Alef Logo
يوميات
              

الجَسدُ كَملاذٍ كَسَفرٍ في اللُغةْ

عماد حسين أحمد

خاص ألف

2011-07-30

لا أفتحُ شرفتي، الآن، لخيالٍ مُتَكئٍ على جُبن. أنا الآن أمقتُ الشواطئ كلها. أريدُ الإبحارَ - بعيداً- في الجَسد. أريدُ أن أستَلهمَ نفسي اليومَ، بهيئةٍ لغويةٍ، كأرعنٍ ماجنٍ، لا يعبأُ بشيء؛ فلتكُنِ اللغةُ قبري؛ فليكُنْ قبري جَسَداً؛ فليكن جَسَدي مَنفى.
***
أنا لا أخاطبُكَ أيُّها القارئُ العابر. قد أرفضُكَ . أخشى عليكَ مِن جوعي الذَليل. كأسي الثاني بعد الثالث لا يزالُ في مبتدئهِ، والخبرُ في طَريقهِ إلى الإفشاءْ. الجَسدُ وحدهُ مَرتعي؛ لا أملكُ سواه!. منذُ أن تَمخضتِ الشمسُ عني، وقذفتني الإيديولوجيات هناك، وصرتُ معبراً للأحذيةِ الأنيقة، وقِطعةً مَعدنيّةً مبتذلة في قِطعةٍ مِن قُماش، أقولُ: منذُ أن صرتُ خراباً كَبيت أرملةٍ سوداءَ، باتَ الجسدُ ملاذي الآمن؛ رسالتي النبيلةْ؛ قضيتي.
الآن، يُمكنني أن أصدِّقَ مُعلمتي بيقين، إذ قالتْ: الجَسدُ هو الأبقى. كنتُ على وشكِ الغياب، حينها. آمنتُ طيلةَ بحثٍ: أن الذاتَ هي الأبقى وليسَ الجسد، لكنني الآن، أعمى؛ لا أرى.
***
أيّةُ ذائقةٍ مُحكمةٍ تَتَوقعونها مِن جائعٍ مُتَربِصْ ؟ أيُّ رَغيفٍ سينالُ حظوةَ سُبابتهِ، بالاختيارْ ؟ أيُّ جَسدٍ سَيَحْظى، مُصادَفةً، بشبقهِ الدفين – اللبلابْ ؟ أيُّ صنفٍ مِن اللحومِ البضّةِ، الغضّةِ، سيُركِعَهُ، باستكانةْ ؟ أيّةُ عَباءةٍ سيتقمصْ ؟! أيّةُ عِفةٍ بَيْضاءَ سيَدَّعيْ ؟! أيُّ حُمقٍ هذا الذي أقولْ؟.
قلتُ سابِقاً: لا أُخاطبكَ أيُّها القارئ، بإمكانكَ عبوري بهدوءْ.
خُذلتُ هنا، خُذلتُ في جَسدي، مراراً. أنهكني. أرهَقني ندائيْ. أشكُّ في أنني نَفسي، أشكُّ دائماً. بِضعةُ أصابعَ متناسقةٍ مِن قدميَّ أنثى تُعادلُ ألفَ نظريةْ.أليسَ صحيحاً؟! فلتتباهى الأنثى إذن؛ فلترقصَ كحَمامةٍ جذلى؛ فلتطلِقَ ضفائِرَها للريحْ.
***
جَسدي سبّاقٌ للحُب- لستُ مَعنيَّاً- الوعاءُ هو المَركز في النِداء، إذن: تُبّاعٌ للشُقرِ؛ للبيضِ؛ للزُرقِ؛ للخُضرِ، حتى في مُضاجعاتِنا؛ ألا تبصرهم كيف يُعربِدونَ في مساعيهم وكيفَ يتَقاذَفون بالغرائزِ كالريشْ؟.
***
كُلَّما تَنَشّفتُ – بُرهةً - تحتَ الشمسْ؛ كُلَّما سُرقتُ أكثر. كُلَّما تَفتَّحتْ أزراري، بشراهةٍ أكثر، كُلَّما ذُبلتُ، كَوردةٍ، مٍن دون عِلمْ. كُلَّما اعتلى جَسدي جَسداً عابراً؛ منبراً، كُلَّما ناجيتُ داخلي خفيةً، كلصٍ مُضطر.
سيرضخونَ للأمر في النهاية؛ سَيبكونَ؛ سَيعلمونَ أنَّ القِناعَ لا يَحمي مِن رَشْقَةِ شمَسْ.
***
مَنْ أُخاطب؟..مَن ذا الذي يقطنني، في يُسراي، نائِماً، دائِماً ؟..مَن أشاحَ عنْ ردائي شُهودَ يَقظتي العابِثة؟.. مَنْ فازَ بي، كَلُعبَةٍ رَديئةٍ على بِساطِ النَردِ، مؤخَّراً؟.. مَن استَنطَقَني، كاستِعارةٍ مَيتةٍ، في روايةِ جَسده؟.. مَن يودّ الفوزَ بذاكرتي القَلِقةْ أيضاً؟.
لا شيءَ، لا أحدَ. العَبثُ- الليلُ المنُتَظرُ، بِدَهاءٍ، وحدهُ اليَقْظان بِحدة، والجَسدُ رايَةٌ بَيضاءْ.
سأكتفي بِملامَستهِ كسَفرٍ في اللغةِ، كَمَهْربةٍ، كَملاذٍ، لرفعِ يدي عالياً؛ لإعلان رايتي البيضاءْ.
***
ثم ماذا؟..أسمَعُ صدايَ يقول: " لم أعُد ملكي: لمْ تَعُد الجُغرافيا تُفضي إليَّ مِن الطَريقِ ذاتِها؛ لمْ تَعُد الهَلوسةُ المُشْتَهاةُ، كَتبغٍ رَطبٍ، في الكِتابةِ تَسْتَحضرُ خيالي؛ لمْ تَعُد الشَجرُ تَمدُّ بأصابعِها إلى المَوْتى، بأمومةٍ، لتُنجي أكفانَهم مِن العرقْ؛ لم تَعُد السُحُبُ تَهِبُ ظِلَها- صَدَقَةً عابِرةً- لأحدْ؛ لمْ تَعُد الأذنُ تُطاوِعُ في التِقاطِها أوتارَ الجُثثْ؛ لم يَعُد الجَسَدُ جَسداً كاملاً_ وَطَناً بِرمتهِ. كُلُّ شَيءٍ مَنْفى؛ كُلُّ شَيءٍ مُجتَزئٌ موقوتٌ؛ كُلُّ شَيءٍ غاضِبٌ يَباسٌ قَلِقٌ بِفوضى؛ كُلُّ شَيءٍ بُعدٌ في الظلامْ؛ كُلُّ شَيءٍ جَسَدٌ ناطِقٌ؛ كلُّ شَيءٍ لا شيء!.
سأُبقي كُلَّ شيءٍ على حالهِ؛ سأُبقي السُفُنَ هناك، والأشرِعةَ أيضا،ً والربانَ، وقائَمةَ المَصلوبينَ انتظارا،ً والرُهبانَ في معبدِ الجوع، والفارّينَ مِن أجسادِهمْ عَنوَةً، والباسطينَ راحاتهم للأُفُقْ؛ والدَفَّاقينَ كالنَبع حِكمةً مُبصِرَةً، ونَفسي وما عليها مِنَ الرُكام. سأدّخرُ في جَرةٍ مِن فُلاذٍ، بَعضاً مِن النقود. سأقتني- سأسوقُ قطيعاً مِن الماشيةِ، مِن الأجساد كالحاشيةِ، مِن المزاد الآدميّ. سأبصِق كثيراً، نعم سأبصِقُ ربما أكثرْ ".
أردُّ على صدايَ:" لا. دَع ِ الجَسَدَ على حالهِ، مَدَّاً، يتدفَّقُ في سَيلهِ على حدودِ نَشوتهِ ؛ دَعهُ، لاهِثاً، يَشتهي صَحوةَ نفسَه؛ دَعهُ، بِدعةً حالمِةً، يتأمّلُ تَضاريسَهُ في مِرآةِ الوقتْ. كُنْ حيادياً في خيالِكَ الرحَّال- أيُّها المسافرُ في الُلغة. لا تَستَدِرْ. عمَّ قَريبٍ ستُعلِنُ المِرآةُ: أنَّها لا تُتْقِنُ كَشفَ الحقيقةِ على الدوامْ؛ سَتُعلِنُ: أنَّ الحياةَ تَعيشُ هناكَ، في الأفق، تَبكي عليَّ على
الدَوامْ؛ سَتُعلِنُ: أنَّ الديدانَ تَنخرُ عَظمَنا، تغزو الوِئامَ على الدَوامْ؛ سَتُعلِنُ عَن دَمي- عن رُقْعَةٍ مَنفيّةٍ، في اليَباسِ على الدوامْ. تقولُ لي نَفسي: لا تَستَدِرْ؛ ستُعلِن المرآةُ عمَّ قريبْ.
***
كان الرّاكِضُ يهمسُ زائِغاً:" أطلِقْ جَسَدَكَ واعبِر الزُحامَ كَبرقٍ خاطِفٍ، جِد لِنفسِكَ قبراً في جَسَدْ، استَرِحْ هُنيهةً في مَضافتهِ، متْ هادِئاً في ترحالكَ، تَكفَّنْ بِجلدٍ أبيضَ، تدَفأ "...
كانَ الرّاكِضُ يَهمسُ لي مُنكَمِشاً : "ضجِرتُ. العالَمُ مِن حَولِكَ يَتَساقَطُ كَوَرَقٍ مُصفرٍّ. لا تَكتَرِثْ لعناقيدَ داليةٍ مَزروعةٍ في الجِوار. لا تتَّقِدْ وَمْضَةً في حُجرةٍ غير حُجرتِكَ. لا تَطلبَ الغيثَ مِن غَيمةٍ تمرُّ على مَبعَدةٍ مِنكْ. لا تَستَلّ ضَفيرةً مِن غيرِ شَعْرِكَ. لا تَستَحِمَّ بِماءٍ مُغرٍ طَهورٍ مِن بئرِ قَرينِكَ. لا تفُرَّ مِن ذاتِكَ لتَسكنَ في الآخرين. كُن نفَسَكَ كَوردةٍ فوّاحةٍ في حيّزٍ مِن روثْ"...
كانَ الرّاكِضُ يَهمسُ لي في سِرهِ لغْوَاً:" لا آلهةَ في معبدي؛ لا جِهاتَ تُقررُ قِبلتي؛ لا شيءَ يحيدني عني خُطوةً، لا خَيمةَ تُظلِلُ ظُلمتي؛ جَسَدي، لا أملكُ سواه، فليكُنْ للريحْ"...
كان الراكِض في قاعهِ يَهمسُ لي مُلوِّحا كَقصيدة:" سأُشيرُ إليكَ إنْ طالَ بي حُلمي في المدى، سأبـتلُّ بدَمعِكَ - إن بقيتُ وحَيداً في الطَريقْ-، سأضمِّد جَسَدي بِحبرِكَ- إن تاهَتِ الصحراءُ بي كَحمامةٍ مَطرودةٍ مِن سربها-، سأُبعثِرُ ما تبقّى في دَخيلتي مِنَ عَراء"...
كانَ الرّاكِضُ في حَتفهِ يَهمسُ لي ذائَباً في ممَرَهِ:" فلَسوفَ تَرتدُّ إلى مَهدِكَ، كَمُعجزةٍ ناضجةٍ، في الفراغْ؛ فَلسوفَ يضنُّ عليكَ القلمُ بخلودهِ، ولسوفَ يسألونَكَ عَنِ الأنجاسِ- السُرَّاقْ، ستقولُ:هُمْ على خُطى النورِ سائرون، وستقولُ في نَفسِكَ بلهجةِ زاهِدٍ: هُمْ في مَزادٍ آدميٍّ يعبثون".
قُلتُ للغُبارِ مِن وراءهِ:" لا عليك. أنا الآن حرٌّ مِن نَفسي ومِن جَسَدي.سَتبقى الذئابُ الآدميّة تنهشُ لحمَ يوسف، وستبقى الذئاب الآدميّة على حالِها. يا سَليلَ الطينِ، أنا الآن حرٌّ، أنا الآن حي".
***
عماد حسين أحمد

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سياسيون للعمل في الحقول!

03-تشرين الثاني-2013

شطحاتٌ في الدماء

20-آب-2011

الجَسدُ كَملاذٍ كَسَفرٍ في اللُغةْ

30-تموز-2011

إعلام التضليل وتضليل الإعلام

06-تموز-2011

ذاك أنا، وتلك أنتِ

12-حزيران-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow