ليسقط أعداء الثورة.. خصوصا المنضوين تحت لوائها
2012-02-03
الدم السوري يؤرقني، ويرهق ضميري، الدم السوري المسفوح على تراب وطني يدفعني لكراهية نفسي، ، أنا القابع خلف كمبيوتري، أكتب مقالات لا معنى لها، ولا جدوى. يجعلني أحقد على جبني، وخوفي من الموت، كثيرا ما فكرت أن أخرج للتظاهر، وكان رد فعل من حولي، أن خروجي انتحار، وأنني غير قادر على الهروب حين ينهمر علينا جحيم النار من مختلف أنواع الأسلحة، وهذا يعني موتا حتميا. لا أدري حقيقة هل اقتنعت فعلا بالفكرة، أم أنني تظاهرت بالاقتناع لأنني أكثر جبنا من أن أذهب للموت بقدمي.
في ظل هذا الوضع النفسي بدأت تتجاذبني الأفكار، وتذهب بي بعيدا إلى الوراء، فأنا لم أكن يوما مؤيدا للانقلاب البعثي على دولة الديمقراطية، ربما متأثرا بوالدي الذي كان صاحب جريدة مستقلة تصدر منذ عام 1949 وكانت جريدة فاعلة في الجو الديمقراطي الذي كانت سورية تؤسس له، يقف في وجهها العسكر بانقلاباتهم المتعددة. انقلاب الثامن من آذار كان آخرها، حيث صودرت أموال أبي رحمه الله المنقولة وغير المنقولة، وأضطر حينها لهروب خارج سوريا بعد أن حرم من حقوقه المدنية، وكان رأسه مطلوبا لحكم البعث.
بدأت إذا علاقتي مع حكم البعث من منطلق ما حدث لوالدي ولكثيرين غيره، ولم يكن من الممكن أن أكون في صف حزب البعث الذي كنت مقتنعا أنه لن يعيد لسورية ديمقراطيتها، ولن يعيد لشعبها حريته، بل سوف يستأثر بالحكم وحيدا. وهذا ما حدث بعد أن صفى شركاءه في الانقلاب من ضباط ناصريين خططوا للانقلاب معا.
لم يكن ممكنا أن أتصالح مع حكم البعث قبل حافظ الأسد، وزادت قناعتي في أن حكم حرب البعث لا يمكن أن يقدم لسوريا إلا الخراب وقد ثبت ذلك على مدى حكمه الطويل.
حين تكون صاحب موقف، كان لابد أن تتصرف على أساسه، وبعد مرور العام الأول للانقلاب البعثي أتذكر أنني كنت في الخامسة عشرة من عمري، وكنت حينها في الصف العاشر في ثانوية عبد الحميد الزهراوي، وربما رغبة مني لأعيد لوالدي بعضا من حقوقه قررت أن أصدر مجلة طلابية، ولم تكن القبضة الأمنية قد اشتدت على سوريا، فالحكام جدد ومشغولون بتصفية بعضهم بعضا، قمت بالاتصال ببعض الطلاب الموهبين وأعددنا عددا أولا من مجلة طلابية أسميناها حينها "الجيل الصاعد" ولأنني كنت معارضا للحكم أتذكر حينها أنني كتبت قصيدة موجهة إلى أمي بمناسبة عيد الأم قلت في مقطع منها::
أماه لقد مات آذار
قتله الطغاة..
طبع العدد ووزع في المدارس وعلى الصفوف في الثانوية لم يمر اليوم الذي وزعت فيه المجلة لتقوم حملة شرسة من قبل الاتحاد الوطني لطلبة سورية الذي تأسس حديثا مدعوما برجال الأمن لمداهمة المدرسة والبحث عن أعداد المجلة من حقائب وأدراج الطلاب، وتم اعتقالي والتحقيق معي وأتذكر أنني بررت حينها أن قصدي لم يكن سوى مخاطبة أمي وإيصال رسالة حب لها .. لست أملك نسخة من العدد، ولست متذكرا لبقية مضمونها، ولكن فيها عواطف تجاه الأم جعلت المحققين يقتنعون بكلامي فكيف لفتىً بمثل أن يفهم بالسياسة وأنه يمكن أن يقصد بموت آذار أن البعث هو من قتله، فأطلقوا سراحي. فلم يكونوا قد تمرسوا بالحكم بعد، ولم تكن تجربتهم في الطغيان كبيرة حينها.
تمر الأيام والكراهية للحزب تزداد وتكبر، وكراهيتي وحقدي على الدكتاتورية تتأصل داخلي، ولكني ولأنني لم أجد حزبا سوريا يمكن أن يحقق لي ما أطمح إليه من أحلام في دولة ديمقراطية بقيت وحيدا ولم أنتسب لأي حزب سياسي، فالحزب الوحيد الذي كان مرشحا بالنسبة لي هو الحزب الشيوعي، وكنت على يقين منذ ذلك الحين أن الحزب الشيوعي ليس بأفضل حالا من حزب البعث.
ماذا يمكن لمعارض وحيد أن يفعل؟؟؟؟ لا شيء سوى أن يظل على قناعة بأفكاره المعارضة للدكتاتورية، ولحكم البعث، ومن ثم لحكم حافظ الأسد.
هل أكتب ما أكتبه لنفسي، لأبرر موقفي الحالي من عدم خروجي في المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، أم لك أيها القارئ الذي يقرأني الآن لأنفث عن همي، لا لست أبرر، بل أحكي تاريخا. تاريخا يقول أن النضال يمكن أن يكون دون مواجهة، ودون أن تسعى لتعتقل، ويمكن أن يحقق أي معارض أشياء مفيدة للوطن في ظل حكم كل ما يفعله هو الإساءة للوطن ولشعب الوطن.
من هذا المنطلق أصدرت في مطلع الثمانينات مجلة اسمها كتب عربية، وعلى إثرها أسست دارا للنشر والتوزيع وبدأت العمل بالنشر وتوزيع الكتاب اللبناني فعلا، وتقدمت بطلب نظامي لاستصدار ترخيص للدار، بعد مرور أشهر يستدعيني الأمن السياسي ويقابلني ضابط اسمه محمود علقم ليخيرني بين التعاون معهم أو عدم الحصول على الترخيص، رفضت بكبرياء، وأتذكر أنهم ظلوا ولمدة شهر يطلبون مني المجيء يوميا إلى فرع الأمن السياسي في الميسات فأظل حتى انتهاء الدوام فيصرفونني، ثم قرروا أخيرا وعقابا لي مصادرة الدار وكتبها وكنت قد أنشأت إلى جانب دار النشر دارا لتوزيع الكتاب اللبناني، فصادروا المستودعات، واقفلوا المكتب بالشمع الأحمر، ولم يكن أمامي سوى الهروب ومغادرة البلاد إلى قبرص، بما استطعت جمعه من مال كديون لي عند المكتبات.
لن أطيل عليكم، فشلت في قبرص بعد أن أسست مركزا ثقافيا عربيا هناك، فسرقني القبرصي الذي كان شريكا لي لأستطيع فتح المركز باسمه، فعدت مفلسا إلى سورية، لأؤسس ومن مبلغ صغير استدنته دارا للنشر مستخدما ترخيصا لشخص يملكه ولا يستخدمه، وطبعت عددا كبيرا من الكتب الهامة، وبينما كان بعض من أبناء جيلي يذلون أنفسهم، ويقدمون التنازلات للحكام، بقيت مستقلا، ووحيدا، همي الوحيد الارتقاء بالثقافة السورية نحو مستوى لم يفكر به الإعلام السوري، فأصدرت في مطلع التسعينات مجلة ألف تلك المجلة التي تذكر اليوم كثاني مجلة مفصلية في الوطن العربي مجلة شعر التي صدرت في الستينيات ومجلة ألف الذي أسس هذا الموقع بعد توقفها بعشر سنين.
كثيرة هي الأمور التي أردت التحدث ولكن أيضا لا أريد أن أطيل. ما أردت قوله بهذا المختصر، ربما ليس لكم، بل لنفسي، وهو لم يقنعني كما لم يقنعكم، بأنه يمكن أن يكفي، لعدم مشاركتي في الثورة بشكل فاعل.
أخيرا أقول لكم أنني وبعد أن قاربت الثورة على انتهاء عامها الأول بأنني راض الآن عن نفسي.. لأنني لم أكن لأهرب بعد مظاهرتين أو ثلاثة في بدء الثورة خارج سورية، وحين يبدأ الأمن بالبحث، عني لأصبح معارضا من الخارج فيما الشعب يقتل داخل سجنه الكبير.
كثيرون هم هؤلاء الذين أصبحوا في الخارج، منهم من صار قائدا، ومنهم من صار علما من أعلام الثورة، وبعضهم كان مرتزقا من السلطة فوجد فرصة أن يكون مستفيدا من الثورة وهم كثر.
لست واحدا من هؤلاء .. المكان الوحيد الذي كان يمكن أن أكون فيه هو المعتقل لأنه أشرف من استغلال الثورة لمصالح شخصية.
أنهي بالتأكيد على أن بعض هؤلاء الذين خرجوا من سورية خوفا من الاعتقال يعيشون حياة مذلة، لا مكان يؤويهم ولا مال يعيشون منه .. سوى الفتات.
وبأعلى صوتي اصرخ من هذا المنبر تحيا الثورة .. وليسقط أعداؤها، بكل صنوفهم ومن ضمنهم أولئك المنضوين تحت لوائها.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |