Alef Logo
شعر معاصر
              

قصائد للشاعرة الإنجليزية جو شابكوت ـ ت

فاطمة ناعوت

2008-01-21

غرامٌ في المختبر
يوما ما
مسَّ الغرامُ قلبَّ التِقنييْن
لما تبادلا الصَّخبَ اليوميّ
فوق القَطّارات الماصّة
في المختبر.


حينها أدركا
أن دولةَ الجزيئات
لم تكن مملّةً جدا
أو مضجرة.

النقوشُ،
فوق قواريرِ العيّنات
التي تصطفُّ فوق الأرفف
على جدران الغرفة،
أشعلتِ النارَ في دماغيْهما:

والذي كان بالأمس
في جدول الكيمياء الدوريّ
محضَ طلاسمَ هيروغليفيةٍ
غدا اليومَ برهانًا حاسمًا
على أن حتى الكتابةَ هنا
في عالم المختبرات-
تحمل معنى باطنيًّا روحانيًّا.

القواريرُ
تومضُ تحت مُلصقاتِها التعريفية،
التي استغرقَ تجميعُها وتبويبها
خمسةَ عشر عامًا.

والآن
استقرّ الاثنان على رأي واحد.

بهدوءٍ،
وعلى نحو ممنهج،
بدءوا في نزع الملصقات
من على آلاف القوارير.
الأمرُ استغرقَ الليلَ كلَّه.

عند الفجر،
غمزتْ صفوفُ القوارير العاريات
للزوجين المنهكيْن
الواقفيْن جوار صوان الدخان.

وضعَ الرجلُ والمرأةُ
معطفيهما الأبيضيْن كقناعيْ تخفي
واتخذا مكانيهما
على المقعد الطويل
انتظارًا لموعد
مناوبة الصباحْ.



فيزيقا بافلوفا[1]


كلُّ شيء في جسدي
تمت صياغتُه بشهبِ نجمة
على الأقل
(باستثناء الهيدروجين)

أودُّ أن أكلمّكَ عن جسدي
أريدكَ أن تعرفَ إلى أي مدى أفهمه أنا-
وكيف يتجلى ويكشفُ عن نفسه
في موجات.

حقًّا
أنا طفلةٌ ذكية
من ذاك النوع الذي ينجحُ ويتقدّم
دون الحاجة إلى الذهاب إلى الجامعة،
بسريّةٍ تامة
أنزعُ أوراقَ الرياضيات الصعبة
التي يحشو بها الإغريقيُّ رأسَه في الليل.

من أجل كل ذلك،
تعلّمتُ أن الوعيَ والإدراكَ
إن هما إلا حظيرةُ ماشيةٍ عتيقةٌ
خارج الزمن،
ظاهرةٌ كسول
إذا ما قورنت بسرعة الحواس.

واليومَ
أنا على نحو ما
مفتونةٌ بالتناسق المِلاحيّ المدهش لجسدي
على أن هذا العالم،
صدقني،
ليس إلا مرتعًا للنتائج العجيبة:
حيث المادةُ
بوسعها أن تتخلّق من لا شيء
وحيث ضوءُ النجوم
ما هو إلا تاريخٌ قديم
حين يصلُ إلينا في الأرض،
لن نفهم أبدا
ما هذا الذي نحيا فيه
طوال الوقت.

بوسعك أن تُريني القطعةَ الدافئة في فخذِك
أو طولَ سواحل فلوريدا
وسوف أخبرُك بالمقابل
أنني مولعةٌ
بطريقتك في النظر إليّ
لكنني أحتاجُ أبعادًا أكثر
من تلك التي تسمح بها الجغرافيا.

أنا أسقطُ إلى الأمام
بجرأة ودون حياء
أتشقلبُ وأصعِّدُ درجةَ الفوضى،
نعم،
الفوضى تتصاعدُ في الوجود
وسوف تظلُّ تتصاعدُ
حتى يغدو الكونُ كلُّه
مكانا لا يحمل في ذاكرته
إلا القوارضَ النشطةَ
تلك التي تسبحُ في الماء.

صلعاء



هل بوسع الأصلع أن يكذب؟
طبيعةُ بشرةِ الرأس تقولُ:
لا يستطيع:
هي باهتةٌ شاحبةٌ مثل بشرة مولود،
ملساءُ منتصبة،
لكن كلَّ فكرةٍ مرئيةٌ،
كأنما المعرفةُ الصافية،
والعقلُ
يُشعُّ نشِطًا من خلال الجمجمة.

شاهدتُ امرأةً، تنظّف
لا شعرَ لديها على الإطلاق.
كانت تمسحُ الأرضيةَ الخضراء،
وتنفضُ الترابَ عن رفوف الكتب،
غائبةً وراء مِنفضة التراب والتركيز المكثّف،
كأنها ملكةُ الغرفة.
بوسعكَ أن تخمّنَ،
مع الصُّلع،
الهواءُ لابد يتحدثُ على نحو مختلف،
يمسُّ رءوسَهم بتعبير فاتن جدًّا
وأنيق.

كانت المرأةُ ترقصُ
فيرقصُ غسيلُها مع ذرّات الغبار،
كلُّ ما تعلّمتْه في حياتِها
كان ينزلقُ تحت فروة رأسها.
مجرد ملمس رأسها فقط ،
كان يشي
بأنها توشك أن ترفع ذراعيها للسماء،
غطيّتُ أُذنيّ حينما راحت تستعدُّ للغناء،
للهدير.



براعة

"اتخذّتُ عام 1988 قرارا نابعًا عن الوعي التام ألا أصوّر جسدي مجددا. لأنه يعلن رأسا عن نوعه كأنثى، وأنا أطمح في شيء أكثر براعة." (هيلين تشاديوك[2])


سهلٌ أن تمحو الفقاعاتِ من مطبخك
مثل سهولة فتح جرحٍ في اللغة
والبوحِ بكلِّ ما لم تستطع قولَه بالأمس.
هي مسألةٌ تشبه رشَّ الماء فوق الماء
دون أن تخدشَ سطحَ الماءِ المتوتّرَ
حتى يحيطَ الماءُ، الذي كان مُحاطا بالهواء، بالماءِ.
جسدي قطرةُ ماء.
نقائصُه، ونداءاتُ التكاثر،
هي التي ربما تساعده
على تكسير الأشعة في طيف الضوء المكتمل.

هذه الأنفاسُ الأخيرة،
الهواءُ،
فقاعاتُ الماء على شفتيْ،
رغاوي الصابون فوق بشرة جسدي،
إنما هي طبقاتٌ تسمحُ بنفاذ بعض الأشياء،
وثمة أغشيةٌ
تفصل بين أشياء أخرى،
هذه وتلك،
والنقطةُ المتحركةُ بينهما،
والحدُّ الفاصلُ غير المستقّر،
كلُّها تتمدد وتنكمش تحت الأنفاس
التي تدخل وتخرج من الرئة:
أنا هذا الشيء،
أنا ذاك الشيء،
أستنشقُ الشهيقَ
ثم أصيرُ
كلَّ شيء أراه.


زهرة البَوْل
[3]


لا أستطيعُ أن أزعمَ لنفسي منحنىً ذهبيًّا
ولا أدعّي
أنني أُخرجُ العديدَ من الجرامات
لكي أصنعَ شلالا باهرًا
من الماء.

لا أقدرُ أن أبدأ بكتابة اسمي، لا
ولا حتى اسم قطتي،
فوق الجليد:
اللهم إلا بخطٍّ غير مقروء
ودونما نقط.

لكن بوسعي
أن أرسمَ داخلَ الماء
شلالا مباغتًا من الفقاعات
سوف تفتنُك سرعتُه.

أقدرُ أن أُطلقَ نحو الأسفل
نافورةً دافقةً
بالغةَ القوة حتى ليرتفعَ جسدي
أربعين قدما كاملةً
ثم يطفو لثوان معدودة
فوق ساقِ نبتة الحُسن الرغوية
هناك
في الأعلى
حيث هواء المدينة.




وجهُ كاهنٍ يتأملُني

لن أتحدث إليكَ,
شفاهي منصهرةٌ حيث قبلني ملاك,
لا أبالغ كثيرًا
فقط اعلمْ
أن الفضاءَ مسَّني مرةً
رأيتُ المجرَّات تركضُ وتتدافع
من خلال شرخِ الكونِ.
يا ربُّ
سوف أتعلمُ السّيْرَ
بلا كللٍ
حتى أسقطَ
في الظلام.
لي حاجبٌ واحدٌ
وعتيق
تكمنُ فيهِ حياتي
يقبعُ في جِذْرٍ من كلِّ شعيرةٍ
ملاكٌ
لكي يرفعَها

يا مسيح
أسمعُ الخطايا تفورُ خلالِ العشبِ
أحدُهمُ هناك لابدَ.
لو أمكنني لعقُ هذا الزجاج
لأتركه نظيفًا
ربما رأيتها من هذه الناحية
مع أنها
تحملُ نظرةً
كم ودتْ روحي أن تجرِّبَها.
أقفُ هكذا
متكئةً على سطح مكتبي
في وضعيةٍ جاهدتُ في الحفاظِ عليها
فقط لأتأملَ الحياةَ الطَّيبةَ
من المهم جدًا
أن يبقى هذا الدُرجُ مغلقًا
حتى لا ينزلقَ قلبي
ويطير بعيدًا..

-------------------------------

جو شابكوت من مواليد لندن عام 1953، حاصلة على درجة الزمالة في جامعتي كامبردج وهارفارد الأمريكتين، وفازت بعدة جوائز شعرية رفيعة منها جائزة الكومونولث عن ديوانها الأول "طلاءُ رضيع" عام 1991 وجائزة الشعر الدولية عن ديوانها الثاني "العبارة" في نفس العام وجائزة الشعر البريطاني. واحتفى بها النقاد الغربيون كونها تجمع بين الفانتازي والواقعي على نحو بارع مع مقدرة على خلق عالم فوضوي يحرّض قارئها على رؤية الأشياء من حوله على نحو مختلف. قُدمّت للعربية لأول مرة في أنطولوجيا "مشجوجٌ بفأس"، قصائد من الشعر البريطاني والأمريكي المعاصر، ترجمة فاطمة ناعوت، وصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر عام 2004. بعض قصائد هذا الملف منشورة ضمن هذا الكتاب.

جريدة "النهار"- بيروت

[1] - ربما تقصد "آنّا بافلوفا" راقصة البالية الروسية الشهيرة (المترجمة)

[2] - رسامة إنجليزية ناهضت فكرة اتكاء الفن على جمال جسد المرأة ورسمت عوضا عن ذلك الأحشاء الداخلية للجسم البشري. أشهر لوحاتها "زهرات البَول". وتمثل النتوءات التي يحفرها البول البشري فوق سطح الجليد. (المترجمة)

[3] - عنوان إحدى اللوحات التشكيلية للإنجليزية هيلين تشادويك"، وهي تصور النتوءات والتعاريج التي يحفرها البول البشري فوق قطعة






















































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يا الله، من رسم الخطوط حول الدول؟ ترجمة:

07-تشرين الأول-2017

«الشاعر» هاني عازر

20-تموز-2014

نوبل السلام لأقباط مصر

28-حزيران-2014

هنركب عجل

18-حزيران-2014

النور يعيد السيدة العجوز

11-حزيران-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow