Alef Logo
يوميات
              

الحب!!

عماد حسين أحمد

خاص ألف

2011-06-04

هي مغامرة حقاً.. مغامرة فكرية تستدعي محاكمة عقلية، أن تخوض معركة تعريف أو تفسير أو تشريح لجسد مفهومٍ غير مفهومٍ أساساً من طرف العقل، أليس العقل هو المحدد النهائي للمفاهيم ؟ هذا السؤال يقود إلى سؤال آخر: كم نسبة إعمال العقل في الحب مثلاً حتى نثق بحكمه على الحب على أنه مفهوم؟ سيكون الرد بالتأكيد: نسبة ضئيلة جداً أو ربما تكاد تكون معدومة، إذن، من الذي غامر بمنحه للعقل هذا القدر الهائل من الحرية ليقرر أن الحب مفهوم؟.. فالحب ليس مفهوماً( لغةً) كونه لا يُفهم أساساً.
أن تعيشَ حالة حبْ - أقصد الحب لا شيئاً شبيهاً آخر- ليس كأن تراقبه، أن ترى أحداً يبكي أمامك، ليس كأن تبكي أنتْ.. لذا، فالتنظير وفق المراقبة دون المعايشة، في حالة إنسانية حساسة جداً؛ هو ضرب من الغباء، وبناء صرح من الفراغ، وما على المنظّر في هذه الحالة إلا البحث عن وسيلة للبكاء، ليعلمَ في النهاية انه لا يمكن للبكاء أن يتحول إلى نظرية، خصوصاً إذا أخذنا بالفرضية القائلة: "إن العقل لا يستطيع أن يحدد إلا تاريخ نفسه" ، وحين يحدد تاريخ نفسه، لا نثق به أحياناً، رغم يقيننا بصدقه، فكيف نثق به وهو يحاول أن ينظّر لنا الدموع مثلاً؟.
الحب - كموضوع دراسة- هل هو موضوع؟ أمرٌ في غاية التعقيد؛ فهو لا يختلف من إنسان إلى آخر فحسب (أقولُ: إنسان وليس شيئاً شبيهاً آخر) بل يختلف من إنسان إلى نفسه أيضاً، وربما اعقد، أعقد بكثير..وكأنني أدعوكَ على نحو ما بعدم التحدث عنه أو وضعه في إطار من الألفاظ، كي لا تقع في الخطأ- كما وقعتُ فيه أنا الآن- فأنتَ لم تفهمه أصلاً حتى تعبّر عنه، ولن تفهمه!..لماذا ؟ لأنه ينبغي ألا يُفهم!، وإلا لتحوَّل إلى قانون ملزم، فيموت الحب.
يقولون لنا: الحبُ انفعال، والانفعال وقوع في الخطأ، أي أن الحبَّ خطأ.. يا الهي! ما أعظم هذا الخطأ!، ما أروعه!؛ لأنه أقرب الأخطاء إلى الصواب، بل هو الصواب دائماً، أليس من الخطأ أن تحكمَ على أمر لا يُفهم بأنه خطأ؟ تماماً، كما انه، أليس من الخطأ أيضاً أن أحكم أنا على الأمر نفسه بأنه صواب؟ أقولْ: الذي منحكَ الحق في أن تحكمَ الحكم الأول؛ هو نفسه الذي منحني الحق في أن احكمَ الحكم الثاني، وهو اللا فهم..ثم من نحن حتى نحكم؟... الحبُّ صواب دائماً؛ لأنه لا يُفهم أولاً، ولأنه رصيد مفتوح من المعايشة ثانياً، ولأن كل"إنسان" يرى حالته أكثر صدقاً وأكثر صفاءً وأكثر صواباً من حالة الآخر ثالثاً.
إذا سألتموني ما هو الحب؟ فأن ردّي سيكون بالتأكيد: الحب هو الحب وكفى، وقد أضيف كلمة أخرى عند الضرورة فقط وهي( الألم) ..ثم ماذا؟ هل لديكم أية إضافة؟ بالتأكيد لديكم، لكن ما نستطيع أن نتفق عليه نحن الجميع هو تعريف الحالة بنفسها مع إضافة كلمة الألم، أو قد نتفق في وسيلة أخرى وهي أن نندهش معاً جميعاً !، وما عدا ذلك، فلن يشكّل سوى فرضيات شخصية صرفة قد لا يتفق على صحتها اثنان أو ثلاث أو قد لا يتفق الشخص الواحد نفسه على صحة فرضيته...كيف لي مثلاً أن أثق بصحة فرضية أن الحبَّ انفعال والحبّ لا يُفهم أصلاً؟ أو فرضية أن الحبَّ غريزة-الجنس تحديداً-وأنا قد أشتهي دون أن أحب أو قد أحب دون أن أشتهي؟ أو فرضية أن الحب تملّك، وأنا فقدتُ كل ما كنتُ أملكه من ذاتي في هذا الذي يسمى حباً؟..أكادُ أجازف بالقول:إن الحبَّ لا يقبل التفكك؛ هو شبيهٌ بالدهشة، هلا عرّفتم لي ما هي الدهشة؟ .
شخصياً، كنتُ أفسّر الحب على أنه: جذبٌ لسبب ما "نجهله" ثم إضفاء قيم شخصية على ذات المحبوب؛ هذه القيم قد تكون غير موجودة في ذاته؛ لكنها تُضاف إليه بحكم الجذب، ثم تضخيم هذه القيم إلى حد قد يصل إلى العبودية؛ وهذا التضخيم ليس في الحقيقة سوى هالة يؤمن صاحبها على أنها حقيقة..أي: كأن نقول عن الحبيب إنه أرّقُ إنسان في العالم، أو إن ابتسامة واحدة من ابتساماته تكفي لتدوين فلسفة كاملة، أو إنه أصدق الناس جميعاً..الخ، نوصفه بما يشبه المطلق، الكمال، وعند الفشل، نزيل كل ما أضفناه من قيم لنزرع مكانها قيماً أخرى معاكسة تماماً...هي وجهة نظر قد تكون مقنعة، وقد تعمم أيضا، ًلكن ألا ترى في الأمر خدعة؟.. كأنني وقعتُ في مصيدة؛ فأنا لم أتكلّم عن الحب بل حاولتُ التكلّم عنه أولاً، وبدأتُ تفسيري بالجذب(بذرة الحب) الذي "نجهله" ثانياً، وأتممتُ بما يجري أثناء الحب وليس الحب ثالثاً..وكأن الحب "كمصدره" يريد أن يبقى سؤالاً لا إجابة ... فالحب سؤال؛ لأن الإجابات كلها تموت وتبقى الأسئلة وحدها خالدة، وما نحن إلا أسئلة تعيش في الأسئلة، في الافتراضات.
الزفرة، الشهقة، التأمل، الصمت، الذوبان، الدهشة؛ هي وسائل تعبّر عن الحب أكثر من أية نظرية أحادية الجانب..أنا لا أستطيع أن أثق بمبدأ التفكيك في الحب- كأن تقول انه تملّك وكفى-بقدر ما أثق بالزفرة كونها "كليّة"..بل قد أقول لك: كفى لكَ ولخطأك! فانكَ لو صمتَ لكنتَ أكثر صدقاً وأكثر تعبيراً.. قلْ للعقل: ابق قي تأريخك، لا تفترض؛ لأن جمالية الحب تكمن في لا فهمه .. قل للعقل:أنتَ نفسكَ فرضية، فكيف أثق بك وأنتَ تفترضُ في فرضية أخرى قد تفوق فهمك؟..
قل للعقل: مهلاً، ابق في حدود عدسة مجهرك؛ فأنتَ لم تؤت من العلم إلا قليلا...قل له: أنا لا أثق، فلا إجابات هنا، وحدها الأسئلة تبقى خالدة كمصدرها.. الخ الخ إلى آخر آخره...وأنتَ أيها القارئ، ما رأيك؟ هل كنتُ أتكلّمُ عن الحب؟..أنا نفسي لا أثقُ بما قلت..فهو ليس أكثر من فرضية..كما أنه لم يكن فهماً للحب وإنما فهماً لللا فهم فيه... فهل تثقُ بها أنت؟

عماد حسين أحمد

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سياسيون للعمل في الحقول!

03-تشرين الثاني-2013

شطحاتٌ في الدماء

20-آب-2011

الجَسدُ كَملاذٍ كَسَفرٍ في اللُغةْ

30-تموز-2011

إعلام التضليل وتضليل الإعلام

06-تموز-2011

ذاك أنا، وتلك أنتِ

12-حزيران-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow