Alef Logo
شعر معاصر
              

سهر الورد أو تجليات السهروردي في الورد والدم ــ

محمود السيد

2008-03-09


أوقفني في المدينة، فما رأيت مدينةً، ورأيت قبوراً شاهقة.
أوقفني في الإنسان، فما رأيت إنساناً، ورأيت رؤوساً تنتعلها الأحذية.

أوقفني في الأبجدية، فرأيت كل الحروف إلا الألف.
" يا عبد الحروف كلّها مرضى إلا الألف، أما ترى كل حرف مائل، أما ترى الألف قائماً غير مائل. إنمّا المرض الميل للسقام فلا تمل." -من المخاطبات للنفرّي.
1
تعال،
اخرج من دمك، من وجع جسدك، و ادخلني
أنا العاشقة الوردة،
أناديك لتمتلئ في نسغي.
هكذا
كما البنفسج يمتلئ بالصمت،
هكذا ...... كما الصمت يمتلئ بالضوء.
آه، ما أبلغه الصمت يسهر في الورد،
فيقوّض الخطابة و الكلام.
ما أبلغه الصمت يسهر في العشق،
مبتدئاً تلاوة النهار:
انهرْ جسدي لئلا يغويك الضجيج،
ثمّ اقرأني في الغضارة،
تعلّمني في الانخطاف.
سلّم نفسك للورد، فيحفظ دمك الورد:
لا تخف الظمأ فيحتلّك الرمل
لا تخف الجوع فيبتليك الخنوع.
لا تخف القتل فيذلّك القاتل.
و أعطِ جسدك للماء، يشربك الماء فيتدفّق
ماحياً صحارى العطش.
و أعطِ جسدكَ للتربة، تحتويك التربة،
فتنطق الأشجار لغة ثمارك.
أعطِ جسدك للنار،
فتبشّر النار بزمن يدخل فيه الفقراء الفرح.
أعطِ جسدكَ للوردة،
فأناديك حبيبي،
أستيقظ فيك، وأعلن على الملأ حضوري في حضورك.
نخرج من الكلام والفرار،
من الأبهة والاطمئنان،
و نبتدئ اللغة في الصمت،
نبتدئ الحياة بالموت.
في البذرة تتقدّمني بدمك،
في المطر أتقدّمك بدمي.
تحبنّي وأحبك ، ولا كلام يشوّش الوله بيني وبينك
ولا كلام يشوّه جسدينا.
/وفي التألّق جسدانا، لا في الدّم/
عالياًُ يرتفع بنا الزنبق الجبلي،
عالياً نرتفع بالسنابل،
ونركض في الأطفال رحابةً، لا حدود لتجليّات
المسرّة فيها.
تقول : يا حبيبتي،
فأنتقل من اللوز إلى طعم اللوز.
أنتقل من الورد إلى عبق الورد،
فتسهر بي.
يا سهر الورد على وجع النهار.
يا سهرَ النهار على العاشقة المحاصرة بكمائن
الجند.
ويا قاتلاً أسماؤه لا تحصى في الافتراس،
أنذرك بميلاد الصباح من الجرح،
العشّاق من الفواجع،
أنذرك بميلاد السوسن من البكاء،
والورد من الدّم.
(مرة واحدة يموت الجسد، وليس مرّة واحدة
ينبت الدم.
يسري فيتوحّد بالجذور.
وفي الجذور يتعلّم لغة الصمت فلا
يملّه الكلام،
يتعلّم لغة الفعل،
فلا يملّه الصمت)

الدّم ينبت في العشب، وتسلكه البراعم.
به يخرج الماء على الماء،
ليسكن التغيّر والتحول،
ولا تسكنه المرايا والطواويس.
لا وقت لديه للضجر، لا وقت للراحة،
لأنّه دائماً في الفصول، في لهفة من لم يصلْ
لأنّه دائماً في الينبوع، في لذّة من يعطي ولا ينقص،
من يأخذ ولا يزيد.
لأنه دائماً يهاجر من ذاته محتشداً، وينبثق في
الآخرين متفرّداً.
لأنه دائماً في الشوق،
ويخاف على شوقه من دهشة الوصول.......

2
تعال،
دمك الطريق إلى الورد.
وآن تتجّه إليّ، تتبرّأ من نفسك، فيسقط عنك
الظمأ، كل الظمأ.
آنَ تتقدّم تحتضنك العناقيد، يتصّل جرحك بجرحي
فلا تتعثّر .
آنَ تتقدّم يحتشد الليل ليصدّك عن التقدّم،
لا تخف
ما أن تبدأ حتى يخرج نور منك، يخافه الليل،
وعسكر الليل.
تعال،
قبلما تستبيك الغواية،
وفاجئني بك في النداوة تحت الشفة
وعلى اتسّاع التأهب في الجسد
فاجئني بأنك خرج الكلام،
خارج الصمت،
لأعرف فيك عاشقي.
فاجأني بأنك الطريق لي.
فاجأني بأني الطريق لك.
فاجئني بأنّ اشتياقك أعظم من أن يبرّده جسدي.
فاجئني بأنّ جسدي بين يديك يتحرّر كما في الحلم.
فاجئني بدمك في الورد،
فأتعلّم كيف بالورد تقوم لاستشهاد آخر وآخر،
وكيف بالشهادة يحتفل العشق.

أبشرّك بي،
فتبكي من فرح بالولادة.
تبشّرني بك،
فأشتهي اشتهاءً يليق بجسدك المتحرّر
من الجسد.
يتنفسّك دمي، فتبتكرني القبل،
شاسعةً، تحتفي بشساعتي الأيائل.
عالية، تتسلقني العصافير.
يتنفسني دمك،
فأنتقل إليك.
ما أجلّني وأنا أبزغ فيك بالجنون،
مبتدئة فيك النار والنهار،
مبتدئة الماء والفصول.
/ أقول لك: من لا يسهر في الورد،
يسهر في الرماد.
وليس في الرماد غير كلام،
والكلام من اللغة،
مثل الرماد من الجمر/
أقول لك:
قبلك كنت في الرماد.
كيف ضللّوني فما عرفتك قبل الآن؟
كيف أكلوا خبزي وأوهموني بالشبع؟
كيف تناهشوا لحمي وأتخموني بالغبار؟
كيف قصفوا أجنحتي،
كيف فصلوا بيني وبين دمي،
بين دمي وبين الورد،
بين الورد وبين العبق،
بين العبق وبين الضوء،
فهبط ليل ثقيل
انهزمت منه اللغة
وساد الكلام
كيف؟
أقول لك:
قبلك كنت في الكلام، فيك أستعيد اللغة.
/ في اللغة الجسد خارج الجسد /
في اللغة أتوّحد بك، بأقنوم النهار، ضدّ أقاليم الليل.
هل تعرفني الآن؟
أنا الآن لست أنا إلا بك،
عاريةً بلا خجل أطوّق
جسدك بالاشتهاء.
هذا الضيّق جسدي، كم هو رحب ولهاثك يستحّم فيه.
ألا فلتجهر بأني رحابة اشتهائك،
ألا فلأجهر بأنّك رحابة اشتهائي.
وقبلّني تستعد اللغة بكارتها،
يسقط الكلام، وفحش الاحتشام.

3
يقول الورد:
يسهر بي الدم.
أتمتم باسمك فيلتفت الورد،
يلتفت وَلَهُ الماء،
وإشراق العشب.
تتمتم باسمي،
فتلتفت اللغة في الثمار،
الشهوة في الجذور،
وتلتفت الزنابق.
/ ويحدث أن ألتفت فأراني بك،
ويحدث أن تلتفت فتراك بي/
وأحبّك لأمك لا تندغم بي وتعرف لذّة التفرّد.
وتحبني لأني أعلن العصيان عليك ، وأقيم بيني
وبينك التناقض.
أخلع جسدك عنك، وأزينّك بجسدي، فلا تسقط،
وفرحاً نرتفع.
بك أنتصر على إقليمية جسدي، وأُسرّ،
ومن فرط دهشتي بي، تراني
أحلّق في جسدك.
فهذا الكوكب ضيق على طيراني.

كيف أنام فيك ولا يؤرّقني نداؤك لي؟
كيف تنام فيّ ولا يؤرّقك ندائي لك؟
كيف؟
كيف أسهر فيك ، ويشغلني عنك شوقي إليك،
كيف تسهر فيّ، ويشغلك عني شوقك لي،
كيف؟
كيف أكون الوردة وتكون العبق،
وليس من يعرف أينا الوردة وأينّا العبق،
كيف؟
كيف تستيقظ فيّ، وأستيقظ فيك، ونظّل في الحلم:
يقطفني فمك، فأتدفق بالثمر،
تشربني، فأنبثق بالينابيع.
تتنزّه بي،
فأزدحم بالحدائق،
بالأطفال والعصافير.
تقبّلني،
فيلبسني البنفسج، وأستبدل جسدي بالأغاني.

4
من فرحك بأنك تُقْتَلُ وأنت بياض العشق،
إبتدأ الفرح.
وأينما ارتفع شهيد، سقط عني الحزن.
ولفرط
ما فرحت بحزني،
اختلطت الشهادة بالولادة، والولادة بالشهادة.
حزنت بفرحي،
وفرحت بحزني.
أليس جميلاً فرح الحزن؟ وحزن الفرح؟
وجميلاً أن أرى دمك يبرعم في الورد،
ووجهك يتأرّج فيه الصباح،
ماحياً كل مسافة للموت بيني وبينك.

وفي عزّة البكاء على نفسي، أدخل إليك من باب
الكتابة،
ألست الطريق؟
كيف أجتاز طريقك إليك؟
واللغة تبهرني،
والجسد يخاف بي.
كيف أجتاز طريقك إليّ؟
والكلام يحاصرني، ويحجبني عنّي الكلام.
أفرح من فرحك، وأبكي حزناً علي.
كيف ألتقيك، وأنا أنا، تأخذني جاذبيّتي،
أنحني للملك، وأوّد لو أصفعه،
أقول نعم ، وأريدها لا،
ومع الجيوش أنهزم ، وأقول انتصرت.
ومع الشعوب، تحتلّني جيوشي، وأقول تحرّرت.
ومع الفقراء أحلم بالخبز، وأقول شبعت.
ومع قاتلي أتآلف، وأسكن الظل من الخنجر.
/ها أني تأهبّت، أيها القاتل،
فأنجز بي القتل،
اقتلني، واحذرني، خارج
جسدي/
....................
تحرّرت من جاذبيتي،
فتعال نرقص.
صرت فرحاً بلا جسم، فتلّمسني بإيقاع جسمك.
هل تسمع ندائي؟
/من يسمعني يرني/:
تشبهني ذاتي،
ولست ذاتي.
يشبهني جسدي، ولست جسدي،
تشبهني اللغة،
ولست اللغة.
يشبهني الاعتراف، ولست الاعتراف...
( أخجل من قوّتي إذا قُتِلْتُ، وأخجل أكثر لو أني قَتَلتُ)[1]
كيف للنبع أن يكون النبع، وهو يرجم الماء؟!
كيف للماء أن يكون الماء، وهو يرجم النبع؟!
/أوقفني بين الماء والنار وقال:
لا تخرج، فإذا حرجت قُتلت، لا تدخل
فإذا دخلت قَتلت. وتعلّم من الماء
لغة النار، وتعلّم من النار لغة
الماء. ثاقفْهما حتى الماء يصير
ناراً، والنار ماء، ثمّ من جسدك
اخرج. فإذا قيل لك: كيف نجوت؟
فهذا هو القاتل. وإذا قيل لك:
كيف رأيت؟ فهذا هو المقتول.
قبّلْ الأول حتّى يموت، واصلب
الثاني حتى يقوم/

5
ها أنت،
وها أنا
قتلوك فأظهروك لي. فأنت الداخل، وأنا الخارج،
النسغ والشجرة.
هل قتلوكَ حقّاً ؟
أم شبّه لهم؟
أيها الحي، يا سهرنا في الدّم.
وسهر الدّم في الورد.
أيّها القيوم في اللغة،
الخارج على سلطة الكلام، وسلطة الموت.
هل أشهد على حضورك؟
ومن يشهد على حضور الآخر، النسغ على الشجرة أم الشجرة على النسغ؟
وهل للقاتل أن يفصل بين النسغ والشجرة؟
قُم أيها السهر العظيم في العشق العظيم.
قُم ولأقتل فيك ، لأصل إليك.
ألا يُذبح العنقود، لتخرج البذرة وتعود للتربة؟
ألا تموت الثمرة، لتحرّر البذرة؟
حرّرني من الثمرة لأكون في البذرة.
حرّرني من الجسد لأكون في التألّق.
حرّرني من الدّم لأكون في الورد.
حرّرني من الورد
لأكون في الإشراق.
في إشراق اللغة، التي هي الولادة.

ودائماً الإشراق ولادة، والولادة إشراق.
نهار في الداخل،
وسط ظلام الخارج.
شمسٌ تمحو جدران السجن، تمحو المسافة بيني وبينك
تحملني اللغة لعناقك،
تبتكرني لأليق بك،
فأرتفع بالنشوة إلى حيث تضيئني بفرحك بي.
يشبه فرحك بي ابتهاج الأشجار ببواكير الثمر.
يُشبه بي الأطفال في الفرح،
العصافير في الرحابة.
يشبه فرحي
لأني أولد بين يديك،
خارج جسدي القشر،
الذي هو للجلاد
( الذين حضورهم في قشورهم يخافون على أجسامهم)
محوت التراجع لئلا أكون إلا في التقدّم.
( ألم تمح دمك، لئلاّ تكون إلا في الإشراق)
أتدفّق فيك من كلّ الجهات.
ثمّ أخرج منك،
لتتدّفق بي،
وبي تسهر في العشّاق القائمين على ولادة الصباح.
أليس بك الخروج من الخوف؟
(أليس الخوف حالة من حالات الموت الذليل؟)
ألا فلنشتعل بسهر لا ينطفئ،
ومزيداً من الغبطة بالجرح.
مزيداً من الفرح،
لنكون.
أليس بالفرح تتغضّر البذرة وينبثق التبرعم؟
أليس بالفرح يرتعش الغصن، وتطفو نشوة الزهر؟
أليس بالفرح يتسلّق الماء جسد الشمس،
جسد البراري،
ويستبرق في الصهيل؟
أليس بالفرح
تعبر الطيور مسافات الليل
إلى مسافات
النهار؟
أليس بالفرح يبدأ الضوء نقطة في القلب،
نقطة في الوجع،
نقطة في ظلام الارض؟
وتتسّع
لينهزم الليل أمام النهار،
الرمل أمام الغابة،
الجراد أمام العصافير.
كيف نصل نقطة الفرح؟
يقول:
نقطة الفرح تصلها نقطة الدّم،
نقطة بنقطة.
/ أوقفني في الرماد وقال:
كان الرماد جمراً، وليس
الجمر من رماد.
الجمر من القلب،
اللغة من القلب.
الكلام من الرماد.
وحين يسود الكلام، يسود الرماد، ويبدأ التابوت./

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سهر الورد أو تجليات السهروردي في الورد والدم 2

23-أيار-2008

سهر الورد أو تجليات السهروردي في الورد والدم 2

23-آذار-2008

سهر الورد أو تجليات السهروردي في الورد والدم ــ

09-آذار-2008

قصائد مضادة للشعر

09-نيسان-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow