اِستراحةُ المُحارِبِ./ 4 تِــلكَ الرائِــحَةُ.
2010-10-08
كَتَبَتْ على صَفْحَتِهَا في الـ"فِيْسْ بُوْكْ":
" لِلغيابِ رائحةٌ كما لِلحُبِّ. ولِكُلِّ رائحةٍ زمنٌ حَيٌّ تولَدُ مِنْهُ، وتعيشُ فيهِ، ومعَ استنشاقِها في زمنِها الَّذي بَزَغَتْ فيهِ تسكُنُ في الذَّاكرةِ كالأيَّامِ، ببساطةٍ تخفقُ قلوبُنا بِمَنْ نُحِبُّ، وببساطةٍ نشتاقُ إليهِمْ عندَما يغيبُونَ. ببساطةٍ تأكلُنا غُصَّةُ الحزنِ، وببساطةٍ تُنْعِشُنا كلمةٌ مِنْهُ، أو خَبَرٌ عنهُ. ببساطةٍ كُلُّ شيءٍ يأتي ويذهبُ. الحياةُ ليسَتْ بحاجةٍ إلى تعقيداتٍ، ولا إِلى حساباتٍ ومعادلاتٍ ودسائسَ ومؤامراتٍ؛ لأَنَّنا ببساطةٍ سنحصلُ على ما هُوَ لنا فقط. لَمْ نصدِّقْ أَنَّ الحياةَ بسيطةٌ، أبسطُ مِمَّا نظنُّ.".
أثارَتْهُ كلماتُها العتيقةُ عِتَقَ عُمُرِهِ، الصَّادقةُ صِدْقَ الحقيقةِ، وتمنَّى لَوْ كانَ هُوَ المقصودَ مِنْ تلكَ الكلماتِ؛ وتساءَلَ: تُرَى كيفَ شَكْلُها الآنَ، وقَدْ مَرَّ على آَخِرِ لقاءٍ لهُمَا عُمْرٌ مديدٌ.؟. كَمْ ولداً صارَ لَدَيْها.؟، هَلْ ذَوَى جمالُها.؟، أَمْ لا تزالُ تحتفظُ بِهِ، ومِنْهُ تستمِدُّ قُوَّتَها في إِغواءِ أبناءِ جيلِها مِنْ طُلَّابِ الجامعةِ حينَها.؟.
زَمَنٌ طويلٌ مَرَّ، أنجبَ وأنجبَتْ، وكبُرُ الأولادُ، ولكِنَّ الرَّائحةَ بقيَتْ طازَجَةً، كما لَوْ أَنَّهُ يَشُمُّها البارحةَ، حينَ كانَتْ تمرُّ أمامَهَ، ترمُقُهُ بِنظرةٍ مُغْوِيَةٍ، تجعلُ أيَّ شابٍّ يتبعُها دونَ حتَّى أَنْ يفكِّرَ في العواقبِ، كانَتْ تسيرُ على مَهَلٍ، وكانَتْ تنبعثُ مِنْها رائحةٌ، ليسَتْ عِطْراً، ليسَتْ مُصَنَّعَةً، كانَ واثقاً حينَها أَنَّ جسدَها يفرزُ هذه الرائحةَ كي تجعلَ الشَّبابَ يتبعونَها حيثُما ذهبَتْ، وكيفَما تحرِّكَتْ.
لَمْ يكُنْ يجرُؤُ على التَّكَلُّمِ معَها، معَ أَنَّها حينَ كانَتْ تسيرُ أمامَهُ، كانَتْ تتلفَّتُ بِحركاتٍ أنثويَّةٍ طاغيةٍ، تنبعثُ رائحتُها مِنْها، وكأنَّها تقولُ لهُ: "اِقترِبْ، تعالَ، أنا أريدُكَ أَنْ...". ولكنَّهُ - ولأَنَّهُ يعرفُ أَنَّ كُلَّ طُلَّابِ الجامعةِ حينَها كانُوا يعشقونَها؛ فلَمْ يكُنْ يُريدُ أَنْ يكونَ واحِداً مِنَ القَطيعِ. وكانَ يعرفُ أَنَّها ستنساهُ في اليومِ التالِي، وتبحثُ عَنْ شابٍّ آَخَرَ تُغْوِيْهِ بِرائحتِها، رائحةِ الحُبِّ الَّذي كانَ يُسَبِّبُ المُتْعَةَ لِكُلِّ مَنْ حَوْلِهَا.
الرَّائحةُ لا تُنْسَى، كُلُّ شَيْءٍ يُنْسَى إِلَّا الرَّائحةُ، ولولا تلكَ الرَّائحةُ ما كانَ حتَّى تَذَكَّرَ أَنَّها كانَتْ موجودةً. وكما قالَتْ في رسالتِها: لِلذَّاكرةِ زَمَنٌ حَيٌّ تَلِدُ مِنْهُ، ولَكِنَّها نَسِيَتْ أَنْ تقولَ إِنَّ لَها زَمَناً لاحقاً تعيشُ فيهِ؛ وتستمرُّ فيهِ، وهِيَ الَّتي تُحَرِّضُ الذَّاكرةَ العاشقةَ دائماً لِكَي تَشُمَّ، نَعَمْ. لِلذَّاكرةِ حاسَّةُ شَمٍّ، ولِلرَّوائِحِ معانِيَ ليسَتْ كُلُّها تتعلَّقُ بِالحُبِّ، بَلْ قَدْ تتعلَّقُ بِالكراهيةِ، بِالحِقْدِ، بِالمَوْتِ.!.
الرَّائحةُ كيانٌ قائمٌ بِذاتِهِ، ورائحةُ الأُنثى تنبعُ مِنْ شَبَقِها نَحْوَ الرَّجُلِ، مِنْ رَغْبَتِهَا بِهِ، فكيفَ إِذا كانَ شَبَقُها لِكُلِّ الرِّجالِ.؟. كيفَ يُمْكِنُ استنشاقُ رائحةِ امرأةٍ تعشقُ الرِّجالَ، أَوْ رُبَّما تعشقُ أَنْ يعشَقَها كُلُّ الرِّجالِ.؟.
كَمْ مِنْ رائحةٍ نحملُ في ذاكرتِنا.؟ وكَمْ مِنِ امرأةٍ مَرَّتْ في حياتِنا.؟ ولَكِنْ لِكُلِّ رائحةٍ زَمَنٌ، ولِكُلِّ زمنٍ امرأتُهُ الَّتي تخترعُ عِطْرَها الخاصَّ.!. ولَكِنَّ رائحةً واحدةً هِيَ الَّتي تبقَى الأقوَى، وتطردُ بقيَّةَ الرَّوائِحِ إِلى مناطقَ مَنْسِيَّةٍ في الدِّماغِ.!.
لأَنَّها تدري حجمَ تأثيرِها في تلكَ الفترةِ البعيدةِ على شبابِ جيلِها، كتبَتْ تلكَ الجُمْلَةَ، لِكَيْ تعتذِرَ رُبَّما حينَ قالَتْ: "الحياةُ ليسَتْ بِحاجةٍ إلى تعقيداتٍ، ولا إِلى حِساباتٍ ومعادلاتٍ ودسائسَ ومؤامراتٍ؛ لأَنَّنا بِبساطةٍ سنحصلُ على ما هُوَ لَنَا فقط. لَمْ نُصَدِّقْ أَنَّ الدُّنيا بَسيطةٌ، أبسطُ مِمَّا نَظُنُّ.!.".
كتبَ لها على صفحتِها على الـ"فيس بوك":
تلكَ الرَّائحةُ، مازالَتْ تستوطِنُ ذاكرَتِي، رَغْمَ الزَّمَنِ الَّذي مَرَّ.
فكتبَتْ: "كُنْتُ أَتَمَنَّى لَوْ أَنِّني تذكَّرْتُكَ، لَبَحَثْتُ عَنْ رائحتِكَ في ذاكرتِي.".
هَلْ تَمَّحِي - بَعْدُ جوابِها هذا - رائحتُها مِنْ ذاكرَتِهِ.؟.
حاولَ، ولَمْ يستطِعْ.!.
فكتبَ لَها:
حاولْتُ أَنْ أُزِيْلَ تلكَ الرَّائحةَ، إلاَّ أَنِّي لَمْ أستطِعْ. سامحينِي لأَنِّني أخالفُكِ الرَّأْيَ، حينَ كتبْتِ:" لَمْ نُصَدِّقْ أَنَّ الحياةَ بسيطةٌ، أبسطُ مِمَّا نَظُنُّ، فأنا أراها أكثرَ تعقيداً مِمَّا نَظُنُّ.!.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |