Alef Logo
يوميات
              

صباحكم أجمل جيوس والذكريات

زياد جيوسي

2007-06-03

في هذا الصباح يشدني الشوق لبلدتي الصغيرة جيوس
لم أراها منذ سنوات بحكم أني لا أستطيع أن أغادر رام الله
لم أولد فيها ولم أراها في طفولتي إلا مرتين
ولكن ذكرى هاتين المرتين بتفاصيلهما الصغيرة لا تنسى
ولم أراها بعدها إلا رجلا في أول مرة سمح لي فيها بالدخول للوطن بعد ثلاثين عاما
من زيارتي الأخيرة للبلدة
لا أعرف ما الذي هيج الأشواق
ربما زيارة العم أبو نزار لي أمس وقد أصبح كهلا حين أحضر العمة أم نزار لمراجعة الطبيب
وربما أنني صحوت على تسبيح حمام يسمونه "الرقطي"
وزقزقة عصافير الدوري
فهذه التسابيح والزقزقة كنت أصحو عليها حين أزور البلدة وأنام هناك
سواء عند العمة أم فيصل رحمها الله أو عند الحاجة أم عزمي بعد ذلك
وربما لقاءي بالعديد من أبناء بلدتي في بيت عزاء مساء الأمس
والعم أبو نزار هو والد اثنين من أصدقائي في مرحلة الجامعة
التقيت بهم وتعرفت عليهم وأصبحنا أصدقاء
وزاد من الصداقة النسب فأحدهم تزوج ابنة عمتي وأخت زوجتي
فكانت زيارته مفاجئة فلم أراه منذ سنوات طويلة
ورغم تقدمه الواضح في السن والظاهر جليا عليه
إلا أنه ما زال يمتلك تلك الذاكرة المتوقدة التي عرفته بها قبل أكثر من ثلاثين عام
حدثني بألم عن الجدار الذي التهم أراضي البلدة و"قطعة الرزق"
حدثني عن النفوس التي تغيرت وعن بطالة الشباب عن العمل
عن الهجرة التي بدأت تلتهم العديد من شباب البلدة
تحدث كثيرا وأعلمني عن أحوال الناس
كنت اسأله وأدفعه للانطلاق في الحديث وأستمع جيدا
فالشوق كبير
*****
في الذاكرة الزيارة الأولى والثانية لبلدتي في منتصف ستينات القرن الماضي
فقد ولدت في زرقاء الأردن ونشأت وترعرعت في أكثر من مدينة
بين ضفتي النهر
وحين زرت بلدتي كنت أسكن مع أسرتي رام الله
لذا كان لجمال جيوس هذه القرية الوادعة أثر لم ينسى
اكتشفت هناك الريف الذي لم أعرفه
تعرفت إلى أقربائي وخصوصا أبناء العمومة الذين يقاربوني في العمر
خرجت وإياهم إلى المناطق الزراعية بأطراف البلدة
ركضت معهم وتسلقت الأشجار وتدحرجت على الأعشاب في "المنطار"
امتطيت "حمارا" لأول مرة وآخر مرة في حياتي
وكانت تجربة مضحكة
فالخوف كان يعتريني وفشلت عدة محاولات للصعود إلى ظهره
وحسدت "إحسان" ابن عمي وهو يقفز إلى ظهر الحمار برشاقة وجرأة
رغم أني أكبر ابن عمي بعام أو عامين
لكنها تجربة لم تستمر في المسير أكثر من مسافة قصيرة
حتى كنت قد وقعت عن ظهر الحمار موقعا ابن عمي معي إلى الأرض
ورفضت المغامرة مرة أخرى مما اضطر ابن عمي أن يسير معي على قدميه
طوال الطريق "للبيارة" والحمار يسير أمامنا بعنجهية المنتصر
حتى وصلنا "للبيارة" والحمار يسير أمامنا
فهو يستدل الطريق بدون توجيه
ومع هذا نتهم الغبي ونسميه حمارا
فيا للحمير كم نظلمها نحن البشر
*****
في "البيارة" عطشت فشربت من "النقر" وهو تجويف في الصخر
تتجمع فيه المياه فوضعت قطعة قماش وشربت امتصاصا
كما علمني ابن عمي
ونزلت لقاع بئر محفور في الصخر وشربت مياه الأمطار
والشاي المتميز بماء المطر
أكلت من نباتات برية لا أعرفها ولكن ابن عمي كان يعثر عليها ويعرفها
فهم تربوا وترعرعوا في الأرض فعرفوها وعرفتهم
أعطوها فأعطتهم
لكن كل شيء كان جميل وله طعم خاص لا ينسى
وخصوصا رائحة الزعتر البري وزعتر"العراك"
كما يسمونه بلهجة أهل البلدة التي تقلب القاف كافا وتمد بعد الحرف وتكسرها
هذه اللهجة التي فشلت فشلا ذريعا بالتحدث بها حين زرت البلدة كبيرا
حتى أن عمي الشيخ قال لي لي يا ابن أخي إبقى على لهجتك التي تعرفها
بدلا من أن "تفضحنا" أمام أهل البلدة
وضحك وضحكت
أطال الله بعمرك أيها الشيخ الفاضل
فمن يدري لعلنا نلتقي
ونشرب الشاي بالزعتر البري في "السقيفة" وتحت فيء الزيتون
ونفس "البيارة" طلبت زيارتها حين زرت البلدة بعد ثلاثين عاما
وزرتها برفقة أبناء العمومة وأولادي
وان كان أولادي يعرفون البلدة جيدا بحكم زياراتهم لها منذ الطفولة
ولم يتوقفوا عن زيارتها
فوجدت "البيارة" قد أصبحت عامرة بأشجار البرتقال والليمون
فقضيت فيها نهارا ولا أجمل
واليوم أسأل عنها فأعرف أنها قد أصبحت خلف الجدار
تشكو وتتألم كباقي الوطن
من غياب أحبتها وتدنيسها بأقدام المحتل الهمجية
*****
هي ذكريات تتجدد وأنا أجول شوارع رام الله في هذا الصباح المبكر
بعد غياب يومين عن شوارعها بحكم عارض صحي أتعبني
أحضر صحيفتي وأتتبع نشرات الأخبار
شهداء في غزة بالنيران الإسرائيلية على اثر القصف والغارات التي لم تتوقف
وضحايا على مذبح الجنون
ومشاهد لمسلحين يخلون الأبراج والعمارات السكنية بعد آخر وقف لإطلاق النار بين الإخوة الأعداء
مقنعي الوجوه
فهل تخجلون أيها الشباب مما اقترفت أياديكم
أما تخافون أن تعرفوا
ألا لعنة الله والأرض ودماء الضحايا
على كل من أطلق رصاصة على غير العدو
وعلى كل من أصدر أمرا بالقتال أو صمت على ذلك
وها هو العدو يهاجم ويقتل ويدمر
فأين رجولتكم وشرفكم
*****
صباح الخير يا وطني
صباح آخر يا رام الله
صباح الخير أيتها الغائبة
صباح الخير أيها الأحبة والأصدقاء
صباح الخير والشوق
وشدو فيروز

رجعت في المساء كالقمر المهاجر
حقولك السماء حصانك البيادر
أنا نسيت وجهي تركته يسافر
سافرت البحار لم تأخذ السفينة
وأنت كالنهار تشرق في المدينة
والريح تبكي تبكي في ساحتي الحزينة
أعرف يا حبيبي أنك ظل مائل
وأن أيامك لا تخيب وكالمدى تبعد ثم تبعد
وتحت سقف الليل والمطر
وفي حضور الخوف والأسماء والعناصر
وكل ما له في الكون
أعلن حبي لك واتحادي بحزن عينك
وأرض الزهر في بلادي
وينزل المساء

صباحكم أجمل

زياد جيوسي
رام الله المحتلة 2052007



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

بين هذا ليل وآدم باسل زايد إبداع متجدّد

04-آذار-2009

مع نصّ: "مع إنّكَ غيرُ عاديّ" للكاتبة: نوريّة العبيديّ

14-تشرين الثاني-2008

من وحي "خميلُ كَسَلِها الصّباحيّ" للكاتبة: منى ظاهر

07-تشرين الثاني-2008

أرصفة رام الله والعشاق

24-أيلول-2008

سمر حزبون / إبداع العدسة والجسد

13-آب-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow