Alef Logo
يوميات
              

القراءةُ بالكلَّانيّة

عماد حسين أحمد

خاص ألف

2010-07-18

القراءة ليست أن تضع كتاباً أمامك، بل ان تضع نفسك أمام الكتاب..هي عبادة فكرية دقيقة، صلاةٌ تستدعي الوضوء قبل البدء، وضوء الحواس، الأدوات، هل تثقون بالحواس؟..أنا لم أكن متوضئاً الشهر الماضي، لذا لم ارتكب خطأ القراءة، بل لم أكفر بحقها..كنتُ مصاباً بالزكام، وفتحتا الأنف كانتا مسدودتين، لهذا، لم أتمكن من القراءة بأنفي أيضاً، أي بحق!.. لا تستغرب، فأنا أعرف إنساناً يقرأ السوائل بأنفه، ويجيد التميز بينها حق التميز، لكنه مع ذلك، لا يصدّق أنفه أحياناً، ويود كسره، ربما لأنه يخطأ في وضوئه.

لا أذكر في أي كتاب قرأتُ هذه العبارة : إذا كان ذلك الشخص تؤلمه يده والآخر يؤلمه بطنه والثالث تؤلمه عينه فان هذا يؤلمه الله! لأن هذا الذي يؤلمه الله يعلم طريقة الوضوء جيداً، ولا يبكي بعينيه وحدهما، ولا يعتمد في سمعه على الأذنين فقط، ولا يخون الكتاب فيضعه أمامه.. وأنت أيضاً ألا تؤلمك القراءة ؟ وهل تتوضأ جيداً قبل البدء ؟.. أعذرني، هي مجرد أسئلة، وليس جنوناً، فأنا لا أزال أحتفظ ببعض الخلايا الحية في عقلي، وان كان لابدّ من اتهامي بالجنون، فإني أجاريك الرأي، لأن القراءة الحقيـقية جنون ! كأن تقرأ شيخوخة الصـحراء مثلاً.

القراءة..قراءتان، قراءة القارئ الذي يقرأ الكتاب، وقراءة الكتاب الذي يقرأ القارئ، والكتاب الذي لا يقرأ قارئه، لا أعتبره كتاباً، لأن القراءة في هذه الحالة، تعد كائناً مختلاً، كأن تجد من يتكلم بقدميه أو أن تكلّمَ إنساناً لا أذن له..وهنا أيضاً، لا شيء يدعو إلى الاستغراب، فأنا أعرف كتاباً لفيلسوف اسباني، قرأني أكثر مما قرأته، كان يشكّل دعوة إلى التعري ، تعري الذات، بدتُ أخجل من نفسي بعد قراءته، وبعد أن أزال عني كل ملابسي التي أفتخر بها كالأنا مثلاً، وقفَ بعيداً ليضحك مني، فشاركته، لأن التعري كان متبادلاً، ولأن القراءة كانت قراءتين .

أفضل قراءة هي قراءة التساؤل، وأفضل كتاب هو الكتاب الذي يكون على شكل سؤال.. سؤال : أيهما أصح؟.. أن نعرف ماذا نقرأ ؟ أم أن نعرف كيف نقرأ ؟.. لا تنتظر مني الإجابة، فأنا لن أجيب، لأنني أقرأ ذهنك الآن!، هل تقرأه معي ؟... أستاذي في المدرسة الابتدائية لم يكن يؤمن من القراءة سوى قراءة العين والعصي، كان أستاذاً ابتدائياً، لم أره يوماً يقدّم خبراً على مبتدأ، كم أشفق عليه الآن!.. أذكر أنه طلب مني ذات يوم أن أقلّد صوت الحمار أمام التلاميذ جميعهم، لأنني لم أحفظ قصيدة أمهلني يوماً كاملاً لحفظها..كنتُ أنفّذ العقاب ببرود، لأنني كنتُ واثقاً من أنني حفظتُ قصيدة أجمل، قصيدة والدي، نعم، كنتُ اقرأ والدي وهو يرشق جدران المنزل بكرات من طين، يا الهي! كم كان مشهداً رائعاً، بل كم كانت قراءة رائعة، وأيضاً، أخي الصغير الجائع المتسخ الذي كان ممدداً بجوار والدي، وهو يرضع الطين بدل الحليب، لأن أمي كانت تقرأ الأرض حينها، أقصدُ،كانت تعمل في الأرض لإطعامنا، لتصنع منّا قُراءً حقيقيين! أي، قُراءً لا يقرؤون بأعينهم فقط، بل بأمورٍ أخرى أيضا كالألم مثلاً، ويعرفون جيداً كيف يتوضؤون قبل البدء ، فهي صلاة هي صلاة يا أستاذ.. هل كنتَ ستصدقني حينها لو أخبرتك سرّ فشلي أمامك ونجاحي في الخارج، في الأسئلة، في القراءة ؟..ان أمي أميّة يا أستاذ، لكنها أفضل قارئة .

القراءة، تربية.. هي أفضل مربٍ على الإطلاق، لأنها عبور إلى المطلق...أعرف أحدهم،كان أبوه سكيراً وأمه عاهرة، أما هو فقديس فكري، لأن طقسه كان معه، لم يشأ أن يتخذ لأسئلته مربياً إلا القراءة، القراءة بالجسد كله، بأقطابه جميعها، بالكلانيّة، هل توافقني ؟ لذا، تمكّنَ من القراءة كاملة، فلم يكن هناك حرج من أن تقرأه القراءة أيضاً، ويكون مربياً لها، لأنه لم يكن صندوقاً فكرياً، يرجو من الكتاب حروفه فحسب، بل ألماً يزيد به ألمه، وقلقاً ينمّي به قلقه، المعاناة، التفكير بالجسد كله فيما يحيط بهذا الجسد ، فيما ورائه، في الأسئلة..من أنا ؟ من أين ؟ إلى أين ؟ لماذا ؟ وأخرى .. فالقراءة تربية، ألم، معاناة..القراءة أكثر من قراءة يا أستاذ !... والآن، هل توضأتَ جيداً قبل أن تبدأ بقراءة هذا الجنون ؟ .


عماد حسين أحمد

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف










تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سياسيون للعمل في الحقول!

03-تشرين الثاني-2013

شطحاتٌ في الدماء

20-آب-2011

الجَسدُ كَملاذٍ كَسَفرٍ في اللُغةْ

30-تموز-2011

إعلام التضليل وتضليل الإعلام

06-تموز-2011

ذاك أنا، وتلك أنتِ

12-حزيران-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow