مبروك لشعب مصر رحيل الطاغية .
2011-02-11
مبروكٌ لشعبٍ مصر، مبروكٌ له صمودَهُ، ونصرَهُ الكبير، في فرضِهِ رحيلً الطاغيةِ، ما حصَلَ في مصر لم نرِهُ يحصلْ منذُ أجيالٍ، ومنذُ عصورٍ، أن يغيرَ شعبٌ ظالٍمِهُ بغيرِ انقلابٍ عسكريٍ، بل بصبرِهِ، وجلده وتحملِهِ وحلمِهِ.
كتبتُ هذه المادةِ قبلِ ساعاتٍ قليلةٍ من انتصارِ الشعب، وكنت أستعدُ لكتابةِ مادةٍ أخرى، ولكنني وجدتُ أن ما جاءَ فيها يجب أن يُقرأ، ويجب أن يكون ملهما لشباب مصر َحتى الوصولٍ إلى برِ الأمان.
.********
الطبقةُ المتوسِّطةُ تعودُ إلى الحكمِ في مصرَ
يقولُ الدُّكتورُ "يحيَى القزَّازُ" في وصفِه لثورةِ مصرَ: " أوَّلاً: الثَّورةُ هيَ ثورةٌ شعبيَّةٌ فجَّرَها الشَّبابُ في 25 يناير 2011، همْ جميعاً وقودُها وقياداتُها، أفرزَتْ مطالبَ، ولمْ تفرزْ زعامةً فرديَّةً تديرُ دفَّةَ السَّفينةِ. شبابٌ يرابضونَ في ميدانِ التَّحريرِ، يرفضونَ التَّفاوضَ معَ بقايا عصابةٍ متحكِّمةٍ، ويصرُّونَ على إزالتِه، يؤكِّدونَ عبرَ المنشوراتِ والإعلامِ أنَّهم لمْ يوكِّلُوا أحداً نيابةً عنهمْ، منَ النُّخبِ السِّياسيَّةِ للتَّفاوضِ باسمِهمْ، ويسخرونَ منْ كيفيَّةِ تفاوضِ الضَّحيَّةِ معَ جلاَّدِهِ، وإِنْ حدثَ، فما يحصلُ عليهِ الضَّحيَّةُ سوى تقليلِ جرعاتِ التَّعذيبِ.؟. يحدِّدونَ هدفَهمْ في "إسقاطِ النِّظامِ"، وعلى رأسِهِ "حسني مباركُ"، واستبدالِهِ بنظامٍ ديمقراطيٍّ، ويعرفونَ طريقَهمْ إلى الأمامِ، ويقطعُونَه خلفَهمْ، كيلا تكونَ فرصةٌ للتَّراجعِ؛ نفوسُهمْ مفعمٌ بأملٍ لا يعرفُ اليأسَ، ولا المسكِّناتِ، ولا المؤثِّراتِ العاطفيَّةَ، ووعوداً كاذبةً منْ رئيسٍ كاذبٍ.".
هوَ وصفٌ شاملٌ، يفي الثَّورةَ حقَّها، ويصفُها وصفاً دقيقاً كافياً، ولكنْ أيضاً، ومنْ جهةٍ أخرى، لا أحدَ ينكرُ ألاَّ شيءَ يحدثُ في المنطقةِ بعيداً عنْ مصالحِ دولةِ إسرائيلَ، وقدْ جهدَتْ أمريكا وحلفاؤُها دائماً في ألاَّ تُخترَقَ هذهِ المعادلةُ، وكلُّ مَنْ كانَ يحاولُ اختراقَها، كانَتْ نهايتُه وخيمةً، معظمُ الحكَّامِ العربِ يرتبطُ وجودُهمْ على رأسِ الحكمِ، بوجودِ دولةِ إسرائيلَ وأمنِها.
هذهِ المعادلةُ كانَ اختراقُها شبهَ مستحيلٍ، وكانَ الجميعُ يضعُونَ أيديَهُمْ وأرجلَهمْ في مياهٍ باردةٍ، مطمئنِّينَ إلى أنَّ كلَّ الأمورِ بخيرٍ، إلى أنْ جاءَتِ انتفاضةُ 25 يناير فقلبَتِ الموازينَ، وأربكَتِ العالمَ، وكانَ السُّؤالُ الَّذي تليه علامةُ استفهامٍ كبيرةٌ: أينَ كانَ هؤلاءِ كلَّ هذهِ السِّنينَ.؟؟؟؟؟.
كانَ لا بدَّ منْ تداركِ الأمرِ، بالنِّسبةِ لأمريكا حاميةِ دولةِ إسرائيلَ، وراعيتِها في المنطقةِ، وكانَ لا بدَّ منَ التَّضحيةِ بحليفِها الدائمِ، وبعضِ رموزِ حكمِهِ، لتهدئةِ غضبِ الجماهيرِ العارمِ، وكانَتْ تتوقَّعُ أنَّها قادرةٌ على احتواءِ هذه الأزمةِ، وجعلِها تمرُّ بخيرٍ. ولكنَّ ما جرى كانَ خلافاً لكلِّ توقُّعاتِهمْ، فكلُّ التَّصريحاتِ الأمريكيَّةِ الَّتي جاءَتْ منْ أعلى مستوياتِ السُّلطةِ، بدءاً منَ الرَّئيسِ "أوباما"، مروراً بعددٍ لا يُحصَى منْ معاونِيهِ ووزرائِه، كانَ عليهِمُ الظُّهورُ بمظهرِ الحريصِ على الشَّعبِ المصريِّ ومصالحِهِ، دونَ أيِّ اهتمامٍ بحلفائِهِمُ الَّذينَ معهُمْ صنعُوا السَّلامَ معَ دولةِ إسرائيلَ، والَّذي هوَ سلامُ القويِّ معَ الضَّعيفِ، وليسَ سلامَ الأندادِ.!.
لمْ تكنْ مصرُ وهيَ الحليفُ الأكبرُ لأمريكا وإسرائيلَ، والَّتي كانَتْ تنفِّذُ المخطَّطاتِ المطلوبةِ منها، دونَ أنْ تحيدَ قيدَ شعرةٍ عنْ مضامينِها ونتائجِها، ولمْ تكنْ في يومٍ ما ندَّاً لإسرائيلَ، وإنَّما خادماً مطيعاً لها ولحلفائِها، وكانَ الجميعُ مطمئنِّينَ.
ما حدثَ، وما زالَ يحدثُ، هوَ أنَّ الشَّعبَ استفاقَ، شعرَ بالخزيِ والألمِ والدُّونيَّةِ على أرضِهِ، وعندَ حكَّامِهِ، فكانَتِ الانتفاضةُ. كانَتِ الثَّورةُ الَّتي فاجأَتِ العالمَ أجمعَ، وعلى رأسِهِمْ أمريكا وإسرائيلُ، وأكثرُ ما فاجأَهُمْ، هذا التَّكافلُ والتَّضامنُ وعدمُ الطَّمعِ في السُّلطةِ، السُّلطةُ لا تعنيهِمْ، إنَّما حقوقُ الشَّعبِ هيَ الَّتي تعنيهِمْ.
ما يميِّزُ هذهِ الانتفاضةَ عنْ غيرِها منَ الانتفاضاتِ الَّتي جرَتْ في العالمِ الحديثِ، أنَّها انتفاضةُ الطَّبقةُ المتوسِّطةُ الَّتي تتألَّفُ في معظمِها منْ مثقَّفينَ، منْ أصحابِ الدَّخلِ المحدودِ، وحينَ تصبحُ الأمورُ بيدِ المثقَّفينَ، لا يمكنُ أنْ تمرَّ الأمورُ ببساطةٍ، فهؤلاءِ لا يمكنُ خداعُهُمْ بسهولةٍ، فهُمْ يعرفُونَ ما يجري حولَهم، وكيفَ جرى، وماذا يُخَطَّطُ لهُمْ.
منْ أجلِ هذا كانَ على أمريكا التَّعاملُ معَ هذهِ الانتفاضةِ، ومعَ انتفاضةِ تونسَ الخضراءِ، حتَّى لا نغمطَ الانتفاضةَ التُّونسيَّةَ حقَّها؛ فقدْ كانَتِ الشَّرارةَ الَّتي حرَّكَتْ مثقَّفِي مصرَ، وطبقتَها المتوسِّطةَ، ومَنْ دعمَها منْ فئاتِ الشَّعبِ المختلفةِ؛ فالطَّبقةُ المتوسِّطةُ، دونَ دعمٍ منْ فئاتِ الشَّعبِ كافَّةً، لا تستطيعُ الصُّمودَ وحدَها.
قلْنا منْ أجلِ هذا كانَ على أمريكا التَّعاملُ بذكاءٍ شديدِ الَّلهجةِ معَ ما يجري في مصرَ، ومعَ ما جرى في تونسَ، وإذا كانَتِ استطاعَتِ السَّيطرةَ على الوضعِ التُّونسيِّ بشكلٍ منَ الأشكالِ، فهيَ تحتاجُ إلى ذكاءٍ وحنكةٍ أكبرَ معَ شعبِ مصرَ العظيمِ.
نحنُ معكُمْ، كلُّ التَّصريحاتِ تحاولُ في النِّهايةِ إبلاغَ الشَّعبِ المصريِّ هذه المقولةَ، ولكنَّ الشَّعبَ لمْ يعدْ يقتنعُ بهذياناتِ أمريكا؛ فهوَ يريدُ الحصولَ على حقوقِه كاملةً، دونَ أيِّ نقصانٍ، ولنْ يصدِّقَ كلَّ تلكَ التَّصريحاتِ، ما لمْ يحصلُ على تلكَ الحقوقِ.
لا أحدَ يشكُّ في أنَّ أمريكا مرتبكةٌ، كما لمْ يربِكْها شيءٌ منْ قبلُ، فهيَ أمامَ تحرُّكٍ لم تعهدْهُ سابقاً منْ شعبٍ تعوَّدَ أنْ يصمتَ، ويقولَ: " ربِّي، لكَ الحمدُ.".!.
الصَّمتُ الإسرائيليُّ مريبٌ، أوْ هوَ متَّفَقٌ عليهِ معَ أمريكا، اصمُتِي، ونحنُ نتحدَّثُ باسمِكِ، فأَنْ يكونَ أحدُ حلفائِها الكبارُ كَـ"حسني مباركِ" في خطرٍ، هوَ أمرٌ لهُ عواقبُه، ولا بدَّ أنَّ هناكَ تطميناتٍ أمريكيَّةً في أنَّ الأمورَ ستجري لمصلحتِها في النِّهايةِ؛ ولكنْ بطريقةٍ مختلفةٍ، وعليها أنْ تقبلَ بها.!!.
هنا يأتي دورُ المؤسَّسةِ العسكريَّةِ بجيشِها ومخابراتِها، والمؤسَّسةُ العسكريَّةُ المصريَّةُ منْ أقدمِ المؤسَّساتِ العسكريَّةِ في المنطقةِ، فهيَ ليسَتِ ابنةَ اليومِ، أيْ هذا القرنِ، ولا البارحةِ أيْ القرنِ الماضي، بلْ هيَ تذهبُ بعيداً جدَّاً إلى وقتٍ أسَّسَ فيهِ "محمَّدُ علي باشا" أوَّلَ قوَّةٍ عسكريَّةٍ، بناهَا على أنقاضِ الجيوشِ الَّتي كانَتْ قبلَهُ.
لا أحدَ يمكنُ أنْ يشكَّ في أنَّ الشَّعبَ سيحقِّقُ جزءاً كبيراً منْ مطالبِهِ، بشرطِ ألاَّ يقتربَ منْ إسرائيلَ؛ ومِنْ معاهدةِ السَّلامِ، فهذا غيرُ مسموحٍ بِه، حتَّى لوِ اضطُرَّتْ أمريكا إلى اختراعِ حجَّةٍ، لتتدخَّلَ عسكريَّاً في المنطقةِ. هوَ حكمُ القويِّ، ولكنْ أنْ يستطيعَ شعبٌ ما انتزاعَ حقوقِهِ بهذهِ القوَّةِ، وبهذا التَّمترسِ، وبتلكَ الجرأةِ، فهيَ بدايةٌ قدْ تُوصِلُ إلى ما هوَ أكبرُ بكثيرِ.!.
أبناءُ مصرَ لنْ يعودُوا إلى ما قبلِ 25 يناير، وسينالُونَ حقوقَهمْ، وسيحكمُونَ أنفسَهُمْ، ولكنْ برقابةٍ مشدَّدةٍ منَ المؤسَّسةِ العسكريَّةِ، وهذا أكثرُ ما يمكنُ تحصيلُه في هذا الوقتِ.
المهمُّ أنْ ننتبهَ إلى ما يمكنُ أنْ يفعلَه الأخوانُ المسلمونَ، لاختراقِ هذه الانتفاضةِ منْ جهةٍ، وعلى المتظاهرينَ المنتفضِينَ القبولُ مبدئيَّاً، وأؤكِّدُ على كلمةِ مبدئيَّاً، بحقوقِ شعبِ مصرَ في حكمِ نفسِه بنفسِه، ومنْ ثمَّ يمكنُ الانتقالُ إلى مراحلَ أخرى عبرَ التَّفاوضِ، بحيثُ لا نكونُ أذلاَّءَ أمامَ إسرائيلَ، ننفِّذُ شروطَها، وشروطَ حليفتِها الولاياتِ المتَّحدةِ؛ بلْ لا بدَّ منْ أنْ يكونَ للحكمِ الجديدِ كلمتُهُ في طبيعةِ تلكَ العلاقةِ، والعودةُ إلى طاولةِ المفاوضاتِ، لتعديلِ الكثيرِ منْ بنودِ اتِّفاقيَّةِ "كامبِ ديفيدَ"، لتصبحَ اتِّفاقيَّةَ أندادٍ، لا اتِّفاقيَّةَ ضعيفٍ أمامَ قويٍّ.!.
يحتاجُ الأمرُ إلى وقتٍ، ولكنَّ الزَّمنَ في مصلحةِ الشَّعبِ المصريِّ الَّذي أظهرَ بسالةً وتفهُّماً سياسيَّاً، ندرَ أنْ يظهرَ لدى شعبٍ منَ الشُّعوبِ. التَّماسكُ بينَ المحتجِّينَ، احترامُهمْ لبعضِهم بعضاً، توحيدُ كلمتِهمْ، عدمُ ظهورِ مَنْ يرغبُ في سرقةِ ثورتِهِمْ، كلُّ هذا يعني أنَّ على الطَّبقةَ المتوسِّطةَ قادمةٌ لتحكمَ مصرَ؛ وهذا لمْ يحدثْ منذُ زمنٍ بعيدٍ.
مرحى لكُمْ، يا شعبَ مصرَ. وأهلاً بشعبٍ رافعٍ رأسَهُ، وحاكمٍ نفسَهُ.!.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |