تهريب، تهريب!!!
خاص ألف
2013-01-21
هريب تهريب، يستقبلك فوجٌ من صيادي الغريب، أتراك اللواء السليب، عندما تترجل من سيارة ما، نقلتك من جحيم سوريٍّ، سفليٍّ، أو علويٍّ لافرق، على معبر باب الهوى الحدودي.
كنت و"مؤيد" و"لما" عائدين ليلاً من مخيم أطمة الزيتون، في الداخل السوري المحرر، عند الساعة الثامنة مساءً تقريباً، بعد جولةِ تسليم مواد إغاثيةٍ، إلي ذلك المعبر "البرزخ"، وكالعادة، بعد ان تعلمت كيفية التعامل مع أولئك الصيادين المتمرسين على اصطيادك، كيما يدخلونك الى تركيا بشكل غير نظامي وذلك عبر الإلتفاف حول المعبر، عبر طريق زراعية طينيةٍ مليئة بأشجار الزيتون، وبعد بازارٍ وأخذٍ وردْ، وافق المهرب على تهريبنا بمبلغ 700 ليرة سورية، كانت هي المبلغ المتبقي معي ليلتها، لأني كنت المسؤول عن توزيع المساعدات العينية والمادية، داخل المخيم، ولم يتبق معي سوى ذلك المبلغ ليلتها، وكنت أعرف بأني حين سأعبر الى تركيا، سأتصل بأحد الأصدقاء، كي ينقلنا بسيارته، أو على الأقل، سيبعث لنا بتكسي، تقلنا إلي بلدة الريحانية الحدودية المجاورة للمعبر.
وفيما نحن على البازار "كما يقال بالعامية" مع المهرب، إذ بسيارة سوريةٍ صغيرة، بيضاء اللون بمقعدين أمامين، تتسع للسائق وبجانبه شخص آخر، ولها صندوق صغير مغلق، آتيةٌ باتجاهنا تماما، توقفتْ، ونزل منها السائق، وأنزل زوجته التي كانت بدورها تحمل طفلا رضيعا، تلفه بغطاءٍ سميك، لتقيه صقيع تلك الليلة التي انحدرت فيها درجة الحرارة الى ما دون الصفر حتما، وكان ضباب كثيف يلف الأنحاء، بغلالةٍ بيضاء باهتة، والأبخرة التي تخرج مع أنفاسنا تدلُّ على برودة تلك الليلة القاسية، وبعدها ذهب ليفتح مؤخرة السيارة، ليقع منها على الارض كمٌّ من الحاجيات التي بدت وكأنها جمعت على عجلٍ، ومعها وقع على الأرض أربعة أطفال، نعم وقعوا كمن كانوا حملا زائدا في السيارة، لايتجاوز أكبرهم العاشرة من العمر، إثنان منهما، بديا بملامح مرعبة وكأنهما قد جاءا لتوهما من جحيم لايعرف كنهه إلا من عاش لحيظاته، والآخران كانا بلا حذاء ولا حتى جرابات، بوجوهٍ متعبة، وتبدو ملامح اللامبالاة عليها، كان الأطفال مكدسين فوق بعضهم البعض كعلب كرتونية، وتحتهم، كم هائل من الأغطية، والثياب وحاجيات منزلٍ جمعت على عجلٍ ووجل، هرباً من قصفٍ لايفرّق بين بيت وبيت، بين كبير وصغير، بين امرأة أو رجل أو طفل، وكانو يرتجفون من الخوف والبردْ.
هجم عليهم، كما هجم علينا من قبل، صيادوا الفرص، مهربي البرزخ إياه، وابتدأو بالبازار، لكن رب العائلة لم يكن يملك مالاً ولا الأم أيضاً، فقد كان هروبهما للنجاة بحياتهم، غير آبهين بالمال "إن توفر أصلا"، ولا بأي شيئٍ آخر سوى النجاة من قصف طائرات الأسد الغادرة.
سمعت المهربين يتكالبون على تلك العائلة النازحة الهاربة من الجحيم، سمعت أحدهم يقول: اعطني الساعة التي بيدك، والآخر يريد مسجلة السيارة، مقابل تهريب عائلتك، فتوجهت الى قلب تلك المعمعة، محاولا فك أسر تلك العائلة، من براثن المهربين، مازحا أحياناً ولابسا ثوب الجد أحياناً، وكأني خبير تهريب وتربطني صداقةٌ مصلحةٍ باؤلئك المهربين، وقلت للمهرب: إنها عائلة أختي الهاربةْ، وسأدفع لك ماشئت حين نعبر الى الجانب التركي، فوافق المهرب على مبلغ ألفي ليرة سورية،لتهريبنا جميعاً، عائلة أختي المفترضة، أختي وخمسة أطفال، أصغرهم بعمر أربعة أشهر، اسمه "أحمد"، و زينب، وخالد وعبد الله وفرج، وقال لي الزوج"أخي هدول أمانة برقبتكون، وأنا رح فوت بالسيارة نظامي، ورح لاقيكون بالجانب التركي"، لأنه على مايبدو يحمل جواز سفر سوري نظامي يؤهله للدخول بسيارته عبر المعبر النظامي لباب الهوى.
توليت انا حمل أحمد الرضيع، وعلى ظهري شنطة كبيرة بها كل معداتي، من كاميرا وفيديو، وبعض الماء، والكثير من بوح الخاطر ونبض التجارب، التي كنت ادونها يوما بيوم، حتى لايداهمني الألزهايمر مبكرا وأفقد بعضا منها، وتولت لما حمل زينب، وتولى مؤيد حمل خالد، وبقي عبد الله وفرج يمشيان بجانبنا لانهما يلبسان حذائيهما المفترضين.
في أطمة، تعزفُ السماء أمطارها بشغفٍ،
تفرغ الغيمات أثدائها، دفعة واحدة،
على عراتكَ يا الله.
في أطمة،
يعربد الطين،
الزيتون،
والصقيع، في حانةِ الفقراء ذاتها،
تلك ال من تنك وقصدير عتيقٍ كالفقر،
ويسبغ الموت أسداله، بلا رأفة ،
على الخيماتِ،
حارقاً جسد الصبية،
المرتجفة من خوفٍ وبرْدْ.
أطمة
المسورة بأسلاكٍ
كي لايعبر الفرح،
لكن زينب كانت تضحك،
وأحمد كان يعبئ النجمات في عبه،
وليلى الصغيرة،
صنعتْ فرحاً من بقايا الزجاجاتِ
ولبنى ال من حمص،
كانت تلوك بقايا غصن زيتونٍ
وتبتسم للغريب المرْ
يتبع.
08-أيار-2021
27-كانون الثاني-2013 | |
21-كانون الثاني-2013 | |
21-كانون الأول-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |