Alef Logo
الآن هنا
              

" صفحة من دفتر النشر الخاص في مصر

مؤمن سمير

خاص ألف

2013-05-07

في تسعينيات القرن الفائت كان المشهد الإبداعي في مصر يتحلق حول ثلاث كلمات .. مؤسسة ، ورجال ، وسياسة : مؤسسات حكومية عتيدة وراسخة ومنتشرة ، يسيطر عليها رجال تم اختيارهم بعناية فائقة ، لتنفيذ سياسة محددة ومنهج معلوم تم التوصل إليهما كصيغة أكثر عملية وواقعية – بعد تجربة العديد من الصيغ في العهود السابقة - في التعامل مع الفئة الخطرة المسماة بالمثقفين .. هذه السياسة أو الغرض أو الخطة هي صنع دوامة بالغة العمق والتجليات والزوايا ( ضجيج ثقافي دائم وإن كان بلا طحين معرفي حقيقي ) فيتوه المثقف في جوانبها وأركانها ومراياها الوهمية بينما الجالس في الأعلى يبتسم ثم يضحك بكل قبح .. ينشغل ذلك المثقف عن طموحه ودوره – كفاعل عضوي في مجتمعه وفي نوعه الأدبي أو الفكري وتنظيره وصياغته الخ .. – أو بالأحرى ينشغل بدوره الجديد الذي آن أن ينفذه .. فيظل يجري من هنا لهناك طمعاً في طبع كتاب أو حضور مؤتمر أو سفرة خارجية .. وما إلى ذلك من الأنشطة التي لا تتوقف أبداً وتشده شداً للحظيرة وبريقها الذي يعمي القلوب .. وأصبح من العادي أن يتحول الجدال بين المثقفين من مناقشة القضايا المُلِحَّة في كل الاتجاهات إلى الخلاف على المناصب العديدة والمتشعبة و" البَدَلات " ! وهكذا تتخلص الدولة من خطر" الأفندية الأرازل " ! بتعبير المرحوم السادات ، بطريقة ناعمة تليق بالوزير الناعم !! وتحقق " شكلاً " للدولة راعية العلم والأدب والفنون التي نجحت إلى حد كبير في أن تنسى أي خطر قد يحدق بخططها من جهة هذه الفئة بالذات ، وتتفرغ بالتالي لمهامها الاستبدادية المتلونة الأخرى .. كيف وقد حولتهم لشكل عصري من العبيد والشُطَّار والعَيَّارين الذين يبدلون أيدلوجياتهم كل صباح بما يلائم المغنم الذي يلوح أو مزاج السيد الذي يبدل مسامير مقرعته كل لحظة .. ومن ضمن أدوات هذا المخطط كان النشر بالطبع .. فتم تنشيط سلاسل متعددة ازدحمت عن آخرها بالمبدعين الذين ينامون وهم يحلمون بأن يأتي الدور عليهم بسرعة وأن تمر تلك الأعمال من بين فَكَّيْ اللجان التي تستطيع أن تعطي الصك أو توقف القطار .. لم تستطع الدولة أن تتسامح مع أي خروجات دينية أو أخلاقية كيلا تفتح بوابات الحرية للانتقاد السياسي الذي قد ينذر بتنبيه الغافلين .. لا أخلاق ولادين للدولة – أي دولة – وإنما الخوف كل الخوف – طول الزمن – لا يكون إلا من طائر الحرية الذي إذا دخل من فرجة في النافذة فإنها لا تنغلق بعده أبداً .. لذلك لم يكن هناك سبيل إلا النشر الخاص الذي يهرب فيه المبدع من قوائم الانتظار و من كلاَّبات الرقابة .. تساوق هذا الأمر مع ظهور أجيال جديدة من الكتاب كانت تكتب بطريقة مختلفة وعصرية وأكثر ميلاً للتجريب وأكثر انفتاحا على كل الثقافات والمتغيرات التقنية .. وهكذا تقاطعت بعض دور النشر الخاصة بالكتابة الجديدة فارتبطت دار مثل " شرقيات " بقصيدة النثر وكتابة التفاصيل ودار مثل " ميريت " بالمشهد الروائي الجديد .. الخ ... لكن الأمور كعادتها لا تخلو من سلبيات عملية تليق بالواقع العشوائي .. منها رفض غالبية الدور كتابة عقد مع المبدع اعتماداً على العلاقة الشخصية فيعيش الكاتب قلقاً عجائبياً ورخيصاً إلى أن يستلم نسخ كتابه .. النسخ التي لايتم الاتفاق إلا على عدد الألف منها والذي واقعياً لا ينفذه الناشر ، لأنك يا عزيزي " لا تعد النسخ وراءه " ! ثم إنه يكفي عليكم مائتي نسخة .. " يعني من كُتْر القراء ياخَيْ " !! وبالأساس فكرة أن يُكَلِّف المبدع كتابه ويدفع للناشر نقوداً جعلت الأمر أقرب لشخص يتم خداعه برغبته هو .. فأنت تدفع لقاء اسم الدار فقط ولا تستطيع في كل الأحوال أن تجد نسخاً والعدد المطبوع القليل لا يسمح بالتوزيع الذي ليس في طموح الدور أصلاً !! لأنها تكتفي بالمعارض وبمن تعرفهم من الصحفيين وبنقاد معينين .. إذن الأمر محض نشر سري ... تسمع عن كتب ولا تراها وأصحابها لا يملكون منها نسخاً .. لكنك لاتنكر أبداً ، أنه عن طريق شبكة من الأصدقاء المنتشرين في المؤسسات الإعلامية يتم " التخديم " على الكتاب !! هذه هي الحقيقة التي تجعل الكثيرين يحسمون ترددهم .. فيتم ترشيح الكتاب لجوائز ويحظى بكتابة نقدية وما إلى ذلك .. نعم هو نفس الكتاب الذي لم يقرأه إلا القلة المعنية فقط ، المعنية ليس باختيارها ولكن وفق نشاط وحركية الناشر في الواقع الثقافي ...
النشر الخاص مفيد ؟ بالطبع ..
وهو ضرورة لا حياد عنها خاصة مع بزوغ أفكار تفكيك وزارة الثقافة وهيئاتها البيروقراطية وما إلى ذلك ...
يحرك المياه الراكدة ويفتح آفاقاً ومساراتٍ من دونها الحياة الثقافية ميتة ؟ يقوم بهذا بالتأكيد ... يتواشج مع فكرة الحرية التي لابديل عنها للمبدع ولعملية الإبداع ذاتها ؟ بالضبط ..
قاسٍ وبهلواني ويقترب من العبث ومستغل ....؟ نعم للأسف ...

تعليق



Jola

2015-12-19

Good job mankig it appear easy.

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

كانَ تمثالاً يُغمِضُ وينتظر

20-تموز-2019

" ينفتحَ يقيني فأراكِ "

19-كانون الثاني-2019

" يجلسُ على حَجَرٍ ويتذكر نزار قباني"

22-كانون الأول-2018

الجبل الذي أمامي

24-تشرين الثاني-2018

الجبل الذي أمامي

03-تشرين الثاني-2018

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow