Alef Logo
يوميات
              

عاجبكوا كده؟!

فاطمة ناعوت

2011-05-10

هل تذكرون مقالاً نشره الأهرام (في العهد القديم) قال فيه كاتبُه كلامًا ظريفًا عن "تدليل" أقباط مصر(!) وأنهم يتمتعون بأكبر قدر من "الرفاهية" من بين أقليات العالم؟ طيب، إليكم ما يلي لنُعاين معًا هذا التدليل وتلك الرفاهية، كما يراها العالم من حولنا. ذاك أن العينَ البعيدة ترى على نحو أكثر حيادية، ودون حسابات، قد تعطّل عملية التبصّر النقيّ.
صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية نقلت تقرير لجنة "الحريّات الدينية" السنوي الذي صدر الخميس الماضي بالكونجرس، ويتهم مصر باضطهاد المسيحيين والأقليات من مختلف الطوائف غير الإسلامية، وحتى الإسلامية غير السُّنية. واضعًا مصرَ العظيمة على القائمة السوداء للدول التي تُسيء للحريات بصورة روتينية، إلى جوار السعودية وإيران والسودان وآريتريا، تلك الدول التي تمارس "انتهاكات منهجية ومستمرة للحريات الدينية". وهو ما قد يؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية على مصر. وذكرت اللجنةُ أن تلك البلدان تضطهد الأقليات الدينية الرسمية ولا تلاحق المشتبه فيهم ممن تورطوا في ارتكاب جرائم ذات دوافع دينية. وذكرت الصحيفةُ أن مصر، التي تتلقى نحو 1.5 مليار دولار سنويًّا كمساعدات من الولايات المتحدة، هي البلد الوحيد الذي انتقل من قائمة "المراقبة" إلى قائمة الدول التي "تثير قلقًا خاصًّا" في تقرير هذا العام. ولاحظت اللجنة أن الهجمات على الأقليات الدينية، وخاصة ضد المسيحيين الأرثوذكس "لا يزال مرتفعًا"، حتى بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس مبارك في فبراير. وأن "في مصر انتهاكاتٍ جسيمةً للحرية الدينية تشارك فيها الحكومة أو تتغاضى عنها. وتلك الانتهاكات تشمل العنف، بما في ذلك القتل، وتتصاعد ضد المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى". وأضافت "أن الفشل المصري في محاكمة المتهمين استمر في ظل الحكم العسكري الذي حل محل حكم مبارك. وأن الحكومة المصرية لم تتحرك حتى الآن لمواجهة أحداث العنف الطائفي. فاحترام الحكومة المصرية للحريات الدينية لا يزال ضعيفًا وأن الأقليات الدينية مثل المسيحيين والبهائيين يواجِهون تمييزًا فرديًّا وجماعيًّا، خاصة في الوظائف الحكومية وحرية بناء أو ترميم دور العبادة." كما ذكر التقرير أن السفيرة الأمريكية بالقاهرة، وعدد من أعضاء الكونجرس، عبروا للمسئولين المصريين عن قلقهم البالغ تجاه التعصب الديني، وجلسات الصلح التي تمنع وصول الجناة للمحاكمة." وطبعًا ظهر هذا التقرير قبل معرفة العالم بجريمة كرداسة البشعة التي راحت ضحيتها السيدة سلوى عادل التي قتلها أشقاؤها هي وطفلها لإشهارها إسلامها! وهي خسيسةٌ أخرى تضيف خطًّا أسودَ جديدًا لصفحتنا المصرية!
عاجبكوا كده!؟
وأشارت وزيرة الخارجية الأمريكية إلى أن: "الحرية الدينية حقٌّ أساسيّ من حقوق الإنسان وعنصرٌ أساسي في أي مجتمع مستقر ومسالم ومزدهر". وأقول لها إن القرآن قالها في سورة "الكهف"، قبل حقوق الإنسان: "وقُلِ الحقُّ من ربِّكم، مَن شاء فليؤمن، ومَن شاء فليكفر." لكن بعض الناس يعطون لأنفسهم حقًّا، لم يمنحهم اللهُ إياه، فيقومون بدور ظِلِّ الله على الأرض، صانعين من أنفسهم أوثانًا تُضحك علينا العالم، وتروّع الآمنين بأمر الله تعالى. أقصد أن أمانهم هو أمرُ الله، لكن ترويعهم بأمر الإنسان! هذا عجيب!
هل هذه هي روح الثورة التي خسرنا فيها مئاتٍ من أنجبِ شباب مصر؟ هل هذه هي مصرُ التي حلمنا بها، ومن أجلها ضحينا بدمائنا وعيوننا التي فقأتها رصاصاتُ القنّاصة؟ هل هذه مصرُ الحرّةُ المدنيةُ التي كتبنا من أجلها مئات المقالات والقصائد، ووقفنا في سبيلها آلاف الوقفات الاحتجاجية لكي ننتزعها من بين أنياب الفاشيين الطغاة الذين استنزفوا خيرَها وجمالَها وتحضّرَها عقودًا إثر عقود؟ وهل هذه هي مصر الليبرالية التي لم تعرف الفرقة الإثنية عبر تاريخها القديم، وحتى الأمس القريب في بدايات القرن الماضي (المتحضّر) الذي سمح بكل محبة وسعة صدر أن يكتب كاتبٌ مقالاً عنوانه "لماذا أنا ملحد"، فيرد عليه كاتبٌ آخر، بكل هدوء، بمقال عنوانه "لماذا أنا مؤمن" دون أن يُهرقَ أحدُهما دمَ الآخر، ودون أن يخرج علينا "شيخٌ" بفتوى تُبيح دمَ هذا أو ذاك؟ هل هذه هي مصرُ كاتبةُ أول كلمة في كتاب التاريخ منذ خمسين قرنًا، لتعلّم البشريةَ العمارةَ والنحتَ والفَلك والطبَّ والتحنيط والشِّعر والموسيقى والفنَّ التشكيلي والحضارةَ والمدنية والاستنارة والتعليمَ والفلسفة والسياسةَ، وقبل كل هذا وذاك، تعلّمهم التوحيد، وقت كانت الأمم الأخرى ترفل في الجهالة والهمجية وتحبو خطواتِها المتعثرةَ الأولى نحو الإنسانية والتحضر؟ هل هذه هي مصر 2011 التي أذهلتِ العالمَ بثورة شعبها العظيم، ورُقيّه وتحضّره في فن صناعة الثورات؟ هل هذه هي مصر التي خرج مسلموها يوم 7 يناير الماضي ليصنعوا بأجسادهم حائطًا بشريًّا نبيلاً يحمي كنائس إخوتهم المسيحيين وهم يصلّون صلاة الميلاد؟ والتي صنع المسيحيون، في جُمَع الثورة المتوالية، من أجسادهم سياجًا بشريًّا منيعًا يحيط بالمسلمين ويحميهم من غدر القنّاصة وهم يؤدون صلاة الجمعة في ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى؟
في مقال قادم سأهدي بعض القصص من الحياة لمن يعاتبونني على مناصرة الأقباط، التي هي قضية وطن لا قضية فئة، زاعمين أنهم "مدللون" في مصر، يا لها من كلمة! كأنما العيونُ لا ترى والآذانُ لا تسمع، والقلوبُ لا تخفق، والأرواحُ لا تشعر بالذنب! ثم ندّعي التديّنَ والورعَ ومحبة الله ومخافته! ولست أدري بأي وجه سنقابل اللهَ يومَ الدينونة! يومَ السؤال الصعب: هل شاهدتَ ظلمًا يقع على إنسان، ولم تسعَ لرفعه؟

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يا الله، من رسم الخطوط حول الدول؟ ترجمة:

07-تشرين الأول-2017

«الشاعر» هاني عازر

20-تموز-2014

نوبل السلام لأقباط مصر

28-حزيران-2014

هنركب عجل

18-حزيران-2014

النور يعيد السيدة العجوز

11-حزيران-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow