صورة الآخر
خاص ألف
2012-06-12
ثمة مشاعرٌ يعاني منها الغريبُ ، بشكل ٍ عام . الشرقيُّ يعاني والغربي أيضاً ، ولكن ربما كانت معاناة الشرقي أكبر ، لأنه يحسُّ بضياعهِ ! ؛ فهناك مجتمع غربي نصف عدواني لا مبالٍ، جزءٌ من ثقافته ِ التركيز على الأنا ، والاهتمام بالذات، مما يعني ضياع الاهتمام بالآخر، وبسبب هذه الثقافة ، الحرية هناك هي حرية فردية بشرط أن لا تؤذي الآخر ؛ الحرية والتعايش بين الأديان ، والعدالة الاجتماعية ننشدها جميعاً ، ونسعى لتحقيقها ، فالغربة شعورٌ بالقلق والخوف والإحساس بالتهديد ، والوطن بمثابة الروح داخل الجسد التي لا نستطيع أن نتخلّى عنها .. الخروج من الوطن لا يعني نسيانه وقطع الصلة به ِ ، ولكن لربما بسبب ِ الحروب والظلم والجور والاستبداد والتفرقة وعدم ممارسة الحرية ، يضطرُ الفرد في هذه المجتمعات إلى مغادرة وطنه ليعيش الحرية والعدالة الاجتماعية والتعايش بين الأديان والطوائف .الرحيل إلى الغرب سببه البحث عن الأمن والاستقرار ، فهنالك من يرحل من أجل المجد أو المال ، هؤلاء سيفشلون لأنّ في ذهنهم أحلام ٌ مادية ( مستقبلية ) . الإنسان في الغربة سفيرُ بلاده ، ففي الغرب ِ ينظرون إلى الشرق ِ من خلال نظرتين : " نظرة رومانسية ، حيث ينظرون إلى الشرقيين على أنهم من بلاد ألف ليلة وليلة والرقص والملهى ! وهذه صورة ٌ مشوّهة . إذاً تلك النظرة ليست نظرة رقص ولهو !فهنالك المرأة العالمة التي تقاتل من أجل معتقداتها وتربيتها ( دينها ) فإن هذه النظرة الرومانسية للشرق ، حيث البحث عن رؤية الجمال في الشرق وحاولوا أن يعيشوا تخيلات ٍ مُسبقة كانت تراودهم بسبب النظرة التي اكتسبوها من أسلافهم أو من ثقافةِ الغير تجاه الشرقيين ! . أمّا نظراتهم الأخرى كانت واقعية فلذلك احتلت هذه الصورة الرومانسية للشرق مخيّلات الغربيين فيما مضى بسبب صعوبة التواصل بين الطرفين. ولكننا اليوم بفضل ِ وسائل الإعلام الــ" ميديا " وانتشارها الواسع ، انتشرت هذه الصورة الجلية ، وبدأت هموم الواقع الشرقي ترتسم ملامحها في كل مكان ، حتى بات السفر إلى الشرق محفوفاً بالمخاطر التي تنغّص أحلامَ من حلموا بذلك !! ، وتشدُّ الغربي إلى تفكير ٍ واقعي ؛ مثال الحرب الأهلية التي كانت في الجزائر أو لبنان حديثاً ، استحوذت على أفكار بعض الغربيين أن تلك البلاد بسبب ما قيلَ أو شُوْهِدَ إعلامياً ..وقد تتطرّقت إلى هذا الحديث الروائية ( غادة السمان ) في رواية ــ سهرة تنكرية للموتى ـ قدّمتْ لنا غادة السمان في مجمل حديثها داخل الرواية ــ الأنا العربية ــ ( اللبنانية ) أمام مواجهة الآخر ــ الفرنسي ــ بعيداً عن متاهات النرجسية ، ويأتي في المقابل قدّمتْ الآخر الفرنسي المتواجد في لبنان ، المتأرجح بين أحكام مُسبقة ، وهي مجموعة أوهام،تصوّر الشرق ؛ وبين التجربة التي توصل إلى الحقيقة عبرَ المعايشة اليومية للعرب ، وبيّنَت في روايتها أكثر مشاهد الغربة تأثيراً في النفس .( تصوير معاناة الطفل في المدرسة ) وخوفه من بيئة ٍ ترفض الآخر وتواجهه بالسخرية حتى من اسمه ؛ فكان بعض الأطفال يحمدون الله أن أسرهم قد أسموهم بأسماء لا تنم عن جنسية ٍ أو دين ، كيلا يُصبح هدفاً للأذى ! وبعضهم كان يُسمى بأسماء دينية ! ( عبد الرحمن ) وذاك المُسمّى كان يعاني الرفض أو السخرية ، فيتحول " اسمه " الذي هو جزء منه ومن هويته إلى مصدر انتقاص ! ... فلعلّ المعاناة تبلغ أقصى مدى حين يحاول الــ" مسمّى " الطفل التكتم على أصْله ِ دفعاً للمشاكل التي لم يعرفها يوماً ، عندها يعيش في حياته ازدواجية الكبار ! ويتخلّى عن براءة الأطفال وعفويتهم لينطوي على ذاته ، فيبدو في صورة ــ قنفذ مذعور ــ يُخفي خوفه بإتقان ، كأولاد المهاجرين جميعاً ، فيشهر أشواكَ جسده ِ أمام عالم ٍ يراه متوحشاً ينقضُ عليه . إذاً نظرةُ الغربُ إلى الشرق ، أنه موطن الدين الإسلامي .. الذين يرون فيه الإرهاب والقتل ؛ ولكن عندما يأتون إلى ذاك الشرق الذي لهم نظرة سلبية تجاهه ، فيعايشون الواقع المُصوّر في أذهانهم ، تختلف رؤيتهم تجاه الشرق !! . إن الحوارَ مع الآخر المختلف يوّسع أُفق إدراك الإنسان ويعلمه أشياء جديدة فيزداد فهماً للحياة ، فعلينا أن نتقبل الآخر مهما يكن .. لأننا عندما نفهم الآخر نفهم ذواتنا .. وألاّ نأخذ صورة ً مُسبقة عن الآخر دون أن نُعايش واقعه .. ولذلك قيِل :
(( لقتل الأشجارصِلة بقتل ِ التعايش بين الأديان والطوائف )) .
عروة العبد
دمشق *
08-أيار-2021
19-حزيران-2012 | |
12-حزيران-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |