عن الثورة السورية ومرض الطفولة الثوري
2012-10-26
لا شك أن الثورة السورية حققت إنجازات هائلة تحسب لها بين ما أنجز من ثورات في العالم عبر التاريخ، وكأي ثورة أخرى جرت قبلها في العالم، عربيا أو غير عربي، كان لابد، وعبر سيرورة تاريخية لا يرقى إليها الشك،أن تحقق النصر، وهو قادم لا محالة. ما يلفت النظر في هذه الثورة أن بعض أجنحتها أو أن أفرادا منها تصاب بمرض أطلق عليه لينين اسم مرض الطفولة اليساري، وفي مثل حالة الثورة السورية يمكن أن نطلق عليه مرض الطفولة الثوري. فلينين الذي أطلق اسم مرض الطفولة اليساري حين قال: إن الثورة حين تقوم معتمدة على الحماسة الذاتية المفرطة كموجهة للعمل الثوري والنضال من أجل التغيير. هذه النزعة لا تبالي بوعي الناس أو الوضع السياسي العام، كما لا تقيس بدقة حسابات القوة في المجتمع إن من يبتلون بمرض الطفولة اليسارية يتسمون بالطيش والمغامرة ويعمدون إلى حرق المراحل، وغالبا ما يورطون الحركات الثورية في مواجهات غير محسوبة أو سابقة لأوانها. لم يخرج لينين في تصوراته للثورة عن المنطق الماركسي، ومآل هذا المنطق الذي يتحقق فقط في حال قيام الثورة على أسس ماركسية لينينية.
في حال الثورة السورية سنطلق عليه مرض الطفولة الثوري كما أسلفنا، على أساس أن لا علاقة للثورة باليسار، أو بالنظرية الماركسية، فهي ثورة خرجت من الشارع ودون أي تنظير فلسفي ثوري.. سوى انتمائها للثورة، وللثورة فقط. من هذا المنطلق يعتبر مرض الطفولة الثوري هو ذلك التطرف في الانتماء للثورة، وتخوين كل من لا يكون توجهه مطابق لرؤيتنا لهذه الثورة، وسيرورتها من وجهة نظرنا الضيقة الأفق، ولا تنتمي إلى رؤية شاملة للحالة الثورية التي تحكمها.
يمكننا توصيف هذه الحالة عن طريق متابعتنا لمسيرة فتاة مثقفة، ومتابعة للشأن العام حيث ترى أن كل من يخالفها في الرأي هو خرج عن الثورة ويجب أن يتهم بالخيانة، رغم أن الشخص الذي تتهمه وفي حالتنا هنا، أنا المتهم.. وقد وجهت لي تهمة الخيانة حين كتبت لي تقول: "بدك بشار الأسد يضل؟ لأنك خايف من الفوضى بعد سقوطو؟ يعني هلق عاجبتك براميلو طياراتو ودباباتو؟ طيب عكل حال للأسف ما رح تفرح كتير ببقاؤو لأنو رح نسقطو وبالصرماية العتيقة كمان." كان هذا ردها علىى افتتاحيتي منذ أسبوعين والتي كنت قد عنونتها ، ماذا بعد سقوط الأسد، وكتبتها من حرصي الشديد على الثورة، وعلى ما يحدث داخلها وبين صفوفها من تجاوزات قد يصل بها إلى حافة الخطر. ولكن الآنسة التي كتبت لي ذلك لم تر في ما كتبته سوى الجانب المظلم من الموضوع وهو أنني أريد بقاء الأسد؟؟ فتخيلوا
لا يمكن لِسَويٍ ثوريا أن يقرأ مثل هذا في افتتاحيتي المشار إليها، ولكن من يكون مصابا بمرض الطفولة الثورية يمكن أن يرى ذلك، فبالنسبة له كل من لا يرى ما يراه هو، وكل من يسلك سلوكا غير السلوك الذي يراه هو ثوريا لا يعتبر ثائرا بل هو خائن للثورة.
مثل هذه الفتاة ولنسمها هنا "س" ليست وحيدة، بل نجد المصابين بهذا المرض كثيرون جدا ويعتبرون بشكل من الأشكال خطرا على الثورة وعلى مسيرة تلك الثورة.. فكل الانحرافات عن الثورات في العالم خرجت من مثل "س" هذه، وتركت أثرا سيئا على الثورة التي خرجت منها بل إن بعضهم كانوا ينشقون عن الثورة الأساسية من منطلق أنهم هم العارفون، وغيرهم خائن.
حزب "سين" هذا يمكن أن يدمر أي ثورة لو هيئت له الفرصة ليكون في قيادتها، ولكن لو كان الأمر كما في مثالنا هذا فيمكن أن يترك أثرا لدى الأشخاص الثوريون الحقيقيون حين يقال لهم أنهم هم الخونة، والذين يتهمونهم هم الذين على صواب، فيصابون بخيبة أمل قد تؤدي بهم إلى خروجهم من الثورة وترك المجال لأمثال صديقتنا "سين"، وهذه هي الطامة الكبرى. فأن يطرد الصالح الطالح، أن يطرد الشوك النبتة الندية، حينها يحق لنا أن نتساءل إلى أين تسير الثورة.
نشكر الله أن أمثال هؤلاء، "السينات" ليسوا بالكثرة الملائمة داخل الثورة السورية ليقوموا بثورة مضادة، ومن من يواجه أمثالهم يجب أن يحذر منهم، فهم غير قابلين للنقاش وعقولهم مغلقة على أفكار حماسية أكثر مما ينبغي يمكن أن توصل بهم إلى التهلكة.
أخيرا إلى أمثال "سين" التي تحدثت عنها، أقول لستم وحدكم على صواب، مفترضين أنكم على صواب، ولكن في الثورة، أي ثورة، تختلف وجهات النظر، وعلى الثوري بحق أن يرى كل وجهات النظر تلك، ويقارن بعضها ببعض ليخرج بنظرية واحدة تحكم الجميع. وليس التخوين حلا ناجعا لأي ثورة. بل فهم وجهة نظر الآخر والتأقلم مع أفكاره يمكن أن يكون مفيدا جدا، أو نكون نحن من يحكم على الثورة بالفشل.
أقول قولي هذا واستغفر الثورة والثوار فيما لو أخطأت ذات مرة وأطلب التصويب، بنقاش هادئ لا بهجوم لاذع يحمل التخوين في طياته.
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |