هذياناتٌ غيرُ مترابطةٍ عنِ الإبداعِ والمُبدعينَ.
2010-11-26
ما هيَ صفاتُ الكاتبِ الكبيرِ، وما هي الأسسُ - في منطقتنا العربية - الَّتي تجعلُ كاتباً ما كبيراً وعالميَّاً ومُعتَرَفاً به مِنَ الجميعِ.؟. سواءٌ كانَ شاعراً أو روائيَّاً أو كاتبَ قصَّةٍ قصيرةٍ أو ناقداً.؟.
هل يكفي أنْ يمتلكَ الكاتبُ أدواتِ الكتابةِ بكمالِها، والُّلغةِ بدقائقِها، والثَّقافةِ بشموليَّتِها، أمْ أنَّ عليهِ أنْ يمتلِكَ مواصفاتٍ لا يمتلكُها غيرُه، مواصفاتٍ هيَ تحديداً ما تجعلُ منهُ كاتباً كبيراً، حتَّى لوِ استثنينَا كلَّ المواصفاتِ والصِّفاتِ الأُخرى.؟.
نسألُ كيفَ أصبحَ "عبدُ الرَّحمنِ مُنيف" و "زكريَّا تامرُ" ، "نزارُ قبَّاني" و"أدونيسُ"، و"محمودُ درويشُ"، و"بدرُ شاكرِ السَّيابِ"، و"سعدي يوسفَ" و"عبدُ القادرِ الحُصْنِيُّ" وغيرُهم شعراءَ كباراً؛ فيما بقِيَ كثيرُونَ غيرُهُمْ، يمتلكُون ما يمتلكُه هؤلاءِ مِنْ أدواتِ الشِّعرِ والُُّلغةِ والثَّقافةِ في الظلِّ، مثلَ "نزيهِ أبو عفشَ" ومَنْ يُمَثِّلُهُمْ، وهُمْ لا يقِلُّونَ عنهُمْ في شيءٍ من أدواتِ الشِّعرِ والأدبِ، بلْ ربَّما بعضُهُمْ يفوقُونَهُمْ إبداعاً وشاعِريَّةً..؟.
أقولُ: إنَّ على الكاتبِ أنْ يمتلِكَ صفةً إضافيَّةً، عدا حالاتٍ استثنائيةً، سنتحدَّثُ عنها لاحقا، هِيَ صفةُ التَّسويقِ.
يجبُ أنْ يعرفَ الكاتبُ كيفَ يُسَوِّقُ نفسَهُ، لِيصبحَ كاتباً كبيراً، كيفَ يتصرَّفُ، كيفَ يتعاملُ معَ الصَّحافةِ، متى يكونُ متواضعاً، ومتى يكونُ صَلِفاً، كيفَ يختلِقُ المعاركَ الثَّقافيَّةَ، ومتى يُطلِقُ تصريحاتٍ ناريَّةً تضعُهُ في الواجهةِ الإعلاميَّةِ.ّ.
الكاتبُ كأيِّ مُبدعٍ أوْ فنَّانٍ، يجبُ عليهِ أنْ يكونَ مُتلاعباً، صادقاً حيناً، وكاذباً حيناً آخَرَ، يُتقِنُ ابتكارَ معاركِهِ الثَّقافيَّةِ الكبيرةِ، ويبتعدُ عنِ المعاركِ الصَّغيرةِ.
وهناك نوعٌ آخَرُ منَ الكُتَّابِ الكِبَار، وهُمْ في العادةِ أقلُّ موهبةً مِمَّنْ ذكرْنَا؛ ولكِنْ خلفَهُمْ أحزابٌ تُسَوِّقُهُمْ، فباستثناءِ "سعيدَ حورانيَّةَ" القاصِّ المبدعِ، فإنَّ جميعَ كُتَّابِ الحزبِ الشُّيوعيِّ السُّوريِّ أنصافُ مواهِبَ ، سَوَّقَ لهُمُ الحزبُ لِيُصبحُوا في الواجهةِ؛ ومنهُمْ مَنْ لا يمتلِكُ أساساً أيَّةَ موهبةٍ إبداعيَّةٍ، كَـ"أيمنِ أبي شَعْرٍ" الَّذي كانَتِ المُدَرَّجاتُ تُمْلَأُ بحُشودِ الذينَ جاؤُوا لِيُصَفِّقُوا لكلِّ كلمةٍ يقولُها.!!!.
ومثلُهُمْ كُتَّابُ حزبِ البعثِ الَّذينَ ظهرُوا معَ استلامِ الحزبِ للسُّلطةِ؛ فَسَوَّقَهُمُ الحزبُ أوْ سَوَّقُوا أنفسَهُمْ عنْ طريقِ استلامِهِمْ مناصبَ ثقافيَّةً، فتملَّكُوا السُّلطةَ، وصارُوا في مرحلةِ السَّبعيناتِ وحدَهُمْ كُتَّابَ سوريةَ الَّذينَ يذهبُونَ إلى المهرجاناتِ الأدبيَّةِ؛ فيعرفُهُمْ مثقَّفُو البلدِ الَّذينَ يزورُونَهُ، ويعتبرُونَهُمْ هُمْ وحدَهُمْ كُتَّابَ هذا البلدِ، في الوقتِ الَّذي تواجدَ فيهِ كُتَّابٌ مبدعُونَ أكثرَ منهُمْ، وأبرَعُ منهُمْ، وأكثرُ ثقافةً منهًم~ أيضاً.
الكاتبُ الكبيرُ في النِّهايةِ صناعةٌ، يجبُ أنْ يتقنَها الكاتبُ، أوْ مَنْ يدعمُهُ نِيابةً عنهُ لاعتباراتٍ حزبيَّةٍ أوْ سِوى ذلكَ مِنِ اعتباراتٍ مُتَخَلِّفَةٍ، وإِلاَّ سيظلُّ - رَغْمَ تفوُّقِ مواهبِهِ على مواهبِ كُتَّابٍ مِنْ جيلِهِ - مركُوناً في زاويةٍ مهمَلَةٍ، لا يعترِفُ بهِ أحدٌ، ولا يعرفُهُ سِوى المُقَرَّبونَ منْهُ.
بالتَّأكيدِ، ما قلْتُهُ ليسَ كلَّ الحقيقةِ، لأنَّ بعضَ الكُتَّابِ استطاعُوا بكتابتِهِمْ فقطْ، وبإبداعِهِمْ فقطْ، وأحياناً بفهلويِّتِهِمْ فقطْ، أنْ يصبحُوا كُتَّاباً كباراً ومشهورينَ، يُدْعَوْنَ إلى المهرجاناتِ والمؤتمراتِ.!.
مِنْ هؤلاءِ، وبعيداً عن الأجيالِ، الرِّوائيُّ "فوَّاز حدَّاد" الَّذي استطاعَ أنْ يشقَّ طريقَهُ بصمتٍ ودَأْبٍ، حتَّى أصبحَ واحداً مِنْ رِوائِيِّي سوريةَ الكبارِ، ومنهُمْ أيضاً الرِّوائيُّ "خالدُ خليفةَ" الَّذي عملَ بدَأْبٍ دونَ دَعْمٍ مِنْ أيِّ حزبٍ أوْ سلطةٍ، ليصلَ إلى أنْ يكونَ مُرَشَّحاً لجائزةِ "البوكر" منذُ بضعةِ أعوامٍ.
لا تتَّسعُ الذَّاكرةُ للجميعِ، فلا شكَّ أنَّ أسماءَ استطاعَتْ أنْ تكونَ كبيرةً، لمْ أذكُرْها، وهناكَ أسماءٌ تجاهَلْتُ ذِكْرَها حتَّى لا تُثيرَ حساسيَّاتٍ ليسَ وقتُها الآنَ.
هناكَ حالٌ شاذَّةٌ واحدةٌ، لا أُريدُ أنْ أختِمَ فاتحتي هذهِ دونَ أنْ أذكرَها، وهِيَ شخصيَّةُ الشَّاعرِ "موريسَ قبقَ" الَّذي كانَ يُمكنُ أنْ يكونَ خليفةً لِـ"نزارِ قبَّاني" بجدارةٍ؛ ولكنَّهُ آثرَ تَرْكَ الشِّعْرِ بتصميمٍ وإرادةٍ، ولا شكَّ أنَّ إرادتَهُ كانَتْ جبَّارةً، فقدْ كانَ أمامَهُ أَحَدُ خيارَيْنِ، أنْ يكونَ شاعراً كبيراً، ويظلَّ فقيراً، أوْ أنْ يعملَ في التِّجارةِ؛ ويصبحَ ثريَّاً، وقتَها لمْ يكُنِ الثَّراءُ كما نعرفُهُ اليومَ، فآثَرَ الثَّراءَ، وعمِلَ في التِّجارةِ، وهجرَ الشِّعرَ نهائيَّاً. ولكنَّهُ تركَ بصمةً في الشِّعرِ لا يُمكنُ أنْ ينساها مَنْ عايشَهُ؛ أو قرأَهُ في منتصِفِ السِّتيناتِ.
وكذلكَ هناكَ رائدُ قصيدةِ النَّثرِ الشَّاعرُ الكبيرُ "سليمانُ عوَّادُ" الَّذي ضاعَتْ مؤلَّفاتُهُ؛ وضاعَ اسمُهُ بسببِ إهمالٍ مِنْ أهلِهِ، وأهلِ بلدتِهِ "السَّلَمِيَّةِ". وهُوَ دونَ مُنازعٍ أستاذُ الشَّاعرِ الكبيرِ "مَحَمَّدِ الماغوطَ" في قصيدةِ النَّثرِ. هيَ مُناسبةٌ لدعوةِ أهلِهِ، وأهلِ بلدِهِ، وكلِّ مَنْ قرأَهُ، أو عرفَهُ، لِلبحثِ عنْ كُتُبِهِ، وإعادةِ طباعتِها بشكلٍ لائقٍ حتَّى لا يغيبَ شاعرٌ كبيرٌ مثلَهُ عنْ ذاكرةِ النَّاسِ.
إلى السيِّدِ وزيرِ الثَّقافةِ أوَّلاً، وإلى "محمودَ عبدِ الواحدِ" بصفتِهِ الرَّسميَّةِ، أقولُ: "أَلا يستحِقُّ "سُليمانُ عوَّادُ" إعادةَ طِباعةِ كُتُبِهِ، لِتكونَ في مُتناوَلِ الباحثينَ..؟.".
سؤالٌ أعرفُ أنَّهُ لَنْ يجدَ جواباً.!!!؟؟؟.
وكم أتمنى أن أكون مخطئاً.!!!.
..............................
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |