الكرسي العربيُّ، أغلى من الدم العربي
خاص ألف
2011-03-11
أثناء ثورة تونس، كنتُ أنظر حولي لأترقَّب ردّةَ فعل زعماء العرب حيال ما يحدث هناك من ثورة شعب أصرّ على الحياة، ودماء شهداء ظلت تُراق على مدى ثمانية وعشرين يومًا، قبل أن يفرّ الرئيسُ، غير المرغوب فيه، إلى السعودية، تاركًا بلاده تستعيد، على مهلٍ، خضارها الذي ظلَّ حاكمُها يستنزفه عقودًا. ثم سرتِ النارُ حثيثةً في فتيل الغضب الهادر من تونس إلى مصر، إلى اليمن، فالبحرين، فالأردن، فالسعودية، ثم إلى ليبيا، ومازال الخيطُ يجري بناره الغاضبة من بلدٍ عربي إلى بلد عربي، حتى، بإذن الله، تتطهّر تلك البقعةُ المثقلَة بمشاكلها وطغاتها ولا ديمقراطيتها، والمغبونة بدساتيرها العنصرية العجيبة، التي تُفصّل تفصيلا لكي "يتأبَّد" الحاكمُ على قلب محكوميه؛ حتى يوافيه الأجلُ، أو يوافيهم.
استقرتِ النارُ بعض الوقت في مصرَ الطيبة، حتى أجهزت على رأس العلّة في ثمانية عشر يومًا، ومازال التطهيرُ جاريًا في دُرّة الشرق، حتى تستعيد صفاءً يليق بها. وتعثّر خيطُ النار بعض الوقت في اليمن والبحرين والأردن، لكنه لم ينطفئ بعد، ولن ينطفئَ بإذن الله حتى يأتي ثمارَه. لكنه أُطفئ بحسم، وديست جذوتُه في سورية، لأن خيطَ النار كان واهيًا، ومُطفئوه قابضين على زناد الماء بقوة، لكن رجاءنا في الله لا ينطفئ. أما في ليبيا فقد تحوّل خيطُ النار بركانًا هادرًا، أوشك بإذن الله، أن يأتي على هيكل الجبروت والجنون الذي سجّلته عيونُ العالم وهي مفتوحة على اتساعها دهشةً وعجبًا. ولم أتوقف يومًا، منذ بداية هذا العام التطهّري العجيب 2011، عن مراقبة الحكّام العرب تحديدًا. سمعتُ دقاتِ قلوبهم تنتفضُ هلعًا، في الليل سرًّا تحت الأغطية الكثيفة. لكن في النهار، كان المُعلَن يكتبه عرّابوهم، مثل رجال الحزب الوطني عندنا وكتّاب الصحب القومية من أهل الثقة والحظوة: "مصرُ ليست مثل تونس." "ما يحدث هناك لن يحدث هنا." وانطلق رجال الدين (من الجانبين) يحذرون من المشاركة في الثورة، بل ويحرّمونها(!) بوصفها "انشقاقًا على الحاكم" على عكس ما يريد الله ويرضى! لأن الانتفاضات رجسٌ من عمل الشيطان وشَقٌ لعصا الطاعة الواجبة منّا، نحن الرعية، نحو أولي الأمر منّا، من الحكّام ممن تتوجب طاعتهم. وأدرتُ بصري أتفحّصُ وجوه الزعماء العرب. لم أسمع من أحدهم لومًا لصاحبه الحاكم الواقع في آلة التطهير: أنْ ارحلْ ودعْ شعبَك يحيا!" أبدًا لم يقلها زعيم عربي واحد. لم يفكر رئيسُنا السابق مبارك، وهو مستقرٌّ على كرسيه، ولا فكر زملاؤه الرؤساء العرب، أن يعاتبوا "زين العابدين بن علي" على تمسكّه العبثي بالكرسي، بينما دمُ شعبه ينزف. بالضبط مثلما لم يحثّ أحدُ زعماء العرب رئيسَنا أن يرحل طوال ثمانية عشر يومًا، سقط خلالها 400 شهيدًا مصريًّا وآلافٌ فقئَت عيونهم برصاص القناصة. تمامًا كما يحدث الآن، يلتزم الحكامُ العرب الصمتَ المريبَ حيال طاغية ليبيا وهو يقصفُ شعبَه الأعزلَ بالطائرات والمدرعات الثقيلة! لكن شيوخَنا الأجلاّء خرجوا ينددون بما يفعله القذافي في شعبه، بل وأهدر بعضهم دمَه جهارًا! هم ذاتهم من حضّونا على عدم التظاهر ضد مبارك، ملوّحين لنا بعذاب النار، ولم يهدروا دمَ مبارك ولا حبيب العادلي على تقتيلهم أبناءنا!
أعلم صعوبةَ موقف الحكام العرب, وأقدّر ارتجافَ قلوبهم هلعًا؛ لأن الساعةَ أوشكت على عروشهم أن تُقضُّ عما قريب. لكنني لا أملك نفسي من الحَزَن والقنوط من فكرة العروبة والقومية في مجملها؛ حين أرى بجلاء أن كل التحذيرات لرؤسائنا، بأن يرحلوا نزولاً على رغبات شعوبهم، وحقنًا لدمائهم، كانت، وستظلّ، تأتي، للأسف، من الغَرب "الغُرباء"، لا من أهلنا أبناء العروبة والعمومة والخئولة والقومية و"الوطن الواحد بالمصير الواحد من المحيط إلى الخليج"! فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وعديد من دول أوروبا، عطفًا على أمريكا، جميعها حثّت مبارك على الرحيل وهددت باتخاذ اللازم حال التباطؤ. وصمت العربُ! أتساءل: هل يخافُ الغربُ "الكافر" على دماء شعوبنا، فيما يهون دمُنا ويرخص على أشقائنا أبناء العروبة والإسلام؟ هل عليّ أن أذكّرَ الحكامَ العرب بما قاله سلفُهم الصالحُ الملك فيصل أثناء حرب 73؟ حينما قطع البترول عن الدول الداعمة إسرائيل قائلا: "النفطُ العربيُّ ليس أغلى من الدم العربي!" فهل أتى على العرب حينٌ من الدهر، يصبح فيه "الكرسي العربي الحاكم"، أغلى من الدم العربي المُراق؟ بالأمس أرسلت أسبانيا طائراتها لنقل المصريين من ليبيا إلى مصر. وأسأل نفسي: لماذا هي طائراتٌ أسبانيّة؟! لماذا ليست هي طائراتٍ عربية؟ أعرف أنكم تعرفون مثلما أعرفُ الإجابةَ الحزينة المخجلة. لذلك أسألكم: أمازال منكم من يحدّثني عن وهمٍ أغرقنا فيه الرئيسُ جمال عبد الناصر اسمه: القومية العربية؟
عن المصري اليوم خاص ألف الكترونيا
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |