بينَ "بوكاسا" الامبراطورِ، و"القذَّافيِّ" ملكِ الملوكِ.!.
2011-03-18
جيلٌ كاملٌ لمْ يسمعْ بِ"بوكاسا" إمبراطورِ أفريقيا الوسطَى، والَّذي حكمَ منذُ عامِ 1966 وحتَّى نهايةِ السَّبعيناتِ منَ القرنِ الماضي. ولأنَّ الذَّاكرةَ في المناطقِ المتخلِّفةِ كأفريقيا، وجزءٍ منْ آسيا، لا تخزِّنُ في ذاكرتِها سوى أفراحِها، لأنَّ أفراحَها نادرةٌ، أوْ معدومةٌ، ف"بوكاسا" نُسِيَ ضمنَ ما نسيَتْ ذاكرتُنا العديدَ منْ أمثالِهِ.
كانَ "بوكاسا" عرِّيفاً في الجيشِ الفرنسيِّ، وهذا يُشَبِّهُهُ بِ"هتلر"، أكثرَ منْ شَبَهِهِ بِ"ديغولَ" الَّذي كانَ يناديهِ بِ"بابا"، قادَ انقلاباً عسكريَّاً، استلمَ منْ خلالِهِ مقاليدَ الحكمِ في بلادِهِ، بدعمٍ منْ فرنسا الدِّيغوليَّةِ، وبدأَ يعيثُ فساداً فيها، أشعرَهُ وجودُهُ في السُّلطةِ بالعَتَهِ؛ فسمَّى نفسَهُ إمبراطوراً، وجعلَ منْ أفريقيا الوسطى إمبراطوريَّةً.
كانَتْ فرنسا ديغولَ حليفتَهُ الوحيدةَ في العالمِ، وهذهِ زلَّةٌ لِ"ديغولَ" لا تُغْتَفَرُ.. لأنَّهُ دعمَ مهووساً مثلَ "بوكاسا، وقدْ منحَهُ الإمبراطورُ المهووسٌ مساحةً واسعةً تغطِّي النِّصفَ الشَّرقيَّ للبلادِ، كي يمارسَ فيها رحلاتِ الصَّيدِ البريِّ، وكانَ يُغدقُ عليهِمْ بالهدايا الثَّمينةِ؛ وأهمُّها الماسُ الَّذي لا يقدَّرُ بثمنٍ ...
القصَّةُ الأكثرُ دناءةً في حياتِهِ، وقدْ تكونُ قصصاً فبركَها الإعلامُ حينَها، هوَ حينَ أطعمَ مدعوِّيهِ منْ أنحاءِ العالمِ، بمناسبةِ حفلِ تتويجِهِ إمبراطوراً، لحماً بشريَّاً لمعتقَلِينَ سياسيِّينَ كانُوا في سجونِهِ.!. بعدَ أنْ وضعَهُمْ في مكانٍ خاصٍّ، وقدَّمَ لهُمُ الطَّعامَ مدعوماً بوعودِ إطلاقِ سراحهِمْ، حتَّى يُسَمِّنَهُمْ، ويجعلَ لحمَهُمْ طريَّاً قابلاً للأكلِ. وحُكِيَ أيضاً إنَّهم وجدُوا بعدَ الإطاحةِ بهِ لحماً بشريَّاً في برَّاداتِ قصرِهِ.!.
هناكَ أسماءُ حكَّامٍ كثيرينَ مرُّوا على حكمِ دولٍ أفريقيَّةٍ متعدِّدةٍ، عاثُوا فساداً في بلادِهِمْ، لسْنا بصددِ ذكرِ أسمائِهِمْ هنا، ولكنَّني سُقْتُ ما سبقَ لأجدَ وجهَ الشَّبَهِ بينَ آكلِ لحومِ البشرِ "بوكاسا" و"معمَّرِ القذَّافي". والسُّؤالُ الَّذي يتبادرُ إلى الذِّهنِ، هلْ طلبَ "القذَّافيُّ" منْ مريديهِ أنْ يُحضِرُوا لهُ جثثَ شعبِهِ الَّذينَ ضحَّوا بحياتِهِمْ للخلاصِ منْهُ، ليتلذَّذَ بها على مائدتِهِ.؟، أوْ خبَّأها في برَّاداتٍ ليُطعِمَها لمدعوِّيهِ الَّذينَ سيدعُوهُمْ، إنْ فشلَتِ الثَّورةُ، لا سمحَ اللهُ، ولنْ نسمحَ للهِ بأنْ يسمحَ لهُ بذلكَ.
هذا هوَ "معمَّرُ القذَّافي" بعدَ أنْ كشفَ عورتَهُ، أقصدُ وجهَهُ الحقيقيَّ، ولا فرقَ بينَ الاثنينِ، وجهِهِ وعورتِهِ، والَّذي مازالَتْ دولٌ داخلَ الأممِ المتَّحدةِ متحالفةً معهُ في السرِّ، وهيَ الَّتي تؤجِّلُ حتَّى الآنَ إصدارَ قرارٍ بإيقافِ جرائمِهِ، عنْ طريقِ إقامةِ منطقةِ حظرٍ جويٍّ فوقَ بلادِهِ، دعماً للثوَّارِ الَّذينَ لا يريدُونَ سوى الحريَّةِ.
وإذا كانَ "بوكاسا" قدْ قدَّمَ لفرنسا و"ديغولَ" أراضيَ شاسعةً، وماساً، فإنَّ "معمَّرَ القذَّافي" يمدُّهُمْ بالبترولِ الَّذي هوَ عصبُ الحياةِ، ولأنَّ دولَ الغربِ ليسَتْ متأكِّدةً منَ الرَّجلِ القادمِ لحكمِ البلادِ، في ليبيا، هُمْ يفضِّلُونَ بقاءَ القذَّافي، فهوَ الضَّمانةُ الأكيدةُ لعدمِ وقفِ ضخِّ النِّفطِ لهُمْ. ولأنَّهمْ لا يريدُونَ أنْ يظهرُوا أمامَ شعوبِهِمْ أوَّلاً، وأمامَ العالمِ ثانياً، أنَّ دماءِ الشَّعبِ الليبيِّ لا تُهِمُّهُمْ، فهُمْ يجتمعونَ، ويجتمعُونَ ويجتمعُونَ، ثمَّ يسوِّفُونَ، فيما دماءُ الشَّعبِ الليبيِّ تُهدَرُ كلَّ ثانيةٍ.
قلْتُ في فاتحتِي السَّابقةِ: أيُّهما أثمنُ، برميلٌ منَ الدَّمِ الليبيِّ، أمْ برميلٌ منَ النِّفطِ الليبيِّ.؟، حقيقةُ الأمرِ أنَّ برميلَ النِّفطِ الليبيَّ هوَ المهِمُّ. وكلُّ التَّمثيليَّاتِ الَّتي يقومُونَ بها، أمامَ الرَّأيِ العامِّ العالميِّ، لا تُعفيهِمْ منْ مسؤوليَّتِهِمْ في هَدْرِ هذا الدَّمِ.
المهمُّ بالنِّسبةِ إليهِمْ أنْ تستمرَّ الاجتماعاتُ، وأنْ يظلَّ مجلسُ الأمنِ منعقداً، وأنْ يتحدَّثَ زعماءُ الغربِ مندِّدينَ بما يجري في ليبيا، إلى اللحظةِ الَّتي سيتأكَّدُونَ فيها أنَّ "القذَّافي" سيسقطُ، لحظَتَها، ولحظَتَها فقطْ، سيتَّخذُونَ قراراً سريعاً بالتَّدخُّلِ، في وقتٍ لا يعودُ هذا التَّدخُّلُ مفيداً، ف"معمَّرُ القذَّافي" في طريقِهِ إلى السُّقوطِ. ولكنَّها خطوةٌ يجبُ أنْ تُتَّخَذَ ولوْ متأخِّرةً، حتَّى لا تُحاسبَهُمْ شعوبُهُمْ، وشعوبُ العالمِ على عدمِ اتِّخاذِ مثلِ هذا القرارِ، وستقومُ وسائلُ إعلامهِمْ، وكلُّ وسائلِ الإعلامِ هي ملكُهُمْ، بإعلانِ النَّصرِ، نصرِ الشَّعبِ الليبيِّ، بسببِ دعمِ الغربِ لهُ.
هذا هوَ السِّيناريو كما أراهُ، ولكنَّني أتمنَّى أنْ يكونَ كلَّ مسؤولٍ غربيٍّ قدْ ذاقَ اللحمَ البشريَّ على موائدِ "معمَّرِ القذَّافي"، كما ذاقُوهُ على مائدةِ "بوكاسا"، تُرَى هلْ سيظلُّونَ أحياءَ حينَها، أعتقدُ ذلكَ، فمهمَّتُهُمْ، كدولٍ لها مصالحُ في العالمِ لا تتخلَّى عنْها، مصُّ دماءِ شعوبِ تلكَ الدُّولِ، ليعيشَ أبناؤهُمْ هُمْ في رفاهٍ دائمٍ.!.
صحَّتينِ يا زعماءَ العالمِ، صحَّتينِ يا مَنْ تناولُوا الطَّعامَ على موائدِ "القذَّافي"، صحَّتينِ على اللحمِ البشريِّ الَّذي أكلُوهُ، إنْ كانَ حقيقةً أمْ مجازاً، بسببِ سكوتِهِمْ ومماطلتِهِمْ في اتِّخاذِ قرارٍ، كانَ يجبُ أنْ يُتَّخَذَ في أوَّلِ جلسةٍ منْ جلساتِ مجلسِ الأمنِ، أوْ جلساتِ الدُّولِ الثَّمانيةِ، أوْ حتَّى بقرارٍ فرديٍّ منْ إحدى الدُّولِ، ورغمَ أنَّني أقولُها بندمٍٍ، وهذا ليسَ مديحاً، ولكنْ رحِمَ اللهُ الاتِّحادَ السُّوفييتيَّ الَّذي ما كانَ سيرضخُ لأحدٍ، وسيستعملُ قوَّتَهُ لمنعِ هدرِ دماءِ الشَّعبِ الليبيِّ. وإنْ كانَ هذا لا يعني أنَّهُ هوَ نفسُهُ ْ لمْ يُهْدِرْ منْ دماءِ شعوبِهِ الكثيرَ.!!؟.
...................................
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |