين أعلن أبو طشت عن رحلةٍ سياحيةٍ للمجانين للتفرج على شخصٍ (آدمي) وحدد رسم التسجيل فيها بمبلغ عشر ليراتٍ، فتهافتت عليه طلبات الاشتراك بالرحلة، لأن الجميع يسمع عن (الآدمي) ولم يره، و المجانين العجائز ما فتئوا يروون رواياتٍ مطولةً عنه، و قد انقسموا بين مؤكدٍ لانقراضه و مؤمنٍ بوجوده.
الإعلان عن الرحلة أشعل في الكثيرين نار الرغبة للذهاب ورؤية ما يسمعون عنه ...والكلام بيننا: بعض العاقلين راودته ذات الرغبة، لكن كبرياءهم العقلاني واعتدادهم برجاحة (عقلهم!!) منعهم من الاشتراك برحلة أبي طشت.
مر عامٌ دون أن يفي أبو طشتٍ بوعده للمسجلين في الرحلة، ثم مضت عشرين سنة أخرى و الجميع ينتظر موعد الانطلاق، وكان كلما سأله أحدٌ عن الرحلة يقول:
ـ أحضروا لي عنوان (الآدمي) وسوف ننطلق فوراً.
لم يكن سهلاً الحصول على العنوان، هذا ما استنتجناه بعد مضي عشرين عاماً من البحث دون جدوى. كان عنوان (الآدمي) صعب المنال، ففقد المجانين الأمل في العثور عليه، وقرروا الكف عن البحث، و لأن ذاكرة المجانين قويةٌ، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالوعود؛ بدأ المجانين يطالبون بإعادة المبالغ التي دفعوها رسماً للاشتراك بالرحلة، وهو كما ذكرت سابقاً عشر ليرات.
عجز أبو طشت عن إعادة هذه المبالغ، لأنه ببساطةٍ أعطاها لسائق الباص الذي كان من المقرر استئجار حافلته، و لأن السائق عاقلٌ، كان من المستحيل استعادة هذه المبالغ منه بعد عشرين عاماً، و هو إن تذكر الاتفاق معه فربما لن يعترف بأنه تقاضى تلك النقود لقاء رحلةٍ لم تنجز، وسوف يصدقه الجميع حين يقول ناكراً:
ـ حل عني ..ناقصني مجانين.
إذن، المبالغ في ذمة أبي طشت، وعليه إعادتها، والمشتركون ليسوا مسؤولين عن سوء إعداده لرحلةٍ مجهولة العنوان، و في هذه الحالة؛ من حق أي مجنونٍ منا أن تراوده الظنون بنواياه و الشك بأن ما فعله كان مقصوداً، بمعنىً آخر: أبو طشت أصبح في دائرة الاتهام بأنه نصابٌ وجامع أموالٍ.
شبهة النصب ـ إن ثبتت ـ كبيرةٌ عندنا نحن المجانين، كبيرةٌ حد الخطر على حياة المشبوه ، وهو خطرٌ جديٌّ أكثر مما تتصورون أيها العاقلون، إذ لا تنفع لدرئه كل التضرعات أو الحلول الوسط أو تقبيل اللحى مع مجنونٍ صمم على تنظيف صفوف المجانين من نصاب.
نبهت أبا طشتٍ إلى خطورة الوضع، فبدا عليه الرعب و الارتباك، ليس خوفاً من احتمالات الموت، إنما حرصاً على سمعته ومكانته الاجتماعية، وكان قد أسقط في يده، و يئس من إيجاد مخرجٍ من هذا المأزق، خصوصاً مع استحالة وجود طريقٍ أو سبيلٍ لاسترداد الأموال و إعادتها إلى أصحابها الشرعيين.
فجأةً، لمعت في رأسي فكرةٌ مجنونيةٌ، حلت المشكلة من جذورها، فطلبت الاجتماع بالمشتركين بالرحلة فوراً، وفكرتي كانت: سوف نذهب في الرحلة كي نرى (الآدمي)، وهكذا يكفون عن مطالباتهم لأبي طشتٍ، ويزول الخطر عن حياته وسمعته.
جاء المشتركون فرحين، فالرحلة سوف تبدأ، والانطلاق الموعود اقتربت ساعته، فطلبت منهم السير خلفي والالتزام بتعليماتي باعتباري قائداً لهم، فوافقوا كأطفالٍ يترقبون تحقيق أمنيةٍ انتظروها طويلاً.
كانوا يسيرون حين أسير، ويقفون حيث أقف، ولو طلبت منهم أي شيء ـ مهما كان صعباً ـ لنفذوه حباً وكرامةً. مشينا ومشينا حتى وصلنا إلى مزبلةٍ تقع خارج المدينة، و هناك شرعت بالبحث عن المكان الذي يرمي فيه أصحاب محلات البلور مخلفاتهم، وعندما وجدته؛ طلبت منهم التقاط قطع المرايا المكسرة، و قلت:
ـ انظروا إلى المرآة ترون (الآدمي).
وهكذا حللنا المشكلة.
ومنذ تلك اللحظة، ما انفكت الرحلات إلى تلك المزابل تزداد و تزداد...
حتى أن بعض العاقلين كسروا حاجز الكبرياء العقلاني و تغلبوا على عجرفتهم و صاروا يأتون إليها في رحلاتٍ عائليةٍ، فتراهم يتجولون في أرجائها أو يجلسون بين أكوامها وينامون بين جنباتها ويأكلون منها.. و بعضهم؛ لشدة تعلقه بالمكان، أقام خيمةً و سكن فيها.
في جنازة أبي طشتٍ حضر جميع أعضاء الرحلة، وشاركوا في مراسم الدفن، وحضر معهم الكثير من العاقلين الذين سكنوا هناك... حيث الكثير من المرايا المكسرة.
حسان محمد محمود
[email protected]

×××××××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

المتة إن عزت

05-أيلول-2020

قصة مقالة عن أدونيس

23-أيار-2020

ضحكة فلسفية

04-نيسان-2020

هكذا تكلم أبو طشت ـ جزء 6 المرأة التي قتلتها مؤخرتها

21-أيلول-2019

هكذا تكلم أبو طشت ـ الجزء 5 كورنيش الشمس لدعم النقد الأجنبي.

14-أيلول-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow