إبليسُ كما يراهُ المتصوِّفةُ.
2010-12-24
الإيمانُ المطلَقُ يُلغي الذَّهابَ بعيداً في التفكيرِ، ويَحُدُّ منهُ. فكلَّما فكَّرْتُ في بعضِ ما جاءَ في القرآنِ الكريمِ، كلَّما زادَ يقيني بأنَّنا بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى التَّعمُّقِ فيما جاءَ بهِ، والبحثُ والتمحيصُ في كلماتِهِ.
وكلُّ مَنْ حاولَ تفسيرَ القرآنِ أوْ بعضِ آياتِهِ، بتفسيرٍ يختلفُ عنِ السَّائدِ، ويخرجُ عنْ أهلِ السنَّةِ، اعتُبِرَ كافراً، ومرتدَّاً، وعاقَّاً، وما إلى ذلكَ مِنْ صفاتٍ.!.
مَنْ أولئكَ الَّذينَ خرجُوا عنِ الإجماعِ، وذهبُوا بتفكيرهِمْ مَذْهباً يختلفُ عنْ إجماعِ أهلِ السنَّةِ.؟. المتصوِّفةُ. وهؤلاءِ ذهبُوا بعيداً في إيمانِهِمْ، لمْ يكتفُوا بالإيمانِ الخارجيِّ، بلْ تعمَّقُوا في مدلولاتِ كلامِ اللهِ ومعانيهِ، وخرجُوا بأفكارٍ فيها الكثيرُ منَ المعاني الجديدةِ لفكرةِ اللهِ، ولكنَّ أهلَ السنَّةِ همَّشُوهُمْ، ولاحقُوهُمْ، بلْ وأعدمُوا بعضَهُمْ، كما حدثَ لـ"الحلاَّجِ".
لِلمتصوِّفةِ رأيٌ في "إبليسَ"، وهوَ رأيٌ فيهِ الكثيرُ منَ الصَّوابِ، وفيهِ الكثيرُ منَ التَّمعُّنِ في التَّفكيرِ فيما وراءِ الكلماتِ، للدُّخولِ إلى معانيها الأبعدِ:
يرى المتصوِّفةُ أنَّ إبليسَ في عدمِ سجودِهِ لآدمَ في قولِهِ تعالَى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ." إن "إبليسَ" لمْ يرضَ السُّجودَ لآدمَ المخلوقِ مِنْ طينٍ، لأنَّهُ سبقَ وسجدَ لِخالقِهِ؛ فيقولُ الشَّيخُ مَحَمَّدُ شبستريُّ المُتصوِّفُ في كتابِهِ "درسُ دينٍ.": اِسمعْ منِّي حكايةَ الشَّيطانِ، أعرفُ أنَّكَ لا تعرفُها، بالرَّغْمِ مِنْ كُفْرِهِ اليومَ، غداً يكونُ مسلماً، وإذا كانَ في بَدْئِهِ شرَّاً؛ فسيصبحُ خيراً في النِّهايةِ، لأنَّهُ لا يُمْكِنُهُ الخروجُ عنْ قدرةِ اللهِ، وبالرَّغْمِ مِنْ طردِهِ مِنْ رِحابِ الحقِّ، يأتي وقتُ انتهاءِ الحُرُماتِ، ليعرفَ المُحْسِنَ مِنَ المُسيءِ؛ الشَّيطانُ هوَ الَّذي سيكشفُ الحقائقَ؛
وقدْ قالَ الشَّيطانُ لمَّا قالَ لهُ موسى :
أيُّها الشِّرِّيرُ.! لِمَ لَمْ تسجدْ، فأصبحْتَ ذليلاً. ؟!
ـ خَشِيْتُ أَنْ أُصبحَ مثلَكَ.
ـ مثلي، وأنا نَبِيٌّ. ؟! كذلكَ قالَ موسى.
قالَ الشَّيطانُ : لكَ النُّبُوَّةُ دونَ الفُتُوَّةُ، لأنَّكَ يومَ اللقاءِ قلْتَ : رَبِّ أَرِنِي، أنظُرْ إليكَ.
فلِمَ حوَّلْتَ نظرَكَ صوبَ الجبلِ.؟.
وستبقى محروماً مِنْ رؤيةِ اللهِ، أمَّا أنا، فقدْ عشقْتُ اللهَ وحدَهُ، ولِعِشْقِي لَهُ، لمْ أسجدْ لآدمَ، حتَّى لا أُحَوِّلَ وجهِيَ إلى غيرِهِ، فلا أعرفُ شيئاً سواهُ، قريباً كنْتُ، أوْ طريداً.
قالَ ذلكَ لِسِرٍّ، وفارقَ موسى.
وهوَ لا يعرفُ ماذا وقعَ، وأينَ أضحَى.
وهُمْ يرَوْنَ فيهِ (أنَّهُ أكملُ العِبادِ، وأفضلُ الخَلْقِ توحيداً.) لأنَّهُ لمْ يسجدُ لمخلوقٍ مثلِهِ، عندما أمرَهُ اللهُ بالسُّجودِ لآدمَ، وقالَ: "رَبِّ، كيفَ أسجدُ لِمخلوقٍ مِنْ طينٍ بعدَ أَنْ سجدْتُ لكَ.؟.".!.
الفكرةُ بحدِّ ذاتِها جديرةٌ بالمناقشةِ، فاللهُ قدْ خلقَ الجنَّةَ والنَّارَ والملائكةَ قبلَ أَنْ يخلقَ آدمَ؛ واللهُ عليمٌ بكلِّ شيءٍ: ( وعندَهُ مفاتحُ الغيبِ، لا يعلمُها إلاَّ هوَ، ويعلمُ ما في البرِّ والبحرِ، وما تسقطُ مِنْ ورقةٍ إلاَّ يعلمُها، ولا حبَّةٌ في ظلماتِ الأرضِ، ولا رَطْبٌ ولا يابسٌ إلاَّ في كتابٍ مُبينٍ.) الأنعام/59.
فهُوَ يعرفُ سلفاً أنَّ "إبليسَ" لنْ يسجدَ لآدمَ، ويعرفُ أيضاً، أَنَّ هناكَ مَنْ سيمنعُ بعضَ البشرِ مِنْ عبادتِهِ، وسيدخلَ النَّارَ الَّتي أوجدَها مُسْبَقاً، فكانَ لا بُدَّ مِنْ وجودِ "إبليسَ"؛ ولهذا نراهُ يستجيبُ لِدعوةِ إبليسَ الَّتي يعرفُ أنَّهُ سيسألُهُ إيَّاها، " قَالَ: رَبِّ، فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ.".
فلوْ أنَّهُ لمْ يمنَحْهُ هذهِ الفرصةَ، لَمَا استطاعَ جَرَّ بعضِ ضعافِ النُّفوسِ نحوَ عدمِ الإيمانِ باللهِ، أوِ الشركِ بهِ، ليكونَ مصيرُهُمُ النَّارَ، وهوَ العالمُ أنَّهُ أوجدَ النَّارَ لأجلِ أولئكِ الَّذينَ سيُشْرِكُون بِهِ.
وما دامَ كلُّ شيءٍ مكتوباً في اللوحِ المحفوظِ، فما معنى أَنْ نحاولَ هدايةَ أحدٍ ما مِنَ البشرِ.؟. وهوَ مُسَجَّلٌ ككافرٍ في اللوح الَّذي لا يتغيَّرُ..؟.
أقدارُنا مكتوبةٌ، فَلِمَ يقومُ الشُّيوخُ وأئِمَّةُ المساجدِ بدعوةِ النَّاسِ إلى الإيمانِ..؟.
قدْ يجدُ الكثيرونَ ردَّاً على كلامِيَ هذا، فالقرآنُ واسعٌ، وآياتُهُ تحملُ معانِيَ متعدِّدةً، وتفاسيرَ متعدِّدةً، ولسْتُ بصدَدِ الدُّخولِ في نقاشٍ، لسْتُ واثقاً مِنْ قدرتِي عليه، أمامَ جهابذةِ الدِّينِ، ولكنِّي أومنُ أنَّ المتصوِّفينَ وجدُوا، أوْ رأَوْا اللهَ بطريقتِهِمْ، وهذا حقٌّ لهُمْ، كما هوَ حقٌّ لأهلِ السنَّةِ أنْ يرَوْهُ بطريقتِهِمْ، وكما هوَ حقُّ جميعِ المِلَلِ والأديانِ أنْ يرَوْهُ بطريقتِهِمْ أيضاً. اللهُ بالنِّسبةِ للمؤمنينَ بِهِ مِنْ جميعِ الدِّياناتِ ملجأٌ ضروريٌّ، والدُّعاءُ لهُ منجاةٌ لهٌمْ مِنَ العِقابِ، ولكنْ لكلِّ دينٍ رأيُهُ في ذلكَ، فتعالُوا نتَّفِقْ أنَّ الأمرَ بَشَرِيٌّ بَحْتٌ، والبشرُ يفكِّرُونَ بطُرُقٍ مختلفةٍ، فلِمَ نُكَفِّرُ بعضُنا البعضَ الآخرَ، ولِمَ لا نقولُ: إنَّ لكلِّ إنسانٍ الحقَّ في أَنْ يعتقدَ بما يُريدُ، ولا أحدَ يمتلكُ الحقيقةَ المُطْلَقَةَ..؟؟.!.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |