Alef Logo
المرصد الصحفي
              

عقائد بلون البشر: عن غواية السلطة و "شيطنة العلويين"

د. حمزة رستناوي

2012-02-21


شعر رياض خليل
هل العقيدة "الفئوية "العلوية تدعو إلى العنف و قتل المسلمين من الفئوية السنّية؟!
أم أنّنا يجب أنّ نفسّر العنف الذي يقوم به "علويون" – بدون أل التعريف- تبعا لقوانين الكينونة الاجتماعية, بما يشمل الفئوية العلوية و كل فئوية عقائدية أخرى؟!
وجهة النظر الأولى التي تربط العنف الذي يقوم به "علويون" في المشهد السوري الراهن بكونه عنف متأصّل و نابع عن جوهر العقيدة العلوية, تنتشر في الأوساط السنّية الأكثر محافظة و انغلاقاً تصفهم ب :" النصيريين الكفرة أو الباطنيين المجوس ...الخ , و يقابلها وجهة نظر أخرى في الأوساط العلوية الأكثر محافظة و انغلاقاً ترى في المسلمين السنّة أعداء بالفطرة لا يُثق بهم فهم " أخوان مسلمون " أو "عراعرة " أو "ظلاميين على طريقة الوهّابية و بن لادن..الخ.
و لسان حال بعض الفريقين يقول: لماذا يكرهوننا؟!
كمدخل للإجابة على هذا التساؤل سأنطلق من مرجعيّة المنطق الحيوي مؤكدا على مبدأين:
*المبدأ الأول: البعد العقائدي للكينونة الاجتماعية هو أحد أبعادها و من العسف و منافاة البرهان اختزال الكينونة الاجتماعية بأحد أبعادها.. فهناك أبعاد أخرى اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و سياسية و كلها ذات تأثيرات متبادلة و تتفاعل مع بعضها.
و كتطبيق عملي لهذا المبدأ: لنفترضْ فرداً من الفئوية العلوية أو أي فئوية أخرى يقوم بعنف غير مبرّر أخلاقيّا , يجب تفسير هذا السلوك آخذين بعين الاعتبار العوامل الأخرى المؤثرة غير الانتماء الفئوي العقائدي , طبعا من غير إهمال هذا العامل, ويجب أخذ العوامل الأخرى بعين الاعتبار مثل: مستوى التعليم- ظروف العيش- البيئة الأسرية- الانتساب إلى مؤسسات يحكمها الولاء الأعمى للزعيم و يتفشّى فيها الفساد كالمؤسسة الأمنية و العسكرية ...الخ.
فمن العسف اختزال فرد أو جماعة بصفة / صفتهم فقط علوي/ علويين, من دون اعتبار للعوامل الأخرى.
فأن يقوم منتسب إلى الأجهزة الأمنية – من الفئوية العلوية- مثلا بتعذيب معتقل حتى الموت , فهذا لا يعني أنّ كل منتسب للفئوية العلوية يقوم أو يبرر فعل التعذيب هذا, فالأفراد- بداهة- ضمن ذات الفئوية يختلفون بحكم عوامل نفسية و تربوية و بيئية و تاريخية و اقتصادية و بحكم الخبرات السابقة لديهم. فقسوة القلب و عدم التعاطف مع الضحايا هو ظاهرة عابرة للفئويّات لصيقة بالإنسان بشكل عام , أي إنسان و أي مجتمع. و أي مقارنة من هذا النوع يجب أن تأخذ شرائح متناسبة , فلا تقارن أفاضل فئوية معيّنة بحثالات فئوية أخرى, فالصلاح و الفساد ظواهر عابرة للفئويّات, و قرينة ذلك في المشهد السوري وجود معارضة / تأييد للنظام السوري في كل الفئويات بغض النظر عن حجم التمثيل.
*المبدأ الثاني: البعد العقائدي للكينونة الاجتماعية هو طريقة تشكّل و صيرورة حركية احتمالية نسبية تعرض لمصالح متفاوتة يمكن مقايسة صَلَاحِها.
فالعقيدة العلوية – كغيرها من العقائد- تتحوّى طرائق تشكّل مختلفة منها أقل أو أكثر صلاحيّة و حيويّة , و لا يمكن الحديث عن عقيدة علويّة بصيغة جوهرانيّة أحاديّة.
فمثلاً: العقيدة الفئوية العلويّة كما وردت في "بيان عقيدة المسلمين العلويين" الذي وقّع عليه ثمانون رجل دين علوي تمّوز عام 1936تتحوّى مصالح ايجابيّة حيث أكّدت على خمسة أصول للدين هي : التوحيد- العدل- النبوة- الإمامة – المعاد. و نقرأ على سبيل المثال في باب العدل:" نعتقد بأن الله تعالى عدل منزّه عن الظلم و لا يظلم ربك أحدا و لا يحب الظالمين و أنه تعالى إثباتا لعدله لا يكلف الله نفسا لا وسعها..الخ".
رابط: http://alawi12.tripod.com/wathiqa.htm
و يمكن تلمّس هذه الصيغة الحيوية للعقيدة الفئوية العلوية في نصوص منسوبة لعلي ابن أبي طالب من قبيل:
- الذليل عندي عزيز حتى أخذ الحق منه، والقوي عندي ضعيف حتى أخذ الحق.
- في العدل سَعَةٌ, و من ضاق عليه العدل, فالجور عليه أضيق.
- لأن يكون الحر عبد لعبيده خير من أن يكون عبد لشهواته.
و يمكن تلمّس هذه الصيغة الحيويّة كبعد عرفاني و إنساني في كتاب " ما بعد القمر " لأحمد حيدر , و كبعد سياسي في مثال صالح العلي و مقاومته للاستعمار الفرنسي و رفض خيار الانفصال في دولة علوية .
على النقيض من صيغ أخرى للعقيدة الفئوية العلويّة تركِّزْ على : التصلّب و الانغلاق العقائدي- إعادة إنتاج ثقافة الثأر - المظلومة التاريخيّة – الدولة العلوية- التقية- التفسير الباطن للنصوص- الولاء الطائفي و تبرير مصالح استبداد السلطة السوريّة القائم الاستبداد..الخ. و من أمثلتها "جمعية الإمام علي المرتضى " التي تأسست بزعامة جميل الأسد عام 1981، كتجمع سياسي خلف واجهة دينية و سرعان ما اضمحلّت عقب قرار سياسي من حافظ أسد عام 1983 في خضم صراع أسري مع رفعت أسد على السلطة.
من المُلاحظ أنّ هاجس الاعتراف بالعلويين كمسلمين من قبل جوارهم سيؤثّر بشكل كبير على طريقة تشكّل البعد العقائدي الفئوي لدى العلويين, حيث أنّ العلويين قد عانوا من تكفير تيارات من السنّة لهم و اعتبارهم "مرتدّين أو أبناء مرتدّين", فالمناخ الانفتاحي لدى الفئوية السنّية كان يقابل بانفتاح أيضاً لدى الفئوية العلوية , و في هذا الصدد ننوه بأنّ المحرّض على كتابة بيان " عقيدة المسلمين العلويين" السابق الذكر كانت فتوى من الحاج أمين الحسيني يقول فيها:" إنّ هؤلاء العلويين مسلمون و إنّه يجب على عامة المسلمين أن يتعاونوا معهم على البرّ و التقوى و يتناهوا عن الإثم و العدوان..الخ" "
"جريدة الشعب الدمشقية 31 تموز 1936"
والمناخ الانغلاقي لدى الفئوية السنّية كذلك كان يُقابل بانغلاق مضاد في علاقة تبادلية و متناسبة , ففتاوى التكفير التي استخدمها تنظيم الطليعة الاخوانية المقاتلة في السبعينيات و الثمانيات كانت تجابه بتصلب لدى الفئوية العلوية لم يأخذ شكل عقائدي صريح و لكن شكل اجتماعي سياسي متكتّل حول السلطة الاستبداديّة الحاكمة مما أمدّ في عمر الاستبداد .
و بالانتقال إلى المشهد الراهن فإنّ الجرائم و الانتهاكات لحقوق الإنسان التي تقوم بها السلطة السورية مستندة على نواة صلبة من المواليين العلويين لها , لا يجري تبريرها و شرعنتها بفتاوى من رجال الدين في الفئوية العلوية , فهذه السلوكيات السلبية يتم تبريرها و شرعنتها استنادا إلى ايديلوجيا " قومية عربيّة مقاومة ممانعة " أو استنادا إلى ايديلوجيا تؤلّه شخص الرئيس ,و في أحيان كثيرة يجرى ارتكاب هذه الانتهاكات وفق منطق القوّة العارية. و في هذا السياق سأثبت شهادة قريبة من واقع الحال لأحد رجال دين الطائفة العلويّة يؤكد فيها على الفصل بين السلطة الاستبدادية و سلطة رجال الدين العلويين , منقولة من موقع كلّنا شركاء: "وقال الشيخ "نحن لم نتدخل في السياسة يوما، ولن نتدخل، هل شاهد أي سوري شيخا علويا يخطب في الناس يوم الجمعة على الفضائية السورية مثلا ؟ هل شاهد السوريون وفدا من الشيوخ العلويين يزورون مواقع حكومية رسمية ؟ هل قرأ أو سمع أو شاهد أي سوري فتوى صادرة عن شيخ علوي تدعو لقتل أحد ؟ ؟ لا .. هي مو شغلتنا بالمرة.. آلاف السجناء السياسيين من طائفتنا عارضوا النظام لم نقل ضدهم كلمة واحدة وعندما خرجوا من السجن كنا نذهب إليهم مهنئين بالسلامة".http://all4syria.info/web/archives/45936
إنّ عدم تصريح الشيخ الكريم باسمه في المادة المنشورة لذو دلالة على ضعف تأثير رجال الدين العلويين – على الأقل حتّى الآن - مقابل هيمنة قوية لطبقة وليده من العسكر و محدثي النعمة الفاسدين. و لكن يجب النظر لهذا في سياق صيرورة زمنية ذات احتمالات مفتوحة , نستطيع تشجيع الخيارات الأكثر حيويّة منها بدعم الطبيعة الوطنيّة الديمقراطية للثورة السورية , و عدم التساهل مع أي خطاب أو سلوك طائفي محرّض على الفئوية العلويّة .
*ملاحظة: هذا المقال هو جزء ثاني من مقال للكاتب بعنوان: (عقائد بلون البشر- حول اتّهام العقائد بالفساد) منشور في الحوار المتمدّن .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294731
*ملاحظة ثانية: تم اقتباس تعبير " شيطنة العلويين" عن مقال ذو صلة للشاعر ماهر شرف الدين منشور في جريدة النهار.

ملاحظة : المادة مرسلة من الكاتب لموقع ألف

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

شرائط الحرّية الكبرى

23-كانون الثاني-2013

آل حديقتي

25-كانون الأول-2012

عبيد الأسد

22-تموز-2012

عن الشبّيح العلوي ؟!

24-أيار-2012

عقائد بلون البشر: عن غواية السلطة و "شيطنة العلويين"

21-شباط-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow