Alef Logo
دراسات
              

في المسألة القومية ( فلسطين )

محمد حيان الأخرس

2008-02-02

إن من أكبر حالات التزييف
التي مرت على أمتنا، هي الحالة الثقافية الراهنة، والتي شربنا من أكوابها الجرعات بكل متعة، تارة تحت اسم التجديد أو الحداثة، وتحت اسم التقليد أو الكلاسيكية، و تارة تحت اسم الديمقراطية والديكتاتورية، وما شئت من مفاهيم مختلفة ومتناقضة رسمت معالم ثقافتنا الحالية، وأطلقت شعاراتها للتحرر والحرية، وصنعت أحزاباً وتجمعات متناقضة في ما بينها، كل منها يدعي القول الأخير الفصل، ويكفر كل من غايره في الرأي .
لقد ابتلت هذه الأمة دون غيرها من الأمم بعدو يرسم لها مستقبلها لألف سنة قادمة،
وابتلت أيضا بثلة من الحكام الخونة حيناً، والأغبياء حيناً آخر، ومن شذَّ عن هذه القاعدة وظف طاقته لخدمة مصالحه الشخصية، ليحافظ على كرسيه لا خوفاً من شعبه، وإنما خوفاً على نفسه مما يخطط له عدو أمته .
ولعل من أهم المفاهيم الاجتماعية التي تم تزييفها، والعمل على ترويجها، هو هذا المفهوم السائد للقومية. ذلك أن من شأن هذا المفهوم فيما لو استقام وأخذ مداه الثقافي اجتماعيا أن يقلب الحقائق السائدة عن عروشها، و يغير مجرى تاريخ هذه الأمة .
تزييف التاريخ :
إن تاريخ هذه الأمة لا يبدأ من حيث انتهى علم الآثار والحفريات وعلم الاجتماع المبني على قاعدين أساسيتين لكل أمة، ألا وهما الأرض والجماعة التي تعيش عليها وتتفاعل فيما بينها عبر أزمان طويلة، منتجة ثقافة وحضارة وتاريخ واحد ... ومنتجة أيضا العنصر الأهم ألا وهو روح الأمة ( القومية ). بل يبدأ تاريخ أمتنا من المرويات الدينية، والتي تستند في إثباتها على التوراة، حيث تبدأ الإنسانية من آدم وتتفرع قبائل وشعوب، ولو أن الأمر يقف هنا لصمتنا، ولكن الثقافة التي يتم تلقينها لنا تصرّ على متابعة التوراة في تفسير الكون، ولا تقف عند المقولات التي تتحمل التأويل الكثير في الإسلام .وبالتالي فقد تميّع مفهوم القومية إلى شكل بات من غير المنطقي لمّه في بوتقة واحدة، تحت حصار من مفاهيم مشوهة تدّعي اليقين في طرحها، وتنادي بالطائفية أمة قومية، وبالعرقية أمة قومية، وتقبل بما رسمه العدو لها من حدود اصطناعية داخل الأمة الواحدة....والأمثلة كثيرة تبدأ من دول الطوائف في لبنان، إلى دول الطوائف اللغات العرقيات في العراق حالياً، ولن تنتهي يقيناً في فلسطين المحتلة .
مفهوم السياسة المزيف :
لابد أنه من المنطقي ونتيجة لتزوير تاريخنا في الثقافة السائدة، أن يضمحل الشعور القومي في قلوب أبناء الأمة الواحدة، ويحلّ محلّه شعور بائس ومعذب، ينادي بالإنسانية لا بالجماعة الواحدة الموحدة، وينادي بالحلول الجاهزة لكل ظرف تمر به الأمة، وهي حلول تستقي أصوليتها من تجارب الأمم الأخرى على أرضها، أو من تاريخ الأمة الديني . وفي أحسن الحالات مزيج مزيف من التجربتين معاً . ولذلك كان من الطبيعي أن يغيب مفهوم السياسة كما ينبغي للأمة الواحدة في مقاومة من يريد بها شراً، إذ لم يعد هذا المفهوم يعني كما يجب له أن يعني حقيقة في أنه فن خدمة المصالح القومية، بل صار يعني في أحسن حالاته فن خدمة المصالح الكيانية، والطائفية، والانفصالية ....، وغدا هذا المفهوم مفتتاً غير قادر على لمّ أي قضيتين معاً في مواجهة أي خطر يلم بهذه الأمة .

التاريخ والسياسة والقومية المزيفة والمسألة الفلسطينية :
إن ما نعيشه الآن من تخبط وفوضى في أمتنا، هو ناتج طبيعي لكل ما ذكرناه سابقاً، ولعل من فعل وساهم في تزوير تاريخنا، وفتت مفهوم القومية الجامع الموحد لهذه الأمة، هو ذاته من يحتل أرضنا، وينهب خيراتنا، ويقتل مستقبلنا ومستقبل أولادنا، تحت ذريعة ما يرويه من التاريخ المزيف، الذي يقول في أن يهوه قد وهب أرضنا لشعبه المختار اليهود، فاختار اليهود أوقات وقرارات مزيفة لصراعنا الوجودي معهم تحت راية الأمم المتحدة، ومجلس الأمن وكل دولة متهودة على هذه الأرض. وكأن (إسرائيل) كانت موجودة من قبل، وكأن سادة دول الاعتدال العرب كان يجمعهم بها تاريخ من الجيرة والأخوة والتعاون التاريخي، وكأن الشعب الفلسطيني دخيل لا وجود له على هذه الأرض، وكأن فلسطين لم تكن بحدودها التاريخية تمتد مع ما تبقى منها الآن، إلى الأردن وسيناء.
إن المسألة الفلسطينية، هي المسألة الأهم بالنسبة لنا، ذلك أن مصير المنطقة تماماً يتوقف على ما ستؤول نتائج حلها، فاليهود ليس لهم حدود، سوى الحدود التي يقر بها التوراة من الفرات إلى النيل، واليهود مجموعة عنصرية لا ترى في العالم أجمع سوى نفسها، وأن جميع الشعوب وجدت لخدمتها، هذا ما يقوله التوراة، وهذا ما يؤمن به اليهود.
وبالتالي فكل ما يفعله اليهود بأهلنا في فلسطين له سند توراتي، وله وقع عظيم ورائع في قلوب اليهود المؤمنين بقتل الفلسطينيين .
والمسالة الفلسطينية تعرضت هي بالذات إلى أكبر محاولات التزييف القومي، ففي ليلة وضحاها تحولت هذه المسالة من مطالبة برحيل اليهود عن فلسطين المحتلة كاملة، إلى جدل يقوم على مدى مصداقية كون فلسطين تاريخياً يهودية، أم إسلامية أم سورية، أم عربية، وهل يحق للفلسطينيين المهجّرين العودة إلى ديارهم، وخرجت إلى العلن مسألة فلسطينيي 48 وكأنهم غير أخوتهم من سكان الأرض الفلسطينية، وكأن المسألة الفلسطينية جمعاء تبدأ من 1948. فتحول الخطاب الفلسطيني والعربي المنادي بفلسطين كاملة غير معترف باليهود الغاصبين، إلى خطاب يختزل المسألة الفلسطينية بجزء من أرضها، وبالتالي انفصل الخطاب السياسي عن المفهوم القومي، وبدأ يأخذ مجالاً مائعاً بعيداً كل البعد عن الواقع الفلسطيني والقومي وكأن السياسة شأن منفصل عن خدمة المصالح القومية العليا، إذ أن المسالة الفلسطينية وضمن هذا المفهوم السائد للسياسة، تبدأ وتنتهي بقسمة الأرض المحتلة إلى دولتين فلسطينية ويهودية. متناسين أن من أعطى فلسطين لليهود كان محتلاً لها (الإنكليز) وليست قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأنه لا أحد يستطيع أو يملك أن يعطي أرضا ليست له لأي كان فكيف إذا كان محتلاً، وإن المسألة الفلسطينية تبدأ من هنا، لا من الواقع المزيف للتاريخ وللسياسة والمفهوم القومي، ولا من مشيئة الحركات التي قامت في ظل هذا التزييف عن قصد أو عن غير قصد، وأن من لا يملك شيء يهدد به عدوه، لا يكمن له أن يساوم ويصالح ويفاوض عدوه الذي يتملك ويقرر كل شيء، وأن من أبسط معاني الكرامة والعزة القومية ألا نبيع أرض أولادنا ومستقبلهم إلى أحد، لأنها ليست ملكا لنا، بل لكل من يأتي بعدنا. وأن أخوة الأرض فوق كل خلاف وكل عدو.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أدب الفرح..أدب الانسانية القادم..

13-أيلول-2010

قصة قصيرة / جارتنا

17-آب-2009

قصة لم تكتمل ..عن مها..

03-آب-2009

سلم رجال الدين بلداً وانظر ماذا يفعلون به..!!؟؟؟

29-حزيران-2009

وعول تحت القميص

12-حزيران-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow