Alef Logo
مقالات ألف
              

صعود اللاعب السياسي الجديد في سورية وهبوطه

وائل السواح

خاص ألف

2012-05-28

حينما فاجأ الحراك الثوري السوري السوريين والعالم أجمع، كانت المعارضة السورية تتسكع في الفناء الخلفي للفعل السياسي وتعيش واقعا مزريا. وكانت تنقسم ما بين إعلان دمشق الذي كان يعاني من صعوبات حقيقية بسبب ملاحقة السلطة المستمرة لأعضائه وقياداته وبسبب الانشقاقات المستمرة التي تجري بين صفوفه من جانب، وبين القوى والتنظيمات القومية والماركسية التي خرجت من إعلان دمشق بعد خسارتها في الانتخابات الداخلية في مؤتمره الوطني عام 2007. وبالتالي لم يكن من دون معنى أن تفشل هذه المعارضة في قيادة الحراك الثوري السوري. بيد أن تلكؤ المعارضة أدى إلى فراغ سياسي كان لا بد لقوى سياسية جديدة أن تملأه. وهكذا ولد في سورية، ومن دون سابق قصد أو تخطيط، لاعب سياسي جديد قيض له أن يلعب دورا كبيرا في الأشهر الستة الأولى، ثم قيض لهذا الدور أن ينحسر بعد ذلك تدريجيا.
تميز اللاعب السياسي الجديد بكل المواصفات التي تجعله قادرا على لعب دور قيادي في الحراك السوري، فهو مرن ونزيه ومتحسس لقضايا السوريين عموما. ولعل أهم مواصفات هذا اللاعب الجديد أنه لاعب شاب، الأمر الذي كان سلاحا ذا حدين. فمن جانب كانت الخبرة والحنكة السياسية تنقصه، ومن جانب آخر، لم يكن ملوثا بأمراض المعارضة المزمنة: الشخصنة والانقسام والعصبية وضيق الصدر وضحالة الثقافة. وبعكس المعارضة التاريخية، لم يشعر الجيل الجديد من شباب الحراك السلمي السوري أنه مدين لأحد: لا لقيادة ولا لسلطة ولا لأيديولوجية، فكان تحرره من الدَين سببا في انعتاقه السياسي وقدرته على الحركة والمناورة.
بدأ تشكل اللاعب السياسي الجديد في سورية مع ضرورة ملأ الفراغ الذي خلفه قرار الحكومة السورية مع بداية الأحداث في آذار من العام الماضي بطرد الصحافيين الأجانب والتضييق على المراسلين المحليين ، بحيث صار الوصول إلى المعلومة صعبا للغاية. فبدأت شبكات من الشباب المنتشرين على الميدان في كل المحافظات بالحصول على المعلومات عن طريق المصادر الأولية، وتصوير الأعمال الاحتجاجية، وتبادل الأخبار فيما بينها، ومن ثم إيصالها إلى وسائل الإعلام العربية والأجنبية. ثم تم تأسيس غرفة أخبار على سكايب وعددٍ متنام من صفحات على الإنترنت، وبخاصة على فيسبوك.
ولكن الناشطين السوريين وجدوا أنفسهم بدون آباء شرعيين لنشاطهم السياسي، ومن دون تنظيم أو تحالف أو برنامج سياسي يستندون عليه. وقد كان ذلك مبررا قويا لهم للبدء بتطوير موقف سياسي يدعم التحركات الثورية للسوريين ويؤسس سندا سياسيا لمطالبهم.
ولسوف تدخل الحركة الثورية السورية منعطفا جديدا مع صدور أول بيان من لجان التنسيق المحلية يحدد المطالب الأساسية لحراك السوريين. لقد حدد البيان الشروط السياسية التي يعمل الجيل الجديد من الناشطين من أجل تحقيقها: وقف استخدام القتل و الاعتقال التعذيب والعنف ضد المتظاهرين السلميين؛ وتحمل الدولة السورية لمسؤوليتها، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة بمشاركة المجتمع المدني؛ والإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي و السجناء السياسيين في سورية؛ وإنجاز التعديلات الدستورية التي تفسح في المجال أمام التحول الديمقراطي وتكريس سوريا كدولة مدنية وبما يحترم التعدد القومي والاثني والديني في البلاد واحترام التنوع الثقافي والعرقي في سورية؛ وتأسيس هيئة وطنية سورية للإنصاف والمصالحة وفقا لمعايير العدالة في المرحلة الانتقالية بهدف طي صفحة الماضي إلى الأبد.
هذه المطالب ستغدو المطالب الرئيسة التي ستتبناها بعد هذا التاريخ جهات سياسية عديدة تقليدية وجديدة. وسنعثر على هذه المطالب نفسها في معظم البيانات التي سيصدرها السياسيون التقليديون، ليس فقط في المعارضة التقليدية من مثل إعلان دمشق والتجمع الوطني الديمقراطي والقوى السياسية الكردية، بل وأيضا في الاتجاهات السياسية شبه الموالية للنظام من مثل بعض القوى الشيوعية والقوميين السوريين.
الشرط الثاني الذي حدد دور وحدود اللاعب السياسي الجديد كان فكرة الحوار بين السلطة والمعارضة التي بدأت السلطة بالترويج لها في أيار وحزيران من العام الماضي. وقد انقسم المعارضون السوريون حيالها إلى فريقين متباينين، راحا يتبادلان الاتهامات حول مسألة الحوار. ومن جديد وجدت لجان التنسيق نفسها مضطرة لأن تتخذ موقفا سياسيا محددا. فأصدرت بيانا حول قضية الحوار، عبر عن نضج سياسي عندما ركز على ضرورة وقف المسار الأمني والانتقال الفوري للمسار السياسي، وفق شروط محددة، أهمها: ضمان استمرار التظاهرات السلمية والاحتجاجات المدنية؛ وقف كافة أشكال القتل و العنف المستخدم ضد المتظاهرين السلميين وعودة كافة الوحدات العسكرية إلى ثكناتها وإطلاق سراح كافة المتظاهرين السلميين والمعتقلين السياسيين والسماح بدخول وكالات الإنباء العربية والعالمية لتغطية ما يحدث في الشارع.
لقد كان اللاعب السياسي الجديد بحاجة إلى الكثير من الشجاعة لكي يصر حتى اللحظة الأخيرة على سلمية الثورة كشعار وكمضمون. وسنرى أن اللجان ستأخذ شعارا أساسيا لها آية من القرآن تقول: " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك." وكان أول موقف رسمي تتخذه اللجان بيانا ردا على ما يبدو على الدعوات التي انتشرت لتسليح الثورة، يرفض هذه الدعوات بوضوح ويعتبرها "غير مقبولة سياسية ووطنيا وأخلاقيا." والحال أن من شأن العسكرة أن تقلص المشاركة الشعبية في الثورة، وتضيق قاعدتها الاجتماعية، وتنال من "مضامينها الإنسانية والتحررية،" فضلا عن خسارة التفوق الأخلاقي الذي تميزت به منذ البداية."
ولسوف تدفع اللجان ثمن هذا الموقف جزءا من شعبيتها بين المتظاهرين، وتتلقى انتقادات من بعض الناشطين على الأرض أو في هيئات التنسيقيات الأخرى. ولسوف تساهم السلطة في ذلك أيضا. فبالإصرار على الحل الأمني الذي يعتمد رفض السماح بالتظاهر السلمي ومواجهة المدنيين العزل بالسلاح الحي والاعتقال التعسفي، كانت السلطة تعمل على إضعاف هذا اللاعب الجديد وإنعاش المعارضة التقليدية من جانب، وإنعاش المعارضة المسلحة وتلك التي تدور في فلكها وخاصة من خارج البلاد من جانب آخر.
بالمقابل، عادت المعارضة السورية التقليدية تلعب الدور الرئيس في العملية السياسية. وبدأ العالم يركز على دعم القوى السياسية المعروفة: قديمها وجديدها، وعلى القوى المسلحة سواء منها المنشقة عن الجيش أم التي بادرت بالتسلح لحماية أنفسها. وتم نسيان المجموعات المدنية التي كانت أول من ساهم في الحراك الثوري السوري، وأول من رفع شعارات الوحدة الوطنية والسلمية والتغيير الديمقراطي. وبينما يحتفي العالم بمؤتمرات المعارضة السورية في الخارج، تفقد حركة الشباب السلمية في الداخل يوميا عشرات الكوادر، قتلا وسجنا وتهجيرا. لقد كانت الظروف برمتها مساعدة على ولادة لاعب سياسي جديد كان يمكن أن يقدر له النجاح في المرحلة الانتقالية من تاريخ سورية الجديد، بيد أن عنف السلطة وضيق أفق المعارضة ساهما في إضعافه.
----------------------
* كاتب سياسي سوري

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عقلية الدكّنجي .. أو ذهنية المعارضة السورية

17-نيسان-2021

من المعارضة السورية إلى الرئيس بايدن

10-نيسان-2021

مآلات حزب العمل الشيوعي في سوريا

13-آذار-2021

ذاكرة مدينة: العرضحلجي

27-شباط-2021

ماذا لو عاد أنس العبدة ونصر الحريري إلى دمشق؟

30-كانون الثاني-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow