Alef Logo
المرصد الصحفي
              

اللیل السوري الطویل

الياس خوري

2011-09-23

بعد أكثر من ستة أشهر على اندلاع الثورة السورية، وبعد سيل التضحيات التي قدمها ابناء الشعب السوري وبناته، لا بد من أن نطرح السؤال المؤجل على القوى السياسية السورية المعارضة.
وسؤالي ينطلق من حقيقة يعرفها الجميع، وهي أن الثورة السورية كغيرها من ثورات الشعوب العربية لم تكن نتيجة عمل تراكمي قامت به احزاب المعارضة. فهذه الأحزاب ومعها الشخصيات الثقافية المستقلة فوجئت بالثورة مثلما فوجئ بها نظام الاستبداد. الثورة جاءت من وعي تشكّل في مكان عميق من العقل والوجدان الشعبيين، وهو مكان لم يعد قادرا على تحمّل او فهم دواعي استمرار الاستبداد المستفحل منذ اربعة عقود. لا يمت هذا المكان بصلة الى نوع النقاشات السياسية التي احترفتها الأنظمة ونجحت في جر المعارضات اليها، وهي نقاشات تتناسى استباحة كرامة الإنسان، وتدعي أنه لا بد من استمرار الاستبداد كي لا تنهار الممانعة، او كي لا تقفز التيارات الأصولية التكفيرية الى السلطة، او تفاديا لحرب أهلية طائفية.
شباب الثورات العربية ذهبوا الى الأسئلة الأولى، وجعلوا من بديهيات الحياة شعارات لثورتهم، بدأوا بالحرية و الكرامة، و أعلنوا أن الاستبداد الذي خنق المجتمعات و حطمها، يجب أن يتهاوى، كشرط اولي من أجل أن يبدأ النقاش حول المستقبل.
لكن الثورات العربية لم تأتِ من الفراغ، فتضحيات اجيال من المثقفين والمعارضين، وشجاعة الذين قاوموا البغي والطغيان وهم يواجهون القتل والسجون والمنافي شكلت الخلفية التي بنى عليها جيل جديد من المناضلين افق الحرية الذي تعمد بالدم.
يشير هذا الواقع الى حقيقة لا بد من الاعتراف بها، هي وجود فراغ سياسي كبير لا تستطيع المؤتمرات التي تعقد في الخارج او الداخل، والمجالس التي تشكل على عجل تعبئته. فواقع الحركة السياسية يشير إلى أن أحزاب المعارضة وقواها، في الخارج والداخل، لا تستطيع أن تتصدى لقيادة تحرك شعبي هو عبارة عن انفجار اجتماعي لا سابق له.
فهذه الاحزاب والقوى، نتيجة القمع الوحشي الذي تعرضت له خلال عقود، ليست مؤهلة لقيادة هذا النوع من التحرك، كما أنها لا تمتلك الادوات الفكرية او التنظيمية لقيادة ثورة شعبية تتعرض لأبشع وسائل القمع واكثرها همجية.
من جهة اخرى افرزت الثورة السورية شكلها التنظيمي الخاص بها، الذي اطلق عليه المناضلون والمناضلات اسم التنسيقيات. وعلى الرغم من أن هذا الشكل التنظيمي يبدو غير واضح الملامح، بالنسبة للمراقبين والمتابعين والمتعاطفين عن بعد، غير أن هذا الشكل التنظيمي الجماهيري، اثبت قدرته على قيادة التحرك وتنظيم المظاهرات في أصعب الظروف التي يمكن لأي ثورة شعبية أن تمر بها.
ما تشهده سورية ليس قمعا، بل هو مسلسل كابوسي لا سابق له، حيث يجتمع القتل بالتعذيب بالعقوبات الجماعية، وتجري تغطية الجريمة عبر استخدام مركّب تضليلي قرر أن المتظاهرين والمحتجين هم عصابات مسلحة !
في هذا المناخ الرهيب، لا بد أن يثير الصمود الشعبي والاصرار على مواجهة آلة الموت بصرخة الحرية اعجاب الجميع. فلقد اثبت الشعب السوري في ثورته أنه الأكثر شجاعة، وأنه يستحق دوره الطليعي في العالم العربي بجدارة.
غير أن البطولات يجب أن لا تحجب واقعا بدأت يشكل عبئا على الثورة. وأنا لا أقصد هنا الناشطين السوريين الذين يتحركون في العالم من أجل دعم الثورة، فهذا حقهم وواجبهم، لكنني أسمح لنفسي بالتنبيه إلى أن هناك فرقا يجب أن يكون واضحا بين دعم الثورة وقيادتها. قيادة الثورة لا يمكن أن تسقط بالمظلات، القيادة هي فعل تراكمي، يصنعه الشعب من خلال الأشكال التنظيمية التي استنبطها، ولا يحق لأحد باسم دعم الثورة فرض قيادة عليها من خارجها.
وكي أكون واضحا فان ما يجري على المستوى التنظيمي في الخارج ليس ناضجا، وهو بالتالي عاجز عن إنتاج تشكيلة تقود الثورة و تمثلها، و أن المطلوب هو العودة الى قاعدة الثورة، والعمل معها من أجل انتاج مرجعية سياسية واخلاقية.
الخطوة الأولى يجب أن تكون انتاج هذه المرجعية، كي تكون إطارا لتفاعل التنسيقيات، وخطوة تمهيدية لإعلان تشكيلة سياسية تكون مهمتها قيادة سورية من الاستبداد إلى الديمقراطية.
الأصدقاء في داخل سورية وخارجها، يعرفون أن مرجعية هذه الثورة موجودة في سورية، وأن المطلوب هو تجاوز الخلافات القديمة، من أجل بلورة برنامج واضح المعالم، يبدأ من نقطة الاجماع الوطني حول اسقاط النظام الاستبدادي، ويبلور ملامح المرحلة الانتقالية الى الديمقراطية.
المرحلة جديدة بشكل كامل، وعدم قدرة رموز المعارضة السورية على تفهم واقع أن اسئلة الماضي مضت إلى غير رجعة، تعني شيئا واحدا، هو ترك الثورة السورية في عتمة المجهول.
إن تشكيل هذه المرجعية بوصفها جزءا عضويا من تنسيقيات الثورة السورية، يسمح ببناء تفاعل صحي مع قيادات الخارج من أجل بناء اطار لمجلس وطني سوري، يلعب دوره في حشد الدعم والتأييد وبناء مصادر استمرار الثورة حتى اسقاط النظام.
شباب الثورة السورية يعرفون أن هذا الليل السوري الطويل لن ينجلي بسرعة، وأن أمامهم مهمات شاقة وتضحيات كبرى، لكنهم يعرفون أيضا أن لا عودة الى الوراء، وإن لا خيار امامهم سوى مواجهة العتمة بالصمود والتحدي والتفاؤل.
الثورة لا تنتظر احداً، لكن على القيادات الديمقراطية السورية أن تعي أن التاريخ لا ينتظر، و أن عليها اليوم بلورة مرجعية اخلاقية وسياسية تساهم في بناء أفق التغيير.
عن القدس العربي

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

انهيار سوريا الأسد . .

02-نيسان-2016

الانتحار اللبناني في سورية!

23-نيسان-2013

السؤال السوري الكبير

23-كانون الثاني-2013

اللیل السوري الطویل

23-أيلول-2011

الزنابق البيضاء...

15-كانون الأول-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow