Alef Logo
مقالات ألف
              

ما أحوجنا إلى استعمار ..

ماجدة سيدهم

خاص ألف

2010-12-27

اللوحة ريما سلمون ـ سورية

نفتح النافذة.. تتربص بوقاحة كتل الغبار.. يضيق المتسع يطارد الاختناق ، نغلق النافذة ، قد نكرر المحاولة ونفتحها ، تذرينا شطحات الضباب المنتصب، نغرق في دوامات العمى الكثيف، نتعثر... نتكالب فوق ضجيجنا ونسقط تباعا ،لا تنفس ..لا رؤية، فلنغلق النوافذ إذا ولنصنع ثقبا في جدر الصمم ، ربما يتسرب لأوهامنا بعض من جلبة أو همهمة أو ما شابة، وربما ننتبه ونفطن عوضا عن أن نجذب أطراف اللامبلاة و نغط في نوم عسلي عتيد وشخير متجذر لا بأس به – كلما ألقيت بنفسي آسفة في تهلكة شتى أنواع التراكمات المعتقة بين أروقة وردهات ودواليب صحفنا اليومية المكتظة أوراقا و أخبارا وأحداثا وإثارة ونفاقا وتناقضا وأمام هذا الكم من القضايا والغضب والنقد والاحتفاليات والمواجهات والتكريمات والندوات ومؤتمرات والتوصيات والاستهجان و الحماس، هتافات هتافات وكأن العالم سيتحول إلى أنقاض الآن وستفور لتوها ثورة الإصلاح المرتجى -اشعر بهراوة حاذقة تدق رأسي المنهك لفرط لهيب سوط الوجع اليومي بينما جمر السخرية ينسكب فوق جروح الأحلام المبتورة ، الكل يصيح في وجه الأخر ،هذا ينقد وذلك يطالب وهذا يكشف ويندد وهذا يتهكم وينذر وهناك من آثر الصمت ، ما يترك احدهم نأمة إلاّ ويفتش أبعادها ، باتت فوضى الشارع فاضحة جدا ،لتجد نفسك بين هذا الكم من الزحام وتكدس الثرثرات أمام سؤال يفرض نفسه دونما تفكير- ماالذي يحدث على وجه التحديد "هو فيه ايه.".!! فما نقرأه ونعانيه من عشرات السنوات نقرأه ونعايشه اليوم وغدا دونما تغيير يطرأ، فقط ما زاد هو التفاقم وانفلات ضبط المشكلة، أتذكر هنا مقولته الصائبة الدكتور ميلاد حنا في لقاء معه قبل سنوات كثيرة حين قال مهموما بحال الوطن " نحن فقط نمارس حق الزن " أي قل ما يحلو لك وافعل ما يروق لك فلن يسمعك احد، وهو ما يفسر ما بلغناه من فوضى و عشوائية بلا ضوابط أو نمط يحدد لها شكلا حتى لو كان هوجائيا ليشار إلينا اليوم أننا محض ظاهرة صوتية –أي وعلى نهج المقولة الشهيرة "أنا أصيح إذا أنا موجود " أو بمعنى آخر لا نمثل فعلا حقيقيا أو موقفا مؤثرا في لجة الحدث، إذ نحن لا نشكل أكثر من ردة فعل تبدأ صاخبة ومندفعة جدا لكن سريعا ما تهبط وتبرد جذوتها بل وتتلاشى أصداؤها تماما لذا لم أتعجب من ذات النهار حين هاتفني صديق لي معقبا بما جاء بمقالي "ارفض هذا الإله" انه يحمل الكثير من الكلمات والتعبيرات التي لا يحتملها العقل العربي - وكان من المناسب التخفيف من حدتها للاستيعاب
وتساءلت ، أين العقل العربي..! وأي من القضايا والأطروحات والآراء والأفكار المختلفة وأية لغة وحوار ومفاهيم ورؤى لا يحتمل استيعابها العقل العربي – أي نضج لم نبلغه بعد لنتعامل مع عقولنا معاملة العقل الرضيع ، وأية ثقافة وفكر ورؤيا يقترفها العالم النشط لنقف إزاءها مشدوهين بينما نهرع لنغط في تحفظات ومخاوف وتفاسير وكبرياء خشية الاستفاقة من غفلات لذيذة أو لنتصلب بحكمتنا وهلم نتعارك مع أنفسنا فماذا نحن فاعلون بكل هذا الوقت الكثير ، تذكرت طرفة ولها مدلولها أيضا ، ذهب احد العلماء لشراء عقل بشري لإجراء أبحاثة الخاصة وهناك عرض علية العديد من العقول البشرية مختلفة الجنسيات ومتفاوتة الأسعار، هذا عقل ألماني وليكن مائة ألف دولار ، والأميركي 200 ألف دولار .. وهكذا حتى جاء سعر العقل العربي بأغلى الأثمان ولما استفسر العالم متعجبا عن هذا السعر الباهظ إجابة الأخير "انه عقل عربي لم يعمل من قبل عقل ع الزيرو -" وأعاود لحيرتي السؤال ذاته .. ما لذي يمكن ونطرحه ونتناوله من أطروحات ليستقبله العقل العربي بالهتاف والإشادة والتصفيق الحاد دونما الاقتراب من مناطق إثارة التفكير هل تستوعب عقولنا مثلا ما يحدث من انتهاكات مخجلة على امتداد أبعاده المترامية من ماء محيطه وحتى نفط خليجه وكما يحدث في السودان مثلا لتتعرض فتاة للجلد على مرأى من جثث المتفرجين وضحك القائمين بالتنفيذ – أم صرنا نعاني من الأوجاع النفسية والبلادة الإنسانية لفرط غياب العقل والفكر والجمال ما يدفعنا إلى التهام شهوتنا الوضيعة لقرع الكؤوس في حلبات المصارعة الوحشية والعودة إلي زمن العصور للعصور الرومانية والوثنية ،هي شهوة التلذذ بألم الآخرين والاستمتاع بالتخريب ، كم هو مستفز جدا قبح تلك الأخبار المهينة والتي باتت معلنة و بلا خجل بتنا أدوات في يد الحماقة بل وتترد تلك الإخبار في أكثر من قطر ،كيف يقبل ويهضم العقل العربي هذا الكم من التردي والتخلف والجهل والفساد والرشاوى والقهر والكذب والرياء والعنف والانكسار والخوف والتهميش والازدواجية المفرطة تحت ساتر كل الشعارات الوهمية ذات التأثير المدمر لبسطاء الفهم ولكل حلم صاعد فلم يعد غريبا أن نرى ونسمع من يقاوم ويهدد ويصرخ ويبكي مفتعلا الالتزام والأصولية وعدم التعامل مع كل ما هو شيطاني دخيل - بينما يقف آخر بزيه العربي مفتخرا بجوار أغلى شجرة ميلاد أعدت في بهو إحدى القصور العربية أو يجول متنقلا بين زهو فنادق وبارات مدن الضباب ، وبينما تتناسل الآراء والفتاوى والخوف من كل محسنات الحياة وبينما يزداد جهرا الهلع من مفردة الأنثى يتصاعد النهم في الخفاء والشره بالجنس و في أحط صوره فضلا عن التكالب المريع وراء القراءات والأفلام الجنسية -غير أنه ومن الملاحظ تراجع الانغماس في وهده القدر والغيب كما زى قبل وهو ما يؤكد على فشل الخطاب الديني في تقديم إجابات سعيدة لهذا العقل العربي المشتت ومادامت الفوضى نهجا عشوائيا فلتكثر إذا الاضطرابات واختلاق الإزعاجات والانشقاقات مع أنفسنا ومع كل آخر ، كنت أفكر هكذا حينما بادرني سائق التاكسي الذي يقلني لمقصدي – وكان لفرط اختناقه يسب يمينا ويلعن يسارا وراح يسرد غضبه واقتراحه: " إحنا محتاجين جدا لاستعمار هو دا اللي ها يفوقنا ، إحنا بنخبط في بعض والحكومات تلعب بنا وتهزأ منا، نحتاج استعمارا يحررنا من الاستعمار الملازم دواخلنا واللي سيطر على حياتنا وسمم عقولنا وأفكارنا - الاستعمار في صحوة فجائية يزيل كل الفوارق الطبقية والدينية والتو صيفية والجغرافية و..– الاستعمار سيدفع بنا أن نبحث بالجدية عن أنفسنا وسنعيد اكتشاف قدراتنا وهويتنا وسيصنع بداخلنا أمواج غيرة وجمال وانتماء وتفكير وحب وثقافة وإنسانية ودونما تردد سنلتحم معا بقوة واشتياق صادق – سنتخلى بسهولة جدا عن التفاهات والصغائر وسنعرف كم كنا حمقى حين أنصتنا كثيرا لصوت الجهل ، مع الاستعمار سيكون هناك هدف واحد وقضية واضحة ورؤية محددة وحلم لامناص من تحقيقه وستكرس من اجله كل الأهداف وبه ننصت لصوت العقل والضمير دونما تنازع ، الاستعمار يوحد الشعب ويصنع ملحمة إنسانية نبيلة تطهر رتابة التاريخ وما ندسه عوجا بين سطور كتب التلاميذ، الاستعمار الجاثم على أرواحنا يقطن بالداخل هذا ما يجب أن نتتحرر ونناضل من اجل استقلالنا عنه ، الاستعمار يفجر طاقات الإبداع المتراكم والمغشي عليه لفرط اليأس ، الاستعمار ...و...و.." تركته يغط في حلمه ومشروعه العربي الجديد ، هل يمكن أن نصل إلى حالة من اليأس التام ونردد تباعا :لنأخذ الحكمة من أفواه المتألمين ..؟!

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الروح يمكنها أن تتألق في الصلاة أو البار أو عند المضاجعة 1/ 4

09-تشرين الثاني-2019

قد نرحل يا صديقي

22-كانون الأول-2018

نساء بلا حيض

09-حزيران-2018

انطلقت الشحرورة وما غرب الصباح

10-أيلول-2016

نصان

16-تموز-2016

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow