مُبَرَّرٌ للمسيحيَّةِ عصورُ ظلامِها .. فما هو مُبَرِّرُ عصورِ ظلامِنا.؟.
2010-11-12
عاشَتِ الدُّولُ الأوروبيَّةُ في القرونِ الوسطَى عصورَ ظلامٍ، تشبهُ إلى حدٍّ بعيدٍ ما نعيشُه نحنُ اليومَ في الدُّولِ الإسلاميَّةِ مِنْ تخلُّفٍ دينيٍّ وانحطاط في الفكر؛ وقَتْلٍ وتدميرٍ بقيادةِ الكنيسةِ المسيحيَّةِ، بمختلفِ مذاهبِها، وما أشبهَ محاكمَ التَّفتيشِ المسيحيَّةِ، بمحاكمِ التَّفتيشِ الإسلاميَّةِ الَّتي تُكَفِّرُ كلَّ مَنْ يخالفُها الرَّأيَ، معتمدةً على قولٍ لِلنَّبيِّ قالَهُ في مناسبةٍ ما، لسببٍ محدَّدٍ ما.
في تلكَ العصورِ المسيحيَّةِ (من سنةِ550 م، إلى سنةِ 1000م.) انتشرَ الجهلُ والخرافاتُ، وسيطرَتِ الكنيسةُ بتخلُّفِها على شعوبِ المنطقةِ، متحالفةً معَ الإقطاعِ الَّذي كانَ سائداً، وقدْ سمَّى المؤرِّخُ " إدوارد جيبون. 1737م ـ 1794م." تلكَ المرحلةَ بألفِ سنةٍ منَ الهمجيَّةِ والدِّينِ.
فترةً صعبةً وطويلةً ومزريةً كانَتْ تلكَ المرحلةُ، صارَ رجالُ الدِّينِ المسيحيِّينَ يبيعُونَ الرَّعايا قِطَعاً مِنَ الجنَّةِ؛ ويطوِّبُونَها باسمِهِمْ، بعدَ موتِهِمْ، وكانَتْ محاكمُ التَّفتيشِ تُلاحِقُ أيَّ شخصٍ يخرجُ عنْ أصولِ الدِّيانةِ، وقوانينِها، وتسجنُه، وتعدمُه وتدينُ النِّساءَ، وتُحرقُهُنَّ. كلُّ الموبقاتِ والجرائمِ البشعةِ، ارتُكبَتْ في تلكَ العصورِ باسمِ الدِّينِ، وكانَ صمتُ الحكَّامِ الإقطاعيِّينَ، وخلافاتُهُمْ وحروبُهُم المستمرَّةُ، مِنْ أجلِ السَّيطرةِ على مقاليدِ الحكمِ، أو ضمِّ دولةٍ صغيرةٍ إلى إمبراطوريَّتِهِمْ، هوَ ما أطلقَ يدَ رجالِ الدِّينِ، ليتصرَّفُوا دونَ أيِّ رادعٍ؛ فيغتصبُون النِّساءَ، ويسرقُونَ أموالَ النَّاسِ؛ والشَّعبُ ساكنٌ صامتٌ، عدا بضعَ ثوراتٍ قامَتْ، ووُئِدَتْ في زمنٍ قصيرٍ.
كانَتْ محاكمُ التَّفتيشِ تعدمُ، وتسجنُ، وتحرقُ، وتتَّهمُ بالشَّعوذةِ النَّاسَ على الشُّبهةِ، أو لعدمِ التزامِهِمْ بقوانينِ تلكَ المحاكمِ.!. ولا أعتقدُ أنَّ من داعٍ إلى شرحِ ما حدثَ، أو التَّوسُّعِ بهِ، فهوَ معروفٌ لدى الجميعِ، فما كُتِبَ عنهُ يشكِّلُ مئاتِ آلافِ الصَّفحاتِ.
لم تنتَهِ هذه القرونُ المظلمةُ بينَ عشيَّةٍ وضُحاها، وإنَّما احتاجَ التَّخلُّصُ منها أكثرَ منْ ثلاثةِ قرونٍ منَ الكفاحِ الفكريِّ والعلميِّ. بل ربَّما كانَ التَّخلُّصُ التَّامُّ منْ هيمنتِها، لم يتحقَّقْ إلاَّ في نهايةِ القرنِ الثَّامنَ عشرَ، أيْ أنَّ خمسةَ قرونٍ أوْ أكثرَ، امتدَّتْ منَ القرنِ الثَّاني عشرَ، إلى الثَّامنَ عشرَ، كانَتْ ميدانَ الصِّراعِ لتنصيبِ العقلِ المستنيرِ، وتجفيفِ ما بقيَ منْ مستنقعاتِ الظَّلامِ. وهذا يدلُّ على أنَّ الحدَّ التاريخيَّ الفاصلَ الَّذي تظهرُهُ عمليَّاتُ التحقيبِ، لا وجودَ له، وإنَّما هوَ مسألةٌ نسبيَّةٌ تُطْرَحُ للتَّوضيحِ؛ لأنَّهُ لا يوجدُ حدثٌ واحدٌ، ولا قرارٌ واحدٌ يمكنُ أنْ ينقلَ الوعيَ مِنْ عالمِ الخرافةِ إلى عالمِ العقلِ.
كانَ مبرَّراً للمسيحيِّينِ ما مرُّوا بهِ منْ عصورِ ظلامٍ، دامَتْ قروناً عديدةً، فلمْ تكنْ لديهِمْ كلُّ ما لدينا اليومَ مِنْ وسائلِ الحضارةِ، وسرعةِ الاتِّصالِ، وتراكمِ الثَّقافاتِ. ولمْ تكنْ هناك دولٌ عظمَى تدَّعي الدِّيمقراطيَّةَ، ولمْ يكنْ لديهِمْ أممٌ متَّحدةٌ، ولمْ تكنْ لديهِمْ وسائلُ الاتِّصالِ الَّتي لدينا اليومَ؛ لمْ يكنْ لديهِمْ أيٌّ مِنْ وسائلِ الحضارةِ الَّتي لدينا اليومَ. فما هوَ سببُ عصورِ الظَّلام الَّتي نعيشُها اليومَ، وما مبرِّرُ محاكمِ التَّفتيشِ الإسلاميَّةِ الَّتي تنتشرُ في دولِ المنطقةِ، ولكلٍّ منها وجهةُ نظرٍ تختلفُ عنِ الأخرَى. ولكلٍّ منها نصيبٌ منْ أحاديثِ النَّبيِّ، تحتجُّ بهِ لممارسةِ سلوكِها، وإذا عرفْنَا أنَّ هناكَ ما يزيدُ عن مليارِ حديثٍ - إذا ضمِنَّا الرِّواياتِ المختلفةَ لكلِّ حديثٍ - فتخيَّلُوا كيفَ يمكنُ الاستفادةُ منْ تلكَ الأحاديثِ، لتبريرِ قتلِ النِّساءِ على الشُّبهةِ، وتبريرِ جرائمِ الشَّرفِ، وفرضِ الحجابِ، ليصبحَ تقليداً اجتماعيّاً عندَ بعضِ طبقاتِ المجتمعِ، وتكفيرِ النَّاسِ الَّذينَ لا يتماشَوْنَ معَ إحدى الاتِّجاهاتِ المنتشرةِ كالوباءِ في المنطقةِ الإسلاميَّةِ.!.
شرحْتُ أسبابَ كلِّ ذلكَ في مقالاتٍ سابقةٍ لي، ولكنَّني أكتبُ اليومَ لأطرحَ سؤالاً: هلْ سنعيشُ خمسةَ قرونٍ، كما عاشَ المسيحيُّونَ في ظلِّ محاكمِ التَّفتيشِ، ودكتاتوريَّةِ الدِّينِ، أمْ سيكونُ الخلاصُ قريباً.؟؟؟.
لا شيءَ يدلُّ، أوْ يعطي إشارةً إلى أنَّ الخلاصَ قريبٌ.!. فإذا كانَتْ عصورُ الظَّلامِ المسيحيَّةُ نتائجَ تحالفِ الإقطاعِ معَ رجالِ الدِّينِ المسيحيِّينَ، وعصورُ الظَّلامِ الإسلاميَّةُ نتيجةَ تحالفِ القوى العُظمى معَ أصحابِ دولِ النِّفطِ الإسلاميَّةِ؛ فكيفَ ستنتهي تلكَ المرحلةُ.؟، هلْ ننتظرُ حتَّى ينضُبَ نفطُ المنطقةِ.؟؟. وكيفَ سنتخلَّصُ منْ عذابِ المسموحِ والممنوعِ، ومِنْ أصواتِ المؤذِّنينَ تتعالى بمُكَبِّراتِ الصَّوتِ حتَّى تُصِمَّ آذانَنا، يُزاحمُ بها مؤذِّنٌ مؤذِّناً آخرَ.؟؟؟.
رجالُ دينِ مستفيدونَ، وسلطةٌ مستفيدةٌ، وشعبٌ خاضعٌ. في الحقيقةِ، أشكرُ الزَّمنَ الَّذي لم يجعلْنِي أعيشُ كثيراً منْ عصورِ الظَّلامِ هذهِ، ولكنِّي قَلِقٌ على أولادِي وأحفادِي منْ زمنٍ أغبرَ ينتظرُهُم.!.
لا أحدَ يستطيعُ استبصارَ المستقبلِ، ولكنَّنا لسْنَا مستعدِّينَ لأَنْ تعيشَ أجيالٌ منْ بعدِنَا في هذا التَّخلُّفِ المستحكِمِ، فمِنْ واجبِنا أنْ نفعلَ شيئاً، ولوْ أنَّ الجانبَ الآخَرَ - لا أقولُ غيرَ المتديِّنِ، فالدِّينُ غيرُ التَّعصُّبِ الدِّينيِّ- ، لو أنَّ الجانبَ غيرَ المتعصِّبِ يقفُ وقفةَ رجلٍ واحدٍ، ويفكِّرُ في طريقةٍ تُخَلِّصُ أجيالَنا القادمةَ مِنْ سيطرةِ التَّعصُّبِ والسَّلفيَّةِ والتَّخلُّفِ؛ لربَّما استطعْنَا تأسيسَ شيءٍ ما، لا أعرفُ وصفاً لهُ، ولا طريقةً لتكوينِهِ، ولكنَّهُ ضروريٌّ، بل ضروريٌّ جدّاً أنْ نقفَ في وجهِ السَّلفيَّةِ والتَّخلُّفِ، وسطوةِ رجالِ الدِّينِ الأمِّيينَ.!.
..................................
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |