كومونةٌ مصريَّةٌ تونسيَّةٌ بامتيازٍ.
2011-02-04
شكراً مصرُ، شكراُ شبابَ مصرَ، لقدْ فعلتُم ما كانَ على كثيرينَ غيرِكم فعلُه منذُ زمنٍ بعيدٍ، لقدْ صارَ بإمكانِنا الآنَ أنْ نصرخَ بأعلى صوتِنا: قدْ صارَتْ لدينا كومونَةٌ. وليسَتْ فقطْ باريسُ هيَ الأولى منْ نوعِها في التَّاريخِ الَّتي قامَتْ بثورةٍ غيَّرَتْ مجرى التَّاريخِ المعاصرِ في فرنسا وبقيَّةِ دولش أوروبَّا، بل ونعترفُ بتأخُّرِنا في ذلكَ؛ ولكنَّنا استطَعْنا بقوَّةِ الجماهيرِ المصريَّةِ وإرادتِها أنْ نصنعَ كومونتَنا الخاصَّةَ، كومونتَنا الَّتي لنْ نسمحَ لأحدٍ - وأنا هنا أعتبرُ نفسيَ واحداً منَ الشَّعبِ المصريِّ - أنْ يجهضَ ثورتَنا، ويجبُ أنْ تعلِّمُنا كومونةُ باريسَ ما تستطيعُ البرجوازيَّةُ، وكانَتْ تلكَ تسميتَها حينَها فعلَهُ، حينَ تشعرُ أنَّ مواقعَها في خطرٍ.!.
ثورةُ شبابِ مصرَ ليسَتْ ثورةُ على "حسني مبارك"، ولا على نظامِهِ وحدَهُ، ولكنَّها ثورةٌ على مرحلةٍ كاملةٍ بدأَتْ معَ ثورةِ الثَّالثِ والعشرينَ منْ يوليو و"عبدِ النَّاصرِ" مروراً بحكمِ "السَّاداتِ" وصولاً إلى حكمِ "مبارك".
ربَّما يكونُ "عبدُ النَّاصرِ" في ضميرِ المصريِّينَ رجلاً لا يجبُ المساسُ بهِ، وربَّما يكونُ عندَ بعضِهِمْ غيرَ ذلكَ، ولأنَّني لسْتُ مصريَّاً، ولمْ أكنْ وحدويَّاً، ولا قوميَّاً عربيَّاً، ولا أنتمي لأيَّةِ صفةٍ منَ الصِّفاتِ الَّتي أطلقَها حزبُ البعثِ العربيِّ في بدايةِ تكوينِهِ؛ أجزمُ أنَّ جيناتِ الشَّبابِ الَّذي يقودُ الكومونةَ المصريَّةَ اليومَ، يحملُ حقداً دفيناً على مرحلةٍ بكاملِها، حتَّى لوْ لمْ يعترفْ بذلكَ.
كومونةُ باريسَ كانَتْ ثورةً بروليتاريَّةً، لأنَّ البروليتاريا كانَتْ مسحوقةً حينَها، وثورةُ مصرَ هيَ ثورةٌ بروليتاريَّةٌ، ولكنْ ليسَ بالمعنى الماركسيِّ اللينينيِّ، وإنَّما في كونِها ثورةَ جياعٍ، ثورةَ شبابٍ لمْ يعدْ يجدُ ما يأكلُ، أو ما يلبَسُ، أوْ ما يفعلُ، لقدْ سيطرَ نظامُ "مبارك" وأعوانِهِ على جميعِ مراكزِ السُّلطةِ، وعلى المالِ العامِّ والخاصِّ، ولمْ يتركُوا سوى الفتاتِ للشَّعبِ، فكانَ لا بدَّ منْ كومونةٍ ستدخلُ التَّاريخَ كنقطةِ علاَّمٍ في تاريخِ المنطقةِ، وفي تاريخِ دولِ المنطقةِ.
وكيلا نسرقَ منْ ثورةِ تونسَ حقَّها فيما حدثَ في مصرَ، وقدْ ساءَنِي تجاهلُ الإعلامِ لما يحدثُ في تونسَ بعدَ ثورتِهِ؛ لا بدَّ أنْ نقولَ إنَّ شرارةَ كومونةِ شبابِ مصرَ انطلقَتْ منْ تونسَ، ولكنْ، وبسببِ ثقلِ مصرَ ككيانٍ وكشعبٍ، وكتأثيرٍ في المنطقةِ، هوَ ما جعلَ حركتَها بتلكَ الأهميَّةِ الخاصَّةِ.
السُّؤالُ الَّذي يطرحُ نفسَه هنا، مَنْ سيسرقُ كلَّ تلكَ الجهودِ الَّتي حصلَتْ، والدِّماءَ الَّتي هُدرَتْ، والرِّجالَ والنِّساءَ الَّذينَ ضحَّوا بحياتِهِمْ لأجلِ مصرَ وغيرِ مصرَ، وهوَ سؤالٌ مشروعٌ، يجبُ أنْ يُوضعَ في الحُسبانِ، فمَنْ يقومُ بالثَّورةِ ليسَ بالضَّرورةِ هوَ الَّذي سيحصدُ ثِمارَ ثورتِهِ؛ فهناكَ دائماً، وعبرَ التَّاريخِ، أناسٌ متخصِّصونَ في تجييرِ تلكَ الثَّوراتِ لمصالحِهِمِ الشَّخصيَّةِ، والعودةِ بالبلادِ إلى ما كانَتْ عليه، معَ إعطاءِ حقوقٍ بسيطةٍ لذلكَ الشَّعبِ الَّذي ضحَّى بحياتِهِ وبعرقِهِ ودمِهِ لإنجاحِ تلكَ الثَّورةِ.
هؤلاءِ همُ السِّياسيُّونَ، والسِّياسيُّونَ عموماً ليسَ لهمْ مبدأٌ ثابتٌ، ومِنْ هنا جاءَتْ كلمةُ "سياسةٍ"، همْ يعملُونَ حَسَبَ ما تُمليهِ عليهِمْ ظروفُ العالمِ المحيطةِ، بعضُهمْ يحاولُ الإلتفافَ قليلاً نحوَ اليمينِ، أوْ نحوَ اليسارِ، ليسَ بالمعنى التقليديِّ للكلمةِ، ولكنْ في النِّهايةِ سيقعُ في فخِّ السِّياسةِ العالميَّةِ الَّتي تُقرِّرُ كلَّ شيءٍ، ولا تسمحُ، ولنْ تسمحَ لشعبِ مصرَ بأنْ يصلَ إلى مرحلةٍ فيها تهديدٌ لمصالِحِها، وهنا يأتي دورُ السِّياسيِّ الَّذي سيُلَمَّعُ منْ قبلِهِمْ، ويُقَدَّمُ للشَّعبِ كمنقذٍ لا بديلَ عنهُ، وستتمُّ كلُّ الأمورِ بالطَّريقةِ المعاصرةِ: انتخباتٌ لا تشوبُها شائبةٌ، سياسيُّونَ يصدِرُونَ البياناتِ، ثمَّ انتخابُ رئيسِ الجمهوريَّةِ،؛ولا أعتقدُ أنَّ إحدى الدُّولِ الكُبرَى ستسمحُ بالمساسِ بالحلفِ المصريِّ الصّهيونيِّ، ولا أنْ تسمحَ بالمساسِ بالعلاقةِ الوطيدةِ بينَ "مصرَ وإسرائيلَ".!.
إذنْ، نحنُ محكومونَ، أوْ بالأحرى، الشَّعبُ المصريُّ محكومٌ بالقبولِ بالحدِّ الأدنَى الَّذي سيُقدَّمُ على أنَّهُ الحلُّ الأمثلُ، وسيقبلُ بهِ الشَّبابُ، وسيعودُونَ منتصرينَ إلى منازلِهِمْ، فيما الكبارُ يشربُونَ نخبَ ما سيفعلُونَ بهذا الشَّبابِ، بعدَ أنِ انتهَتْ مهمَّتُهُمْ.!!!.
لا أريدُ أنْ أكونَ متشائِماً، ولِهؤلاءِ الشَّبابِ كلُّ الفخرِ بما فعلُوهُ وضحَّوا بِهِ. ولكنَّها حالُ الدُّنيا، وحالُ السِّياسةِ، وحالُ المصالحِ العالميَّةِ الَّتي لا يمكنُ لشعبٍ أنْ يثورَ ضدَّها، تثورُ على رئيسٍ كَـ"مبارك" أوْ "زينِ العابدينَ"، يسمحُونَ لكَ، وهُمْ مستعدُّونَ بالتَّضحيةِ بهِمْ لامتصاصِ غضبِ الشَّعبِ، ولكنْ أنْ تثورَ عليهِمْ، فهذا مُحالٌ.
قدْ يبدو أنَّني أُقَلِّلُ منْ أهميَّةِ ما فعلَهُ الشَّبابُ المصريُّ، والشَّارعُ المصريُّ، ولكنْ لا. فلِهؤلاءِ الشَّبابِ كلُّ الاحترامِ والتَّبجيلِ والتَّقديرِ، وسيحفظُ لهُمُ التَّاريخُ ذلكَ، ولكنَّهُ التَّاريخُ الَّذي سيحفظُ لهُمْ ذلكَ، هوَ نفسُهُ الَّذي لنْ يسمحَ لهُمْ بتخطِّي ذلكَ، ما ستؤولُ إليهِ الأمورُ في النِّهايةِ، هوَ تغييرٌ في الوجوهِ، وبعضِ الحقوقِ للشَّعبِ، ولكنَّ الجوهرَ العامَّ لنْ يتغيَّرَ.
أعتذرُ عنْ تشاؤمِي لشبابِ مصرَ، ولِشهداءِ مصرَ، ولكلِّ نقطةِ عرقٍ بُذلَتْ لأجلِ هذهِ الكومونةِ، وأُصِرُّ على تسميتِها بذلكَ، ولكنْ لا أحدَ يستطيعُ تجاوزَ حدودٍ عمرُها آلافُ السِّنينَ.
وفي الوقتِ نفسِهِ، قدْ يكونُ فيما جاءَ في كلامِي هذا تنبيهاً لهؤلاءِ الشَّبابِ بعدمِ التَّسليمِ إلاَّ بأكبرِ قَدْرٍ يستطيعُونَ الحصولَ عليهِ؛ وهكذا يكونُونَ همُ المنتصرونَ في ظلِّ نظامٍ عالميٍّ مسيطرٍ، لا يُمكنُ تجاوزُهُ.!؟.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |